التفكير سلسلة من العمليات المعقدة التي تجري في الدماغ البشري بسرعة مذهلة؛ مهمتها تبسيط الأمور التي تشغل الذهن، وتحليلها إلى عناصر أولية قابلة للربط والمقارنة والعرض والتمثيل والتصوير، ومن ثَمَّ الخروج بتصور أو نظرية تشكل قاعدة ثابتة للتطبيق العملي. والتفكير الحر عائقٌ في وجه التخطيط لأنه يرهق الذهن بكثرة المعلومات التي لا لزوم لها في موضوع يجري التخطيط له بشكل محدد، ومن هنا نشأ ما يسمى التفكير الاستراتيجي الذي يُعرَّف بأنه " الأسلوب الذي يُمكِّن المسؤولين من توجيه المؤسسة بدايةً من الانتقال من العمليات الإدارية والأنشطة الإجرائية ومواجهة الطوارئ والأزمات حتى تكوين رؤية مختلفة للعوامل الداخلية والخارجية المتغيّرة القادرة على خدمة التغيير المطلوب في البيئة المحيطة، بما يضمن أفضل استخدام ممكن لإمكانيات التنظيم انطلاقاً من منظور جديد مركز بصورة أساسية على المستقبل مع عدم إهمال الماضي".
أمّا التخطيط الاستراتيجي فهو " دراسة الواقع بكل أبعاده ومظاهره، من قوة وضعف ، وتحديات وفرص ، ورسم رؤى وأهداف مستقبلية بناءً على ذلك، ومنْ ثم وضع برامج عملية تساعد على الانتقال إلى المستقبل المنشود،" في حين ينطلق التفكير الاستراتيجي من التأمل العميق لاستشراف المستقبل وتحديد الاتجاه الذي يقود المؤسسة للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات والمتغيرات المستقبلية "، ويقود التفكير الاستراتيجي المؤسسة لاستنباط الاستراتيجية ورسم الخطوات المناسبة التي تحول رؤيتها إلى واقع محققاً وضعاً أفضل يؤدي إلى رفع كفاءتها الداخلية والخارجية. وبذلك يُعد التفكير الاستراتيجي خطوة سابقة من الخطوات التي تخدم التخطيط الاستراتيجي.


إنّ ما يميّز التفكير الاستراتيجي عن غيره من أشكال التفكير الأخرى أنه تفكير:
- كُليّ مُنَظّم باعتماده الرؤية الشمولية للعالم المحيط.
- افتراقي أو تباعدي كونه يعتمد الإبداع والابتكار في البحث عن أفكار جديدة، أو يكتشف تطبيقات مستحدثة لمعرفة سابقة.
- تركيبي وبنائي يعتمد الإدارك والاستبصار والحدس لاستحضار الصور البعيدة ورسم ملامح المستقبل قبل وقوعه.
- تطويري؛ فهو يبدأ من المستقبل، ويستمد منه صورة الحاضر، وينطلق من الرؤية الخارجية ليتعامل من خلالها مع البيئة الداخلية ، فهو إذن تفكير استباقي متعدد الرؤى والزوايا.
- تفاؤلي إنساني يؤمن بقدرات الإنسان وطاقاته الفعلية على اختراق عالم المجهول، والتنبؤ باحتمالات ما سيقع، ويحث على وجوب توظيف المعرفة المتاحة، والمشاركة في صناعة المستقبل.
- تنافسي يقر أنصاره بواقعية الصراع بين الأضداد، ويؤمنون بأن الغلبة لأصحاب العقول وذوي البصيرة ممن يسبقون الآخرين في اكتشاف المعرفة الجديدة.


في حين يتميّز الأفراد ذوو التفكير الاستراتيجي بأن لديهم القدرة على بناء الغايات، والبصيرة النافذة والفراسة في وزن الأمور، وقادرون على الاستشعار البيئي، ولديهم القدرة على تحليل البيانات والمعلومات وتفسيرها، ويمتلكون مهارة الاختيار الاستراتيجي، وتحديد الموارد والإمكانات المُتاحة واستخدامها بكفاءة، ولديهم الكفاءة والقدرة على التجاوب الاجتماعي بين المؤسّسة وبيئتها المحيطة، ومواكبة عولمة الفكر الإداري، واتخاذ القرارات الاستراتيجية.






