"المعرفة" اسم مشتق من الفعل "يعرف" وتشير إلى القدرة على التمييز أو التلاؤم، وهي إذن كل ما هو معرف أو ما هو مفهوم. والمعنى أن الرصيد المعرفي الناتج من حصيلة البحث العلمي والتفكير الفلسفي والدراسات الميدانية والتطوير والمشروعات الابتكارية وغيرها من أشكال الإنتاج الفكري للإنسان عبر الزمان تتمثل جميعها في الرصيد المعرفي أو الكم المعلوم القابل للاستخدام في أي مجال من المجالات.ونميز بين نوعين من المعرفة:- المعرفة المعلنة: وهي كل ما يمكن التعبير عنه باللغة وأشكال التعبير الرياضية كالمعادلات والأدلة والكتابات المختلفة، وهذا النوع من المعرفة قابل للانتقال بسهولة بين الأفراد بشكل معلن.- المعرفة الذاتية أو الكامنة في الإنسان: وهي المعتقدات والاتجاهات والمدركات والقيم الذاتية النابعة من التجارب الشخصية للإنسان والتي تمثل جماع مفاهيمه وتجاربه وخبراته المختزنة داخله والتي لا يعبر عنها صراحة ولا يتم تناقلها بين الأفراد بشكل رسمي معلن..
إن تخليق المعرفة التنظيمية وهو سر نجاح الإدارة اليابانية وتفوقها على الإدارة الأمريكية والأوروبية، وهي تلك العملية التي تتضمن:1- قدرة المنظمة كلها على تكوين رصيد معرفي جديد نتيجة للتفاعل بين المعرفة الكامنة لدى أفرادها، والمعرفة المعلنة التي تمثل رصيد المنظمة من خبراتها وتعاملاتها.2- نشر هذه المعرفة التنظيمية في مختلف مستويات وقطاعات المنظمة لتكون هي الأساس في توجيه الأنشطة المعرفية. ومن ثم العمل الإنتاجي في المنظمة.3- تضمين هذه المعرفة التنظيمية في كل العمليات والأنظمة، المنتجات، والخدمات التي تتعامل فيها المنظمة. والفكرة المحورية هنا أن "عملية تخليق المعرفة" تعادل الابتكار أو الاختراع المستمر والمتصاعد بما يؤدي إلى تكوين الميزة التنافسية.وللتأكيد، فإن التفاعل بين نوعي المعرفة الكامنة والمعلنة يمثل أحد أهم عناصر عملية تخليق المعرفة التنظيمية حيث يتم تزاوج المعرفة الرسمية للمنظمة [الأهداف، السياسات، القرارات، الاستراتيجيات، المفاهيم والقواعد والمعايير]، والمعرفة الكامنة لكل فرد من أفرادها، وذلك من خلال فتح قنوات الاتصال بين عناصر المنظمة ومستوياتها وإزاحة الموانع بين نوعي المعرفة بما يؤدي إلى تكوين "معرفة مشتركة" تسود المنظمة وأفرادها. وبذلك يتم تكوين المعرفة التنظيمية عند مستوى الفرد، الجماعة، والمنظمة على إطلاقها. وبذلك يمكن تصوير عملية تخليق المعرفة التنظيمية على أنها تفاعل مستمر على محورين:المحور الأول، أنواع المعرفة ويشمل:- تفاعل المعرفة الكامنة للفرد مع المعرفة الرسمية [المعلنة] للمنظمة.
- تفاعل بين المعرفة الداخلية للمنظمة والمعرفة الخارجية [مصادر المعرفة خارج المنظمة].


المحور الثاني، مستويات المعرفة ويشمل:- تفاعل بين معرفة الفرد ومعرفة المنظمة.
- تفاعل بين معرفة الفرد ومعرفة جماعة [جماعات] العمل.
- تفاعل بين معرفة الجماعة ومعرفة المنظمة.
- تفاعل بين معرفة الجماعة ومعرفة جماعة [جماعات] أخرى.


إن النجاح في تخليق المعرفة التنظيمية يقوم على نجاح المنظمة في فتح قنوات الاتصال بين أفرادها وإشاعة مناخ يحابي تحويل المعتقدات والمدركات والقيم التي يختزنونها بداخلهم إلى كلمات وتعبيرات معلنة يمكن تداولها فيما بينهم وانتشارها في أرجاء المنظمة حتى يمكن لها أن تجدد طريقها للاندماج فيما يتم من عمليات، منتجات، ونظم وخدمات.وتبدأ المعرفة عادة لدى الفرد، ومن ثم تنتقل هذه المعرفة إلى المنظمة من خلال التفاعل بين مدركات ومعارف وقيم واتجاهات الفرد التي يريد طرحها على المنظمة، وبين النظم والقواعد والسياسات والهياكل والأساليب المقررة للسلوك التي تحددها المنظمة وتبغي فرضها على الفرد. وتستمر هذه العلاقة التبادلية معلقة بالقوة النسبية لكل من الطرفين، حيث تتمركز قوة الفرد في معرفته، وتتمركز قوة المنظمة في عناصر السلطة، وقد كانت الغلبة في النظم الماضية للسلطة بينما تتحول القوة الآن لتكون في المعرفة.ومن ثم فإن عملية تخليق المعرفة التنظيمية يشارك فيها الجميع في المنظمة، الإدارة العليا والإدارة الوسطى والعاملون في مختلف المستويات، ولكن كل يشارك بقدر بحسب مصادر معرفته الكامنة أي بحسب قوته النسبية. وحيث يتمتع المهنيون والأخصائيون الذين يباشرون الأنشطة المعرفية ومن يسميهم دركر عمال المعرفة بقدر من المعرفة أعمق وأوسع وأشد وضوحاً من غيرهم، لذا فإن تأثيرهم في تخليق المعرفة التنظيمية يكون أوضح وأقوى من غيرهم من فئات العاملين في المنظمة.
منقول