في شرق كينيا حيث تقبع مدينة "ناكورو" رابع أكبر مدن الدولة الأفريقية، يتحرك كلفن ماشاريا - وهو شاب من مواليد 1990- في حجرته في السكن الطلابي لمدرسة ناكورو الثانوية، بينما تعترض طريقه جحافل من النمل والصراصير والذباب كعادة حشرات المدينة المنتشرة في كل مكان. إنه أمر يعتاده الجميع في ناكورو، ولكن ماشاريا - ذلك الطالب الأسمر الذي بدأ الصلع يزحف مبكرًا على مقدمة رأسه - قرر تغيير هذا الأمر، فبدأ بخلط أجزاء من الشجيرات المحيطة، لتسفر جهوده في النهاية عن اختراع مبيد حشري عضوي فعال وصديق للبيئة يسمى "الوايميكسوت".





"الاقتصادات الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء تُحسن من نقاط ممارسة الأعمال بمعدل أكبر ثلاث مرات من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع في منظمة التعاون والتنمية"

كان عمره آنذاك 17 عامًا فقط. دفعه اختراعه الفعال ليكون من بين 12 مرشحًا من 3200 متنافس لحضور مؤتمر واسع -يسمى "الشيء الكبير القادم" (The Next Big thing)- لتبادل الأفكار مع المستثمرين المحتملين وأصحاب رؤوس الأموال. جذب اختراع ماشاريا أنظار الحضور وبخاصة المدير التنفيذي لمؤسسة الملكية الصناعية الكينية، الذي ساعد الشاب على تسجيل براءة اختراعه.





في 2011 تم اختطاف أحد أقرباء ماشاريا، وكعادته في تحويل المحن إلى منح واستغلال الفرص المتاحة؛ قام بتأسيس شركة "سنرايز تراكينج" لتوفير حلول أمنية مبتكرة للسيارات والمباني. الإمكانات المادية الضعيفة لماشاريا جعلته يبدأ شركته برأس مال 300 دولار فقط. وبسرعة جذبت الشركة أكثر من مئة عميل وشركة للتعاقد من أجل تعطيل سياراتهم المسروقة برسالة نصية، وتتبع المركبات من خلال نظام إدارة التتبع الآلي. بحلول عام 2014، بلغت قيمة شركة ماشاريا أكثر من 100 مليون دولار، وفي نفس العام اتخذتها الـ "سي أن أن" كشركة أفريقيا الناشئة لـ 2014، ووضعت مجلة "بيزنس ديلي" ماشاريا ضمن قائمة أفضل 40 شخص تحت عمر 40 عامًا في كينيا. وفي عام 2015 وضعته مجلة فوربس العالمية ضمن قائمة أفضل 30 رائد أعمال شاب في أفريقيا.





تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر
تحدد الأمم المتحدة اتجاهات المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال من خارج القارة الأفريقية والذين التقوا ماشاريا وغيره؛ ففي تقرير الاستثمار العالمي 2016 الصادر عن شعبة الاستثمار والمشاريع بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أفريقيا عام 2015 وصلت إلى 54 مليار دولار. ويتوقع التقرير ارتفاع التدفقات في عام 2016 نتيجة تدابير التحرير والخصخصة المقرر تطبيقها على الشركات المملوكة للدولة. وتشهد القارة السمراء ارتفاعاً مطرداً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ففي 2011 بلغت التدفقات الداخلة إلى القارة 42.7 مليار دولار، وارتفعت إلى 50 مليار دولار في 2012 بزيادة قدرها 15% تقريبًا. وفي 2013 بلغت التدفقات 52 مليار، لترتفع إلى رقم قياسي في 2014 بلغ 58 مليار دولار، قبل أن تهبط إلى 54 مليار دولار في 2015 بفعل انخفاض أسعار السلع الأساسية الذي أدى إلى ركود في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الاقتصادات القائمة على الموارد الطبيعية. وبالتالي فقد ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 2011 إلى 2015 بمعدل 21%، وتوقع التقرير أنه في 2016 ستتجاوز هذه النسبة ربع التدفقات في 2011.



تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أفريقيا كل عام



محاولات على الطريق
يأتي مؤشر ريادة الأعمال العالمي لعامنا الحالي 2017، الصادر عن المعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية، بأربعة دول أفريقية فقط في قائمة ال 60 الأولى هي: تونس، وبوتسوانا، وجنوب أفريقيا، وناميبيا. وإن كان الأمر يبدو سلبيًا؛ فإنه يعكس وجهًا آخر واعدًا، فالمؤشر يعني أن غالبية الحكومات الأفريقية لم تتخذ إلى الآن الإجراءات المناسبة لخلق بيئة جاذبة لرواد الأعمال، مما يعني أن هذه المناطق على إمكانياتها البشرية والطبيعية لم تتشبع بعد بأصحاب المشروعات الناشئة، ومن ثم فالمستقبل يكون لهذه الرقعة من الأرض. حتى إن تقرير الازدهار في أفريقيا لعام 2016 الصادر عن معهد ليجاتوم، يقول إن دول جنوب الصحراء قد تخطت دول آسيا النامية وكذلك دول شرق أوروبا بفضل مكاسب الازدهار المحققة مع النمو الاقتصادي القوي.



وما يجعل الأمر أكثر مواءَمة هو الإرادة الحقيقية التي تبدو على بعض الدول الأفريقية في تحسين بيئة الأعمال، والبدء في اتخاذ إجراءات تُحسّن من ممارسة الأعمال على أراضيها. فوفقًا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال لـ 2017 الصادر عن البنك الدولي؛ فإن الاقتصادات الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء تُحسن من نقاط ممارسة الأعمال بمعدل أكبر ثلاث مرات من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع في منظمة التعاون والتنمية، فعلى مدى العقد الماضي كان هناك عدد مضاعف للدول الأفريقية التي تتخذ المزيد من الإصلاحات في بيئة ممارسة الأعمال التنظيمية، حتى وصلت في هذا التقرير إلى 37 دولة في جنوب الصحراء. وفي التصنيف الذي يضم 190 دولة؛ جاءت بعض الدول الأفريقية في مراكز متقدمة مثل موريشيوس التي نالت المركز 49، ورواندا في المركز 56، والمغرب في المركز 68، وبوتسوانا في المركز 71، وجنوب أفريقيا في المركز 74.




كما سمى التقرير كينيا ضمن أعلى 10 اقتصادات في العالم قامت بقفزات ضخمة في تحسين اللوائح مقارنة بالأعوام السابقة. ويضع صناع السياسة في بعض الدول الأفريقية وخصوصًا دول جنوب الصحراء، تقرير ممارسة أنشطة الأعمال نصب أعينهم لتحسين أوجه القصور ولدفع أجندات الإصلاح الخاصة بهم. فبعض هذه الاقتصادات قامت بإنشاء وحدات مخصصة لتنفيذ خطط عمل محددة للإصلاح تستهدف المؤشرات الفرعية لمؤشر ممارسة أنشطة الأعمال، ففي كينيا على سبيل المثال، هناك وحدة تسمى وحدة سهولة ممارسة الأعمال تعمل تحت قيادة وزارة الصناعة ونائب الرئيس، وتجتمع كل أسبوعين لمناقشة التقدم المُحرز في تنفيذ خطة العمل الموضوعة، ويترأس الاجتماع نائب الرئيس أو وزير الصناعة، بينما تكون العديد من الهيئات المعنية هي المسؤولة عن تنفيذ التدابير المنصوص عليها في خطة العمل. وما وصلت دولة كرواندا إلى هذا المركز المتقدم في التصنيف إلا بهذه الطريقة. دول أخرى تسير على نفس الدرب مثل بوروندي ونيجيريا وكوت ديفوار وزيمبابوي.





