(إن الوقت الذي تخصصه لإعداد هدفك من التفاوض سوف يعود عليك بالكثير من الفوائد حين تجلس إلى مائدة المفاوضات بالفعل من أجل التوصل إلى اتفاق).
جورج فولر.
يرتبط النجاح في أي عمل بمدى الإعداد والتجهيز والتخطيط بدقة وبأسلوب علميٍّ، وتظهر هذه الحقيقة أكثر وضوحًا في مجال التفاوض منه في كثير من المجالات الأخرى، وصحيح أن التخطيط السليم هو الأساس الضروري لأي إنجاز تنفيذيٍّ يمكن تحقيقه، إلا أننا كثيرًا ما نتجاهل هذا المبدأ البديهي لضمان فرص أفضل للنجاح، لذلك سوف نتعرف ـ عزيزي القارئ ـ على أول الخطوات في طريق التفاوض الناجح، من خلال التعرف على كيفية الإعداد للتفاوض، وما هو الهدف منه؟
أولًا ـ المفاتيح الأربع للإعداد الجيد للتفاوض:
يتعين على المفاوض الماهر أن يعنى عناية فائقة بعملية الإعداد للتفاوض؛ لأنها حاكمة في تحديد مدى النجاح الممكن تحقيقه في جلسات التفاوض الفعلية، فكما يقول كيفين كين:
(المفاوض الذي لا يُعِدُ نفسه جيدًا للتفاوض، سيكون في موقع رد الفعل بدلًا من أن يدير الأحداث ويقودها، أما المفاوض الذي أَعَّدَ جيدًا يأخذ زمام المبادرة في يده ويزداد قوة بشكل مطرد، وهذا يضاف إلى رصيد قوته التفاوضية وثقته بنفسه.
وهنا لابد من لفت الانتباه إلى أن الإعداد لا يعني أن تستهلك وقتًا في القيام ببروفات وتدريبات، أو أن تنتهج أسلوب الهجوم أو أسلوبًا عدوانيًا تجاه موقف المفاوض الآخر، ولكن الأمر المطلوب هو الاستعداد بالمعلومات والأدوات بشكل بناء وفعال).
ولعل إدراك أهم الخصائص المميزة لعملية الإعداد ومراعاتها في إدارة التفاوض هي أحد صور تلك العناية الواجبة، وفيما يلي نورد قائمة بأهم هذه المفاتيح، وهي:
1. التخطيط الجيد:
الإعداد للتفاوض عملية تخطيطية ولها كل خصائص العملية التخطيطية، من حيث العناية بعنصر التوقيت والاعتماد على أسس ومقومات، والتدرج بين المراحل المختلفة، وأهمية المرونة كصفة رئيسية من صفات المفاوض الناجح، إلى غير ذلك من الخصائص الهامة.
ولذا؛ يتضمن الإعداد كافة الأساليب الممكنة للتخطيط، من التحليل والتنبؤ، والقياس والتقدير، وتمثيل الأدوار والمحاكاة والعصف الذهني، وكل ما من شأنه رفع كفاءة الإعداد.
2. الاستمرارية:
الإعداد للتفاوض ليس نشاطًا سابقًا للتفاوض الفعلي فقط، إنما هو عملية مستمرة قبل التفاوض وأثناء التفاوض؛ للمراجعة والتعديل والتصحيح وإعادة ترتيب الأوراق والقضايا وإعادة تقويم البدائل واختيار المسارات في ضوء ما يكشف عنه التفاوض الفعلي، أو ما يستجد توافره من معلومات أو ما يطرأ على الموقف من متغيرات، سواءً كانت هذه المتغيرات من قبيل الفرص أو من قبيل العقبات والتهديدات.
