ألا تشاركني الرأي أن في حياة كلٍّ منا شخصاً واحداً على الأقل التعامل معه مرهق؟


ذلك الذي لا يكفُّ عن الشكوى من كل شيء وأي شيء.. من اعتاد أن "يعمل من الحبة قبة" كما يقولون.. أو من يلوم كل من حوله باستمرار.. أو من يحيرك ولا تفهمه.. يشكو لك استغلال فلان سرًّا ثم يمدح كرم أخلاقه علناً.. ينتقد فلانة وراء الأبواب مساءً ويتطوع بتزكيتها للآخرين صباحاً.. من يكذب في كل شيء وأي شيء.. إلخ.


تختلف الأعراض والأثر واحد.. هو شخص يسمم حياة من حوله.. يهدر طاقتهم في التعايش معه أو محاولة فهم سلوكه.. يسبب المشكلات والإزعاج.. فكيف تتعامل مع هذا الشخص؟ وكيف تحمي نفسك من الآثار السلبية للتعامل معه؟


النصيحة الأولى: "تجنب التعامل معه"! إذا لم يكن هناك ما يجبرك على مخالطته فهذا هو أقصر الطرق وأفضلها.. الحياة أقصر من أن تنفقها في محاربة طواحين الهواء.. والدخول في معارك غير ضرورية.. تجنبه ووفر طاقتك وكفى الله المؤمنين شر القتال!


لكن الحياة ليست بهذه السهولة.. ومشاكلنا المؤرقة هي دائماً مع من لا نملك رفاهية تجنبهم.. كزميل في العمل.. كأختك.. كجارك.. كزوجتك.. إلخ.. لذلك لا مفر من أن نعلم كيف نتعايش معهم!


تختلف طريقة التعامل مع الأشخاص المزعجين بإختلاف المشكلة التي يسببونها.. وأي زر ألم وإستفزاز يدقون عليه -غالباً دون تعمد- ليخرجوا من داخلنا نسخة قبيحة لا نحبها ولا نود لها أن تكون!


هناك نصائح عامة للتعايش مع أي شخصية صعبة بغض النظر عن نوعية المشاكل التي تسببها:


اعلم أن كل سلوك مزعج هو: ألم خفي يعاني منه الشخص.. أو شعور بالنقص يعوضه بطريقة خاطئة.. أو خوف يداريه بالهجوم على الآخرين.. أو ضعف يدفنه في سلوك مستفز.. فلو استطعت أن تستحضر قلبك -دون أن تعطل عقلك- عند التعامل معه.. ستواجه تصرفاته من موضع العطف والرحمة.. فحاول أن تعرف أسباب سلوكه المستفز.. فمعرفة الأسباب ستساعدك على أن تبني له بداخلك بعض التعاطف..
عندما تعرف أسباب السلوك السيئ أو تكون نظرية عنها يقل نظرك إلى الأمر على أنه مشكلة شخصية، وأن تصرفاته مقصودة ضدك أنت بالذات.. عندما تقتنع أن تصرفاته هي نتاج مشاكله وطباعه وشخصيته وتكوينه يقل إزعاجها لك.. ويخف تأثرك بها وتستطيع التعامل معها بهدوء أكثر..
تخيل مشاعره وحياته.. وضع نفسك مكانه.. واسأل نفسك لو أنك في مثل ظروفه.. ما هو التصرف السليم للحصول على احتياجاتك؟ هل يمكنك مساعدته في الحصول على ما يحتاجه بطريقة تحفزه على نبذ السلوك السلبي؟
ابحث عن أرضية مشتركة.. عن شيء يجمع بينكما.. هواية.. اهتمامات مشتركة.. شيء يقرب الإنسان بداخلك إلى الإنسان بداخله قبل أي شيء آخر.. يغفر الناس لبعضهم ويتحملوا بعضهم على قدر رصيد العطفة والمحبة في قلوبهم.
وفيما يلي بعض النصائح التي تفيد بصفة خاصة في التعامل مع الأشخاص مدمني الشكوى أو "الشكايين":


حاسب نفسك أولاً.. هل تجذب لنفسك هؤلاء الأشخاص.. هل تتطوع بالمساعدة دون طلب؟.. هل تبالغ في الاهتمام بالناس؟.. هي سلوكيات محمودة طبعاً.. لكنها كثيراً ما تجذب إليك من يبحثون عن متنفس لشكواهم لا حلٍّ لمشاكلهم.. لذلك مع كل التقدير لنواياك الطيبة.. لا تتطوع بالاستماع إلا لمن يبحث عن حل.. ولديه رغبة في إنهاء مشكلته.. وإلا سلّمت هدوءك النفسي إلى مدمن شكاوى وولولة ينفث فيك طاقته السلبية ويسحب من طاقتك الإيجابية.. والطاقة هي الحياة بدون أي مبالغة !
كلنا نمر بأزمات ومشكلات نتقمص فيها أو نكون فعلاً ضحية.. ونحتاج أن نشكو ونحتاج من يسمعنا.. المشكلة فيمن يعيش حياته "شاكياً" بصفة مستمرة.. فلا يمر عليه يوم إلا وهناك ما يشكو منه.. محاولتك أن تخفف عن مثل هذا الشخص تضييع وقت وإهدار للطاقة.. فهو يجذب الاهتمام بالشكوى.. وكلما استمعت له.. شجعته أكثر على الشكوى! تعلم أن تقاطع نوبات الشكوى بأسئلة تساعده على حل المشكلة مثل: "ما الحل؟".. "ما الذي تنوي فعله؟".. أو اقترح حلولاً.. وانسحب عندما يدخل الحوار في دوائر الشكوى غير الهادفة لأي شيء أكثر من الشكوى.


باختصار امنحه اهتمامك الكامل غير المنقوص عندما يبحث صدقاً عن حل.. وتجاهله تماماً.. عندما يصر على الشكوى للشكوى.. فإذا كان يرى أن مشكلته بلا حل.. أو يُسفِّه من كل حل مطروح ويرفضه.. وغير جاد في التخلص من المشكلة.. أخبره بحزم أنه ليس هناك ما يقال بخصوص هذا الموضوع وعلينا غلقه وعدم التحدث فيه مجدداً.. فلا شيء يجبرك أن تمتص عوادم مشاعره السلبية وتمنحه اهتمامك مكافأة على إيذائه لك!
امنحه اهتمامك وتقديرك عندما لا يشكو! أكرر أن سبب هذا السلوك بالأساس الرغبة في جذب الانتباه.. لكن باستخدام وسيلة خاطئة مؤذية!
تذكر أن المشاعر والأفكار السلبية تؤثر على جهاز المناعة وصحة الإنسان النفسية والجسمانية، وتزيد توتره وكل ذلك موثق في كثير من الأبحاث والدراسات.. لذلك لا تستهين بالأثر السلبي لهذا السلوك "العدواني" الخفي.. فلا تستسلم له ولا تقصر في حماية نفسك.