قد تكون الافكار المرتبة والمنسقة هي السابقة لكل عمل وقد تكون الحاجة هي الدافع لذلك العمل بغض النظر عن تنسيق الافكار او كما يقال الحاجة أم الاختراع.
وعلى النسق الاخير فان العمل سيكون عشوائيا وغير منظم ويشكل اهدارا للامكانيات البشرية والمادية في سلسلة من التجارب بين ضفتي الخطأ والصحيح, هذه المراوحة التي سيطول بها الزمن بحيث ان القائمون على ذلك العمل ييأسون من نتائجه لكثرة الاهدار وإنعدام الجدوى الاقتصادية فيفضي الى خراب مع خسائر بلا عوض.
وبهذا فان هناك تفريط كبير في الطاقات البشرية والمادية والزمن، وهذا عكس ما يحصل لو ان المشروع قد خضع الى افكار منسقة وعقلانية بالنسبة الى توزيع المهام ورصد القوة المالية واحتساب الزمن، وفق معادلة الخماسي: توصيات الدراسة + المكان + الزمان + القوى الفاعلة + المستلزمات.
1ـ الدراسة: هو الفعل الذي يأتي ما بعد الرغبة في انتخاب استثمار معين وفق قناعات بان استثمارا مثل هذا يكون له مردود ما سواء كان ماديا او خدميا او معنويا، او كل هذا مجتمعا في ضربة واحدة، او متفرقا على الزمن، كأن يكون المردود المادي هو المتحصل اولا ثم يليه الكسب المعنوي، او أي مأرب آخر.
وفي هذا الاطار تدرس الحالة الاستثمارية والجدوى ومقدار التكلفة والاحترازات التي تشمل المواد الاولية وتقلبات السوق، ومصادر التمويل، ومن ثم البحث عن او في الشخصيات الادارية التي تتولى العمل الاداري والفني المطلوب + القوى البشرية الاخرى الفاعلة ميدانيا.
كذلك الزمن الذي يبدأ فيه التنفيذ واخذه بالحسبان.
2ـ المكان: وهو العامل الستراتيجي للصناعات بشكل عام كذلك بالنسبة لبقية المشاريع، حيث انه العصب الممول للتسهيلات الديناميكية لإدامة العمل لان الموقع السئ يفضي في الغالب الى اهدارات غير محسوبة كبعده عن المواصلات مثلا سواء في طور التشييد او الانجاز وهو معرقل لورود المواد الانشائية والعمال وفي مرحلة الانجاز يتمثل بعسر التسويق والتعامل مع الدائرين في فلك المشروع من متعاملين ومسوّقين ثانويين.
3ـ الزمان: هو اختيار الوقت المناسب للشروع بالعمل، كان يكون فصل من فصول السنة،
كان تكثر فيه المواد الاولية التي يحتاجها المشروع، كذلك ما يعترض العمل من عقبات طبيعية كالامطار او الثلوج والمواصلات، بعده او قربه من المدن او الارياف أي بما يضمن التبادل الايجابي في طور الانشاء او في طور الانجاز والاستثمار المزمع التفاعل فيه وبكل صنوف الاستثمار.
4ـ القوى الفاعلة: وتتمثل هذه القوى بالقوة البشرية من عمال وعمال فنيين واصحاب خبرات ومتخصصين بنوع معين من الاعمال، كذلك الوسائل المرافقة لهم كالمواصلات مثلا.
5ـ المستلزمات: ان المستلزمات اصبحت في الزمن الراهن هي الوسيلة الاكثر دقة كذلك الاكثر تقنينا للعمل المتخصص والمنظم، وهي الاقل اهدارا للزمن فبدون المستلزمات الملائمة يتخبط العمل بعشوائية ويؤدي الى خسائر فادحة.
منها على سبيل المثال ان ترتبط الادارة بوسائل متطورة مع العمل واستخدام الحاسوب لضبط الفعاليات العملية والفنية والمالية واحتساب القيم المنجزة في المشروع.
مستلزمات العمل الآلية كمكائن التسليح والصب والادوات الفردية او الجماعية ورافعات المواد لمراحل العمل والسيارات الحوضية ومخازن المواد الانشائية وكل ما يوفر للمشروع المداومة والاستمرار حتى الانجاز.
ان الافكار في كثير من الاحيان تتحول الى مجرد طوباويات في خواطر الناس تمر مرورا طيبا لكنها لاتجدي نفعا كونها لم تتجسد في واقع الحياة ولعل من يحاول ان يجسدها فعلا الا انه يجسدها بنواقص ولا يفي لها بمستحقاتها العملية وهي سرعان ما تبوء بالفشل الذريع.
ان لكل شئ سبب وان الامور لا تقوم إلا باسبابها فليس من المعقول مثلا ان تهم باي عمل دون ان تخطط له وحتى في ابسط الامور، كانك قمت بزيارة صديق وذهبت دون تخطيط لهذه الزيارة ثم تجشمت الطريق وضربت على الباب وانت تتامل ان يفتح ذلك الصديق الباب وهو متفاجئ من هذه الزيارة الجميلة التي قمت بها، وقد يصيبك الخذلان عندما يجيئك الرد بان صديقك العزيز غير موجود، وانك ستعود خائبا ويذهب جدك سدى.
غير انك لو قمت بالاتصال به عبر التلفون مثلا لكفاك ذلك مؤونة الطريق ولعرفت انه غير موجود وربما تتفق معه على لقاء آخر قريب يجدد الصحبة والتواصل الانساني والمحبة دون ان يذهب الجهد وتتبدد الساعات الزمنية بلا داع.
كذلك الحال بالنسبة لتهيئة العوامل المتوفرة في وقت التخطيط للمشروعات ولزوم اعتمادها وتهيئتها لتلبية متطلبات التشييد والبناء، وعدم الاعتماد على القوى البشرية في تعويضها وذلك لانه خطا فادح من جانبين، الجانب الاول هو جانب معنوي حيث تعويض الآلة سيدفعه العامل بالضغط على قوة العمل مما يشكل اجحاف وحرمان للعامل الذي سرقت قوة عمله بلا مقابل، وهو بالتالي لا يستطيع ان يعوض قوة انجاز الآلة عملا او زمنا.
الجانب الثاني، خسارة الجانب الفني في العملية المنجزة وفقدان الدقة وتشويه المقادير القياسية كالمتانة والاعتمادية والشكل.
ان العمل البائر هو ذلك العمل الغير نظيف والذي يعتمد على سرقة جهود الآخرين او انه يحسب المنجز منجزا مؤقتا قد يتخلى عنه للآخرين بعد ان يكمل وطره وهذا سائد في المجتمعات التي تسود لدى افرادها الانانية وسوء العاقبة، ولا يتمتعون بخلق انساني او خلق ديني يجعلهم يرتدعون ويراعون.