عندما نصبح سبعين مليوناً من الناقدين والمستائين والغير راضين عن أحوال البلاد والعباد ، هنا يجب ان نقف لنتساءل : أين اذن الذين يعملون ؟؟ اذا كان الكل يتهم الكل بالسلبية والانانية والاتكالية ؟؟
أقول قولى هذا بعد ان اصبحت ظاهرة الشكوى هى الاساس والعمل الجاد هو الاستثناء .. وكأن الشاكين والمتضررين بانتهاجهم عملية الاسقاط هذه يعفون انفسهم من مسئولية تدهور السلوكيات وقلة الانتاج والغلاء الذى نعيشه !!
وبالطبع فإن البعض يتبارى فى نقد افعال الحكومة وكانها هى التى تعمل بنفسها وليس من خلال هؤلاء الناقدين و البعض الآخر يشجب ويستنكر ما شاع من رذائل ويتباكى على الفضائل الغائبة ويحن الى المدينة الافلاطونية الخالية من الشر والقبح والظلم ، ولكن عند استقرائنا لأحوال معظم هؤلاء الناقدين فسوف نجد انهم اول النائمين فى العسل وان اياديهم صفر من الاعمال التى تعود على الغير بالخير والنفع والرفاهة!!
وكلامى هذا لا يستند الى المشاهد الطافية على السطح فقط فى هذا البحر الخضم من سلوكياتنا ولكن ايضا الى حقائق نفسية علمية تؤكد ان من يبالغ فى نقد شيئ ما ويأخذ مواقف متشددة ازاء أى خطأ يصدر عن الآخرين ويصدر أحكاماً قاسية على الناس اذا أخطأوا ولا يتسامح او يعفو فانه يجاهد ليخفى عكس ما يتحيز له ، بل انك اذا رأيت من يبالغ فى حبه لشيئ او لشخص ما او حتى لبلده فاعلم انه يجاهد ليكبت بغضا شديدا لهؤلاء يسكن فى عقله الباطن ، وقد حذر الدكتورعادل صادق فى بعض كتبه الا ننساق وراء مثل هؤلاء المتحمسين لان ليس كل متحمس يعكس ما بداخله حقيقة فقد تتناقض حقيقة مشاعره وأفكاره عما يعلن من مبادئ وعما يتخذ من مواقف وهذا هو الغالب الآن على مسرح الحياة الزائف ؟؟ فما هو الميزان إذن الذى يمكن أن نزن به حقائق هؤلاء الشاكين على الدوام والباكين على الفضيلة المذبوحة والقوانين المهدرة والذين يسعون ليكونوا قادة الركب وربان سفينة النجاة ؟؟
أستطيع أن أجزم أن خير ميزان لذلك هو ان تشاهد مدى تطابق ما يقولون وما ينادون به مع أفعالهم وتصرفاتهم هم شخصياً فى نفس المواقف التى لا تعجبهم ، فاذا تذمر احدهم من وجود الطوابير فى المصالح الحكومية وعدم النظام بها ، واشتكى لطوب الأرض ، ثم رأيته يهش ويبش اذا قضيت مصالحه بتخطي هذه الطوابير ، فاعلم انه غير صادق فيما ينادى به وانه لا يبتغى وجه الله او الحقيقة بدعوته الى الفضيلة ، وهذا هو احد امراضنا الاجتماعية المزمنة التى يجب ان نداويها أولا اذا اردنا ان يصبح جسم الامة صحيحاً معافى !! وأن يصبح لكلامنا على صفحات الصحف صدى لدى المسئولين ؟