الادارة الالكترونية بدأت

عبد الرحمن تيشوري –شهادة عليا بالادارة
الإدارة الإلكترونية" نمط جديد من الفكر والممارسة الإدارية يتبنى معطيات عصر المتغيرات السريعة ، ويستوعب تقنياته المتجددة ، ويطبق آلياته الفاعلة ويعكس المعاني الحقيقية لعصر المعرفة والمعلومات ، عصر العولمة والإنترنت كما تشمل كل عناصر المنظمة الهيكلية والمادية والبشرية والمعنوية ، وهي تحاكي تقنيات المعلومات والاتصالات في سرعتها وحركيتها وشمولها وتجذرها حيثما وجدت لتصل إلى أعماق المنظمات وليس فقط أسطحها وأطرها الظاهرية .
- فلسفة الإدارة الإلكترونية
تتبنى " الإدارة الإلكترونية " مفاهيم وأسس "الإدارة الإستراتيجية" من حيث وضوح الرؤية والرسالة الأساسية للمنظمة والتعامل الإيجابي مع المناخ المحيط الداخلي والخارجي ، وتحديد الأهداف الإستراتيجية لاستثمار الفرص المتاحة والتعامل مع المهددات والمخاطر في المناخ الخارجي ، وتفعيل الموارد والإمكانيات وتحييد القيود والمعوقات في المناخ الداخلي . وتعتبر "الحركية" و"الديناميكية" و"الفورية" من أسس فلسفة الإدارة الإلكترونية حيث تقبل التغيير وتتعامل مع المتغيرات فور حدوثها من جانب ، كما تعمل على التنبوء بالتغيير وتعد له ، وفوق ذلك فإن الإدارة الإلكترونية تقوم على صنع التغيير والسبق في التأثير على الأحداث . وتقوم الإدارة الإلكترونية على أساس الارتباط الإيجابي والمستمر بالسوق ، واتخاذ متغيرات السوق نقطة الارتكاز ومعيار التقييم لكل ما تقوم به الإدارة من فعاليات وما تتخذه من قرارات .
كذلك تقوم فلسفة الإدارة الإلكترونية على تأكيد السعي إلى التميز باعتباره المستوى الوحيد المقبول للأداء والإنجاز والمفهوم المتكامل الذي يجمع العناصر الأساسية لبناء إداري متميز يحقق إنجازات ونتائج متميزة ويسمح للمنظمة بالتفوق على المنافسين والوصول إلى مراكز تنافسية متقدمة . ويأتي في قمة فلسفة الإدارة الإلكترونية الإيمان الراسخ بالإنسان وقدراته وأهمية استثمار طاقاته الفكرية والذهنية ، ومن ثم يكون الإبداع البشري والقدرة على الابتكار والتطوير من أسس تفعيل الإدارة الإلكترونية والاقتراب بها من حدها الأقصى وهو الإدارة في الزمن الحقيقي أو الإدارة الآنية .
- توجهات الإدارة الإلكترونية
التوجه للمستقبل ، إذ تعمل الإدارة الإلكترونية في المستقبل بمعنى الكشف عن الفرص الجديدة والعمل على استثمارها بتقديم منتجات وخدمات جديدة ومبتكرات غير مسبوقة في أساليب العرض والتواصل مع الزبائن
التوجه للتكامل ، فالإدارة الإلكترونية تقوم على تنمية علاقات التشابك والتكامل سواء بين وحدات ومستويات المنظمة ذاتها ، أو فيما بين المنظمة وغيرها من مؤسسات المجتمع ذات العلاقة من موردين وزبائن وحتى المنافسين .
التوجه للتطوير المستمر، وذلك في المنتجات والآليات والهياكل والموارد والتقنيات على كافة المستويات .
التوجه التقني ، حيث تستوعب الإدارة الإلكترونية التقنية كعنصر رئيسي في البناء الإداري وليست مجرد عامل خارجي مضاف . التقنية في مفهوم الإدارة الإلكترونية عنصر مندمج في نسيج المنظمة وبناءها الإدارية والإنتاجي ، ومن ثم تصبح إدارة التقنية مسئولية أساسية للإدارة المعاصرة .
