الادارة شطارة
عبدالكريم الديلمي
برغم ما يشهده العالم حالياً من متغيرات في عالم الاعمال, مما يجعل المؤسسات تلهث من اجل بناء هياكل ادارية قوية, وتدريب العاملين بها لموائمة هذه التغيرات وكذلك اعتناق مفاهيم واساليب ادارية متطورة, وهذا على عكس ما ساد في الماضي, فقد انهارت العديد من المفاهيم الادارية القديمة وحلت محلها انماط ادارية حديثة, وهذا جعل المؤسسات والشركات تنقسم الى مؤسسات ناجحة, ومؤسسات في طريقها الى النجاح, ومؤسسات فاشلة ..
والسؤال هنا هو اين يوجد هذا النوع الاخير, وما هي نظرياته او نظراته, والامر ببساطة ان هذا النوع الاخير من المؤسسات يوجد بيننا في جميع القطاعات اما نظرياته او نظراته بالمعنى الادق فانه يقود نظرات ادارية غير عصرية بل يمكن ان نقول انه لا يؤمن بالادارة اساساً, ومن هنا فاننا نسعى لان ندخل في اعماق هذه الافكار والنظرات ونسعى معا لايجاد حلولا ترتبط باعادة النظر في الوضع الحالي للوصول الى مؤسسات ناجحة.
ويمكن ان نوضح الاساليب الادارية المتبعة في بعض المؤسسات من خلال الحوار الخيالي التالي :
الادارة شطارة ..
قالها احد المديرين وهو يغمز بعينه اليسرى مفرقعاً اصابعه... واكمل قائلاً : القضية وما فيها هي كيف تستطيع انت كمدير ان تنجز الاعمال اليومية من خلال الموظفين باستخدام الترغيب والترهيب.
ثم اجتذب مدير اخر طرف الحديث وهو يعدل من هندامه قائلاً :
لقد اعتدنا في مؤسستنا انه ليس بالضرورة ان تتعلم الادارة ولا ان يكون تخصصك ادارة, فنحن ندير مؤسستنا بطريقة تلقائية دون تعلم.
مدير جداً بإحدى شركات القطاع الخاص مستعرضاً :
اننا يا سادة نحقق بالفعل نجاحات فأرباحنا تزداد عاماً بعد عام والمفاجأة اننا نفعل هذا كله ولا نطبق اياً من النظم واللوائح الادارية – التي اعتقد انها عقيمة - بل اننا لا نتبنى اياً من المناهج الادارية الحديثة التي تزعمونها واسوقانا مستقرة الى حد بعيد.
مدير بإحدى شركات القطاع العام باسماً :
اننا بالفعل نطبق تللك اللوائح والنظم والقوانين الذي لا يطبقها زميلي العزيز ولكن النتيجة كما يقرأها الجميع على صفحات الجرائد.
مدير آخر يكتم ضحكة ذات معنى :
استطيع ان اقول لكم بان شركتنا والحمد لله ليس بها اي مشكلات فالوضع عال العال العال.
الادارة مسئولية ..
قالها احد المدراء الانيقين بابتسامة خفيفة, وسرد قائلاً : ان تكون مدير عام يعني ان يكون لك هيبة ووقار, ويجب ان تكون سيارتك آخر موديل, ولديك اخر اصدار من الهواتف الذكية وووو
قطع حديثه طبيب يحمل نظارات ويعمل مدير مستشفى قائلاً : يا اخي العزيز, المسئولية ليست هكذا, مثلاً عندنا في المستشفى, انا لا افهم في الامور الادارية, ولكن يوجد نائب لي يفهم في هذه الامور ويتولى كل الامور الادارية, ومع هذا تكون مستحقاتي في كشف المكافآت اكبر منه.
