تبدأ القصة مع تلك الأوعية التي تحمل إلينا ما تبقى من حلوى عيد الهالوين، حيث يحضرها إلى المكتب الزملاء الذين يرعبهم السقوط في حبائل غوايتها إذا ما تركوها منثورة في منازلهم. ينتج عن ذلك فيض جارف من الأطايب الحلوة والمالحة في صورة مؤونة لا تنفد من الكعك والبسكويت وسواها، مما يجلبه موسم الأعياد إلى كل مكتب في كل مكان.


وكأنه لا يكفينا قساوة الامتناع عن الأكل الزائد خلال حفلات العطلة والعشاءات العائلية، إذ كيف للمرء بعد ذلك أن يستجمع إرادته لمقاومة تلك اللذائذ المدمرة للحميات الغذائية والتي يصر زملائك على نشرها في مكان العمل وكأنها ألغام أرضية؟






في الواقع، فإن مقاومة تلك اللذائذ تكون أكثر صعوبة حين تتواجد في المكتب، حيث أظهر بحث سابق أنك حين تستخدم قدراً كبيراً من ضبط النفس لأداء مهام أخرى – الشيء الذي نعايشه بصورة روتينية عند تعاملنا مع ضغوط وتحديات العمل – لا يتبقى كثير من هذه العزيمة لمواجهة أصابع ليمون إيميلي أو “دونت” دوغ اللامعة.


فإذا كنت تأمل بلوغ رأس السنة وأنت لا تزال محافظاً على نفس مقاس بنطالك، فلا بد لك من استراتيجية لتحقيق ذلك. ومجرد قولك “أنا لن آكل المزيد من تلك الأصناف” ليس استراتيجية بأية حال، وترك الأمر موكولاً إلى قوة إرادتك وحدها لن يوصلك إلى النجاح. فطبيعة الإرادة أن تتأرجح قوتُها بين مد وجزر بحسب ما تضع عليها من مطالب.


ضع حدوداً واضحة “جداً”.


قبل أن تقترب من صحن البسكويت أو طبق الجبن، فكّر كم ينبغي لك الأكل بدون مبالغة زائدة. قرر “مسبقاً” وبدقة كمية “اللقمشة” التي ستسمح بها لنفسك خلال العمل هذا اليوم، أو في حفلة الإجازة.


تكمن المشكلة في أنّ معظم الخطط التي نعدها، بما فيها تلك المتعلقة بالحمية الغذائية، لا تتمتع بدقة التحديد بشكل كافٍ. قد نقول بأننا “سنكون جيدين” أو “لن نأكل كثيراً”، لكن ما معنى ذلك بالتحديد؟ كيف ستعرف متى يجب أن تتوقف؟ فعندما تمعن النظر في طاولة ملأى بأطايب الطعام، فلن تكون حكماً عدلاً في تحديد ما يمثل “كمّاً مبالغاً فيه”.


الأسلوب الأمثل هو في وضع خطتك قبل أن تكون في مواجهة الإغواء بشكل مباشر، حيث لا تترك هذه الطريقة فسحة للتردد. فقد أثبتت الدراسات أن الناس حينما يخططون بالتفصيل لما سوف يقومون به عند بروز الإغراء (مثلاً، “سوف أتناول قطعتين من البسكويت فقط، ولا شيء سوى ذلك”) تزيد نسبة نجاحهم بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات.


قرر ما هو الفعل البديل؟


ما الذي ستفعله عند بلوغ المدى الذي حددته سلفاً؟


عندما تحاول الابتعاد عن الانغماس في سلوك معين، قد يكون هذا السلوك هو تناول حلوى الإجازة، أو الانشغال بأمر جانبي تراه مغرياً، فإن الدراسات تقرر أن أسوأ ما يمكنك فعله هو التركيز على عدم فعله (مثلاً، “إذا أردت قطعة حلوى إضافية، فلن آكل مجدداً”). ولسوء الحظ أنّ هذا ما يفعله معظمنا.


ووجد باحثون في جامعة يوتريكت “Utrecht University” في هولندا أن التركيز على عدم فعل أمر ما قد يقود إلى أثر عكسي يجعل الفاعل يندفع إلى ممارسة الفعل الممنوع أكثر من ذي قبل. وهي نتيجة تشابه ما توصلت إليه الأبحاث حول كبت فكرة معينة (مثلاً، “لا تفكر بالدببة البيضاء!”) حيث ظهر أن متابعة هذه الفكرة تجعلها أكثر وروداً في الذهن، وهكذا فإن التركيز على كبت سلوك محدد يخلق جنوحاً إضافياً لممارسته.


ولهزيمة اللذائذ، عليك تحديد الفعل البديل لأكلها مسبقاً – أو بمعنى عام، ماذا سوف تفعل عندما يتسلل الإغواء (مثلاً، “إذا رغبت في قطعة حلوى إضافية، فسأتناول قدحاً من الماء”). وبالاستعاضة عن أكل الحلوى بشرب الماء يمكنك تجاوز الرغبة الجامحة بسهولة أكبر.


تذوق وتلذذ.


إنّ التذوّق أسلوبٌ معتمد لتعزيز الخبرات الإيجابية وإطالة أمدها. حين تأخذ وقتاً لتتذوق النكهات في قطعة شيكولاته داكنة، أو تستشعر حِدة اللذعة في شريحة جبن غنية النكهة، أو تستلذ بجودة الزبدة في كعكة عيد الميلاد– فهذه كلها أفعال تذوق وتلذذ تساعدنا في استخراج مكنون السعادة من كل ما يحصل معنا. تجنب أكل أي شيء دفعة واحدة، فذلك يعطيك كل السعرات الحرارية وجزءاً يسيراً جداً من الطعم.


حاول أن تتجنب الأكل خلال الاجتماعات أو أي وقت آخر تتفاعل فيه مع زملائك. فحين يكون تركيزك منصباً على المحادثة، فأنت على الأغلب بالكاد تنتبه لما تضعه في فمك.


تناول طعامك ببطء ووعي، فأخذُك لقيماتٍ صغيرة بدل ابتلاع لفافة لحم السكالوب أو السندويش المُطعّم بالفطر لن يسد جوعك فحسب، بل سيعطيك شعوراً أكبر بالسعادة أيضاً بحسب ما تقوله الأبحاث. وهذا الشعور هو غاية الولائم التي نعقدها في الأعياد.


قوة الإرادة تشبه عضلات الجسم، إذا أرهقتها خذلتك، لكن بوسعك تقويتها تدريجياً مع الوقت. قم بتعزيز قدرتك على اجتناب حلوى المكتب الآن وستحصد النتيجة غداً حين تجد قوة إرادتك تعمل لصالحك في جوانب أخرى من الحياة والعمل: التغلب على عادة التأجيل، مراقبة مزاجك وضبطه، أو مقاومة الالتهاء بما تقذفه الويب من حين لآخر عند معالجة موضوع ممل. جلسة تدريبية لقوة الإرادة تأخذها الآن تجعلك في موقع أفضل للتعامل مع قرارات رأس السنة الجديدة في يناير.