الإصلاحات في بيئة ممارسة الأعمال التنظيمية



أسباب الاستثمار في أفريقيا:
تعلم الدول الأفريقية أنها تمتلك فرصًا استثمارية فريدة من نوعها، تجعلها قِبلة رواد الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى على مستوى العالم. ولكن ما الذي يجعل القارة السمراء الوجهة الأكثر جاذبية التي ينبغي على المستثمرين الاستثمار فيها؟


يتم تصدير الموارد الطبيعية في صورتها الخام، لتعد سلعًا مصنعة بأضعاف مضاعفة ومن ثم هناك فرص مهولة أمام مستثمري الصناعات التحويلية


جمهورية الكونغو الديمقراطية
رويترز

هناك حوالي 600 مليون شخص في أفريقيا، وخاصة في المناطق الريفية؛ لا يحصلون على الكهرباء بشكل دائم. فالبعض يعتمد على مولدات البنزين والديزل بصوتها المرتفع. ومن ثم فانقطاع التيار الكهربائي هو القاعدة. وعلى الجانب الآخر فإن الطاقة الشمسية هي واحدة من أكثر الموارد الطبيعية وفرة. فالشمس تطوي القارة بدفئها على مدار أكثر من 300 يوم في العام وبخاصة جنوب الصحراء. الطاقة الشمسية من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، كما أنها تعتبر أفضل بديل للمناطق النائية البعيدة عن شبكات الكهرباء الحكومية. نيجيريا على سبيل المثال قد أعلنت عن خطة لجذب استثمارات بأكثر من 100 مليار دولار على مدار السنوات الخمس القادمة لحاجتها إلى بنية تحتية في مجال توليد الطاقة الكهربائية.





وهناك العديد من التجارب الناجحة التي قرر أصحابها الولوج لهذا المجال الواعد، ليغترفوا من هبة الله المستدامة للقارة. "أوف جريد الكتريك" مزود الطاقة الشمسية التنزاني، ضخ فيها مستثمرون أجانب 25 مليون دولار مؤخرًا، كما فازت بمنحة قدرها خمسة ملايين دولار من الوكالة الأمريكية للتنمية، وهي في طريقها إلى توفير الطاقة الشمسية لمليون منزل في شرق أفريقيا بنهاية 2017، كما أنها قد توسعت إلى رواندا في الآونة الأخيرة. "إم كوبا" الكينية هي الأخرى التي استطاعت إنارة 300 ألف منزل في كينيا وتنزانيا وأوغندا، وجذبت استثمارات بأكثر من 40 مليون دولار مؤخرًا. أما في الشمال الأفريقي فهناك "كرم سولار" المصرية التي بدأت في بيع الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية بعيدًا عن شبكات الكهرباء الحكومية، والاستثمارات فيها ترتفع يومًا بعد يوم.





وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي فإن الصناعات الزراعية من المتوقع أن تصل إلى تريليون دولار بحلول 2030. فالقارة السمراء تمتلك ما يصل إلى 60% من أراضي العالم الصالحة للزراعة غير المزروعة؛ تربة خصبة، ووفرة في اليد العاملة، وأشعة شمس مشرقة طوال العام، يؤهلها لتصبح أكبر مصدر للمنتجات الغذائية في العالم. وإذا اقتصر الإنتاج على داخل الحدود القارية، فهناك أفواه جائعة تزيد على مليار نسمة تشكل كتلة استهلاكية مهولة. ويدور في فلك الإنتاج الزراعي صناعات أخرى كالإنتاج الحيواني والمعدات الزراعية والمستلزمات الكيميائية وعمليات إعادة تدوير النفايات الزراعية والأسمدة. ورغم ذلك، تستورد البلدان الأفريقية كل عام أكثر من 70% من احتياجاتها من القمح، وأكثر من 300 ألف طن من الدواجن، وتنفق أكثر من 10 مليار دولار على الحبوب المستوردة وخاصة الأرز. ومن ثم فهناك فرص واعدة في هذا المجال، لاسيما أن البلدان المنتجة للنفط في أفريقيا بعد انخفاض أسعاره؛ انتهجت سياسات تعمل على تنويع مصادر الدخل ومنها الأعمال الزراعية، وبالتالي فالحكومات الأفريقية أصبحت أكثر انفتاحًا ودعمًا للمبادرات العاملة في المجال الزراعي.