مدير مُقال قال على استحياء : بالنسبة لي قدمت استقالتي لاني اكتشفت ان كل الموظفين يريدون استلام الراتب لمجرد حضورهم فقط, اما اعمالهم الاساسية فلا يقومون بها الا اذا كان سيصرف لهم مكافاة, وهذا يعني ان الراتب اصبح مثيل للضمان الاجتماعي, وبالتالي في حالة عدم توفر ايرادات لا نجد اي موظف في مكتبه, وعلى هذا فان الحارس يريد مكافاة لانه يفتح ابواب المؤسسة صباحاً ويقفلها نهاية الدوام, والسكرتيرة تريد مكافاة اذا طبعت اي مذكرة.
مدير فهلوي يبتسم ويقول : يا عزيزي, ما كان يفترض عليك تقديم استقالتك, ومادام المؤسسة التي كنت مديراً لها لديها ايرادات, فما المانع من صرف مكافات للموظفين لكي يشتغلوا, وانت رابح ايضاً, لانه عند صرف اي مكافاة سيكون اسمك في رأس القائمة.
مدير شبه أصلع يقف ويقول : يا جماعة, يا جماعة, والله ان الموظفين لا يدركون حجم المسئولية المُلقاة على عاتقنا نحن المدراء, ولا يعلمون ان المؤسسة تكون في بالنا وتفكيرنا ليلاً ونهاراً, حتى ان مكاتب واروقة المؤسسة دائماً ما تاتي في احلامي. ويغضب ويقطب حواجبه ويضرب المنضدة ويقول : هل هناك مسئولية اكبر من هذه, وفي الاخير تجد اصغر موظف ينتقدنا ويقول المدير لا ياتي مبكراً, ولماذا يحصل المدير على اضعاف ما نحصله نحن من مكافات !! من يفهمهم ذلك ؟
مدير يبدو عليه انه رزين, يعدل من كرسيه ويقول : صدقت اخي الكريم, فالموظفين يتحملون مسئولية صغيرة وهذا مبرر لأن يحصلوا على عوائد صغيرة. اما بالنسبة لي فقد قامت نقابة الموظفين في المؤسسة بتقديم قائمة طويلة من المطالب التي يريدوها للموظفين, وذلك اسوة بما يتم صرفه للمدير العام, بالله عليكم, انا مدير عام ولدي الاتيكيت الخاص بي, ولا يعني ذلك ان يحسدوني عليه.
مدير حاصل على ماجستير في ادارة الاعمال يقول : ايها الزملاء, انا درست بكالوريوس ادارة اعمال, وحصلت على ماجستير في الادارة, ومع كل المعرفة النظرية التي اكتسبتها خلال دراستي, الا انني لم استطع ان اطبق اي منها في مجال العمل, وهذا يعني احد شيئين, اما ان النظريات التي درستها لا تصلح لتطبيقها في مؤسساتنا, او انني في وادي والموظفين في وادي آخر.
قاطعتهم قائلاً : اعزائي المديرين اسمحوا لي ان اوضح لكم بعض الامور, فالترغيب والترهيب لم يعد مجدياً في عالم الاعمال اليوم, صحيح ان الادارة تعني تحقيق الاهداف عن طريق الاخرين, ولكن يتم ذلك من خلال عدد من الاساليب الادارية الحديثة, لعل من اهمهما التمكين وجعل الموظفين يحبون العمل. انني لا اختلف مع بعض المدراء في انهم قد ينجحون بدون تطبيق لوائح ونظم الادارة بمعناها الاكاديمي وهذا قد يرجع الى تطبيقهم لروح الادارة مع عدم استخدام المصطلحات التي نستخدمها في الجامعات.
كما ان الارباح في حد ذاتها لا تعد دليلاً على نجاح الشركة فببساطة يمكن ان تكون الارباح مؤشرا خاطئا في بعض الاحيان, فقد ترجع الارباح الى رفع الاسعار لا الى زيادة الانتاج او تميز الجهود التسويقية, فلابد من مراجعة اداء الشركة من نواحي عدة كي تستطيع القول بان شركتك في وضع متميز...
وللحديث بقية ...