مفهوم التطوير التنظيمي:
يشكل التطوير التنظيمي الامتداد الفكري للمدارس السلوكيه التي دعمت جهود المدارس الفكريه الحديثه حول النظره الجديده للانسان الفرد ,واصبحت فيما بعد نقطه التحول في الدراسات الجديده التي تناولت موضوعات التطوير التنظيمي, وركزت بشكل رئيسي على الجانب الانساني واعتبرته الاساس في العمليات الانتاجيه. وبالتالي فان جميع تعريفات الكتاب انصبت على نقطه اساسيه تدور حول اهميه البعد الانساني في العمليات التنظيمية , ويعرف التطوير التنظيمي بأنه "يتضمن اشاره الى مختلف مداخل العلوم السلوكيه المستخدمه لتوجه المنظمات الاداريه نحو الانفتاح والصدق".كما يعرف التطوير التنظيمي"بانه جهد مخطط على مستوى التنظيم ككل تدعمه الاداره العليا لزياده فعاليه التنظيم من خلال تدخلات مخططه في العمليات التي تجري في التنظيم مستخدمين في ذلك المعارف التي تقدمها العلوم السلوكيه"، و في تعريف آخر يرى ان "التطوير يسعى الى تحقيق الكفائه في الانتاجيه عن طريق المنظمات الاداريه وتطويرها من خلال تنميه القوى البشريه , والتركيز على الثقافه التنظيميه ودعم القياده العليا , والعمل على ايجاد المناخ التنظيمي المناسب وترسيخ دعائم الديموقراطيه".

