مقابلة العمل Interview هي وسيلة أساسية من وسائل اختيار الموظفين في بلادنا وفي العالم كله. فالمقابلة الشخصية تستخدم لفهم إمكانات الشخص المتقدم للوظيفة ولمعرفة شخصيته وقدراته بما يُمَكِّن المؤسسة التي تبحث عن موظف من اختيار الشخص المناسب. كنت قد كتبتُ من قبل مقالة حول الاستعداد للمقابلة الشخصية فارجع إليها إن كنت تبحث عن عمل، ولكن ما نناقشه هنا هو الجانب الآخر Interviewer أي جانب الشخص الذي يختار الموظف المناسب أي المدير أو المسئول عن إجراء المقابلات الشخصية مع المرشحين للوظيفة. وسوف نستخدم مصطلح “مسئول” للتعبير عن ممثل الشركة أو الجهة الباحثة عن موظفين، ونستخدم مصطلح “مرشح” أو “مرشح للوظيفة” للتعبير عن الشخص المتقدم للوظيفية.


ما هي أهمية المقابلة الشخصية؟


المقابلة الشخصية هي إجراء غاية في الأهمية للمؤسسة التي تطلب موظفين. فهو إما الوسيلة الأساسية أو إحدى الوسائل الأساسية لاختيار الموظفين. وبالتالي فإن المقابلة الشخصية قد ينتج عنها اختيار الشخص المناسب أو غير المناسب والفارق بين الحالتين كبير. اختيار الشخص المناسب يعني أن هذا الشخص سيكون إضافة لفريق العمل، وسيقوم بما هو مطلوب منه، وسيستمر مع المؤسسة لفترة طويلة. أما اختيار الشخص غير المناسب فإنه ينتج عنه مشاكل كثيرة مثل: زيادة تكلفة ووقت التدريب، زيادة عدد الإصابات، انخفاض في جودة العمل، مشاكل بين أفراد فريق العمل، تأثير على رضا العملاء، استقالة الموظف بعد فترة قصيرة، الاضطرار لإنهاء عقد الموظف والدخول في الإجراءات القانونية اللازمة.


الموظف غير المناسب هو مشكلة عظيمة الخطر. فلو اخترنا الموظف غير المناسب لطبيعة العمل فسنضطر أن نُدرِّبَه ونصبر على أخطائه. ولو اخترنا شخصا كسولا فإنه سيصيب باقي العاملين بالإحباط أو التوتر لأنه لا يقوم بمثل ما يقومون به. ولو اخترنا شخصا مهملا فسيتسبب في كثير من الأخطاء وربما حوادث العمل. ولو اخترنا شخصا سيء الخلق فسيثير مشاكل متنوعة. وفي النهاية فإن هذا الموظف قد يبحث عن مكان آخر يناسبه وبالتالي نبدأ نحن رحلة البحث عن موظف آخر وهو أمر يحتاج لمال وجهد ووقت. وقد نجد أنفسنا مضطرين لفصل الموظف ومواجهة الخسائر المالية طبقا لبنود عقده بالإضافة إلى رحلة البحث عن موظف جديد. وقد نجد صعوبة في إنهاء تعاقده فنتحمله على ما هو عليه ويصبح عبئا على المؤسسة.




لذلك فإن المؤسسات التي ترغب في النجاح على المدى البعيد تُعطي اهتماما كبيرا لعملية اختيار الموظفين وقد تجد أن مديرا مرموقا يشارك بنفسه في اختيار موظف صغير. وتزداد أهمية المقابلة كلما ارتفع المستوى الوظيفي للوظيفة الخالية حتى أنه قد يتم عقد أكثر من مقابلة أحيانا.


أبعاد أخرى للمقابلة الشخصية:


إن تأثير المقابلة الشخصية لا يتوقف عند اختيار مرشح مناسب أو غير مناسب بل إن له تأثيرات أخرى غير مرئية. إن التعامل اللائق أو غير اللائق مع المرشحين يترك لديهم انطباعات تستمر لفترة طويلة. فعندما يجد المرشح معاملة حسنة من مسئول التوظيف ومن موظف الاستقبال ومن مسئولي المقابلة فإن هذا يترك لديه انطباع حسن عن هذه المؤسسة حتى لو لم يتم اختياره. وعندما يتم التعامل بتعالٍ مع المرشح، أو يضطر للانتظار لمدة ساعات لإجراء المقابلة، أو يُبلغ بموعد المقابلة قبل موعدها بيوم واحد، أو يتعرض لأسئلة لا علاقة لها بالعمل أثناء المقابلة، أو نحو ذلك، فإنه يخرج بانطباع سيء يبقى في داخله لمدة طويلة حتى لو تم اختياره.


