حديث اليوم:
من خلاصة تجاربي كمستشار في ادارة الموارد البشرية لمنظمات أعمال متعددة، وددت لفت الانتباه اليوم إلى ما اعتبره مؤسفاً بل مخيباً للآمال، وهو مظاهر واضحة لعزوف كم لا يستهان به من إدارات بعض المنظمات عامة وإدارات الموارد البشرية خاصة في تلك المنظومات عن انتهاج أسس استراتيجية موضوعية واضحة وقابلة للتطبيق بفعالية في مناهج إدارتهم للموارد البشرية.
كان بعضهم ممن شهدنا، حاضرا في الشكل مغيباً عن التطبيق، وبعضهم الآخر ناقلا حرفياً لما قد يُنتهج من مناهج إدارية في منظمات شبيهة أو منافسة، صارت في هيئتها كمخلوق يلبس جلدا لمخلوق آخر، فلا صلُح جلده الجديد ولا استطاع حماية جسده من أي عارض، بلا فطنة الى خصوصية اللغة المحكية في مؤسستهم في الداخل وخصوصية علاقاتهم مع الخارج وخصوصية ما بين البينين كتركيبة مؤسسية متخصصة لذاتها، ذات طابع متفرد وبصمة يستحيل نمذجتها.
ناهيك عن بعض آخر من الإدارات، غُيب تماماً فيها النظام الملموس لإدارة حضارية للموارد البشرية، وما يشهد فيها الا حضور خجول لمنظمومة مكبلة مسلوبة الإرادة شكلية التطبيق في إدارة تلك الموارد.
ناسين أو متغافلين عن أن المورد البشري بات هو المورد الوحيد الثابت في مقدرات تلك المنظمات من بين بقية الموارد الأخرى والأصول، وأن التخطيط الاستراتيجي لها وبها - أعني الموارد البشرية-، بات أمرا حتمياً، فقط لمن احترف ركوب موجات التغيير التي تجتاح مجتمعات الأعمال اليوم وبالتأكيد غداً....
والطامة الكبرى وجود الوعي، وغياب التطبيق....
فقط تذكر عزيزي "المدير العام"، وعزيزي "مدير الموارد البشرية"، بأن "أسوأ قرار يتخذه المدير هو أن يقرر بأن لا يقرر"
أستغرب إن وُضع نظام للتوظيف والتعيين، لا يتوافق مع خطة المنظمة الاستراتيجية...
أستغرب من نظام حوافز لا يحرك في مشاعر التحفيز لدى الموظفين وتر !! ...
وأستغرب من نظام تقييم سنوي يبدأ المُقيم فيه العد في مسطرة التقييم خاصته بالعكس، أي من خانة "ممتاز" للمعظم، ثم يتدرج تنازليا الى خانة "جيد جد"ا للبعض ، و"جيد" للندرة، و"متوسط" لمن هم من فئة "المغضوب عليهم" .... ولا الضالين آمين !!!!
ولا وجود لتقييم " ضعيف" أو حتى "رديء" على الأقل من باب ضرورة وضع خطط التقويم! أو لإحقاق العدالة أو المساواة، لتمييز من كان فيهم المبدع، عن المجتهد، عن المؤدي، عن المقصر، عن المعطل ... وكأن تلك المنظمة ما هي الا السّبّاقة في زمانها، الفذة في وموظفيها وهم الفلتات أو أدنى من ذلك بقليل...
ولكم استغربت ان لا يرتبط كل نظام في إدارة الموارد البشرية كـ (التوظيف والتعيين، التدريب، الحوافز والمستحقات، الترقيات والإحلال، التقييم والتقويم،الإدارة الاستراتيجية، وادارة الجودة ، ومثلها إدارة العلاقات الداخلية، وغيرها من النظم .... ) لا ترتبط في جلها في مصفوفة واحدة شاملة، منطقية محوسبة أو حتى غير محوسبة !، تفضي إلى إيجاد حلول وامتدادات وإجابات عن كل ما قد يعترض المورد البشري وطريق إدارتهم....
ويطول وقوف استغرابي، بل ويخيب الأمل أكثر، عندما نسأل "كبير القوم !" عن مستوى تطبيقه لمفاهيم إدارية مماتفرضه متطلبات عالم الأعمال اليوم من سياسات ومناهج وأدوات إدارية أصبحت علينا لزاما في اتباعها أمام المجتمع الدولي، كإدارة الموارد بالجدارات مثلا "Competency Based "HRM ، أو مفهوم 6Sigma وجودته، أو حتى مفهوم ال ERP الديناصوري وسبل تفعيل نظامه المحوسب... وغير ذلك من أدوات ومناهج إدارية أصبح تطبيقها العالمي في علم الإدارة "محو أمية" المنظمة...
كل هذا ولازلنا نطلب في دعاء استسقاء بائس، نستمطر فيه النجاح بما يضاهي لغة عالم الأعمال، نسينا أن الدعاء له مسببات للاستجابة، فهلا تحريتموها ؟

زملائي مدراء الأعمال،
حديثي القادم بإذن الله، سأتناول فيه مفهوم التخطيط الاستراتيجي في إدارة الموارد البشرية...
تابعوني