هل يقود الانهيار بعد انخفاض النمو الى 6.9 في المئة؟
الاقتصاد الصيني يقلق العالم



بدأت أوساط المال والأعمال في الاقتصادات الرئيسية في العالم تنظر بعين القلق لتطورات وضع الاقتصاد الصيني مع عودة بورصة شنغهاي للهبوط، بعدما استقرت لفترة وجيزة نتيجة تدخل قوي من جانب السلطات الصينية لوقف الانهيار الذي شهدته البورصة بدءا من النصف الثاني من الشهر الماضي.
رغم أن العالم لم يصبه الذعر بعد من مخاطر تباطؤ الاقتصاد الصيني، إلا أن الشركات الكبرى المكشوفة على الاقتصاد الصيني بدأت تتحسب لتراجع العائدات مع توقعات تباطؤ النمو السريع.
ويخشى المراقبون أن يكون الاقتصاد الصيني يمر بعملية تصحيح بعد النمو السريع، مما يضر بالتعافي الهش للاقتصاد العالمي من الأزمة المالية لعام 2009.
وقد بدأت أسواق السلع تتأثر بتلك المخاوف، فأسعار النفط والذهب وغيرهما تواصل الهبوط في الأيام الأخيرة بسبب تلك المخاوف.
وبانتظار الفترة المقبلة، حين تعلن أغلب الشركات العالمية التي لها أعمال في الصين، أو معها، نتائجها المالية ربع السنوية، يظل المراقبون والمحللون في حالة قلق بشأن ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
يعود القلق الى ما سجله الاقتصاد الصيني من نمو بلغ 6.9 في المئة خلال الربع الثالث من العام الجاري، وهو أضعف معدل له منذ الأزمة المالية العالمية علماً بأن الحكومة الصينية كانت تستهدف 7 في المئة.
يُتوقع أن تضع هذه البيانات رغم تجاوزها التوقعات قليلا ضغوطا على صانعي القرار في الصين للإسراع في تنفيذ السياسة النقدية التي كانت الحكومة الصينية قد أعلنت عنها لاحتواء هذا التراجع.
وتعرض الاقتصاد الصيني لأضرار من جراء تقلبات أسواق المال الشديدة على مدار الصيف وضعف الأداء المسجل مقارنة بتوقعات الحكومة.
وتوقع معظم المحللين معدلات نمو بنسبة 6.8 في المئة خلال الفترة بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول.
وتأتي أرقام النمو الأخيرة بعد مجموعة كبيرة من البيانات المخيبة للآمال في الصين.
حيث شهدت الواردات انخفاضا حادا خلال الأشهر الماضية مع تراجع التضخم بنسبة تجاوزت التوقعات، مما يزيد من مخاوف تعرض ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى التباطؤ السريع.
ولا تزال الصين تحاول الانتقال من اقتصاد تقوده الصادرات إلى اقتصاد تقوده الخدمات والمستهلكون.
"الارتقاء بالاقتصاد"
وقال شينغ لايون، المتحدث باسم وكالة الإحصائيات الصينية، للصحفيين: "سيواجه الاقتصاد ضغوطا ويحقق معدلات نمو تقل عن الأرقام المتوقعة حتى نضمن إجراء إعادة الهيكلة المطلوبة".
ورغم انخفاض معدلات النمو في القطاع الصناعي، قال شينغ إنه من المتوقع أن يشهد قطاع الخدمات نموا سريعا.
مجموعة كبيرة من البيانات المخيبة للأمال بشأن الاقتصاد الصيني
وأضاف: "كل ذلك يشير إلى أن إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني والارتقاء به يجري بلا توقف".
ومع ذلك، يقول محللون إن التراجع الحاد في الواردات يشير إلى أن الطلب المحلي ليس قويا بنفس القدر الذي كانت تتمناه الحكومة الصينية.
ويأتي هذا الانخفاض رغم خطوات بكين المتكررة بخفض أسعار الفائدة وتدابير التحفيز.
وقال لويس كويجس، من مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس"، لبي بي سي "التدابير الحكومية ساعدت في تخفيف الضغط السلبي، لكن المشكلة تكمن في أن مستوى تلك الضغوط على النمو شديدة جدا".
وأضاف: "إن ما يحول دون تفاقم أزمات الاقتصاد الصيني هو الاستهلاك، لكن هذا لا يمكنه موازنة تلك الضغوط السلبية على النمو بصورة كاملة، ولذلك –رغم أننا نرى بعض تدابير الحكومة التحفيزية ونلمس كذلك بعض آثارها- ليس كافيا للحيلولة دون المزيد من تراجع النمو".