قد تقول لي: يا أخي انطباع سيء وانطباع حسن…نحن نبحث عن موظف ولا نبحث عن علاقات اجتماعية. نعم، نحن نبحث عن موظف ولكن هل تعرف ما تأثير هذه الانطباعات؟ إن الانطباع السيئ قد يكون له نتيجة مباشرة وهي هروب المرشح أو المرشحين الذين تم اختيارهم. فقد يُقرِر المرشح أثناء المقابلة أنه لن يعمل في هذه المؤسسة أبدا لأنه يربط بين ما رآه أثناء المقابلة وبين ما يمكن أن يحدث بعد توظيفه. ولو لم يتم اختيار المرشح فإنه سيحتفظ بهذا الشعور السيئ بداخله وهذا قد يكون له تأثيرات بعيدة. هذا المرشح قد نحتاجه بعد عدة أشهر فيرفض أن يردَّ علينا. هذا المرشح قد يتحدث مع أصدقائه وزملائه عن سوء إجراءات المقابلة الشخصية في مؤسستنا وبالتالي فإن هؤلاء الزملاء والأصدقاء قد يترددون كثيرا في التقدم يوما ما للعمل لدينا وبالتالي نكون قد خسرنا مرشحين قد يكونون من أفضل المرشحين. هذا المرشح قد يصبح يوما ما موردا لنا أو عميلا محتملا لنا فانظر كيف سيكون تأثير المعاملة التي لَقِيَها منا في المقابلة الشخصية.


وعلى العكس فالمرشح الذي يخرج من المقابلة وهو يشعر أن هذه مؤسسة محترمة سينقل شعوره ورأيه لكثير من معارفه وهؤلاء قد يتقدمون يوما للعمل لدينا أو قد يصبحون عملاء لنا. وهذا الموظف نفسه لن يتردد في العمل لدينا لو طلبنا منه ذلك.


هذا من ناحية العمل وأما من الناحية الأخلاقية فإن إجراء المقابلة الشخصية بصورة غير سليمة بأي شكل من الأشكال هو منافٍ للأخلاق بل وله تأثيرٌ على المجتمع. فالشخص الباحث عن وظيفة قد يكون بلا عمل أو يعمل في عمل لا يكفيه هو وأسرته وبالتالي فهو يأتي للمقابلة يحدوه الأمل في تجاوز محنته. فهل نستغل محنته أم نزيدها؟ إننا لن نقبل كل المرشحين وسنرفض أكثرهم بطبيعة الحال ولكن لا ينبغي أن نرفضهم ونُشعِرهم بالمهانة أو الظلم. هذا عمل غير أخلاقي. فبغض النظر عن كل ما ذكرته عن تأثير ذلك على العمل فهذا في حد ذاته عمل غير أخلاقي. إن لم تستطع مساعدته فلا أقل من أن يمر بمقابلة جادة ويعامل معاملة محترمة.


وعندما يشعر المرشح بعدم العدالة وبأن المقابلة لم تكن حقيقية فإنه يشعر بإحباط شديد فهو قد ضيَّع وقته أو بمعنى أدق خُدِع. وعندما يتكرر هذا الأمر معه فإن إحباطه يزداد ويبدأ يشعر أن مجهوده يذهب سدى. وعندما يتكرر الأمر مع آخرين فإنه يشعرون بنفس الشعور وينتقل الإحساس لمن هم أصغر منهم فيشعرون أن الدراسة والاجتهاد لا قيمة لهما. وعندما يشعر الشاب بذلك فإنه يُفكر في الهجرة ويفقد انتماءه لمجتمعه.


فاتق الله في المرشحين. نعم، اتق الله في المرشحين ولا تزد همهم هموما. وتذكر أن ابنك أو حفيدك يوما ما سيبحث عن عمل والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. فإن لم تستطع أن تُعين المرشح فلا تستغل حاجته. لا تستغل موقعك وحاجة المرشح لكي ترضي كبرياءك. لا تهمل المرشح ساعات، ولا تسأله أسئلة شخصية لا علاقة لها بالعمل، ولا تعِده بالعمل وأنت لا تنوي اختياره، ولا تكذب عليه، ولا تطلب منه الحضور وأنت لن تختاره على أي حال. اتقوا الله في المرشحين.


ولا يفوتني أن أنصح المرشح بألا يترك مقابلة سيئة أو اثنين أو ثلاثة تؤثر عليه وتفُتُّ في عضده. إن الكثير من الأمور السيئة التي تحدث في المقابلات قد تحدث عن غير قصد وبسبب عدم دراية المسئولين عن المقابلة عن أصول المقابلات الشخصية. فكن صبورا ومثابرا وتوكل على الله وإن شاء الله توَفَّق في بحثك عن عمل. واجعل أي تجربة سيئة درسا مفيدا عندما تمر السنون وتكون أنت مسئولا عن إجراء المقابلات الشخصية.


تأهيل المسئولين عن إجراء المقابلة:


على الرغم من أهمية المقابلات الشخصية البالغة وصعوبتها وتأثيرها على مستقبل المؤسسة فإن الكثير أو أغلب المديرين يقوم بالمقابلات الشخصية بدون أي تدريب أو تأهيل. فقلَّما تسمع عن دورة تدريبية عن إدارة المقابلات الشخصية. ولو بحثت في شبكة الإنترنت لوجدت الكثير من الواقع يشرح لك كيف تجتاز المقابلة الشخصية كمرشح ولوجدت قليل من المواقع يشرح دور المسئول الذي يقوم بإدارة هذه المقابلة ويختار المرشح المناسب.


