في نهاية التسعينيات وبداية اﻷلفية من العام الميلادي كانت وظائف تقنية المعلومات تتميز بالشبابية، حيث كان أكثرها من الشباب، وكانت نسبة اﻹدارة بسيطة، مثلاً مدير واحد لكل 10 أشخاص، أي مدير واحد يُصدر الأوامر وعشرة أشخاص يقومون بالتنفيذ الفعلي، مثلاً كتابة الكود، صيانة اﻷجهزة وتركيب الشبكات. لكن اﻵن اختلف الوضع. أصبحت نسبة اﻹدارة عالية، مثلاً أصبحت أحياناً 50 بالمائة، أي 5 مدراء إلى 5 أشخاص فنيين يعملون بيدهم، وفي بعض اﻷحيان تتفوق نسبة اﻹدارة إلى نسبة اﻷشخاص الفنيين. مثلاً مجموعة من 10 أشخاص يمكن أن يكون 8 منهم إداريين و اثنان فقط فنيين. هذا الترهل اﻹداري لديه عدة مساويء نذكر منها في الفقرات التالية:


الترهل اﻹداري يزيد من تكلفة اﻹنتاج. فإذا كانت المؤسسة خاصة لإنتاج البرامج مثلاً فإن تكلفة إنتاج برنامج ما سوف تزيد بسبب زيادة العبيء اﻹداري في تكاليف التطوير، خصوصاً أن اﻹداريين في كثير من المؤسسات والشركات مرتباتهم أعلى من الفنيين. فإذا كان البرنامج يُكلف 100 ألف، فإن أكثر من 50 ألفاً تكون في التكلفة اﻹدارية إذا افترضنا أن نسبة اﻹداريين هي 50%.


مشكلة أخرى هي عدم الرضى الوظيفي الذي يحدث للفنيين الذين يقومون بمعظم المجهود، فهم يرون زملائهم اﻹداريين يتقاضون مرتبات أعلى منهم دون أن يكون لهم نفس المجهود في اﻹنتاج، خصوصاً أن معظم المؤسسات والشركات تربط الهيكل الراتبي بالهيكل الوظيفي، فالمدير له هيكل راتبي أعلى من الشخص الفني مهما كان ذلك الشخص الفني يتمتع بمهارات العمل. فهذا يُشجع ذلك الشخص أن يحاول الترقي إلى وظيفة مدير حتى لو ضحى بسيرة عمله ليصبح عبئاً إدارياً جديد.


من المشاكل اﻷخرى والتي نلمسها في واقعنا اليوم، هو أن الترهل اﻹداري يُقلل من فرص انخراط الشباب الجدد في العمل، حيث أن إدارة الموارد البشرية تنظر للمجموع الكلي والتكلفة الكلية لقسم تقنية المعلومات، فإذا كان مليء باﻷشخاص حتى لو كانوا إداريين فإنها ترفض تعيين أشخاص جدد بحجة أن هذا القسم مليء بالكفاءات.


طبيعة اﻹدارة تختلف عن طبيعة العمل الفني، مثلاً اﻹداري يستطيع التفكير في خطة والتخطيط لها ثم إصدار اﻷوامر في يوم واحد لمشروع قد يستمر عدة أشهر، فهذا يعني أننا محتاجون لأشخاص فنيين لتنفيذ تلك القرارات بنسبة كبيرة، فإذا زادت النسبة اﻹدارية فهذا يعني أن معظم التخطيط يضيع هباءً لأن ليس هناك شخص للتنفيذ. أحياناً التخطيط والتنفيذ وحتى اﻷفكار الجديدة تنبع من اﻷشخاص الفنيين أنفسهم باعتبارهم أقرب للزبائن وأكثر فهماً لتفاصيل العمل، فما عليهم إلا رفع تلك اﻷفكار لرؤسائهم الذين يوافقون عليها أو يقومون برفضها، وفي كلا الحالتين لا يكون لهذا المدير داعي وليس لوظيفته أي أهمية.


في النهاية هذا الترهل اﻹداري يُفسد تلك المؤسسات ويُفسد صناعة البرمجيات في البلاد ويفسد سوق تقنية المعلومات ككل ويجعلها أبعد ما تكون عن المنافسة والكفاءة. الشركات الخاصة والمؤسسات الأصغر حجماً ربما لا تكون لديها تلك المشكلة، حيث أنها أقل احتمالاً من ناحية مادية للترهل اﻹداري.