تطلب تطبيق إدارة المعرفة تهيئة بيئة المنظمة للوصول إلى أقصى استفادة ممكنة من المعرفة، بحيث تكون بيئة مشجعة على الإدارة الفعالة للمعرفة، ومن ثم يمكن تخزين ونقل وتطبيق المعرفة. وبصفة عامة، فإن مثل هذه البيئة تتطلب توافر العناصر الآتية: هياكل تنظيمية ملائمة لإدارة المعرفة، وقيادة وثقافة تنظيمية تشجع على ذلك، وتكنولوجيا المعلومات. وفيما يلي شرح لهذه المتطلبات:) عبد الوهاب ،2005)
1- الهياكل التنظيمية:
مما لاشك فيه أن الهياكل التنظيمية الأكثر ملائمة لإدارة المعرفة هي تلك الهياكل التي تتسم بالمرونة والتكيف مع البيئة وسهولة الاتصالات وقدرتها على الاستجابة السريعة للمتغيرات.
بالتالي فان تهيئة المناخ المناسب لتطبيق إدارة المعرفة التنظيمية تتطلب بالضرورة التحول إلى الممارسات الإدارية المعتادة الأكثر توافقاً مع معطيات عصر المعرفة، مثل:
* التحول من الهيكل التنظيمي الهرمي الشكل المتعدد المستويات إلى الهياكل التنظيمية الأكثر تفلطحاً والأبعد عن الشكل الهرمي.
* التحول من النظم المركزية التي تعتمد على احتكار المعرفة وتركيزها في مستوى تنظيمي واحد، إلى النظم اللامركزية، التي تستند إلى تدفق وانتشار معرفي يغطى المنظمة كلها ويشارك الجميع في تخليقها.
* التحول من أنماط التنظيم القائمة على العمل الفردي المنعزل إلى نمط العمل الجماعي في فرق عمل ذاتية.
وقد قامت شركة روفر Rover الإنجليزية للسيارات بإنشاء إدارة تعلم كما تبنت هيكلا تنظيمياً مرنا وأفقياً يتناسب مع العمل كفريق ومع عمل كل فرد بمرونة واستقلالية.وقد استطاعت الشركة أن تتحول من شركة خاسرة إلى شركة لها مكانتها العالمية في خلال خمس سنوات ، بفضل تبنيها واهتمامها بالمعرفة .
وفى عام1991،كانت شركة ناشيونال سيمى كوندكتورNationalSemiconductor - شركة تعمل في مجال التكنولوجيا- تعانى تعثراً، حيث وصل حجم خسائرها إلى 150 مليون دولار في العام،وكانت تتمتع بمركزية شديدة وبهيكل تنظيمي هرمي،وكان من مشاكل الشركة أن المعلومات لا يتم تداولها والمشاركة فيها في المنظمة.ولحل هذه المشاكل ، تم تعيين قيادة جديدة للشركة قررت التركيز على إدارة المعرفة في المنظمة. وبعد أقل من 4 سنوات، تحسن موقف الشركة كثيراً،حيث أصبحت إيرادتها 2 مليار دولار وبلغت أرباحها 130 مليون دولار. ومن الأشياء الملفتة التي حدثت خلال هذه السنوات الأربعة ، أن الهيكل التنظيمي للشركة أصبح أكثر أفقية ومرونة . (عبد الوهاب ،2005)
2- الثقافة التنظيمية:
الثقافة التنظيمية هي مجموعة القيم والمعتقدات والأحاسيس الموجودة في داخل المنظمة والتي تسود بين العاملين مثل طريقة تعامل الأفراد مع بعضهم، وتوقعات كل فرد من الأخر ومن المنظمة ، وكيفية تفسيرهم لتصرفات الآخرين . ويتطلب تطبيق إدارة المعرفة في أية منظمة أن تكون القيم الثقافية السائدة ملائمة ومتوافقة مع مبدأ الاستمرار في التعلم وإدارة المعرفة، وأن تكون الثقافة التنظيمية مشجعة لروح الفريق في العمل.وهناك عوامل تساعد على إدخال مفهوم إدارة المعرفة في المنظمة، وهى بالتالي تمثل عوامل ايجابية لإدارة المعرفة في المنظمات ويقصد بها الثقافة التي تشجع وتحث على العمل بروح الفريق وتبادل الأفكار ومساعدة الآخرين، والقدوة والمثل الأعلى للقيادة الفعالة التي تعتني بالمعرفة والعوامل التي تساعد وتحفز على تبنى مفهوم إدارة المعرفة .
كما توجد عوامل تؤثر سلباً في تبنى المنظمة لإدارة المعرفة، ولذلك ينبغي التخلص منها أولاً قبل محاولة إدخال هذا المفهوم في المنظمة مثل الاعتقاد بأن معرفة الأفراد نفسهم لا قيمة لها ، وعدم فهم المعنى الحقيقي لإدارة المعرفة .
وهنا، لابد من تطوير الثقافة السائدة في المجالس المحلية أو في المنظمة المراد تطبيق إدارة المعرفة فيها.ولقد أكدت الدراسات أن المجالس المحلية في أستراليا تفتقد بصورة قوية ثقافة تبادل المعلومات والمعرفة والمساهمة في انتقالها . وتتطلب عملية تطوير الثقافة السائدة إلى ضرورة التحدث مع العاملين في المنظمات حول أهمية تغيير هذه الثقافة ، وحول مدى الاستفادة التي يمكن للمنظمة تحقيقها عن طريق نشر هذه الثقافة داخل المؤسسة، وكذلك بيان إلى أي مدى قد تفقد المنظمة الكثير من فاعليتها وكفاءتها بغياب مثل هذه الثقافة.
