أولا: إنتاجية العمل و عوامل زيادتها: هناك عوامل عديدة تؤثر على إنتاجية العمل و ترفع من مستواها، أهمها:
1 – الاستثمار في المورد البشري: يقصد به الاستثمار في الأيدي العاملة الحالية و الأخرى الجديدة التي يمكن أن تدخل سوق العمل، بهدف خلق قوة عاملة مزودة بالمهارات و القدرات اللازمة لتأدية العمل بكفاءة عالية.
2 – حجم و مستوى كفاءة عناصر الإنتاج الأخرى: إن قدرة عنصر معين على المشاركة بكفاءة في النشاط الإنتاجي، تتوقف على مستوى كفاءة العناصر الأخرى، فنجد أن إنتاجية عنصر العمل مثلا، تزداد بارتفاع كفاءة رأس المال و عنصر التنظيم، كما أن توافر الأيدي العاملة الماهرة و الآلات الحديثة ذات الجودة العالية لا يكفي لبلوغ المستويات المرتفعة لإنتاجية العمل ما لم يتم التنسيق بينهم بطريقة رشيدة و هذا هو دور التنظيم.
3 – الظروف السائدة في سوق العمل: العلاقة بين عرض الأيدي العاملة و الطلب عليها ينعكس على التوازن أو
الاختلال في سوق العمل، و لاشك أن حالة هذا الأخير لها تأثيرها الجوهري على مستوى إنتاجية عنصر العمل:
*فإذا كان سوق العمل في حالة توازن، أي أن الطلب على العمل يعادل عرضه، فإن كل فرد قادر و راغب في
العمل يضمن وجود فرصة له، مما يعطي الاقتصاد حرية اختيار العناصر الإنتاجية الأكفأ و استغلالها بكامل طاقته.
* أما إذا كان العمل يسوده الاختلال بمعنى أن العرض لا يساوي الطلب، و منه نميز حالتين:
- إذا كان الطلب على العمل يفوق عرضه، و عنصر العمل يتسم بالندرة، فيجب الأخذ بالأمرين التاليين:
أ– تزويد العامل بالمهارات الحديثة و الارتقاء بمستوى التعليم لرفع كفاءة الأيدي العاملة الجديدة، و ذلك من أجل تعويض النقص العددي في العمال، و محاولة استغلال عرض العمل المتاح إلى أقصى درجة ممكنة، من جهة أخرى يمكن أن تكون ندرة العمل سببا في إرهاق العاملين، مما يؤثر سلبيا على إنتاجيتهم، و بالتالي نلاحظ أن هناك أثرين متناقضين الأول إيجابي و الثاني سلبي على مستوى الإنتاجية.
ب – الاتجاه نحو الطرق الإنتاجية الأكثر كثافة في رأس المال، إذ أنها تتميز بارتفاع معاملات رأس المال (*)
فيصحبها تحسن مستمر في إنتاجية العامل، إلا أن هناك حد معين للتوسع في استخدام رأس المال على حساب
العمل، إذ أن الاستمرار في إحلاله يسبب تقييدا لنمو الإنتاج و خفض معدلاته.
- أما إذا كان الاختلال في شكل زيادة عرض القوة العاملة بالنسبة للطلب، أي فائض عمل لا يجد مجالا لاستيعابه، فهذا يؤدي إلى:
أ – تشغيل هذا الفائض في أي عمل، حتى و لو كانت بطبيعتها غير منتجة، بأجر يمكن أن يكون منخفضا.
ب – الاتجاه نحو الطرق الإنتاجية كثيفة العمل تحت ضغط فائض العمل، و هذه الطرق يمكن أن تكون من زاوية
الكفاءة الإنتاجية أقل من الطرق كثيفة رأس المال، هذا الأخير الذي نقصه يمكن أن يكون سببا في تطبيق طرق
إنتاجية غير مثلى، تعكس توزيعا غير كفء للموارد، مما يؤدي إلى إنتاج السلعة بتكلفة أعلى فتضطر المؤسسة إلى


التقليل من حجم إنتاجها بما يتوفر لديها من موارد، و هذا من شأنه إنقاص الإنتاجية.
