البطالة في البلاد العربية
نأتي الآن لرسم معالم صورة البطالة في البلاد
العربية. وهي صورة لا تختلف قسماتها الرئيسية
كثيرا عن صورة البطالة في البلاد النامية وإن
كان العنصرالميز فيها يتمثل في الدور الذي لعبه
النفط سواء في مجموعة البلاد العربية النفطية
أو في مجموعة البلاد العربية غير النفطية.
وقبل ظهور ثورة أسعار النفط في عام ١٩٧٣
كانت الاقتصادات العربية قد مرت في عالم ما
بعد الحرب بفترة من التطور في
تحقيق معدلات و لا بأس بها في الناتج المحلي
الإجماليوفي استقرار الأسعار وفي تحقيق
درجات لا بأس بها من التوازن الخارجي. وآنذاك
كانت معدلات البطالة متواضعة بسبب ارتفاع
معدلات التوظف نتيجة لزيادة الإنفاق الحكومي
و العمالة الحكومية وارتفاع معدلات الاستثمار
والنمو الاقتصادي. وكانت تلك الفترة قد شهدت
بشكل واضحزيادة معدلات النمو السكاني كنتيجة
حتمية لانخفاض معدل الوفيات (بسبب تحسن
الأحوال الصحية) في الوقت الذي ظل فيه معدل
مواليد مرتفعا. ولهذا شهدت فترة الخمسينيات والستينيات وا سكانيا
كبيرا وتأثرت بذلك الأهرام السكانية العربية. حيث أصبحت تعكس قاعدة
سكانية شبابية واسعة سرعان ما ستفرز زيادة كبيرة في قوة العمل في
مراحل اللاحقة. أضف إلى ذلك أنه في عالم ما بعد الحرب الذي نالت
فيه كثير من البلاد العربية استقلالها السياسيحرصت كثير من حكومات
هذه البلاد على الارتقاءالعيشة وتوفير قدر محمود من الضمانات
الاجتماعية. فبالإضافة إلى الجهد الذي بُذل في مجال البنية الأساسية
وزيادة معدلات الاستثمارقامت كثير من الحكومات العربية بزيادة مخصص
الإنفاق على التعليمفقللت بذلك من أعداد الذين دخلوا أسواق العمل
آنذاك. وقامت بالالتزام بتعيخريجي الجامعات والمعاهد العليا والفنية
في وقت كانت فيه الخدمات الحكومية (التعليمالصحةالمرافق العامة
الإسكان...) في توسع مستمر. وأنشأت أيضا أنظمة للتأمينات الاجتماعية
(رواتب للتقاعد تأمينا صحيا تأمينا ضد إصابات العمل والعجز
والشيخوخة مساعدة الأسر الفقيرة...). وبشكل عام زاد النصيب النسبي
للأجور من الدخل القومي وتحسنت أوضاع العمالة ومستوى المعيشة نسبيا
با مقارنة مع الفترة الاستعمارية.
على أن ذلك لا يعني انتفاء البطالة في البلاد العربية في تلك الفترة.
فقد كان إرث المرحلة الاستعمارية ثقيلا (الفقر البطالة الجهل...).
وكان الجهد الإ ائي الذي بُذل عقب نيل الاستقلال السياسي أضعف من
أن يقضيعلى كل هذا الإرث في فترة وجيزة من الزمن. لذلك فقد
عرفت البلاد العربية وخاصة البلاد غير النفطية وذات الحجوم السكانية
الكبيرة نسبيا أنواعا مختلفة من البطالة في تلك الفترة مثل البطالة
الموسمية والبطالة السافرة والبطالة المقنعة ومختلف أشكال التشغيل
الناقص Underemployment . لكنها كانت في مستويات بسيطة. وكان انحسار
تلك البطالة يتم تدريجيا وبحسب سرعة التحرك على مدارج النمو (بزيادة
معدل التصنيع والإنفاق على التعليم وزيادة الاستثمار وتنفيذ المشروعات
الكبرى).
وجاءت ثورة أسعار النفط في عام ١٩٧٣ لترسم بعد ذلك ملامح عصر
جديد استمر حتى أوائل الثمانينيات