من تعريف الجماعة والقرارات معا يتضح أن هناك درجة ما من الخطر وعدم التأكد غالبا مـا
تصاحب القرارات الجماعية. فمثلاً قد ترغب مجموعة من المستثمرين في فتح مصنع في منطقة غيـر
مستقرة اقتصاديا في أحد البلدان الأفريقية، أو التوسع في تشكيلة المنتجات الحالية التي يقدمها المصنع
للسوق المحلية. وبالرغم المخاطر المصاحبة للقرارين السابقين، لا أن العائد الذي يمكن أن يتحقق فـي
الحالتين يعتبر ملموسا ولايمكن تجاهله. وهنا تظهر أهمية المفاضلة بين قبول المخاطر ومن ثم تحقيق
حجم أرباح مرتفع وبين التحفظ في القرار ومن ثم تحقيق قدر محدود من الأرباح. وقـد يـدفعنا هـذا
للتساؤل عما إذا كانت قدرة الجماعة على تحمل المخاطر أعلى من قدرة الفرد على نفس الشيء ؟ أم
أن مستوى الخطر الذي يمكن أن تتحمله الجماعة ما هو إلامتوسط ما يتحمله أفراد تلك الجماعة مـن
مخاطر؟.
إن الدراسة المتعمقة لمفهوم الجماعة وتكوينها وطريقة تفاعـل أعـضائها يمكـن أن تزودنـا
بمجموعة من الملاحظات التي تساعدنا على تحديد درجة الخطر التي يمكن أن تتحملها المجموعة عند
اتخاذها للقرارات. فمن ناحية خصائص وتركيب الجماعة يمكن أن نقول إن الجماعة تتحمـل درجـة
عالية من المخاطرة في القرارات أعلى من التي يتحملها متخذ القرار الفردى، وذلك بسبب ميزة الكثرة
العددية والمسئولية المشتركة. وبالإضافة إلى ذلك فإن احتمالات تمييع المسئولية بين أعضاء مجموعة
اتخاذ القرار يمكن أن تساعد المجموعة على اتخاذ قرارات ذات درجة عالية من المخاطرة.
ومن ناحية أسلوب تفاعل أعضاء الجماعة معا يمكن ملاحظة أن الجماعة تميل إلى تحمل درجة
منخفضة من الخطر مع الميل الدائم إلى التحفظ. ويعزى السبب في ذلك إلى أدوار الرقابة والتقييم التي
يمارسها أعضاء الجماعة على بعضهم البعض، مما يؤدى إلى إحداث نوع من التوازن بـين درجـات
الخطر المعروضة ومن ثم تحمل درجة مقبولة من المخاطر. ولعل مقولة أن "الجمل ما هو إلاحـصان
صممته لجنة" لخير دليل على الاعتقاد السائد بأن الجماعات تميل إلى التحفظ الـشديد عنـد اتخاذهـا
للقرارات.
إذا أخذنا في الاعتبار التناقض السابق بين إمكانية (وعدم إمكانية) الجماعة على تحمـل درجـةعالية من المخاطرة في القرارات فإنه من الممكن القول أن هناك نوعين من الاتجاهات لتقبل الخطـرفي قرارات الجماعة، أولهما الرغبة في تقبل درجة عالية من الخطر وعدم التأكد، وثانيهما الرغبة فيالتحفظ والبعد عن تقبل القرارات ذات المخاطرة العالية وعدم التأكد. ويبدو هذا التباين في الاتجاهـاتواضحا في العديد من القرارات الجماعية مثل قرارات اختيار مصادر التوريد أو الاستثمار أو الإحلالوالتجديد. غير أن الشيء الأساسي الذي يحكم إمكانية تحول المجموعة من المخاطرة إلـى الـتحفظ أوالعكس هو السمات الشخصية لأعضاء الجماعة وتفـضيلاتهم قبـل مناقـشة القـرار. إن الأعـضاءالمتحفظين من الجماعة (قبل مناقشة القرار) سوف يظهرون درجة عالية من الـتحفظ بعـد مناقـشةالقرار. وبنفس المنطق، فإن الأعضاء المغامرين (قبل مناقشة القرار) سوف يظهرون درجة عالية منالمغامرة والرغبة في تحمل المخاطر بعد مناقشة القرار.ولعل من أهم النتائج التي يمكن التوصل اليها من العرض السابق لحالات التحفظ والمغامرة فيالقرارات الجماعية هو أن "النقاش الجماعي يؤدى إلى تعاظم المواقف والمعتقدات الأساسية لأعـضاءالجماعة." ويعزى (Johns (1985 ذلك للأسباب التالية (ص: ٤٠٦):• عندما يتمييز القرار المبدئي للجماعة بدرجة عالية من المخاطرة وعدم التأكد، فإن "تمييع المسئولية"يمكن أن يساعد الأعضاء على التحول لقبول درجة عالية الخطر. والسبب في ذلك بسيط، فالنتـائجالسيئة للقرار سوف تتوزع على أعضاء المجموعة.• يميل أعضاء الجماعة في البداية إلى إظهار قدر مناسب من التماثل والتجانس مع بقيـة أعـضاءالمجموعة. ولذلك فهم يحاولون تأييد بعضهم البعض خلال المناقشة، وذلك من خلال المغالاة فـيتأييد وجهة النظر الأولى للجماعة التي يؤيدونها. ويلاحظ مما سبق أن أعضاء المجموعة يميلـونإلى تدعيم القرارات التي تتفق مع القيم البيئية السائدة. فإذا كان القيمة السائدة في جماعة معينة هيالرغبة في التحدي والرغبة في التجديد والابتكار، فإن المجموعة سوف تميل بصفة أساسـية إلـىتقبل المخاطر في معظم قراراتها.• ينتج عن النقاش الجماعي أفكار وآراء لم يسمع عنها ولم يأخذها الفرد في الإعتبار من قبل. غيـرأن ظهور تلك الآراء والأفكار قد يزيد من نزعة الأفراد للتمسك بميلهم الأساسي نحـو الـتحفظ أوالمغامرة. وحيث إن المناقشات يمكن أن توفر أسباب أفضل وأقوى للتفـضيل الشخـصى للفـرد(التحفظ أو المغامرة) فإن المناقشة يمكن أن تؤدى في النهاية إلى زيادة التفضيل الأساسي للفـرد.وبصفة عامة فإنه كلما زادت فرص النقاش وتبادل الرأي بين أعضاء المجموعة قلـت احتمـالاتتحول الجماعة إلى قبول القرارات ذات المخاطر المرتفعة.
وخلاصة ما سبق، أن أعضاء الجماعة يميلون إلى تعظيم معتقداتها الأساسية بالنسبة لدرجة تقبلالمخاطر في القرارات. فإذا ما كان هذا التعظيم ناتجاَ عن تبادل المعلومات بين أعضاء الجماعة، فقـديؤدى ذلك إلى تحسين جودة القرار الجماعي. أما إذا نتج هذا التعظيم عن سيطرة أحد أعضاء الجماعةعلى الآخرين أو الإحساس بتمييع المسئولية فإن ذلك سوف يؤثر تأثيرا سـالبا علـى جـودة القـرارالجماعي.