تلقيت سؤالاً من أحد العملاء أثار في نفسي الكثير من الشجون، ودفعني إلى التفكير لعدة أيام في مفهوم فرق العمل وتطبيقاتها في حياتنا المعاصرة. دار سؤال العميل حول الأسباب التي دفعت "كارلوس غصن" البرازيلي-الفرنسي ذا الأصول اللبنانية، إلى تشكيل فرق عمل متقاطعة لإنقاذ شركة "نيسان" اليابانية من الإفلاس، وهي التجربة التي نشر بدايات نجاحها عبر كتابه الشهير "النقلة: أسرار عودة نيسان إلى بر الأمان."

عندما انتقل "غصن" من شركة "رينو" في فرنسا إلى قيادة شركة "نيسان" في اليابان، شكَّل فرق عمل متقاطعة، فأحضر فريقًا متنوع الخبرات من فرنسا ضم تسعة عشر عضوًا يغطون جميع الوظائف الإدارية. عمل هؤلاء المديرون متعددو التخصصات ومتنوعو الخبرات، مع فرق عمل يابانية مطعمة بعدد قليل من الألمان والأمريكان، وفي بيئة قائمة على تنوع الثقافات. وبسبب الحماس الشديد الذي تمتعت به تلك الفرق في البداية، نجحت التجربة، ثم بدأت مشاكل التنوع الثقافي واختلاف السلوكيات تظهر بالتدريج، حتى تم تقليص عدد المديرين غير اليابانيين لاحقًا، وانهمك "غصن" بعد النجاحات الأولى في حل الصراعات الناشبة داخل تلك الفرق. ولكن هناك من يرى أن المشكلات التي واجهها "غصن" تفاقمت بعدما تولَّى إدارة شركتي "نيسان" و"رينو" معًا.

في عالم الأعمال، تحقق فرق العمل النجاح عندما تتكون من أعضاء يأتون من تخصصات وإدارات ووظائف مختلفة؛ بشرط أن تكون بيئة العمل مستقرة ومتجانسة. مثل أن نـُكوِّن فريقًا يضم أعضاءً من الإدارة المالية والتسويق والموارد البشرية والبحث والتطوير والإدارة الهندسية مثلاً، وقد يضم مستشارين خارجيين أيضًا. فكما هو واضح، فإن فرق العمل المتقاطعة تـُشكَّـل لتحقيق المكاسب التالية:
- زيادة جرعات الإبداع والابتكار لأن أعضاء الفريق ينتمون إلى مدارس وتخصصات مختلفة، ويمتلكون خبرات متنوعة ومتباينة. وكثيرًا ما تكون المهمات التي يُكلَّفون بها جديدة على بعضهم، كما أن كثيرين منهم لا يعرف بعضهم بعضًا قبل تشكيل الفريق.
- حل مشكلات مستعصية لم تستطع الإدارة العليا وحدها، أو كل إدارة حلها على انفراد.
- اتخاذ قرارات يتحمل مسؤوليتها فريق جديد؛ لا يخضع لتبعات قرارات سابقة، ولا لضغوط يعاني منها المديرون الأفراد، ولا لحالات فشل معروفة قد تثير الخوف بين أفراد الفريق.
- تنفيذ مشروعات معقدة تحتاج خبرات وتخصصات فنية وإدارية متنوعة، وذكاءات متعددة.
- العصف الذهني وضبط الجودة والتفكير خارج الصندوق؛ بحرية وأريحية.
- اللجوء إلى حلول داخلية بدلاً من الاستعانة بشركات استشارية خارجية باهظة التكاليف.
- العمل بروح فريق ديموقراطية ومنفتحة بلا تحيُّزات وأحكام مسبقة.

يعتبر "بيتر دراكر" أول خبير إدارة يصف فرق العمل المتقاطعة ودورها في بناء الثقة داخل المنظمات. وقد نجح في تطبيقها "جاك ولش" في شركة "جنرال إلكتريك" قبل "كارلوس غصن" بعدة سنوات، بسبب مصفوفته الشهيرة في اختيار المديرين والموظفين. كما برع اليابانيون في توظيفها أكثر من الأمريكيين، وطبقها الكوريون أكثر من اليابانيين في مجالات البحث والتطوير.

إضافة إلى المسوغات التي تناولها "كارلوس غصن" والمنطق العلمي الذي طرحه "دراكر" ومصفوفة "جاك ولش"؛ فإنني أرى أن فرق العمل المتقاطعة تيسر العمل بشفافية في كل بيئة عمل، لأن أعضاءها متنوعو المشارب والمواهب، ولا يتحفظون في طرح أفكارهم، ولا يتحملون أعباء مسؤولياتهم القيادية والتنفيذية التي يتركونها خلفهم عندما ينخرطون في فرق عمل جديدة ومفتوحة، وذات مسؤوليات بعيدة نوعًا ما عن وظائفهم التقليدية المحاطة بالكثير من القيود والأنظمة المعقدة.

فبسبب الشفافية والتلقائية التي تسود فرق العمل المتنوعة والمتقاطعة، وروح الثقافة الديموقراطية التي يستشعرها أعضاء الفريق، يتخلى أعضاء الفريق عن مخاوفهم الموروثة من بيئات العمل الراكدة، ويبتعدون عن الصراعات الجانبية، ويعبرون عن أنفسهم بشجاعة، وكثيرًا ما يكشفون نقائصهم ونقاط ضعفهم لبقية أعضاء الفريق، ويعبِّرون عن نقاط قوتهم ويوظفونها على المكشوف، ودون تحفظات أو اعتبارات للمستويات الوظيفية، والخلفيات الثقافية أو العرقية.

وعليه، أرى أنه من الصعب على الإدارة البيروقراطية أن تتمتع بالشفافية وروح التعاون، لأنها ترزح تحت أعباء تجانس مفتعل، وتآلف مصطنع، وتتخذ قرارات محددة مسبقًا، ولا تستطيع التخلص من العلل ومن مظاهر الخلل، التي تصيب فرق العمل، ومنها: غياب الثقة، والانهماك في الصراعات، وعدم الالتزام، والتهرب من المسؤولية، وغموض الخطط والنتائج المطلوبة، وإخفاء نتائج الفشل المتحققة.
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
فماذا لو لجأت الحكومات الأوتوقراطية في الدول الفاشلة والمتخلفة إلى تنفيذ مشروعاتها الحيوية من خلال فرق عمل متقاطعة ومتنوعة؟ هل يمكنها فعل ذلك من حيث المبدأ؟ وإذا ما فعلت: هل ستكون فرقها متنوعة وشفافة حقًا؟ وهل يمكن لإدارة ديكتاتورية أو فردية أو فئوية أو عسكرية أو عشائرية إدراك أن التنوع والتعددية هما المصدر الأول لذكاء المؤسسات ونجاح المجتمعات؟
نسيم الصمادي