من حاكميّة الشركات إلى حاكميّة الجامعات
إعداد
يعقوب ناصر الدين
رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط / الأردن


تُعد حاكميّة الجامعات من المفاهيم الحديثة التي حظيت باهتمامات كبيرة في السنوات الأخيرة في الجامعات عبر استخدامها في تحقيق الجودة الشاملة والتميّز في الأداء، وهو المصدر أو المرجعيّة التي يُستند إليها في حُكم الجامعة، وتُعرّف الحاكميّة بأنها "مجموعة من القوانين والأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة والتميّز في الأداء عن طريق اختيار الاستراتيجيات المناسبة والفعّالة لتحقيق غايات الجامعة وأهدافها الاستراتيجية"، وهي بذلك تعني النُظم التي تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثّر في الأداء، كما تشمل مقوّمات تقوية الجامعة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤوليّة.
تُسهم الجامعات في معظم دول العالم في التنمية من مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والإداريّة والسياسية والصحية وغيرها، وهي جزء مهم وحيوي من مجتمعها المحلي. ويجتهد قادة الجامعات في صياغة رؤية الجامعة ورسالتها التي تحدد لاحقاً الأهداف العليا للجامعة. ومهما اختلفت رؤى الجامعات ورسائلها، إلا أنها تُجمع بشكل أو بآخر على هدفين رئيسين أساسين، الأول: تعليم متميّز يتمثّل في الدفع بأفواج الخريّجين المؤهّلين لملء الشواغر في المؤسسات المختلفة للدولة والمجتمع بما يتناسب واحتياجاتها. والثاني: يُعبّر عن خدمة المجتمع أو ما يُسمّى بتحمّل الجامعة لمسؤولياتها المجتمعيّة.
إنّ النهوض بالتعليم الجامعي يتطلّب منظومة متكاملة للحاكميّة الجامعيّة، تشمل جميع قيادات اتخاذ القرارات ومصادره. لذا، تُعد حاكميّة الجامعات مفتاح بلوغ التعليم العالي لأعلى المستويات قيمة ومضموناً. ويقتضي النهوض بوظائف الجامعة (التدريس، البحث العلمي، خدمة المجتمع) تطوّر الحاكميّة والأداء المؤسسي فيها بما يضمن الشفافيّة، والمساءلة، والمشاركة المؤسّسية لجميع الأطراف، وفق المرجعيّة التشريعيّة الناظمة للعمل، بحيث تسير القرارات الأكاديميّة الجامعيّة حسب الأصول العلميّة في مجالس حاكميّة الجامعة، كما أن ما تُعانيه بعض الجامعات من ضعف في الحاكميّة بسبب تعدّد الجهات الرقابيّة وجهات التدخّل، والعلاقات الشخصيّة يؤدي إلى عدم احترام توصيات مجالس الحوكمة فيها وقراراتها، وبذلك تضيع هذه الجامعات بين المزاجيّة وسرعة التغيّرات، وينعدم العمل المؤسّسي والأصول الأكاديميّة فيها.
وتأسيساً على ما سبق، نجد أن الجامعات العربيّة تحتاج إلى إدراك أهميّة تبنّيها معايير الحاكميّة، والغرض الذي من أجله تم إنشاء هذه الجامعات ودورها في عمليّة التنمية والمساهمة في التحوّل إلى الاقتصاد المعرفي وعالم المعلوماتيّة، وعلى وزارات التعليم العالي والبحث العلمي العربيّة وضع وثيقة في شكل قواعد ملزمة أو استرشادية تستلهم منها الجامعات مسؤولياتها ذات العلاقة بالحاكمية. إن مثل هذه الوثيقة ستشكّل خريطة طريق للجامعات، وعلى الجامعات القيام بعمليّة إصلاح لنظامها الإداري وتبنّي هياكل تنظيميّة أكثر كفاءة وأكثر عصريّة.
وإنّ إرساء قواعد الحاكميّة في إدارة شؤون الجامعات يحتاج إلى إدارة التغيير أكثر من التغيير نفسه، لأن كثيراً من المتطلّبات ليست بحاجة إلى تعديل التشريعات القانونيّة، وإنّما إلى تفعيل ما هو موجود وتطبيقها بشفافية ضمن سياسة تعظيم الانجاز، وتوسيع أبواب المساءلة ومراقبة الأداء في الإصلاح الحقيقي للتعليم الجامعي وتطويره بمنهج إدارة حكيمة تكون الواقعيّة أساس مقوماته، والرؤية المستقبليّة من أهم مستلزماته. وإنّ تبنّي نظام الحاكميّة في الجامعات يتطلّب وجود تعدّدية وشمولية واضحة في أنماط الحاكميّة، إضافة إلى المشاركة الواسعة لأصحاب المصالح عند مستوى القرارات الاستراتيجية وتخصيص الموارد، ووجود آليات رقابية بين أصحاب المصالح تمكّنهم من التعامل مع الإدارة التنفيذيّة وتوجيه سلوكهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر لابد من وجود رقابة داخليّة مشكّلة من مجلس الحاكميّة وتقدّم تقريرها عن مدى الالتزام بالأنظمة والتعليمات، ومدى كفاية وكفاءة نظام الرقابة الداخلي بالجامعة.




