مستوردات الدول الأفريقية سنويا



ومثلما يحمل سطح الأرض الأفريقية الخير الوفير عن طريق الأراضي الزراعية الخصبة؛ فكذا باطنها، وذلك في صورة الموارد الطبيعية الأخرى كالنفط والغاز الطبيعي والمعادن بأنواعها وأشكالها، حيث يتم تصديرها في صورتها الخام، لتعد سلعًا مصنعة بأضعاف مضاعفة. ومن ثم فهناك فرصًا مهولة أمام مستثمري الصناعات التحويلية بسبب انخفاض أسعار المواد الأولية.





بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا؛ فإن 30% من الطرق الأفريقية غير معبدة، كما أن 50% منها في حالة سيئة. وهذا ما يجعل الإسمنت المشحون بحرًا من شنغهاي إلى شواطئ جيبوتي أرخص بمعدل 60% عن نظيره المشحون عن طريق البر من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا إلى جارتها جيبوتي. الطرق البرية غير المعبدة تشكل حالة خانقة للموانئ أيضًا، وهو ما دفع لجنة الأمم المتحدة السابقة إلى القول إن إنتاجية الموانئ الأفريقية لا تمثل سوى 30% فقط من إنتاجية الموانئ على مستوى العالم. نتحدث هنا عن الخدمات اللوجستية الواعدة. فحجم التجارة الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء فقط سترتفع بأربعة أضعاف بحلول 2030 كما توقع تقرير لـ فروست أند سوليفان، من 102.6 مليون طن في 2009 إلى 385 مليون طن بحلول 2030. وتوقع التقرير أن تنمو التجارة البينية في القارة الأفريقية بنسبة 345% خلال نفس الفترة.





وتقول مبادرة النمو الأفريقي لمعهد بروكينجز إن التجارة البينية الأفريقية لم تكن تمثل سوى 10% من تجارتها فقط في 2010، في حين تمثل 17% بين البلدان النامية الآسيوية، في حين تمثل 60% من حجم التجارة في أوروبا. والتجارة سواء البينية أو خارج القارة تحتاج إلى طرق. فالوضع الراهن جعل العديد من المدن الأفريقية أكثر غلاء على المستوى العالمي لقلة البضائع المصنعة محليًا وارتفاع تكاليف البضائع المستوردة لصعوبات النقل. فتقول اللجنة الاقتصادية لأفريقيا (الإيكا) إن العاصمة الأنجولية لواندا تُصنف كأغلى مدن أفريقيا، والمدينة الثانية الأغلى للوافدين الأجانب من خارج القارة. وغيرها من المدن التي يعاني فيها المستهلك بسبب صعوبات النقل مثل جوبا وبرازافيل وليبرفيل. فلكي نستطيع نقل شاحنة بحجم 40 قدماً من مومباسا ثاني أكبر مدينة في كينيا إلى العاصمة الرواندية كيجالي؛ فإننا نستغرق ضعف عدد أيام الشحن، وأكثر من 10 أضعاف السعر عن نقلها من شنغهاي إلى مومباسا، وفقًا لمسؤول شحن محلي في كيجالي. فتكاليف شحن حاوية واحدة تقدر في المتوسط بـ 1974 دولار في أفريقيا بينما تبلغ 732 دولار فقط في الدول الآسيوية وفقًا لشركة الاستشارات "كى بي إم جي". وعن المدة الزمنية فتبلغ 30 يومًا في دول جنوب الصحراء في مقابل 13 يومًا فقط في الدول المتقدمة. ومن ثم يعد قطاع الخدمات اللوجستية من القطاعات الرائدة، فتسهيل وتيسير خدمات النقل سواء أكانت طرقًا أو موانئ أو مطارات يفتح آفاقًا استثمارية ضخمة.