- آليات الإدارة الإلكترونية
تعتمد الإدارة الإلكترونية على آليات العصر الأساسية وهي :
- الحاسب الآلي .
- تقنيات المعلومات .
- تقنيات الاتصالات .
- البريد الإلكتروني .
- شبكة الإنترنت .
- كذلك تعتمد الإدارة الإلكترونية مجموعة آليات إدارية من أهمها :
- إعادة الهندسة .
- القياس المرجعي .
- التخطيط الاستراتيجي .
- التقييم المتوازن .
- تخطيط موارد المشروع .
- تخطيط الجودة لمنع الخطأ .
ويبدو التجديد في استخدام هذه الآليات ضمن منظومة الإدارة الإلكترونية في أمرين أساسيين :
الأول : أن هذه الآليات تستخدم كمجموعة متكاملة ومترابطة وبصفة مستمرة ، وذلك على خلاف ما درجت عليه الإدارة التقليدية من استخدام مجزأ ومتباعد لتلك الآليات أو بعضها .
الثاني: ابتكار برامج على الحاسب الآلي لتطبيق تلك الآليات إلكترونياً بدرجة متزايدة باستمرار من جانب وإدماجها في صلب عمليات المنظمة من جانب آخر .
ومن ثم تتميز الإدارة الإلكترونية بمجموعة من السمات الأساسية التي تعكس الخصائص النابعة من ارتباطها بتقنيات المعلومات والاتصالات بالدرجة الأولى ، كما توضح المحتوى التقني الفائق الجودة لهذا النموذج الإداري المستحدث . وتعتبر المرونة الفائقة والتحرر البالغ من قيود الزمان والمكان هي السمة الأولى والرئيسية للإدارة الإلكترونية والتي تسهم في تكوين باقي السمات المميزة لها . والمعنى أن الإدارة الإلكترونية تتعامل في كل وقت ومن أي مكان ، وتتخذ القرارات في مختلف مجالات النشاط متحررة من قيود الوقت والمسافة . وتتمثل أهم السمات الأخرى للإدارة الإلكترونية في السرعة ، التشابكية ، التنويع ، تجاوز الوسطاء ، التصميم حسب الطلب مع الإنتاج الكبير ، التكيف السريع ، التكامل ، التطور المستمر ، التحرر من القوالب والهياكل الجامدة ، التحرر من المعاملات الورقية ، العمل من بعد .
ويؤدي تطبيق " الإدارة الإلكترونية " إلى إحداث تغييرات تنظيمية تتوافق تماماً مع متطلبات نماذج التميز التنظيمي من أهمها ما يلي :
- التوسع في الأتمتة بما يؤدي إلى تخفيض أعداد العاملين حتى في المستويات الإدارية خاصة الإدارة الوسطى والوظائف الإشرافية .
- إعادة تصميم الأعمال باستبعاد الأنشطة والمهام التي يتم أتمتتها ، وإدخال عناصر التكامل والتمكين في الاعتبار.
- إعادة تصميم نظم التخطيط بإضفاء عناصر المرونة واستشعار التغييرات من خلال الربط الآني بنظم رقابة وقياس الأداء .
- تبسيط الهيكل التنظيمي بتقسيم المنظمة إلى مجموعة من الوحدات الإستراتيجية وفرق العمل ذاتية الإدارة وفي نفس الوقت تنمية الفاعلية وسرعة الأداء واتخاذ القرارات عند نقاط التنفيذ .
- استثمار فرق العمل الطارئة بدلاً من التكوينات والتقسيمات التنظيمية الدائمة ، ومن ثم يتم التحول إلى التنظيم الشبكي حيث يكون الربط آنياً بين الوحدات الإستراتيجية وفرق العمل المختلفة بوسائط إلكترونية تسمح بالتواصل والتفاعل والتنسيق المستمر والعمل المشترك وتبادل المعلومات بينها جميعا ً.