من الحاكميّة إلى إدارة الحكمة
إعداد
يعقوب ناصر الدين
رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط / الأردن
يُعدّ مصطلح الحاكميّة من أول المصطلحات التي تم استخدامها للدلالة على مفهوم "Governance" وهو مشتق من الجذر اللغوي حَكَمَ، ولقد لقي هذا المصطلح استحساناً في بلاد الشام ومازال مستخدماً فيها، قد استخدمته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الأردنيّة في خطّتها الاستراتيجية الوطنية (2007-2012). ولكن هذا المصطلح تعرّض لبعض الانتقادات من جهات متعدّدة، فحلَّ محلّه مصطلح الحوكمة الذي لقي استحساناً في شمال إفريقيا. وثمّة انتقادات أخرى جاءت من دول الخليج حيال طرق استخدامه، وبناءً على ذلك تم اقتراح مصطلحات أخرى منها الحُكْم الصالح الذي يُترجم حرفياً إلى "Virtuous governing" بالإنجليزيّة، ولكن تعرّضت هذه الترجمة إلى انتقادات من رجال الدين، ورجال السياسة. وبعد ذلك تم تداول مصطلح آخر وبشكل واسع هو الحكم الرشيد "Wise governing" ومع أن هذا المصطلح يتضمن لفظة حُكْم التي تشير إلى ممارسة السلطة، إلا أنه تعرّض لانتقادات من علماء الدين ومن العلماء العلمانيّين. وبذلك استمر ابتكار مصطلحات أخرى ناشئة عن تيارات دينيّة وسياسيّة مختلفة منها الحوكمة، التي تُعد الترجمة المختصرة لمصطلح "Corporate governance"، في حين أن الترجمة العلمية لهذا المصطلح التي اتفق عليها هي "أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة". وقد تعددت التعريفات المقدمة لهذا المصطلح، بحيث يدل كل مصطلح على وجهة النظر التي يتبناها مُقدّم هذا التعريف. وعلى سبيل المثال لا الحصر تعرف مؤسسة التمويل الدوليّة "IFC" بأنه "النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكّم في أعمالها".
في حين تعرّفه منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" بأنه "مجموعة من العلاقات فيما بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرها من المساهمين.
وشاع استخدام مصطلح الحوكمة بعد المعارضة التي لقيها، وبخاصة بعد أن وافقت عليه جامعة الأزهر في القاهرة. وقد استخدم هذا المصطلح بشكل كبير بعد إضافة لفظة الشركات إليه مما ولَّد عبارة حوكمة الشركات "Corporate governance" أو " The governance of Companies" وأخيراً حوكمة الجامعات " Universities governance".
ومن المصطلحات الأخرى التي تم استعمالها للدلالة على مصطلح الإدارة الرشيدة؛ "good governance" (إذ يأخذ) هذا المصطلح بعين الاعتبار التحفظات المتعلقة باستخدام لفظة حُكْم، ويقلل من حدّة مفهوم رُشد أو رَشيد المثير للجدل على الصعيد السياسي، وذلك من خلال ربطه بمفهوم الإدارة بدلاً من الحُكْم.
وتفادياً للانتقاد الذي قد يثيره التخلي عن البعد السياسي لإدارة الحكم في مفهوم "governance" يمكن استخدام عبارة الإدارة الرشيدة مع عبارة إدارة الحُكْم للإشارة إلى "governance"، مما يعيد مفهوم الحُكْم فينطوي عليه ضمنياً المقابل العربي لعبارة " good governance".