مساهمات الفكر الاداري في التطوير التنظيمي:
بدا اهتمام الدارسين بمشكلات التطوير التنظيمي منذ بدايه نشوء المجتمعات الانسانيه الاولى ومواجهتها للعديد من المشكلات الاداريه والتنظيميه المختلفه , مما ادى ذلك الاهتمام الى ظهور محاولات كثيره ترمي الى ايجاد حلول لهذه المشكلات بهدف زياده الانتاجيه. وهنا لابد من الاشاره الى كل من اصحاب الفكر الاداري التقليدي والسلوكي , حيث شهدت اوروبا والولايات المتحده في منتصف القرن التاسع عشر زياده في حجم النمو الاقتصادي ادت الى ظهور المؤسسات والمنظمات الاداريه الكبيره , التى صاحبتها محاولات جديده هدفت الى التخفيف من حده المشكلات التى تواجهها الاداره, فكان لابد من الاداره من استخدام ثلاثه مبادئ اداريه تنظيميه وهي : التنظيم وتقييم العمل , والاتصالات , والمعلومات .
كما شهدت اواخر القرن التاسع عشر نشاطا فكريا ساهم في ارساء قواعد علميه راسخه على ايدي مجموعه من الرواد كان ابرزهم (هنري تاون) الذي قدم مساهمات كثيره في مجال الاداره, كالمطالبه بضروره العمل على تبادل المعلومات بين الاداره والعاملين وبين رجال الاعمال انفسهم. وضروره حساب تكاليف الانتاج لكل عنصر من عناصره. وقد سعت هذه المحاوله وغيرها من المحاولات الى بلوره مفهوم الفكر الاداري وتطويره في القرن العشرين.
والجدير بالذكر ان الابحاث والدراسات لم تتوصل الى بدايه واضحه لمفهوم التطوير التنظيمي , وبالرغم من امكانيه النظر الى هذا المفهوم كتكريس للمدارس السلوكيه, الا ان ذلك لايعني عدم ظهور بوادر في هذا الاتجاه قبل هذه المدارس, ففي ظل المدرسه التقليديه ,(نظريه الاداره العلميه) انصب التركيز في التطوير التنظيمي على جهه واحده هي الانتاجيه دون اعطاء اهميه لمفهوم البعد الانساني .
ولكن ذلك لم يكن مقصودا, لان لكل مرحله ظروفها الخاصه بها وبيئتها المختلفه . وقد استمرت جهود هذه المدرسه بالتركيز على الانتاجيه كأحد عناصر التطوير التنظيمي الى ان ادخلت متغيرات جديده ادت الى احداث تغيير في الفكر الاداري الذي كان مسيطرا في تلك المرحله , وتمثلت في التركيز على الجانب الانساني واهميته في العمليات الانتاجيه, وتضمنت هذه المرحله محاولات عديده منها تجارب (هوثورن) التي تناولت العمل الجماعي. وقد اثبتت هذه المحاولات الجديده ان الاهتمام بالعنصر الانساني سلبا ام ايجابيا يؤدي الى زياده الانتاجيه , وبالتالي فان التطوير التنظيمي ماهو الا تكريس لهذا المفهوم .
ثم تواصلت الجهود في البحث والدراسه فكان هناك ليكرت عام 1961م وهيرزبيرج عام 1966م ثم ماسلو عام 1970م . واظهرت كل هذه المحاولات اهميه العنصر الانساني في التطوير التنظيمي من خلال السعي الى تحقيق اهدافها في احداث تغيير في سلوك المنظمات الاداريه وكذلك الافراد وكنتيجه لجهودها كان لمساهمات التدريب المعملي في المنظمات الصناعيه واسلوب التغذيه الراجعه الاثر الاكبر في بلوره المفهوم السابق من حيث اهميه العنصر الانساني في التطوير, ولاننسى مساهمات النظريه الاداريه والبيروقراطيه في محاوله ايجاد تنظيم اداري مثالي يقوم على اساس تقييم العمل الاداري والمكتبي وكيفيه تأثير ذلك على المهام والسلوك, حيث ركزت هذه المرحله على ضروره تقسيم العمل وفقا للوائح والتعليمات دون اعطاء أي اعتبار للجوانب او العوامل الشخصيه, فقد كانت نظريه الاداره تحاول ايجاد مبادئ يستطيع الاداري من خلالها وضع هيكل رسمي يساعد على تسهيل القيام بالمهام والواجبات بدلا من الاعتماد على الحدس والتخمين في اداره الامور.
وقد قدم رواد هذه المرحله اسهامات كبيره حيث دعا (فايول) الى ضروره قيام الاداره بخمس وظائف رئيسيه هي التخطيط والتنظيم والامر والتنسيق والرقابه بالاضافه الى ضروره التركيز على تطبيق القواعد المتمثله في تقسيم العمل , والسلطه والمسؤليه, والانضباط, ووحده القياده , ووحده التوجيه , وتعويض الموظفين , والمركزيه , والتسلسل الاداري والنظام والعداله والاستقرار الوظيفي والمبادره والروح الجماعيه.
واستمرار للجهود المبذوله من اجل تطوير المنظمات الاداريه ظهر على أيدي مجموعه من الرواد منهم (دوغلاس ماكروجر) و(هربرت بيرد) حيث شارك هؤلاء في محاولات ايجاد حلول للمشكلات التي واجهت جهود التطوير التنظيمي من خلال التاكيد على ضروره اشتراك الاداره العليا وافراد التنظيم في عمليات صنع القرار , وضروره تطبيق الدراسات والتجارب العلميه على المنظمات الاداريه في الموضوعات المختلفه. وظهر نتيجه لهذه الجهود مايعرف بالتطوير التنظيمي الذي قام على اسس اهمها البحث الموجه والتغذيه الراجعه والتدريب المعملي. وقد انتشر تطبيق هذا التطوير في عده دول في اوروبا وامريكا, وتمثل ذلك بالتدريب المعملي , والاثراء الوظيفي وبناء الفريق والعمل على ضروره فهم ديناميكيه الجماعه وتفاعلها داخل المنظمات الاداريه , والاستعانه بعلم النفس الاجتماعي . وتم تركيز الجهود على ضروره استخدام المنهجيه العلميه في تطوير اسليب العمل.
وكان للعلاقات الانسانيه دورها في هذا المجال حيث ركزت على المحددات الرئيسيه لتطوير جماعه العمل والتعرف على خصائص الجماعات غير الرسميه باعتبار المنظمه مجتمعا انسانيا وتعتمد الاداره فيها على العلاقات الانسانيه في محاولاتها التنسيق بين جهود الافراد لخلق جو عمل ملائم يحفز الافراد على العمل بشكل تعاوني بهدف تحقيق اهداف التنظيم من ناحيه واشباع رغبات الافراد من ناحيه اخرى.