ويواصل الخبراء الاقتصاديون، على الرغم من ذلك، دعوة الحكومة إلى مزيد من الإجراءات، في الوقت الذي تثير فيه التقلبات في أسواق المالي المخاوف من نشوب اضطرابات مالية وقلاقل اجتماعية محتملة.
رأي مناقض
لكن جيفري ساكس، أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، يعزي ما تشهده الصين حاليا من أزمة اقتصادية الى ما مرت به اليابان قبل جيل واحد: تباطؤ بشكل ملحوظ بعد مطالبات بأن تحد من صادراتها , ففي أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين، كانت اليابان أيضاً موضع انتقاد من قِبَل الولايات المتحدة بزعم أنها "تاجر غير عادل" بسبب صادراتها التي ارتفعت بصورة كبيرة في قطاع التصنيع، حتى إن واشنطن أصدرت تهديداً صارماً واضحاً بتقييد الواردات اليابانية، ونجحت في دفع طوكيو إلى تقدير سعر الين بما يتجاوز قيمته الحقيقية، الأمر الذي ساعد في دفع النمو الياباني إلى التوقف تماما.
وربما يحدث هذا مرة أخرى الآن، بعد التباطؤ الملحوظ الذي أظهره نمو الصين تحت وطأة عملة مبالغ في تقدير قيمتها بضغط من الولايات المتحدة.

الصين تواجه الخطر ذاته
والآن تواجه الصين خطر نفس تسلسل الأحداث، فقد دفعت صادراتها المزدهرة في منتصف العقد الأول من القرن الحالي المسؤولين في الولايات المتحدة إلى التهديد بالانتقام تجارياً ما لم تتخذ السلطات الصينية الخطوات اللازمة لتقييد الصادرات، ودفع قيمة اليوان للارتفاع، والتحول إلى "النمو القائم على الاستهلاك". وهي نفس الرسالة التي وجهت إلى اليابان ذات يوم.
وبوسعنا أن نرى النتائج حتى الوقت الحالي من خلال سعر الصرف الحقيقي في الصين منذ أصبح اليوان قابلا للتحويل في الحساب الجاري (عام 1996) حتى اليوم. وقد بدأت قيمة العملة تسجل ارتفاعاً حاداً عام 2007. وكما كانت حال اليابان، تسبب ارتفاع القيمة في إشعال شرارة تدفقات رأس المال المزعزعة للاستقرار إلى الصين على افتراض أن اليوان - شأنه كشأن الين قبله - لن يتجه إلا إلى الصعود.

انهيار سريع في نمو الصادرات
وكما حدث في اليابان، كان ارتفاع قيمة العملة مصحوباً بفقاعة مالية. فإن ارتفاع القيمة الحقيقي أدى إلى انهيار سريع في نمو الصادرات السنوي في الصين (على مدى ثلاث سنوات)، من أكثر من 15% إلى أقل من 10%، والآن إلى الركود المالي أيضا.
وتظل قيمة اليوان مبالغا في تقديرها رغم انخفاض القيمة الاسمي المتواضع بنسبة 3% في أغسطس/آب الماضي مقابل الدولار القوي.
ولا بد من مقارنة ارتفاع القيمة الحقيقية لليوان بالتحركات الأخيرة للين والوون، فاعتباراً من مايو/أيار 2015، ارتفعت قيمة الين الحقيقية بنحو 7% منذ يناير/كانون الثاني 2007، والوون بنحو 3%، الأمر الذي أدى بالتالي إلى تفاقم ضغوط التكلفة على صادرات الصين نسبة إلى منافسيها في آسيا.
ويبدو خفض قيمة اليوان إلى مستويات أدنى ضرورياً إذا كان للصين أن تنجح في تعزيز نموها الاقتصادي الضعيف، وتتجنب "فخ اليابان" في الأمد البعيد.
ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن قدراً كبيراً من صادرات الصين المتزايدة سيجد طريقه ليس إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بل إلى أفريقيا وآسيا، وخاصة في هيئة معدات البنية الأساسية وغير ذلك من الآلات.

