لم تعد تقتصر أزمات الاقتصاد المصري على ارتفاع أسعار السلع بنسب تتراوح بين 15 إلى 20% بحسب شركات تصنيع المنتجات الغذائية، بل توغلت إلى كافة القطاعات الاقتصادية، حتى لجأ بعض الشركات إلى إيقاف الإنتاج لحين توفير سيولة كافية من الدولار لتسيير أعمالها.


في شهر فبراير/شباط أعلنت شركة "جنرال موتورز" الأميركية تعليق نشاطها في مصر إلى حين تدبير احتياجاتها من الدولار، وحينها أسرع البنك المركزي في تلبية طلبات الشركة، مؤكداً أن الشركات الأجنبية استفادت من عملها في مصر وعليها تحمل بعض الصعوبات الآن.


"عدد من المصانع اضطر إلى إيقاف عمليات التشغيل، منذ أكثر من عام، بسبب عدم وفرة العملة الصعبة لشراء مستلزمات الإنتاج، كما أن حالات التوقف التي أعلنتها بعض الشركات مثل "جنرال موتورز" و"جي بي أتو" ليست حالات فردية" بحسب الخبير الاقتصادي محمد وليد.


ويشير وليد إلى أن الشركات الكبيرة تعجز عن تدبير احتياجاتها من الدولار عبر السوق السوداء بسبب القيود التي وضعها البنك المركزي على حجم الإيداع المسموح به بالنقد الأجنبي في المصارف.


ويضع البنك المركزي سقفاً مُتدرجاً للإيداع بالدولار، حيث يُعمم على الشركات حداً أقصى بنحو 50 ألف دولار شهرياً، يرتفع إلى 250 ألف دولار شهرياً للشركات التي تستورد سلعاً استراتيجية مثل الغذاء والأدوية، ويصل إلى مليون دولار شهرياً للمصدرين.


هذه الإجراءات تستهدف تحجيم السوق السوداء بحيث يعجز المتعاملون بها عن إيداع المبالغ المشتراة من شركات الصرافة في المصارف. غير أن الواقع أسفر عن نتائج مُغايرة، إذ تجاوز الدولار حاجز 10 جنيهات لأول مرة في تاريخه مقارنة بالسعر الرسمي المحدد بـ 7.73 جنيهات.


أدت أزمة نقص الدولار في الجهاز المصرفي الرسمي إلى اضطرار الشركات للانتظار فترات طويلة تتجاوز عدة أشهر لحين الحصول على خطابات اعتماد مستندية للإفراج عن السلع المُكدّسة في الموانئ المصرية.


وتواجه مصر أزمة نقص الدولار بعد تآكل احتياطات النقد الأجنبي على مدار 5 سنوات، حيث انخفضت من 36 مليار دولار في نهاية العام 2010 إلى 16.533 ملياراً بنهاية يناير/ كانون الثاني 2016 نتيجة انخفاض عائدات الصادرات والسياحة، فضلاً عن تسجيل الواردات رقماً قياسياً قدره 80 مليار دولار العام الماضي.


طاولت الأزمة، أيضاً، شركات حجز الطيران الأجنبية، بعدما أعلنت شركة خطوط الطيران البريطانية وقف التعامل بالجنيه لحين تحويل أرباحها المحتجزة، بالتزامن مع إعلان شركة الطيران الفرنسية الهولندية "إير فرانس – كيه إل إم" عن استيائها إزاء احتجاز الإيرادات.


يقول عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، علي غنيم، "إن المصرف المركزي تعهد، خلال اجتماع، مع شركات الطيران الأجنبية بحل أزمة الإيرادات المحتجزة"، ويحذر من خطورة اتخاذ هذه الشركات موقفاً سلبياً إزاء مصر، فنشاط السياحة لا يحتمل أزمات أخرى.


هذه الأزمات لم تقتصر على الشركات الأجنبية، بل امتدت إلى شركات التسويق الإلكتروني الصغيرة، وكذلك العاملة في مجال التجارة الإلكترونية بعد حظر بعض المصارف استخدام بطاقات الائتمان مسبقة الدفع في المعاملات التجارية الإلكترونية مثل سداد إعلانات شبكات "فيسبوك" و"تويتر" و"غوغل" بهدف الحفاظ على موارد المصارف من العملة الصعبة.


وشملت الإجراءات إتاحة بعض المصارف استخدام بطاقات الائتمان، مع رفع نسبة عمولة تغيير العملة المحلية إلى الدولار في المعاملات التجارية الإلكترونية بقرابة 1.5% لتصل إلى ما يتراوح بين 3 إلى 4%.


من جانب آخر، أعادت الأزمات التي تواجه الشركات بشكل عام وتحديداً الأجنبية فتح ملف دور الاستثمارات الأجنبية في دعم الاقتصاد وتحديداً وقت الأزمات.


تؤكد الباحثة الاقتصادية نيرمين توفيق أن هناك أبعاداً أخرى تقف وراء أزمة الشركات الأجنبية، فعلى سبيل المثال تستعجل الشركات صرف إيراداتها المحتجزة خوفاً من خفض البنك المركزي قيمة الجنيه، ما يعني انخفاض قيمة الإيرادات عند تحويلها إلى أية عملة أجنبية. وتقول: "لا يُمكن إنكار دور الاستثمارات الأجنبية في توفير فرص العمل وتدعيم الاحتياطي النقدي الأجنبي ولكن ينبغي إعادة النظر في الضوابط التي تنظمها".


وتضيف "أنه في الوقت الذي تضخ فيها الشركات استثمارات بالعملة الصعبة لإنشاء المصانع، تقوم بعد ذلك بمطالبة البنك المركزي بتوفير عملة صعبة لاستيراد المعدات والمواد الخام، ثم في مرحلة لاحقة تقوم بتحويل أرباحها، وهو ما يترتب عليه في النهاية سحب الشركات موارد بالعملة الصعبة تفوق حجم الاستثمارات التي قامت بضخها". وتطالب توفيق بإلزام الشركات الأجنبية بإعادة استثمار نسبة مُحددة من الأرباح السنوية في السوق المحلية، فضلاً عن التركيز على الاستثمارات التي تجذب تكنولوجيا جديدة.


وبوجه عام وسط أزمة شُح الدولار وقفز سعره بالسوق الموازية، ظهرت مطالب بتعويم الجُنيه بحيث يخضع تحديده في السوق الحرة بناءً على آليات العرض والطلب بعيداً عن تدخل الدولة. هذا فضلاً عن ضرورة إعادة النظر في استراتيجية تدعيم الصادرات للسيطرة على السوق السوداء للدولار.