ففي أرض الواقع تجد أكثر المقابلات تتم بشكل عشوائي غير مخطط، فهذا يأتي للمقابلة الشخصية دون أن يدرس أوراق المتقدم، وهذا يُجري حوارا غير واضح الأهداف. وتجد أن معايير الاختيار غير واضحة وإنما ينتهي الأمر بهذا مناسب وهذا غير مناسب. وقد تؤدي إجراءات المقابلة الشخصية إلى ترك انطباع سيء جدا لدى المرشحين وهو ما قد يؤثر على سمعة المؤسسة كما ذكرنا.


مقابلات العمل ليست أحادية الاتجاه:


يتصور البعض أن مقابلات العمل لاختيار موظفين جدد هي اختبار لهؤلاء المرشحين ولكن في الحقيقة فإن هذه العملية هي عملية ثنائية الاتجاه، فأنت تختبر المرشح وهو يختبرك، أنت تحاول معرفة أي معلومات عن المرشح وهو يحاول أن يعرف أي معلومات عن مؤسستك، أنت تختبر معلوماته وهو يختبر أسلوبك، أنت تبحث عن أي ملاحظات صغيرة تدل على شخصيته وهو يبحث عن أي تفاصيل صغيرة تدل على ثقافة مؤسستك. فالعملية متبادلة وليست من طرف واحد. صحيح أنك كمسئول ستتحكم في مسار المقابلة وتختار الأسئلة التي تطرحها وعلى المرشح أن يجيب عليك، إلا أن المرشح يأتي للمقابلة وهو يلاحظ كل شيء في مكان وأسلوب المقابلة وطريقة تعامل من يلقاهم من موظفي المؤسسة. بل إن الأمر يبدأ من المكالمة التليفونية للدعوة لحضور المقابلة.


ماذا يحدث عندما تأتيك مكالمة تليفونية تدعوك لمقابلة شخصية في شركة ما؟ لو كنت تبحث عن عمل فإنك ستسعد بذلك ولكن لا يُشترط أن تذهب للمقابلة. فقد تجد من يقول لك إن لديك مقابلة بعد غد الساعة كذا في شركة كذا وقد تجد من يقول لك إن مؤسستنا ترغب في مقابلتك بخصوص وظيفة كذا ثم يسألك عن الوقت الذي يناسبك للمقابلة. فالأول يطلب منك الحضور في وقت قريب محدد بدون أن يبين لك طبيعة الوظيفة الخالية وأما الثاني فيترك لك بعض الحرية لاختيار الموعد المناسب للمقابلة ويحدد لك الوظيفة المتاحة. هذه مكالمة للتوظيف وهذه مكالمة للتوظيف ولكن شتان بينهما. إنك قد تقرر عدم الذهاب للمقابلة الأولى نتيجة لشعورك بأن هذه الشركة غير منظمة ولا تحترم موظفيها، وقد تضطر للذهاب نظرا لحاجتك الشديدة لفرصة عمل، ولكنك لو ذهبت ستتمنى أن تُقبل في الشركة الثانية.ولو لم تذهب لأي من المقابلتين ولم تعمل في إحدى الشركتين فإنك ستظل تذكر أسلوب المكالمة التليفونية لكل منهما وسيكون هذا هو انطباعك عنهما.


وقد يقول قائل إن الأمر ليس مهما لهذه الدرجة فلو لم يأت مرشحا فإن مئات غيره سيأتون. فعلا في كثير من الأحيان سيحدث ذلك ولكن دعني أقول لك إن المرشح الذي سيتجاهل المقابلة بسبب أسلوب الدعوة السيئ هو من أفضل المرشحين لأن المرشح الضعيف سيذهب لأي مكان ويقبل بأي وظيفة لأنه يعلم أنه ضعيف. وبذلك فنحن بتصرفنا هذا نقوم بعملية تصفية للمرشحين ولكنها تصفية عكسية فبدلا من استبعاد المرشح الضعيف فإننا نستبعد المرشح المتميز.


لذلك فإنه ينبغي العناية بكل تفاصيل المقابلات الشخصية فالمسألة ليست كاختبار في مدرسة ولكنها قريبة من الزواج فالعريس (المسئول) يلاحظ العروس (المرشح) وهي كذلك تلاحظه، والعريس يلاحظ بيت العروس وأهلها يلاحظون تعبيراته وحركاته، وهم يتعرفون على عمله ومؤهلاته وهو يتعرف على تفكيرهم وأسلوب حياتهم. وفي عالم تزيد فيه المنافسة علينا أن نجتذب أفضل المرشحين لكي نكون فريقا قويا.


نناقش في المقالات التالية بمشيئة الله أنواع المقابلات الشخصية وكيفية إجراء المقابلة الشخصية وكيفية تجنب الانحياز غير المتعمد.