ومن المصطلحات الحديثة التي جاءت لتحل العديد من الابتكارات السابقة مصطلح إدارة الحكمة؛ إذ إنّ الإدارة الصحيحة والقويمة لأي عمل مهما كان صغيراً أو كبيراً تحتاج إلى حكمة (فمن أوتيها أوتي خيراً كثيراً)، ولا يُمكن إدارة أي مؤسّسة أو شركة إلاّ بالحكمة، والحكمة أن يضع كل شيء في مكانه. والحكمة مصدر من الإحكام، وهو الإتقان في قول أو فعل، وإدارة الحكمة هي المقدرة والكفاءة على الحكم على الأمور من حيث صلاحها وفسادها، وقد قسم ابن القيم الحكمة في كتابه "مدارج السالكين"، فجعلها في نوعين: حكمة علمية وهي الاطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبّباتها خلقاً وأمراً، قدراً وشرعاً وهي مبنية على العلم، والإدراك، والفراسة، وحسن الفهم، وبُعد النظر، وسعة الإطلاع، وحكمة عملية: هي وضع الشيء في موضعه وهي مبنية على استعمال الحكمة بإنفاذ العدل، وإحقاق الحق، ونقل الصواب، وتقع على ثلاث درجات: الأولى: أن يُعطي كل شيء حقّه. والثانية: أن تشهد نظر الله في وعده، وتعرف عدله في حكمه، وتلحظ برّه في نفعه. والثالثة: البصيرة بالاستدلال، وهي أعلى درجات العلم، قال تعالى "يؤتي الحكمة من يشاءُ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلاّ أولو الألباب" سورة البقرة الآية (269).



مراحل مقترحة لتطبيق الحاكميّة في الجامعات
إعداد
يعقوب ناصر الدين
رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط / الأردن


