أفضت الزيادة الجديدة في سعر الدولار أمام الجنيه المصري، إلى ارتفاع كبير في أسعار واردات المصانع في مصر من المواد الخام، ما هدد أكثر خطوط الإنتاج بالتوقف عن العمل، خصوصاً تلك التي تواجه معاناة إضافية تتمثل في نقص الطاقة وارتفاع أسعارها.
وكشف مصدر في الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن عدداً من الشركات الأجنبية تعود لجنسيات صينية وفرنسية وألمانية وإيطالية، هددت في مذكرات لوزارة الاستثمار ولاتحاد المستثمرين، بسحب استثماراتها من مصر، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة لتوفير الدولار، بعد أن تعثرت تلك الشركات في استيراد المواد الخام اللازمة لمصانعها بسبب نقص الدولار.
وخفّض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه بحدود 2.5 خلال الأيام الأربعة الماضية، من 7.83 إلى 8.03 جنيهات للدولار، في مسعى لدعم احتياطي النقد الأجنبي الذي فقد أكثر من 3.7 مليارات دولار، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مسجلاً نحو 16.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، تلك احتياطيات لا تغطي واردات مصر لأكثر من شهرين وثلاثة أيام، وهو معدل خطر وفق المعايير الدولية.


ونتيجة نقصه، سجل سعر الدولار في السوق الموازية في تعاملات، أمس الثلاثاء، نحو 8.65 جنيهات، وهو مستوى قياسي لم يسجله الجنيه من قبل، ما يرفع من تكاليف الإنتاج لدى المصنّعين ويهدد بموجة غلاء حتمية في أغلب السلع، خصوصاً وأن مصر تستورد ما يربو على 60% من احتياجاتها.
وقال المصدر في اتحاد المستثمرين، والذي طلب عدم نشر اسمه، كونه غير مخول التحدث لوسائل الإعلام، إن الشركات الأجنبية في مصر، تشتكي، في سياق الشكاوى التي تقدمت بها، أخيراً، من صعوبة تمويل شراء المواد الخام اللازمة لعملية الإنتاج، بالإضافة إلى القيود التي يفرضها البنك المركزي المصري على التحويلات للداخل أو للخارج وتباطؤ تنفيذ الاعتمادات المستندية لدى المصارف نتيجة قلة المعروض من الدولار.
وطلب اتحاد المستثمرين المصريين، في مذكرة رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، بوضع حد لمشكلة نقص الدولار قبل انسحاب تلك الشركات التي ستتبعها شركات أخرى من السوق، الأمر الذي يصدّر انطباعاً سيئاً عن الاستثمار في مصر، فضلاً عن تشريد مئات الآلاف من العمالة.
وفي السياق ذاته، قالت الخبيرة المصرفية، بسنت فهمي، لـ "العربي الجديد"، إن خفض قيمة الجنيه المصري مرة أخرى أمام الدولار، يؤدي إلى المزيد من الكوارث في السوق، أهمها الزيادة الكبيرة التي ستطرأ على أسعار جميع المنتجات خاصة الغذائية، لافتة إلى أن ارتفاع الدولار لن يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، وسيؤدي إلى عدم قدرة الدولة على سداد ديونها الخارجية نتيجة الأوضاع المتردية في جميع قطاعات الدولة. ويرى رئيس شعبة المستوردين في غرفة القاهرة التجارية، أحمد شيحة، أن المواطن هو الخاسر الوحيد من سياسات التخبط التي تمر بها مصر حالياً.


أزمة محلية
وقال رئيس شعبة المستوردين في الغرفة التجارية في الجيزة، سامح ذكي، في مقابلة لـ "العربي الجديد"، إن البنك المركزي لا يوفر الدولار للسلع الاستراتيجية إلا بنسبة 30% من حجم الطلب، "فيما لا يوفر لباقي السلع سنتاً واحداً"، وفق ذكي.
وأضاف، أن معظم المستوردين يوفرون الدولار من السوق السوداء بعيداً عن البنك المركزي.
وقال الدكتور محمد غنيم، عضو غرفة صناعة الأدوية في اتحاد الصناعات، إن صناعة الدواء تحتضر بسبب نقص الدولار وارتفاع أسعاره في ظل ارتباط صناعة الدواء بتسعير جبري، حيث لا تستطيع أن ترفع الأسعار كباقي السلع الأخرى، كما أن البنوك لا توفر نصف القيمة المطلوبة من الدولار للشركات.
وأضاف أن بعض المصانع الأجنبية المنتجة للمواد الخام توقفت عن التوريد إلى مصر، لتأخر تحويل المستحقات وتراكم المديونيات.
وأوضح أن الارتفاع الشديد في سعر الدولار أدى إلى رفع التكلفة الإنتاجية الكلية للمصانع بنحو 30%، نتيجة ارتفاع أسعار الخامات وثبات أسعار البيع، كما تسبب في رفع تكلفة استيراد الأدوية بنسبة 100%.
السوق السوداء
وقال فادي عبدالمعز، مدير إحدى شركات الصرافة بحي المهندسين في الجيزة، إنه على الرغم من تثبيت البنك المركزي المصري لسعر بيع الدولار في عطاء، أمس الثلاثاء، عند مستواه نفسه، إلا أن السوق السوداء (الموازية) شهدت ارتفاعاً 5 قروش جديدة مقارنة بيوم بأمس الأول، ليسجل الدولار 8.65 جنيهات.


وأضاف، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن التعاملات سواء بالبيع أو الشراء على الدولار شبه متوقفة، وأن الشركة منذ فتحها من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، أمس، لم تشتر سوى 200 دولار فقط في عملية واحدة، في حين أنها كانت تقوم بإجراء أكثر من 20 عملية بيع وشراء في الفترة نفسها في الأسبوع الماضي.
وأيد هذا الرأي ثلاث شركات صرافة أخرى في مناطق المهندسين ووسط البلد و6 أكتوبر، اتصلت بهم "العربي الجديد"، حيث أكدوا عدم وجود بيع ولا شراء للدولار، واقتصار العملاء على معرفة الأسعار، "اعتماداً على شائعات ارتفاع الدولار لحدود 10 جنيهات".
وثبّت البنك المركزي سعر بيع الدولار في عطاء، أمس، عند 7.93 جنيهات بعد قيامه بإجراء خفضين متتاليين لقيمة الجنيه يومي الخميس والأحد الماضيين بواقع 2.5%.
سياسة خاطئة
وأصدر مركز الدراسات الاقتصادية حملة "حقنا"، تقريرًا، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، يشير فيه أن أزمة الدولار الموجودة حاليًا في مصر ستتسبب في رحيل هشام رامز محافظ البنك المركزي من منصبة.
وأكد التقرير، أن القضاء على السوق السوداء للنقد الأجنبي يتطلب القضاء على التدخلات كافة في تحديد سعر الصرف، وإلغاء القيود على التعامل بالنقد الأجنبي وترك قوى السوق تقوم بعملها في تحديد سعر الصرف للجنيه المصري.