3. توافر البيانات والمعلومات:
يستند الإعداد للتفاوض إلى توافر البيانات والمعلومات عن جميع عناصر الموقف التفاوضي، وتتميز تلك البيانات والمعلومات بأن بعضها يتعلق بخبرات أو أحداث ماضية، في حين يتعلق بعضها الآخر بمتغيرات قائمة في الوقت الحاضر، بينما يتعلق جزء ثالث بأمور مستقبلية، ولعل القدرة على تجميع وتحليل الأنواع الثلاث من البيانات والاستفادة منها هي أحد المحددات الرئيسية لفاعلية الإعداد، وبالتالي لاحتمالات نجاح المفاوضات.
ومن ثم يمكن التمييز بين وجهين مختلفين ومرتبطين في نفس الوقت لعميلة الاعداد، الوجه الأول هو التنبؤ بالمتغيرات، والوجه الثاني هو الاستعداد لمواجهة هذه المتغيرات أو السعي للتأثير في مسارها؛ وبالتالي في تأثيرها على المفاوضات.
4. التكامل والتعاون:
بمعنى أن لا ينفرد بالإعداد للتفاوض من سيقوم بالتفاوض الفعلي، وإنما هي عملية أوسع وأكبر من ذلك، حيث يشارك فيها أفراد وأجهزة أخرى في المنظمة حسب الحاجة، وحسب العطاء الذى يمكن أن يضيفه كل طرف لرفع كفاءة الاعداد.

ثانيًا: انطلق نحو الهدف:
يقول د.ثابت عبدالرحمن أستاذ إدارة الأعمال عن أهمية تحديد الأهداف التفاوضية: (توصلت إحدى الدارسات التي اهتمت بمقارنة مجموعتين من المفاوضين الناجحين والعاديين ـ وصلت إلى 102 عملية تفاوضية ـ من خلال ملاحظة سلوكهم أثناء الإعداد والتخطيط في أنواع مختلفة من التفاوض إلى أن:
المفاوض العادى يضع عادة هدفًا واحدًا فقط للتفاوض، بينما المفاوض الناجح يحدد ثلاث أهداف، والتى تشتمل على الهدف المثالي، والهدف الواقعي، والهدف الاحتياطى أو الأخير الذي يمثل الحد الأدني لما هو مرغوب الوصول إليه.
ويسعي المفاوض الناجح أولًا لتحقيق هدفه المثالي، فإذا لم يتحقق، فإنه يسعى إلى تحقيق هدفه الواقعي، وإذا لم يستطيع تحقيقه، فإنه أخيرًا يلجأ للهدف الأخير الذي يمثل الحد الأدنى، وإذا لم ينجح في تحقيق الأخير فإنه يدرك إنه لا فائدة من استمرار التفاوض).
إذًا يعد تحديد الأهداف التفاوضية من أهم خطوات الإعداد للمفاوضة على اختلاف أنواعها وأطرافها وظروف تنفيذها، وبصرف النظر عن موضوعها أو القائم بها أو مستواه أو عدد المفاوضين أو مكان التفاوض أو لغته ... إلخ.
وتختلف الأهداف المطلوب تحقيقها لدى كل طرف باختلاف الموقف التفاوضي، والقوة النسبية لكل من أطراف التفاوض، وخصائص المفاوضين أنفسهم، وهي في كل الأحوال تسعى لتلبية حاجة أو أكثر من حاجات الأطراف المتفاوضة، وترتبط بالتالى بهيكل حاجات ودوافع كل منهم على المستوى الشخصي وأيضًا على المستوى المؤسسي.
الدعائم الخمس للهدف التفاوضي الناجح:
وحتى تؤتي هذه الأهداف ثمارها، فلابد من أن ترتكز على دعائم تقويها وتمكنها من التأثير بفاعلية على مسار التفاوض، ومن تلك الدعائم ما يلي:
1. الوضوح:
بمعنى وضوح أهداف التفاوض للأطراف المشاركة فيه والاتفاق عليها بشكل قطعيٍّ لا يحتمل لبسًا أوغموضًا فيما بينهم.
