حياة أخرى يعيشها المصريون على أسطح المنازل هو ليس عالم افتراضي وتخيلي كالذي يمثله الـ"السكند لايف" على الإنترنت، لكنه عالم واقعي، أحداثه حقيقية، يمثل سكانه ببساطتهم وبساطة حياتهم، حياة أخرى لا نعرفها.. إنهم سكان أسطح منازل القاهرة.

أشرف علي "33 عاما" هو أحد سكان هذا العالم، عاش حياته كلها فوق سطح أحد المباني بوسط العاصمة المصرية، وعلى ارتفاع سبعة أدوار من أحد شوارع القاهرة التي تنتشر بها القاذورات ويملؤها الضجيج يستمتع أشرف بنسيم منعش في شهر سبتمبر يمر بالغرفة الخشبية التي يقيم فيها مع زوجته وطفليه.
قال وهو يتأمل السطح المترب حيث يبلغ الإيجار أقل مما يعادل دولارا واحدا في الشهر: "في الصيف نأكل ونشرب وننام في الخارج هنا، هذا أفضل من العيش في الأسفل هناك".
وينعم بعض سكان الأسطح في القاهرة بمراحيض مؤقتة وأنابيب مياه، بل حتى حمامات، لكن آخرين لم تصل إليهم أنابيب المياه، كما لا يجدون ما يحميهم من شمس الصيف الحارقة أو مياه الأمطار، ومن بين هذه "الطبقة الدنيا" يمكن للمحظوظين الاعتماد على كرم ضيافة جيرانهم الأيسر حالا في الشقق "بالطوابق السفلى" في الحصول على المياه واستخدام الحمامات.
وقال غيث زيدان محمد "70 عاما" الذي نشأ وتزوج وربى ثلاثة أبناء فوق سطح مبنى قريب في وسط المدينة: "لا نملك أموالا لشراء شقة، إلى أين يمكننا أن نذهب؟".
ولا يمتلك مئات الآلاف من المصريين الذين تدفقوا إلى القاهرة خلال فترة انتعاش اقتصادي في السبعينيات أموالا لاستئجار شقة، وبدلا من ذلك يقيمون في مساكن فوق أسطح المنازل بالمدينة.
بين الرضا والرفض
وينظر بعض سكان هذه الحياة إليها على أنها علامة على فشل الانتعاش الاقتصادي الحالي في البلاد في تحسين مستويات المعيشة للفقراء.
لكن آخرين يقولون إن الحياة ليست شديدة السوء، فالإيجار رخيص والعمل قريب وربما كان الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق أنهم يشعرون أنهم ابتعدوا عن الصخب والزحام بالأسفل.
وقال إبراهيم محمود "67 عاما" الذي ربى ثلاثة أبناء في غرفة فوق سطح مبنى مكون من 12 طابقا: "الحياة فوق السطح رائعة بسبب النسيم والشمس".
وانتقل محمود وهو عامل تليفونات في شركة للبلاستيك على بعد عدة بنايات إلى القاهرة منذ نحو 35 عاما قادما من صعيد مصر واختار العيش فوق سطح منزل لأن ذلك كان أرخص.
ويدفع محمود حاليا ما يعادل أقل من أربعة دولارات شهريا ويقول إن إيجار شقة في نفس الحجم في الطوابق السفلى قد يصل إلى عشرة أضعاف ذلك.
حل مناسب
ويقول محللون إن العيش فوق أسطح المنازل عادة ما يكون حلا مناسبا لأزمة الإسكان في القاهرة.
وقال أبو زيد راجح الرئيس السابق للمركز القومي لبحوث الإسكان والبناء في مصر إن قرابة نصف سكان القاهرة البالغ عددهم نحو 14 مليون نسمة يسكنون في مناطق عشوائية غير مخططة أو لم تصلها أنابيب المياه.
وأضاف: "أغلب الاستثمارات سواء من أجل الإنتاج أو الخدمات تتركز في منطقة القاهرة... ذلك هو سبب الهجرة من المناطق الريفية إلى المركز الحضري الكبير".
وسجل الاقتصاد المصري العام الماضي أسرع معدل للنمو منذ عشرين عاما، مما جذب المزيد من الأشخاص إلى القاهرة حيث تصل الكثافة السكانية إلى نحو 70 ألف شخص لكل 1.6 كم2 وهي كثافة أعلى من مثيلتها في مانهاتن.
وقالت مديحة الصفتي أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة والتي تكتب في وسائل إعلام موضوعات بخصوص قضايا الإسكان: "القاهرة تنمو بمعدل خارج عن نطاق السيطرة.. الإسكان العشوائي يمكن أن يكون حلا عمليا للغاية".
لكن الزحام يمكن أن يؤدي إلى فوضى؛ فقد أغلق محتجون عددا من الطرق السريعة في حوادث عديدة خلال الصيف بسبب انقطاع مياه الشرب في بعض المناطق بالقاهرة.
وقال أبو زيد: "تتحدث الحكومة عن مشكلة الإسكان العشوائي لكن لم يتم عمل شيء سوى القليل".
لكن العيش فوق سطح منزل أفضل لدى البعض من النوم في الشارع.