مفهوم التنمية
بَرز مفهوم التنمية بداية في علم الاقتصاد، حيث استخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين بهدف إكسابه القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده؛ بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية المتزايده لأعضائه بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال . تطور بعد ذلك مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية؛ فأصبح هناك مفهوم التنمية السياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية والبشرية ....إلخ.
وعندما نتحدث عن التنمية، فإننا نشير إلى التنمية المستدامة والتي تُعرف على أنها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون التضحية بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها" ، وتتمثل المحاورالأساسية للتنمية المستدامة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية .
وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية لغالبية المواطنين على مدار فترات زمنية متعاقبة، وتحديدًا تزايد معدلات الفقر والبطالة، والحرمان من الخدمات الصحية، وعدم قدرة النظام التعليمي على تحقيق الأهداف المرجوة منه... إلخ، باتت عملية التنمية هي الشغل الشاغل لجميع الشركاء سواء من القطاع الحكومي أو الخاص أو منظمات المجتمع المدني. وعلى الرغم من التنبه لموضوع التنمية وأهميته منذ فترات طويلة، وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في هذا المجال، إلا أن هذا التقدم يبقى ضئيلا للغاية ودون المستوى المنشود، ولا يزال يعترض طريق التنمية كثيرٌ من التحديات.
وعليه فإن العرض الآتي يحاول التعرف على هذه التحديات التي تواجه عملية التنمية وتقف حجر عثرة أمام تحقيق أهدافها.
تحديات التنمية في مصر
هُناك العديد من التحديات التي تعوق عملية التنمية في مصر، فبتصنيف هذه التحديات وفقًا لطبيعتها يتبين وجود تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية.....إلخ، كما يمكن تصنيف هذه التحديات وفقًا للمدى الزمنى، فهناك التحديات التي تعوق عملية التنمية في الأمد القريب والبعيد، وما يهمنا هو البحث عن التحديات التي تواجه عملية التنمية في الأمد البعيد والتي تمثل قضايا ملحة ومزمنة ينبغي العمل على علاجها والتغلب عليها، ومن ثم لن يتم التطرق إلى مشكلات سياسية مؤقتة كعدم الاستقرار السياسي، ووجود حالة من السيولة السياسية ... إلخ، كما لن يتم التطرق إلى مشكلات اقتصادية مؤقتة كتراجع عائدات قطاع السياحة أو قناة السويس بعد الثورة أو حدوث ارتفاعات في متوسط سعر صرف الجنيه ... إلخ. ونظرًا لصعوبة حصر تحديات التنمية حتى على الأمد البعيد، فإنه من المُهم الوقوف على أهم هذه التحديات.
1. تحديات عامة
• ضعف الشفافية ونقص المعلومات
يُمثل ضعف الشفافية ونقص المعلومات واحدًا من أهم التحديات التي تواجه عملية التنمية في مصر، وغالبًا ما يُعاني شركاء التنمية سواء من الجهات التطوعية أو من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التنمية من هذه المشكلة، وهذا يشكل عقبة كبيرة أمام عملية التنمية، حيث يُؤدي ذلك إلى ضياع الجهود في إعادة إنتاج بيانات موجودة بالأساس، ومن ثم تشتيت تركيز القائمين علي البرامج والمشروعات التنموية، وعدم التمكن من الوصول إلى النتائج المستهدفة وفقًا للجداول الزمنية وفي نطاق ميزانية هذه البرامج والمشروعات، وهذا من شأنه إعاقة عملية التنمية. كما أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالبيانات وهي التضارب في البيانات من جهة لأخرى، وهنا تأتي أهمية وجود جهة قومية واحدة تتولى عملية إصدار البيانات دون غيرها.
• البيروقراطية
تُمثل البيروقراطية أحد أهم التحديات التي تواجه عملية التنمية في مصر، حيث يُواجه العمل التنموي عقبات مختلفة ناجمة عن تعقد الإجراءات الحكومية للحصول على الموافقات اللازمة لبدء عمل البرنامج أو المشروع التنموي، وتعدد الجهات ذات الصلة، وبطء الإجراءات الحكومية، وجمود وتعدد القوانين، وتظهر هذه الإجراءات المعقدة بشكل واضح في البرامج التنموية التي يأتي تمويلها من الخارج سواء من خلال البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أو غيره .
2. تحديات ذات طبيعة اقتصادية
• تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي
يُمثل تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أحد التحديات الجوهرية التي تواجه عملية التنمية في مصر، وهناك العديد من الدراسات التي تبين العلاقة الإيجابية القوية بين نمو الناتج المحلي الإجمالي والفقر، وقد توصلت إحدى هذه الدراسات إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 10% يرتبط بنمو الدخول بمقدار 10% لأفقر 40 بالمائة من السكان . وبالنظر إلى تطور معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، يتبين أنه قد شهد تراجعًا كبيرًا، فوفقًا لبيانات البنك الدولي، وفي عام 2011، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 1.8% مقارنة بنحو 7.2% في عام 2008 رغم ظروف الكساد العالمي التي حدثت نتيجة الأزمة المالية العالمية، وإذا استمر هذا التراجع في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، فإن ذلك يُلقي بمزيد من الأعباء أمام عملية التنمية في مصر.