التفكير الغربي التقليدي
وفي وقت سابق من هذا العام، عبرت مجلة ذي إيكونومست عن التفكير الغربي التقليدي، فقالت "لا يُسمح لقيمة اليوان بالانخفاض لأربعة أسباب: خفض القيمة ربما يستفز حرب عملة في آسيا، والشركات الصينية غارقة في الديون المقومة بالدولار، وخفض القيمة ربما يؤدي إلى تجدد الاتهامات من قبل الولايات المتحدة بالتلاعب بالعملة، كما قد يؤدي أيضاً إلى عكس اتجاه التقدم الذي حققته الصين في تحويل اليوان إلى عملة احتياطية دولية".
الواقع أن هذا التفكير المضلل هو على وجه التحديد ما أدى إلى جيل من تباطؤ النمو بلا داع في اليابان، وقد يحدث مرة أخرى في الصين.
أزمة داحلية بدأت بالظهور
التحول الاقتصادي الذي شهدته الصين أدى إلى تغيرات داخلية كبيرة فلقد شهد هجرة عشرات الملايين من العمال الريفيين للمدن بحثا عن فرص للعمل. فوفقا لبيانات الأمم المتحدة، قفز عدد المراكز الحضرية في الصين، التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة أو أكثر، من 16 مركزا في عام 1970 إلى 106 في عام 2015، مقارنة بنحو 45 مركزا في الولايات المتحدة، وحوالي 55 في أوروبا.
طفرة البناء
وترافقت الهجرة الجماعية في الصين مع طفرة سريعة في عمليات البناء.
ولا يعني سرعة تشييد المنازل، أنها أضحت مأهولة بالسكان، فكثير من المدن والعمارات السكنية ومراكز التسوق التي تم بناؤها حديثا مازلت خاوية، وأصبحت تلقب باسم "مدن الأشباح".
تلوث الهواء
وقد جاء النمو الاقتصادي في الصين على حساب البيئة أيضا، حيث ارتفعت مستويات التلوث الى حد كبير نظرا لاعتماد البلاد بشكل أساسي على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وتسعى الصين إلى خفض معدلات التلوث وقد أغلقت آلاف المصانع التي تعمل بالفحم.
ولكن، وطبقا لوزارة البيئة الصينية، لم تنجح سوى 8 من بين 74 مدينة فقط في اجتياز معيار الحد الأدنى من جودة الهواء عام 2014.
وبدأت الصين في استخدام قراءات نوعية لجودة الهواء في عام 2012، وقالت إن الحد من الانبعاثات وإغلاق مصانع الفحم ساعدت في الحد من تلوث الهواء في عام 2015.
يزدادون ثراء
بدأ الحزب الشيوعي في اعتماد مبادئ السوق الرأسمالية في عام 1978 ابان فترة زعامة دنغ هسياو بينغ. وبعد الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية في الثمانينيات، أصبحت الصين واحدة من أكبر الدول المصنعة في العالم، إذ أخذت المصانع في الاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة.
ونما اقتصاد الصين بمعدل 10 بالمئة سنويا على مدى العقود الثلاثة حتى عام 2010، على الرغم من تباطؤ النمو نسبيا منذ ذلك الحين.
وفي السنوات الأخيرة تجاوزت الصين اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم - على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بقي أقل بكثير منه في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة.
عطلات سعيدة
وترافق النمو في الناتج المحلي الإجمالي للصين مع ارتفاع الدخول القابلة للتصرف، فالصين لديها أكبر عدد من السائحين في دول العالم، ويحتل زوارها المرتبة الأولى من حيث الإنفاق، حيث يبلغ حجم انفاقهم خلال عطلات الأعياد نحو 165 مليار دولار.
وتشمل الوجهات الأكثر شعبية هونغ كونغ واليابان وفرنسا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وتايلاند.
تُركوا وحدهم؟
وعلى الرغم من ارتفاع الدخول الشخصية، لم يستفد الجميع بشكل متساو، حيث اتسعت الفجوة في الدخل بين الأسر الريفية والحضرية في الصين بشكل حاد منذ عام 1990.
وقد فاقم نظام تسجيل الأسر في الصين، المعروف باسم "هوكو"، هذا الانقسام، لأنه يمنع معظم العمال المهاجرين من الحصول على الرعاية الصحية والإسكان والرعاية الاجتماعية في المدن التي يعملون فيها.
كما أثرت الهجرة الجماعية إلى المدن على جيل الشباب - حيث يعيش في الصين 61 مليون طفلا "تركوا وحدهم" في القرى دون آبائهم.