ولا نعني بالوضوح فهم الأهداف بصورة إجمالية، بل لابد أيضًا من اقتناع المفاوض بالأهداف فلا معنى لتحديد أهداف لا يقتنع بها القائم بالتفاوض؛ لأنه لن يُخلِص في السعي لتحقيقيها عن وعي أو عن غير وعي، ولعل المشاركة في تحديدها من البداية أحد أهم وسائل ضمان الاقتناع بما يتحدد من أهداف.
2. المرونة:
بحيث لا يصبح التحديد الجامد للهدف مُعوِّقًا لنجاح المفاوضات، والمقصود بالمرونة هو أن يُحدَّد الهدف بأسلوب يتيح إطارًا يمكن للمفاوض التحرك فيه مع المحافظة على الهدف العام.
كما تساهم مرونة الأهداف في زيادة القابلية لمراجعتها في ضوء سير المفاوضات وطروء المتغيرات المختلفة، وظهور المعلومات الجديدة قد تحتاج إلى مراجعة ما سبق تحديده من أهداف، وهذا واضح طبيعيٌّ للغاية، فالأهداف ما هي إلا علامات ومؤشرات على الطريق لإرشاد السلوك وتوجيه الجهود، ويتعين تغييرها عند الضرورة القصوى.
3. الواقعية:
فأي تحديد غير واقعي للأهداف يعني تضاؤل فرص تحققها، وهو يؤدي إلى فشل المفاوضات أولًا ومن ثم إحباط المفاوضين، كما يؤدي ثانيًا إلى إضعاف المركز التفاوضي مستقبلًا، إذا كان إتمام المفاوضات بنجاح أمرًا حيويًّا للمفاوض.
4. القابلية للقياس:
وتلك الدعامة هي التي يمكن من خلالها قياس التقدم المحقق صوب الهدف، وبالتالي الاستمرار في التفاوض بفاعلية، أو التوقف عنه، وكذلك لا يمكن تقويم أداء المفاوضين إلا من خلال معايير قياسية.
5. السرية:
وهذا أمر واجب في أي تفاوض بمعنى أنه لا يجب أعلام الطرف الآخر بكل ما تسعى إليه أو تأمل في تحقيقه؛ سواءً للاستفادة من إمكانية تحقيق أكثر مما كنت تأمل في تحقيقه، أو لإخفاء حقيقة تنازلك عن أهدافك المبدئية عن الخصم إذا اضطررت للتنازل وكان الكشف عن هذا التنازل يُضعِف مركزك، أو لإتاحة المرونة لك في إدارة المفاوضات دون معرفة الطرف الآخر لما تستهدف تحقيقه.
وختامًا:
وأخيرًا تنصح د.جوديت فيشر قائلة: (أيًّا كان نوع الصراع الذي تخطط لتسويته من خلال التفاوض، فإن هناك هدفًا رئيسيًّا واحدًا وهو إيجاد اتفاق بشأن ما كان موضع صراع في السابق، ولذلك؛ فإن عملية التفاوض قد تبدأ بالتوتر والقلق أو الخلاف بشأن المصالح والقضايا، غير أن المفاوضات الناجحة تنتهي بالتوصل لحل نهائيٍّ أو حل وسط مقبول لدى الطرفين المتفاوضين).
لذلك عزيزي القارئ إذا أردت أن تتفاوض بشكل ناجح وفعال، فعليك أن تعطي لنفسك بعض الوقت للإعداد لهذا التفاوض وأن تحدد ما هو الهدف من التفاوض، وسأضمن لك نجاحك فيه بإذن الله، وحتى تصل إلى التفاوض الناجح، تذكر دائمًا تلك النصائح الهامة:
1. اجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات في أثناء إعدادك لعملية التفاوض.
2. لا تدخل ساحة التفاوض إلا والهدف واضح تمامًا في ذهنك.
3. اجعل هدفك على ثلاثة مستويات: المستوى المثالي، ثم الواقعي، ثم الاحتياطي.