وتأكيدا لأهمية الثقافة التنظيمية في تطبيق إدارة المعرفة،عملت شركة روفر Rover الإنجليزية على تأسيس رؤية ومعتقدات تتناسب مع التركيز على التعلم لمشاركة المعرفة. فأصبح التعلم المستمر والمشاركة في المعرفة من الجوانب المهمة في ثقافة المنظمة .كما قامت إدارة شركة ناشيونال سيمى كون دكتورSemiconductorNational بتنظيم ورش عمل لخلق وتنمية ثقافة تنظيمية تتيح المشاركة في المعرفة والتعلم من الآخرين .(عبد الوهاب ،2005)
3- دور القيادة في إدارة المعرفة:
إن إدارة المعرفة تتطلب نمطاً غير عادي من القيادة يتمكن من قيادة الآخرين، لتحقيق أعلى مستويات من الإنتاجية في المنظمة. فالقادة لم يعد يوصفون بأنهم رؤساء، ولكنهم يوصفون بأنهم منسقونCoordinator أو مسهلونFacilitators أو مدربون Coaches. ولذلك، فإن القائد المناسب لإدارة المعرفة هو القائد الذي يتصف بثلاث صفات أساسية هي: القدرة على شرح الرؤية للآخرين، وأن يكون قدوة لهم، وأن تكون لديه القدرة على ربط هذه الرؤية في أكثر من مضمون وداخل أكثر من إطار يهم المنظمة وتعمل المنظمة من خلاله. وهناك صفات أخرى يتعين أن يتصف بها القائد هي:أن يعمل على بناء رؤية مشتركة ، والاتصال والتعامل الدائم مع الآخرين في المنظمة وسماع ردود أفعالهم عن رؤيته مع تقييم هذه الرؤية وإعادة تشكيلها وتنميتها، كلما لزم الأمر.(أحمد، 2005:ص68)
كما يجب أن يتحقق القائد من أن المعلومات التي يصل إليها الأفراد والقادة هي انعكاسات للحقائق والبيانات وليست استنتاجات شخصية ليس لها أساس موضوعي.وإلى جانب ذلك، فإنه يتعين عليه النظر إلى الأمور المتعلقة بالمنظمة على أنها عمليات مرنة ومتفاعلة وليست أموراً جامدة وثابتة .
4- تكنولوجيا المعلومات:
توفر تكنولوجيا المعلومات الحديثة الكثير من الإمكانيات لإدارة المعرفة مثل:شبكة المعلومات، والشبكة الداخلية Internet، وبرنامج تصفح Browsers، ومخازن البيانات، ومصفاة البيانات Data Filer، وبرنامج Software مما يسهل ويسرع من إدارة المعرفة في المنظمات.ولكي تكون هناك عملية مستمرة لتبادل المعرفة،يجب أن تتوافر أربعة شروط في نظام التكنولوجيا هي:القدرة على إدراك ومراقبة وإجراء مسح للنواحي المهمة في البيئة المحيطة،والقدرة على ربط هذه المعلومات بالقيم والقواعد الإرشادية لسلوك النظام،والتعرف على القيود ذات الدلالة عن هذه القيم والقواعد، والقدرة على البدء في القيام بأفعال إصلاحية مناسبة عن التأكد من وجود تناقضات.وقد أكدت الدراسات أن نظم إدارة المعرفة تفيد المنظمة في تحقيق اتصال أفضل، من حيث السرعة والجودة والشفافية والمشاركة من قبل العاملين. كما تساعد في تحقيق كفاءة أعلى، من حيث تقليل وقت حل المشكلات وتخفيض العمالة.
ويؤدي استخدام نظم مساندة الأداء الاليكتروني إلى مزيد من التعلم، من خلال الأداء، والتعلم الفردي،وتوليد معرفة جديدة باستمرار، والقدرة على الحصول على المعرفة وتخزينها. ومع حتمية وجود كل هذه الوظائف والإمكانيات أصبح هناك وظيفة جديدة بمسميات مختلفة في المنظمات التي تهتم بإدارة المعرفة، وهي مدير المعرفة Chief Knowledge Office Knowledge Department Manager . (عبد الوهاب ،2007)

لقد تبين من خلال التحليل السابق أن إدارة المعرفة مفهوم جديد ولها أهمية بالنسبة للمنظمات كما تعرفنا على مراحل الحصول على المعرفة وأن هناك متطلبات لتطبيق إدارة المعرفة تتمثل في ضرورة أن يكون الهيكل التنظيمي مرنا وأفقيا، وليس رأسيا ، وأن تكون هناك قيادة واعية ومهتمة بتطبيق إدارة المعرفة ومشجعة لتبادل المعلومات بين العاملين،مع إتاحتها للمواطنين.كما يجب أن تكون الثقافة التنظيمية مواتية لتطبيق إدارة المعرفة، فتنطوي على القيم التي تشجع التعلم الذاتي والحرص على الاستفادة من الآخرين والتعلم منهم، وإرضاء المواطنين والمتعاملين مع المجالس والإدارات الحكومية.والى جانب ما سبق، يتعين توافر تكنولوجيا المعلومات التي يمكن من خلالها تبادل المعلومات