وقد رأى (سايمون) أن جميع العمليات التنظيميه تدور حول اتخاذ القرارات الاداريه وان التطوير التنظيمي ماهو الانتيجة لاتخاذ القرارات الاداريه وبالتالي فان التطوير التنظيمي يتطلب معرفة كيفية اتخاذ القرار والعوامل المؤثرة فيه.
واصدر كل من (موني ورايلي) كتابا بعنوان(مبادئ التنظيم),تم التركيز فيه على ضروره معرفه التدرج الوظيفي كجزء من محاولتهما الشاملة لدراسة التنظيمات .كما ان ظهور الادارة كعلم يعتبر حديث النشأة ولكن كيفية التعامل مع منظمات ادارية معقدة والعمل على ادارتها قد لايكون حديثا فالنظريات الإدارية لم يبدأ ظهورها في مجال الادارة بهدف وضع اسس سليمة يسير عليها علم الإدارة الا في بداية القرن العشرين.

ولدراسة وتتبع مساهمات تلك النظريات في مجال التطور التنظيمي لابد من اتباع منهج يقوم على اساس تقسيم تلك الفترة التي ساهمت بها النظريات الى المراحل التالية:
1_المرحلة الكلاسيكية
2_المرحلة السلوكية
3_المرحلة الحديثة

1- مرحلة الفكر الكلاسيكي :
تمتد هذه المرحله من 1900_1927 وقد دعيت بالكلاسيكيه نظرا لما قدمته من افكار مثالية في الإدارة وبالرغم من المشكلات الكثيرة التي واجهتــها نتيجة لعدم واقعيتها الا أنها شهدت العديد من المساهمات الفكرية لدعم وتطوير الموضوعات الإدارية .

ويلاحظ في هذة المرحلة هو أن التسلسل في البحث والدراسة مبني اساسا على الفترات الزمنية لها وليس على مواقعها ومساهماتها في الفكر الاداري فقد ظهرت نظريات كلاسيكية في فترات زمنية متأخرة تزامنت مع بعض الافكار السلوكية ولذلك فان المرحلة الكلاسيكية امتدت حتى اواخر 1960. فالمتبع للفترة الزمنية التي ظهرت فيها افكار نظرية الإدارة العملية يلاحظ ان تلك المرحلة شهدت ممارسات وتطبيقات ادارية غير صحيحة ترتب عليها الكثير من المشكلات الإدارية وذلك في الفترة التي بدأ فيها نمو المجتمع يسير بشكل كبير مصاحبا لبعض بوادر النمو الاقتصادي الأمر الذي تطلب وضع حلول جذرية للمشكلات الإدارية حيث ظهر نتيجة لذلك العديد من النظريات التي حاولت تفسير المشكلات الإدارية بطرق علمية وكان التركيز هنا على زيادة الإنتاجية وتحقيق الكفاءة والفاعلية ويمكن القول أن هذه المرحلة كانت أولى اشارات الإدارة لمفهوم التطوير التنظيمي بالرغم من اهمال البعد الانساني وعدم اعطائه أي اهتمام يذكر حيث أوجدت الثقافة الإدارية والفكر الإداري لدى الإفراد القائمين على الإدارة اعتقادا بأن الفرد العامل كسول لايحب العمل وبالتالي لابد من الرقابة الصارمة والشديدة علية . وقد كان لجهود (تيلور) دور مهم في تطوير الإدارة العلمية التي عرفها بأنها ذلك "النوع من الإدارة التي تدير الاعمال من خلال معايير مهمة بناء على حقائق يتم الحصول عليها من خلال الملاحظة المنظمة والتجربة".

وكان تركيز(تيلور) على استخدام المنهجية العلمية في العمل الإداري واضحا فقد قام بدراسة الوقت والحركة وركز جهوده هلى ضرورة تقسيم العمل والتخصص ووحدة الأمر وايجاد طريقة مثاليه للقيام بالأعمال . اما نظرية المبادئ الإدارية فقد ركزت على ضرورة وضع مبادئ عالمية يمكن الاعتماد عليها في العمل التنظيمي وكذلك الإداري ومن روادها (فايول) وآخرون .