ظهر مفهوم حاكميّة الجامعات ليُعبّر عن الأزمة الحقيقيّة التي تمر بها بعض الجامعات، والحلول المقترحة لها، إذ نصبت بعضها نفسها فوق الطلبة والهيئتين التدريسيّة والإداريّة، لتكون مهمّتها اتخاذ القرارات المتعلّقة بشؤون هؤلاء، دون أن يكون لأي منهم الحق في مناقشة تلك القرارات أو الاعتراض عليها، مما أدى إلى عزوف الطلبة عن المشاركة في الحياة العامّة سواءً أكان ذلك داخل الجامعة أم خارجها. مما أثر على تطوّر الجامعة بوصفها المؤسسة الأكاديميّة التي يفترض فيها أن تُعيد صياغة توجّهات المجتمع بأشكاله كافّة.
وتُعد حاكميّة الجامعات منظومة متكاملة تتمثّل في مجموعة القوانين والأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق جودة وتميز العمليات والمخرجات، والإدارتين الأكاديمي والإداري، وذلك من خلال اختيار الاستراتيجات المناسبة والفعالّة لتحقيق غايات الجامعة.
لذا، يمكن القول بأن حاكميّة الجامعات هي منظومة متكاملة مكوّنة من مجموعة من العناصر البشريّة والماديّة المتكاملة والمتفاعلة التي تخلق الانسجام والتوازن داخل الجامعة، إذ يُسبّب فقدانها خللاً كبيراً في عمليّات الجامعة، ومن ثم مخرجاتها. وتُعد الشفافيّة من قواعد الحاكميّة: وتعني تصميم وتطبيق النُظم والآليات والسياسات والتشريعات. أما المساءلة فهي القاعدة الثانية: وتعني تمكين ذوي العلاقة من الأفراد داخل الجامعة وخارجها من مراقبة العمل دون أن يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل أو الإساءة إلى الآخرين، في حين تُعد المشاركة القاعدة الثالثة من قواعد الحاكميّة: وتعني إتاحة الفرصة لمجالس الحاكميّة وللهيئتين الأكاديميّة والإداريّة والطلبة والمجتمع المشاركة في صنع السياسات، ووضع قواعد العمل في مختلف مجالات الجامعة.
وقد أكّدت العديد من الدراسات التي بحثت في حاكميّة الجامعات أن هناك مجموعة معايير تعكس وتوضّح القيم التي تسود وتؤثّر في حاكميّة الجامعات هي:
- وجود قوانين وأنظمة وتعليمات توضّح أفضل أساليب ممارسة سلطة مجالس الحاكميّة في الجامعة (مجلس الأمناء، مجلس الجامعة، مجلس العمداء، مجالس الكليات، مجالس الأقسام) وقيادتها الإدارية.
- مدى المشاركة النسبيّة للموظّفين والمجتمع المحلّي من غير أعضاء مجالس الحاكميّة والمديرين في صنع القرارات، وفي توجيه مسار العمل في الجامعة.
- مدى تحمّل مجالس الحاكميّة والموظّفين في الجامعة لأدوارهم.
- مدى وجود لجان رئيسة تابعة لمجالس الحاكميّة تتناول الأعمال التي تحتاج إلى بحث ودراسة تفصيليّة.
- مدى درجة الإفصاح عن رواتب أعضاء مجالس الحاكميّة والموظّفين ومكافآتهم، وما يتّصل بها من إنجازات وأعمال تم القيام بها.
- درجة تطبيق معايير ضمان الجودة المحليّة والعربيّة والإقليميّة.


وتُعد المعايير أعلاه مرتكزات أساسيّة لخمس مراحل مقترحة لتطبيق الحوكمة في الجامعات، وهي:
المرحلة الأولى: إشاعة ثقافة الحاكميّة وتكوين الرأي العام المؤيّد لها: وهي أهم المراحل إذ يتم فيها توضيح معالم الحاكميّة وجوانبها، وأبعادها والمفاهيم الخاصّة بها، ومناهجها وأدواتها ورسائلها. وفي هذه المرحلة يتم التفريق بين الحاكميّة بوصفها ثقافة وسلوكاً والتزاماً وسلوك والتزام، وبين الحاكميّة بوصفها أساساً للمعاملات النزيهة.
المرحلة الثانية: مرحلة بناء الحاكميّة: في هذه المرحلة يتم وضع بنية أساسية قوية قادرة على استيعاب حركتها ومقتدرة على التفاعل مع متغيّراتها ومستجدّاتها، وهي بنية مركّبة ومتشعّبة وممتدة. تتكوّن من بنية أساسية فوقية للحاكميّة، وتشمل مجالس الحاكميّة وجهات الإشراف على تطبيقها على مستوى الجامعة. وبنية أساسية تحتية للحاكميّة، تشمل الأساس القاعدي، والأخلاقي، والقيمي.
المرحلة الثالثة: وضع خطّة إجرائيّة للحاكميّة: وفي هذه المرحلة يتم تحديد الأعمال والمهمّات والواجبات.
المرحلة الرابعة: تنفيذ الحاكميّة وتطبيقها: وتُنفّذ بشكل دقيق مع التطوير والمراجعة المرحليّة لكل خطوة، وفيها تبدأ الاختبارات الحقيقيّة، وقياس مدى استعداد ورغبة كافّة الأطراف لتطبيق الحاكميّة.
المرحلة الخامسة: متابعة الحاكميّة وتطويرها: في هذه المرحلة يتم التأكد من حُسن تنفيذ جميع المراحل السابقة، إذ تُعد الرقابة والمتابعة الوسيلة والإدارة الرئيسة التي تستخدمها الجامعة من أجل حُسن تنفيذ الحاكميّة، وهي رقابة ذات طبيعة اشتقاقيّة تكامليّة لها وظيفتان: الأولى: علاجيّة والثانية: وقائية ابتكاريّة.












