التفكير دائما كان يشغله.. المستقبل مظلم أمامه.. قلة الحلية تحاصرة.. وقف بصف أحلامه معاندا في الأيام متمسكًا بالبقاء داخل وطنه ﻹيمانه الشديد أن الغربة كربة، وﻻ يرغب في أن يذوق مرارتها، لكنه فوجئ بعد أن انتهت فترة الأحلام الوردية بأن طموحه المتواضع ﻻ مكان لتحقيقه وسط أهله داخل وطنه.


قرر أن يهجر قريتة الريفية وهو فى مقتبل العشرينيات من عمره كغيره من ملايين الشباب المصري، الحامل لحقيبته، التي لم تكن تحمل باسبور السفر وملابسه فقط، لكنها كانت تحمل آمال والديه فيه، وتحمل حلم العمر، فدائمًا كان يسمع أن الولد سند لأبيه، ليبدأ مشوار غربته.


هو "أحمد محمد مهدي" من قرية بلتان محافظة القليوبية، فى السابعة والعشرين من عمره، قرر أن يسافر لدولة جنوب إفريقيا مثل العديد من المصريين ليبحث عن مستقبله، فالاعتماد على النفس غريزة يزرعها الآباء فى أبنائهم منذ الصغر، وبعد خمس سنوات تنتهى رحلة الغربة بعودتة لأهله جثة هامدة، ويويجد العديد من الشباب يعودون مصابين بأمراض تصاحبهم مدى الحياة.


وعلى حسب رواية أحد أصدقائه المقربين، أنه غادر منذ خمس سنوات وقرر أن لن يعود لبلدته إلا بعد أن يصل إلى ما يريد.


يملك أحمد إحدى محلات البقالة بجنوب إفريقيا، فهى التجارة الرابحة بالدولة، لكن تكمن الخطورة في أنّ هذه البلدة تحتوى على عدد من البلطجية وقاطعي الطريق.


وفى ليلة كاد ظلامها أن يكسو المدينة بأكملها فوجئ أحمد بوجود عدد من الأشخاص يقفون أمام محله ويطلبون منه أن يُعطيهم كل النقود، ففى لحظة يرى أن غربته تمر بدون مقابل، ويعرض فى إعطائهم النقود مما يجعلهم يقذفونه بعيار نارى فى جبينه تؤدى إلى وفاته فى الحال.


ثلاث ليالٍ وأسرته تنتظر وصول الجثمان، بين الدموع التي لا تنقطع، وصور الطفولة والذكريات التي تجمعه بشقيقاته الخمس، إلى أن أخبروا بموعد وصول الجثمان ليدفن فى مقابر العائلة.
كمشهد سينمائي يجتمع المجاميع من الجمهور، نساء زاد عددهم عن الرجال يلتفون حول المسجد المقام به صلاة الجنازة، صرخات شقيقاته تعلو.. أمه كادت أن تموت حزنًا على فراق سندها الوحيد، الأصدقاء لا يصدقون الخبر، روايات مختلفة ومتعددة من النساء حول مقتله.


بيت" أشبه بالفيلا تصمم الأم أن يمر جثمان ولدها من أمامه، فهي جهزته وأعدته له على مدار الخمس سنوات ليصبح بيت "الزوجية"، وشباب قريته يتساءلون هل الدماء أصبحت رخيصة؟



أحمد في نظر الدولة مجرد اسم جديد يضاف داخل القوس الذي يضم المئات من حالات مشابهه بمختلف محافظات مصر، الذين يدفعون ارواحهم ثمن الغربة، ليكون موتهم سؤال ملح ومتكرر متى تتحرك الدولة للحفاظ على أرواح ابنائها في الخارج؟