4 – مستوى تشغيل الموارد: إن كفاءة تشغيلها تقتضي استخدام كل عنصر بكامل طاقته، لأن وجود طاقة عاطلة، يؤثر عكسيا على مستويات الإنتاج، و مهما تعددت الأسباب فالنتيجة هي انخفاض كفاءة عنصر العمل.
5 – مستوى التقدم الفني: ينتج عن الابتكارات الحديثة الوصول إلى أساليب إنتاجية أكثر كفاءة بمعنى، إمكانية
إنتاج نفس الحجم من السلع بحجم أقل من الموارد، أو الحصول على حجم أكبر من السلع بنفس القدر من
المدخلات، و قد ينصرف أثر هذا التقدم إلى مستوى جودة السلع و بنفس التكلفة.
ثانيا: التأثير المتبادل بين الإنتاجية و الأجر باعتباره كعامل محدد للإنتاجية: يجب أن يعكس الأجر كل تغير يطرأ على إنتاجية العمل، فمن حق العامل أن تترجم الزيادة في إنتاجيته إلى زيادة في الأجر، لأنه في النهاية هو المحرك لمجهوده و هو الدافع لتحسين أدائه، وإذا لم يحصل على قيمة مساهمته في الإنتاج، فإن إقباله على العمل لا بد أن يضعف و من ثم تنخفض إنتاجيته، و هذه أهم عوامل التأثير المتبادل بينهما:
1/ أثر الأجر على إنتاجية العمل: إن الارتفاع في الأجر يمكن أن يمارس تأثيرا إيجابيا على إنتاجية العمل بـ:
- توفير مستوى غذائي و صحي أفضل، مما يجعل العامل أكثر قدرة على أداء عمله.
- إرتفاع مقدرة العامل على تمويل النفقات اللازمة لتحسين مستوى مهاراته و اكتساب خبرات جديدة و ذلك عن طريق التعليم و التدريب، مما يؤثر بشكل إيجابي على إنتاجية العامل.
- يكفل ارتفاع الأجر تذليل الصعوبات المادية التي يمكن أن تواجه العامل، بما يضمن انصرافه بكامل طاقته إلى عمله و ينتج عن ذلك تحسين في إنتاجيته.
- تشجيع العامل على زيادة إتقان العمل، طالما أن هناك مقابل لكل تحسن في مستوى إنتاجيته.
- يمكن أن يكون الارتفاع في الأجر سببا في تقليل ساعات العمل اليومية و تمتع الفرد بوقت فراغ أطول يكفل له
الراحة اللازمة لتجديد نشاطه، الأمر الذي يجعل العامل أكثر إقبالا على العمل، و بالتالي أكثر إنتاجية.
هذا، و من الطبيعي جدا أن انخفاض الأجر يؤثر سلبيا على مستوى الإنتاجية، لانعدام الحافز نحو تحسين الأداء.
2/ أثر تغير إنتاجية العمل على الأجر: يتأثر الأجر بتغير الإنتاجية بطريقتين، طريق مباشر و آخر غير مباشر:
· التأثير المباشر: يتمثل في أن تحسين إنتاجية العمل يعتبر مبررا مقبولا للمطالبة برفع الأجور، فيتحمل أصحاب المؤسسات تكلفة إضافية ما دام الإنتاج يتزايد.
أما التأثير غير المباشر: فيكون من خلال تغير الطلب على العمل من طرف المؤسسة، إذ أن زيادة إنتاجية العمل تعزى إلى طلب المزيد من العمال، حيث أن تزايد الطلب على السلع المنتجة من شأنه أن يشجع على التوسع في
الإنتاج و طلب عمالة أكبر، و بالتالي إعطاء أجر أعلى. و بالعكس، لو أن سوق المنتجات عرف عرضا وفيرا،
فإن المؤسسة ستحجم عن زيادة نشاطها لأن الفائض من إنتاجها لن يجد الطلب الذي يمتصه، وعندها لن يؤثر
الارتفاع في إنتاجية العمل أو حتى عدد العمال المساهمين في الإنتاج على الأجر.