الشكوى المكتوبة مقنعة.. والشفوية يخونها التعبير


الشكوى 'المكتوبة' أكثر وقعا من الشكوى 'الشفهية' المعتادة. فعندما يتعرض مراجع أو عميل ما إلى موقف لا يحسد عليه، من حيث سوء تعامل أحد الموظفين معه أو تناوله، مثلا، منتجا مغشوشا كاد يسبب له تسمما، لا قدر الله، فإن الشكوى المكتوبة تكون حلا فعالا في مثل هذه المواقف، شريطة أن يلتزم صاحبها 'بأصول كتابة الشكاوى'، وهو ما سنتطرق إليه في هذا المقام.

وتمتاز الشكوى المكتوبة عن الشفهية أن الأخيرة يكون الشاكي فيها عرضة لأن يخونه التعبير، خاصة إذا كان غاضبا، كأن يتلفظ بكلمات جارحة أو نابية لا تليق به ولا بالمكان الذي يتواجد فيه، فيفسد على نفسه قوة الحجة، ويخرج من الموقف خاليا.. 'بخفي حنين'، بخلاف الشكوى المكتوبة التي تتيح لصاحبها متسعا من الوقت للتفكير مليا ومراجعة شكواه.

أصول الكتابة

ومن أصول كتابة الشكوى التأكد من كتابة اسم الشخص الذي نشتكي عليه، فضلا عن ذكر الزمان والمكان الذي وقع فيهما الحدث، كي لا نظلم موظفا أو مديرا بريئا، ليس لديه علم أصلا بما حدث. وهذه التفاصيل مهمة لأنه يصعب على المدير المسؤول اتخاذ الإجراء اللازم ما لم تكن لديه بيانات كافية عن حيثيات الموضوع.

ولاشك في أن الشكوى المهذبة والمقنعة تحظى بجدية التفاعل معها. فماذا يملك المدير المسؤول أن يفعل أمام شكاوى مكتوبة تنهمر عليه بسيل من الشتائم والسباب، سوى أن يكون مصيرها سلة المهملات!

ومن أصول كتابة الشكوى أن تكون مختصرة ومباشرة، حتى تقرأ بسرعة، ومن ثم تحول إلى الجهة المعنية. شخصيا أذكر أنني اطلعت على شكوى مطولة ومملة كتبت في 'خمس صفحات ونصف الصفحة'!

ويفضل أن يطلب الشاكي في شكواه ما الذي يتوقعه من الإدارة المسؤولة عما حدث، وذلك للتسهيل على متخذ القرار، على أن يكون طلبه في حدود المعقول. وإذا كان الخطأ المرتكب جسيما أو مؤلما للشاكي، فيفضل أن يشير في شكواه إلى أنه يعتزم رفع الأمر إلى الجهات العليا المعنية: كحماية المستهلك أو جهاز البلدية أو رئيس القطاع أو الوزير أو رئيس الشركة إذا لم يصله رد على الشكوى 'خلال مدة زمنية محددة'. وهذا حق مكفول للمتضرر من أي خدمة أو أي منتج في أي بلد في العالم. بعض الناس يلجأون إلى التصعيد الإعلامي وهو اللجوء إلى السلطة الرابعة، الصحافة، لكي تسلط الضوء على قضيتهم، خاصة إذا كانت مرتبطة بالمصلحة العامة.

الأدلة الدامغة

وتعد من أكثر الشكاوى تأثيرا تلك المدعمة بالأدلة الدامغة كالمستندات أو الفواتير أو الصور الفوتوغرافية أو تسجيل فيديو أو ذكر أسماء شهود العيان وغيرها، الأمر الذي يعزز من قوة الحجة. فالشكوى العاطفية ليست دائما ذات تأثير بالغ، ففي بعض الأحيان تحتاج الشكوى إلى أدلة للتسهيل على متخذ القرار أو المدير المسؤول أن يتخذ الإجراء اللازم بحق الموظف من دون أن يشعر بوخز الضمير بسبب توجيه أصابع الاتهام إلى شخص بريء.

للشكاوى المكتوبة فوائد جمة ومنها أن عددا ليس بالقليل من الشركات الكبرى ترفع شعار 'العميل دائما على صواب' وتمارسه بالفعل من خلال جدية المسؤولين في التعامل مع أي شكوى، وهذا كله مدعاة للشاكي أن 'يكتب' ما تيسر له لعله يساهم في إصلاح خلل أو يوقف تسيب بعض الموظفين، الأمر الذي لا يستطيع المدير، بحكم طاقته المحدودة، أن يتتبعه بنفسه.

أما إذا كان مدير الإدارة أو المحل أو المطعم أو المقهى 'غير مبال' فمهما كانت جدية الشكوى فإن مصيرها قد يكون التجاهل أو عدم الاكتراث. وفي هذه الحالة يفضل رفع الأمر إلى الإدارة العليا أو المدير العام إذا كان الأمر يستدعي ذلك. وللأسف الشديد يلاحظ أن في بعض الإدارات 'تعشش الشللية' ولا تراعى المصلحة العامة، حيث يخلط المدير بين 'حبه للموظفين' وبين 'ضرورة اتخاذه الإجراء اللازم' بحق المقصرين منهم، وعدم الالتزام بهذا المنهج الإداري في الرقابة يجعل بعض الإدارات، في مؤسساتنا الخاصة والعامة، سائبة وغير منضبطة.

لم لا يكتبون

بشكل عام، يبدو أن كثيرا من الناس لا يكتبون شكواهم لأنهم يظنون أنهم بحاجة إلى أسلوب مؤثر في الكتابة، وهو أمر يجانبه الصواب. فالشاكي لا يتوقع منه أن يكون أديبا أو كاتبا صحفيا ذو 'قلم سيال' كما يقال، بل كل ما يحتاجه هو سرد واضح للحقائق، ثم يترك هاتفه أو بريده الإلكتروني لكي يعود إليه المدير المسؤول سواء بالتعويض أو لسماع تفاصيل أكثر عن الواقعة.

لا يمكن أن يرتقي مستوى خدماتنا ومنتجاتنا في الوطن العربي ما دمنا ممن يكتفون بإطلاق الشكاوى اللفظية في مواضع تستحق منا وقفة جادة للحد من رداءة الخدمات أو المنتجات بشكوى مكتوبة إلى الجهات المعنية، ومن دون ذلك سنبقى أمة تراوح مكانها، في حين تتقدم الأمم الأخرى من حيث خدماتها ومنتجاتها الإبداعية بسرعة هائلة.

الشكوى المثالية
في ما يلي بعض العناصر التي يجب توافرها في الشكوى المكتوبة:
التاريخ.
المكان.
رقم هاتف الشاكي أو بريده الإلكتروني.
موجهة للشخص أو الإدارة المعنية (كي لا تهمل).
اسم الشخص المشتكى عليه.
ذكر الحل المقترح أو المتوقع من المسؤولين.
ذكر حيثيات المشكلة وضررها.
التزام حدود اللياقة الأدبية في الكتابة.
إرفاق أدلة مهمة، إن أمكن.