• ضعف الاستثمار في قطاع الزراعة
مازال الاستثمار في قطاع الزراعة منخفضًا إذا ما تمت مقارنته ببقية القطاعات الأخري داخل الاقتصاد، ومن ثم يجب توجيه المزيد من الاهتمام لتمويل عملية التنمية الزراعية والريفية، كما يجب تطوير القدرات البشرية والمؤسسية في القطاع الزراعي، وكذلك تقوية الروابط بين مراكز البحوث الزراعية وخدمات الإرشاد الزراعي، وتوفير المدخلات الزراعية للمزارعين بالأسعار المناسبة .
• تدهور كفاءة الأراضي الزراعية وتفتيتها
يمثل تدهور كفاءة الأراضي الزراعية وتفتتيها واحدًا من أهم التحديات التي تواجه عملية التنمية في مصر، حيث يؤدي ذلك إلى الحد بصورة أكبر من قدرة القطاع الزراعي على الاستفادة من أي ارتفاع في أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق ، وهذا يمثل تحديًا كبيرً أمام عملية التنمية، ويجب على المسئولين العمل على استعادة جودة وكفاءة الأراضي الزراعية مرة أخرى، وكذلك البحث عن أساليب مبتكرة للحيلولة دون تفتيت الأراضي الزراعية، فعلي سبيل المثال، في بريطانيا، ومنعًا لتفتت الأراضي الزراعية، فإن ما ترثه الأسرة من أراضٍ زراعية إنما يذهب إلى الأبن الأكبر سنًا في الأسرة، وليس معنى ذلك الأخذ بهذا الأسلوب، وإنما البحث عن طرق مبتكرة للتغلب على هذا التحدي.
3. تحديات ذات طبيعة اقتصادية اجتماعية
• البطالة
تُمثل البطالة واحدة من أهم التحديات التي تواجه التنمية في مصر، فلا يُتصور تحقيق تنمية حقيقة في ظل وجود مستويات مرتفعة من البطالة،فقد أكدت العديد من الدراسات أن البطالة تزيد من مخاطر الفقر، وإحداث تفاوتات في توزيع الدخل ، حيث تمثل البطالة طاقة معطلة داخل الاقتصاد،مما ينعكس جليًا في انخفاض متوسط إنتاجية الفرد. وإذا أمعنا النظر في تطور نسبة البطالة في مصر في الأعوام الأخيرة، يتبين تصاعدها بشكل مقلق، فقد بلغت نحو 12% في عام 2011، مقارنة بنحو 8.7% في عام 2008، كما أن هناك تفاوتًا في نسبة البطالة بين الذكور والإناث؛ ففي عام 2011، بلغت نسبة البطالة بين الذكور نحو 8.9% مقارنة بنحو 22.7% للإناث، وهذه النسب المرتفعة من البطالة إنما يترتب عليها إعاقة عملية التنمية.
• الأمية
يُمثل ارتفاع نسبة الأمية واحدًا من أهم التحديات التي تواجه التنمية في مصر، فهي لا تحد فقط من تنمية الأفراد ومشاركتهم في المجتمع، وإنما يكون لها تداعيات سلبية على النواحي الصحية والتعليمية والتدريبية وضعف المشاركة السياسية. وعلى الرغم من انحسار نسبة الأمية في السنوات الأخيرة، حيث بلغت نحو 28% في عام 2010، مقارنة بنحو 34% في عام 2006، إلا أنها تبقى عند مستويات مرتفعة للغاية مقارنة بدول العالم المتقدم.
• الفقر
يمثل ارتفاع معدلات الفقر أحد التحديات الرئيسية التي تواجه عملية التنمية في مصر، حيث يؤدي إلى اقتطاع أجزاء كبيرة من ميزانية الدولة في وضع برامج للحد من ارتفاع نسبة الفقراء، والتوسع في منظومة الدعم بأشكاله المختلفة وهو ما يمثل عبئا على ميزانية الدولة، وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء تزايد معدلات الفقر يأتي في مقدمتها قلة فرص العمل، وارتفاع معدلات النمو السكاني، والتوزيع غير العادل للموارد والثروات الطبيعية، ووجود تفاوتات في توزيع الدخول، والتطبيق غير السليم للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة. وبالنظر إلى تطور نسبة الفقراء إلى إجمالي السكان (من واقع قاعدة بيانات البنك الدولي وأدلة التنمية البشرية في سنوات مختلفة)، يتبين تزايد معدلات الفقر في السنوات الماضية، ففي عام 2011 بلغت نسبة الفقراء إلى إجمالي السكان نحو 22% مقارنة بنحو 19.6% في عام 2006، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على ميزانية الدولة وعلى جميع شركاء التنمية. ويأتي القضاء على الفقر في مقدمة الأهداف التنموية للألفية، ولمواجهة القيود التي تحد من قدرة الدولة على تسريع النمو الاقتصادي ومن ثم تخفيض معدلات الفقر، فإن عليها البحث عن طرق وأساليب مبتكرة لتعبئة الموارد المحلية ، وتحسين إنتاجية الفرد من خلال تطبيق سياسات سليمة في مجالات رأس المال البشري من الصحة والتعليم والتدريب .
خلاصة
يتبين مما سبق أن عملية التنمية في مصر يواجهها العديد من التحديات، وتختلف هذه التحديات وفقًا لطبيعتها، ووفقا للمدى الزمني لها، ويأتي في مقدمة هذه التحديات ضعف الشفافية ونقص المعلومات والبيروقراطية، كما أن هناك العديد من التحديات الاقتصادية أهمها تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الجانب الآخر هناك عدد من التحديات الاقتصادية اجتماعية مثل ارتفاع معدلات البطالة والأمية والفقر.