- نموذج الإدارة العربية
تبدو الإدارة في كثير من المنظمات العربية غير منتبهة إلى التطورات والمتغيرات التي أصابت العالم في السنوات القليلة الماضية والتي لا تزال آثارها تتفاعل كل يوم وتتصاعد لتطال جميع مجالات الحياة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية والتقنية في جميع دول العالم .
وتميل الإدارة العربية إلى الركون للنمط التالي :
- الاهتمام بالسوق المحلية والتركيز على الأساليب التسويقية المعتادة .
- الانحصار في شئون المنظمة الداخلية ومشكلاتها الذاتية ، والتباعد عن أو التغافل عما يجري في المناخ المحيط سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي .
- الاهتمام بقضايا الفترة القصيرة والمرحلة الراهنة من دون السعي لتكوين رؤية مستقبلية أو تصور ما يمكن أن يكون عليه حال المنظمة في فترة بعيدة نسبياً .
- الانحصار في أشكال التنظيم التقليدية القائمة على الهرمية الهيكلية ، وتركيز السلطة والصلاحيات في الإدارة العليا ، واعتماد أساليب الأوامر والرقابة في التعامل مع المرؤوسين .
- تطبيق منطق المدير المالك والإدارة العائلية حتى في المنظمات غير العائلية إذ يميل المدير العربي لممارسة دور الإدارة الأبوية فهو الأعلم من مرؤوسيه له الأمر وعليهم الطاعة .
- الاهتمام المبالغ فيه بتأمين الموارد والاستزادة منها بغض النظر عن القدرة على توظيفها وتحويلها إلى مخرجات لها معنى . فنجد المدير العربي عادة يميل إلى تعظيم ما لديه من إمكانيات في شكل مبان ومعدات وموازنات وأفراد ومساعدين ، دون أن يهتم كثيراً بالتساؤل عن الجدوى الاقتصادية من تكثيف تلك الموارد أو عن مدى القدرة على استثمارها وتحويلها إلى منتجات تدر عائد اقتصادي وتحقق قيمة مضافة .
- إهمال قضايا البحث والتطوير والاعتماد على النقل والاستيراد من الغير ( خاصة الأجنبي) حين الاحتياج إلى تطوير .
- التعامل مع الأفراد باعتبارهم قوة عاملة في الأساس والتركيز على قدراتهم الجسمانية ومهاراتهم الحركية من دون إعطاء اهتمام مماثل بقدراتهم الفكرية وقواهم العقلية التي يمكن أن تتحول إلى مبتكرات وإبداعات تضيف إلى القدرة التنافسية للمنظمات .
- إهدار قيمة المعلومات والانحصار في التعامل مع الحاسبات الآلية باعتبارها آلات حاسبة وكاتبة أسرع ، وإهدار فرصة استثمار طاقة المعلوماتية وتقنيات الاتصالات في التواصل بين المنظمة وعملاءها وفيما بين أجزاء المنظمة ذاتها .
- الميل إلى العمل الفردي والانعزال عن الآخرين وإهدار فرص التكامل والتحالف مع الآخرين لتعظيم فرص المنظمة في الأسواق وحشد الطاقات لمواجهة المنافسين .
- عدم إدراك أهمية بناء وتنمية العلاقات مع العملاء والمتعاملين ، والميل إلى التعامل بأسلوب ومنطق الصفقة الواحدة أو الوحيدة ، فالمهم تحقيق الربح الآن من الصفقة ويغض النظر عن مدى رضاء العميل أو المتعامل واحتمال عدم تكرار التعامل مرة أخرى .
- ضعف الاهتمام بقضايا الجودة ، وحصرها في أغلب الأحيان في بجودة المنتجات السلعية ، من دون الأخذ بفكرة الجودة الشاملة في كافة مجالات العمل ومنتجاته من سلع أو خدمات .
