استيقظت احدى الشركات الأمريكية الكبرى ذات يومٍ على وفاة مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها !
حصل ارتباك كبير جدا في الشركة ، لإن مؤسس الشركة كان على درجة كبيرة جدا من العبقرية و "السيطرة" والاستحواذ على الإدارة !!
مجلس الإدارة اجتمع وحصل اختلاف كبير جدا على اختيار من سيخلف المؤسس الراحل !! خصوصا وإن الشركة بتشتغل في رأس مال بالملايين وعندها خطوط انتاج في كل مكان ، وفيه عدد كبير من حملة الأسهم في انتظار معرفة مصيرها !!
اضطر مجلس الإدارة إلى الاستعانة بأحد شركات الاستشارات الكُبرى في الولايات المتحدة للمشاركة في اتخاذ القرار ! وبعد عدة اجتماعات مطوّلة في الشركة ، قررت شركة الاستشارات استدعاء مديرين القطاعات الخمسة الكبرى في الشركة ، وراحت مدياهم أجازة لمدة شهرين ! ممنوع التواصل فيهم مع أي حد من الشركة (قبل اختراع الموبيل وتوفر الانترنت) !! وحجزت لهم في مُنتجع في هاواي لقضاء الاجازة هناك !!
طبعا القرار كان صادم جدا لمجلس الإدارة ، لكن الشركة قالت إن القرار النهائي هيكون بعد انتهاء الشهرين !!
وبالفعل ، بعد مرور الشهرين وعودة المديرين الخمسة من الأجازة ، قامت شركة الاستشارات باختيار واحد من المديرين دول ليكون رئيس مجلس الإدارة الجديد خلفاً للرئيس الراحل !!
وكان تبرير القرار إنهم بعد سفر المُدراء - قاموا بمراقبة أداء كل فريق وكل قطاع من القطاعات الخمسة اللي كان مسئول عنها كل مدير من دول ، والقطاع وفريق العمل اللي كان أنجح في أداء شغله ، وأقدر على التصرف بحرية ومسئولية في غياب مديره = هو اللي وقع عليه الاختيار !! لإن أحد أقوى نقاط القوة لأي مدير هو القدرة على تأهيل وخلق كوادر تتحمل المسئولية في غيابه ، ودرجة "تفويض" المهام ، وإعطاء الصلاحيات للفريق بتاعه للعمل بشكل مؤسسي – وغير فردي – في تحمل المسئولية واتخاذ القرار !!
وبالفعل تم تعيين هذا المدير رئيسا لمجلس إدارة الشركة بترشيح من شركة الاستشارات وموافقة مجلس الإدارة بالاجماع !!
القصة دي أنا كنت درستها زمان في أحد كورسات الـ (Leadership) لكن للأسف مش قادر أفتكر اسم الشركة كان ايه !! أعتقد كانت شركة (Ford) والله أعلم !! لكن الرسالة المستفادة من القصة - واللي دايما بنصح بيها أي مدير - وخصوصا أصحاب الشركات الناشئة (Startups) : طول ما انت مُتدخل بشكل مباشر في كل كبيرة وصغيرة في الشركة = هايفضل للشركة "سقف" عمرها ما هاتتجاوزه !!
انت لازم تتدخل في كل التفاصيل في بداية إنشاء الشركة بالتأكيد ، لإنك تقريبا بتكون لوحدك ، وكل تفاصيل الشغل في دماغك ، ومحدش هايعرف يقوّم الشركة غيرك انت وشركائك المُؤسسين ، لكن أول ما الشركة تكبر وتتجاوز مرحلة الـ (Startup) لمرحلة الشركة المتوسطة أو الكبيرة = بيتحول دور المؤسس أو المدير لـ"مايسترو" !! لازم تكون واقف على مسافة كافية من الجميع وتبقى بتدير الشركة من فوق ! زي المايسترو كدة : واقف وشايف كل فرد في الفريق بيعمل ايه وبيعزف ازاي ، وانت بتوجه بإيدك من بعيد عشان تحافظ على الـ"Harmony" من غير ما تسيب مكانك وتدخل تشتغل بإيدك !!
لازم في مرحلة معينة تبدأ تتخلى عن سيطرتك الكاملة على التفاصيل وتبدأ تعمل تفويض صلاحيات (Delegation) لغيرك !! رغم إن ده هيكون ضد رغبتك بالتأكيد ، وهاتحس إنك هتخسر 10 – 20 % من الجودة والتدقيق في التفاصيل اللي محدش بيعرف يعمله غيرك – لكن على الجانب الآخر هاتتفرغ انت لمهمة أكبر بكتير ، وهي الحفاظ على تناسق وتناغم فرق العمل كلها مع بعض ، وبالتالى الصعود بالشركة لآفاق أعلى بكتير من اللي كانت فيها !! وبالتالي هتكون الفائدة 50 – 60 % مثلا ، تعوض الـ 10 – 20% تهاون في التفاصيل !!
أحد أبرز النماذج اللي بتعجبني جدا في الموضوه ده هو (Sergey Brin) و (Larry Page) مؤسسي شركة جوجل !
أول ما بدأوا الشركة كانوا هم على رأسها ، وبعد سنوات من الجهد والتعب وإثبات الكفاءة – الشركة كبرت جدا ، فجابوا لها (Eric Schmidt) كـCEO فوقيهم هم شخصيا !! بعدها بعشر سنين رجع (Larry Page) بقا هو الـ (CEO) ، وبعدها بأربع سنين طلع (Sergey و Larry و Eric) لفوق خالص في المظلة الجديدة اللي سموها (Alphabet) وجابو الشاب الهندي (Sundar Pichai) يبقى هو الـ (CEO) الجديد !!
بصراحة مرونة في منتهى النضج والجمال !!
أنا فاكر مرة اتفرجت على لقاء مع (Sergey Brin) فقال كلمة عجيبة جدا للمذيع ! قال له : " تعرف انا خليت كام مدير كبير في جوجل يرفع تقاريره اليومية لي بشكل مباشر (Directly reporting to me) ؟؟ (65) مدير !! وبعدين قال : عارف ليه ؟؟ عشان ألاقي نفسي أمام كم كبير جدا من القرارات – فماقدرش اخد قرار في أي واحد فيهم ، وبالتالي كل مدير ياخد القرارات اللي هو شايفها أنسب للإدارة بتاعته !! تخيلوا !!