من شغب الجامعات إلى شعب القاعات (1)
إعداد
يعقوب ناصر الدين
رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط / الأردن


حظي شغب طلبة الجامعات باهتمام بالغ، وأُجريت عليه العديد من الدراسات المهمة لاستقصاء أسبابه وطرق علاجه، ومع ذلك لم تُفعّل توصيات تلك الدراسات على المستوى التطبيقي وبقيت حبراً على ورق.
وهنا أستذكر ما ركّز عليه جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله في اجتماعه مع رؤساء الجامعات والذي عُقد في الجامعة الأردنيّة من خلال استخدامه مصطلح "الخطوط الحمراء" لبيان خطورة الشغب الجامعي. ولكن الشغب مازال مستمراً، حتى أنه بالأمس القريب انتقل إلى بعض ساحات امتحانات الثانوية العامة وقاعاتها وهذه الظاهرة الخطيرة اضطرت قوات الأمن للتدخل لضمان استمرارية الامتحانات على أكمل وجه وللمحافظة على سلامة الطلبة والمراقبين.
وعند التفكير بصوتٍ مرتفع وإجراء عصف ذهني مع الآخرين، لا نستطيع التوصل إلى أسباب مقنعة، ولكن قد نتّفق على أن السبب الرئيس هو عدم وجود ثقافة المواطنة والولاء والانتماء لدى من يقوم بذلك، إضافة إلى بعض المسببات التي كشفت عنها الدراسات العلمية في هذا المجال؛ منها النفسية والأسريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والعوامل البيئيّة الجامعية التي تتصل بالتدريس والإدارة والطلبة، ومنها أيضا الإداريّة. في حين يعزو بعضهم الآخر هذه المسببات إلى تدنّي التحصيل الأكاديمي للطلبة، ووجود فراغ كبير لدى الطلبة وبخاصة في الكليات الإنسانيّة، وضعف التفاعل بين الطلبة أنفسهم وبين مُدرّسيهم، والتأثّر بالمشاكل الخارجيّة، وانتشار ظاهرة التلقين في المحاضرات، والتمييز والتحيّز الأكاديمي والإداري من قِبل بعض المدرّسين، وتدخّل وجهاء المجتمع المحلي والمسؤولين للتخفيف من العقوبات التي تُصدرها الجامعة بحق المشاركين في الشغب الجامعي، وبذلك تتعدّد الأسباب والمسبّبات.
أما ما حدث في بعض ساحات امتحانات الثانوية العامة وقاعاتها فقد تعود إلى بعض المسببات السابقة، إضافة إلى محاولة الغش في الامتحانات والشعور النفسي لدى بعض الطلبة بالنقص والفشل والإحباط، مما يدفعهم لإثبات وجودهم من خلال الخروج عن المألوف، وإفساد النظام والحصول على العلامات دون أدنى تعب أو نشاط. ومن وجهة نظري فإنّ السبب الرئيس هو ضعف ثقافة المواطنة والانتماء للوطن وللجامعة وللمدرسة والاستهتار بالقوانين والأنظمة المدرسيّة، إضافة إلى النقص الواضح في تشكيل شخصية الطالب الذي لا يعرف حقوقه وواجباته نحو وطنه ومسؤولياته نحو الآخرين.
وتأسيساً على ما سبق لابد من إعادة النظر في مادة التربية الوطنية على مستوى الجامعة والمدرسة وإحلال مادة المواطنة أو التربية من أجل المواطنة محلها، إضافة إلى تفعيل أنظمة تأديب الطلبة في الجامعات والمدارس، وتفعيل مراكز الإرشاد النفسي المدرسيّة والجامعية، وإشغال أوقات فراغ الطلبة بما ينعكس إيجابياً على سلوكياتهم ومنها الخدمة المجتمعيّة، واستخدام استراتيجيات التدريس القائمة على تفعيل العقل وحل المشكلات وإكسابهم مهارات التفكير العلمي هذا من جانب، ومن جانب آخر على الدولة تطبيق القوانين والأنظمة بجديّة على المخالفين حتى تعود إلى الدولة والجامعة والمدرسة هيبتها، وللحديث بقيّة ...