- افتقاد كثير من المنظمات العربية لبناء إستراتيجي متكامل يضم الغايات والأهداف التي تسعى إليها ، والسياسات والإستراتيجيات الموجهة للأنشطة والتي تتخذ القرارات في ضوءها ، والمعايير المتخذة أساساً لقياس الأداء والحكم على النتائج . فالإدارة العربية في الأساس تؤمن بالعمل المستند إلى رؤية اللحظة الذاتية من دون الترابط مع التاريخ أو المستقبل .
- ضعف الإيمان بالعمل الجماعي والميل إلى الفردية في العمل والتركيز على الأنا أكثر من النحن .
- عدم إدراك أهمية وقيمة المجالس واللجان كوسيلة لشحذ الآراء وتبين وجهات النظر وتنمية الأفكار، والاقتصار على استخدامها وسيلة لاستكمال الشكل الإداري واستجابة لما تنص عليه القوانين كما في حالة مجالس الإدارة ، أو كوسيلة للتخلص من المسئولية الفردية وإسناد مسئولية القرارات إلى مجلس أو لجنة .
- التعامل مع ظواهر المشكلات والسعي للحلول الوقتية أكثر من الاهتمام بالبحث عن الأسباب الحقيقية وحلها من الأساس .
- عدم الإدراك الصحيح لقيمة الوقت ، واستنفاذ فترات طويلة في الانتظار بين العمليات أو في بحث القضايا واتخاذ القرارات من دون حساب قيمة الوقت المهدر أثناء الانتظار .
- الميل إلى تضخيم المنظمات بزيادة أعداد العاملين من غير دراسة حقيقية للعائد الاقتصادي من تشغيلهم ، كما ينطبق نفس القول على اهتمام المنظمات العربية بتكثيف المعدات والأجهزة و " التقنيات الحديثة" من دون دراسة كافية لمدى الحاجة إليها والقدرة على استثمارها إيجابياً .
- الميل إلى التعامل مع القضايا والمشكلات من منطق السكون وافتراض استمرارها على أوضاعها ، والبعد أو عدم الرغبة في معاناة التعامل معها من موقف الحركة والدينامكية وهي أصل الأشياء والأمور .
- الخشية من التغيير السريع والميل إلى التدرج في إحداث التغيير سواء في الأنظمة والأساليب والتقنيات أو في المفاهيم والتوجهات .
- التعامل مع المنافسة من موقف الدفاع حيث تميل الإدارة العربية إلى انتظار ما يفعله المنافسون ثم اتخاذ الرد المناسب من زاوية الدفاع عن موقفها التنافسي وبأسلوب رد الفعل . وفي العادة يقل إقبال الإدارة في المنظمات العربية إلى اتخاذ وضع الهجوم والمبادرة بالتغيير واقتناص الفرص وفرض الموقف الجديد على المنافسين .
- العزوف عن التعامل مع الاستشاريين بشكل عام ، والاقتصار حين الضرورة على التعامل مع الاستشاريين في المجالات التقنية بالدرجة الأولى . إنما قضية الاستشارات الإدارية فليست في قائمة أولويات المدير العربي عادة ، ولا يلجأ إليها إلا في الأزمات وكحل أخير بعد أن يكون قد استنفذ أساليبه وخبراته الذاتية .
تلك بشكل عام طبيعة النموذج الإداري الغالب في منظمات العمل العربية وإن اختلفت طبعاً فيما بينها بسبب طبيعة المديرين أنفسهم وما لهم من خبرات واهتمامات . ويبدو هذا النموذج أوضح ما يكون في المنظمات الحكومية ومنظمات الأعمال في القطاعين العام والخاص . والغريب أن القطاع الخاص يوصف عادة بأنه الأفضل من حيث إقباله على الأخذ بالجديد وتحرره من القيود والمعوقات البيروقراطية التي تعوّق المنظمات الحكومية ، ولكن الواقع يشهد أن درجة الاختلاف ضئيلة بين النهج الإداري في القطاعين العام والخاص في العالم العربي .