حجم التجارة الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء



"تتميز أفريقيا بالقوى العاملة الكبيرة، التي تضاهي الموجودة في الهند تقريبًا. فعدد السكان يتجاوز المليار نسمة، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار العمالة في أفريقيا"

أفريقيا اليوم تنفتح على العالم، ومن ثم فهناك زيادة هائلة في الطلب على الاتصالات السلكية واللاسلكية وخدمات الإنترنت. وهو ما دفع عماليق التكنولوجيا في العالم مثل جوجل بمشروعها "لون بروجيكت" وفيسبوك بمشروعه "فري بيزكس" إلى السعي جاهدين لتحسين وصول ملايين الأفارقة للإنترنت. وهناك العديد من المبادرات الجريئة لغيرهم تعمل في هذا الإطار. فالسوق الأفريقي للوصول للإنترنت قادر على استيعاب المزيد. شركة بركو الكينية على سبيل المثال؛ لها مشروع ريادي بدأ في كينيا، ابتكر جهاز مودم يهدف لتوصيل الإنترنت للمناطق الوعرة ويعمل في البيئات القاسية. المودم ينتقل بين شبكات إيثرنت والواي فاي والجيل الثالث والجيل الرابع، وبطاريته تستغرق ثماني ساعات عمل. بيع من هذا الجهاز الآلاف من الوحدات في 54 بلدًا، حتى إنه وصل إلى أماكن بعيدة في الهند، وكان أكبر عملاء الشركة من المدارس. وتم ضخ ثلاثة ملايين دولار من مستثمرين مؤخرًا لتوسيع نطاق هذا الجهاز المدهش. والأمر يتخطى أجهزة المودم إلى صناعة كابلات الألياف الضوئية، فشركات مثل مينوان وجلو في نيجيريا بدأتا في مد كابلات ألياف ضوئية، وهناك دولًا أفريقية خالية تمامًا من مثل هذه الصناعات.





والاتصال بالإنترنت لابد أن يواكبه زيادة في الطلب على الهواتف المحمولة أيضًا. أفريقيا هي ثاني أسرع سوق يشهد نموًا للهواتف المحمولة حاليًا بعد آسيا. ويتطلع الأفارقة إلى الترقية من الجيل الأول للمحمول إلى الجيل الثاني وهو الهواتف الذكية. ولكن الإشكالية في سعرها المرتفع على الأفريقي المتوسط، مما أفسح المجال لعلامات تجارية تطرح هواتف ذكية بأسعار منخفضة أن تنافس كبرى الشركات. حتى وصلت العلامات التجارية للهواتف الذكية منخفضة التكلفة إلى 12 علامة في آخر 18 شهرا. ومن ثم فيمنح السوق الأفريقي العديد من الفرص الاقتصادية في هذا الشأن. كما تقوم شركات على تقديم خدمات من خلال الهواتف المحمولة مثل شركة نوفارتيس التي تستخدم الاتصالات المتنقلة لإدارة سلسلة التوريد الخاصة بها. وشركة أولام في الوصول إلى الموردين والمزارعين الأفارقة الجدد. والقفزة الكبرى كانت لشركات الدفع الرائدة في الشرق الأفريقي، مثل شركة إم بيسا حيث خلقت شبكة تبادلية مالية تنافس البنوك عن طريق المحمول في كينيا وتنزانيا، وتتولى الشركة منصة تضم تعاملات بلغت 200 مليون معاملة من شخص لآخر كل عام. تمثل حلول الدفع النقدية بشكل عام فرصًا واعدة. فهناك أكثر من 100 مليار دولار من التعاملات تتم نقدًا، ما يخلق مستقبلاً كبيراً للخدمات المالية. وفي أجزاء أخرى من أفريقيا هناك تدافع كبير على نقل الأموال والخدمات المالية. ففي نيجيريا وحدها تتنافس العديد من الشركات للسيطرة على أكبر اقتصاد في القارة السمراء مثل شركة سمبلي باي وباي إتيتود وباجا، وقبل أقل من ستة أشهر جذبت شركة باجا استثمارات بـ 13 مليون دولار لتوسيع نطاق أعمالها داخل وخارج نيجيريا.





هناك ثورة رقمية وليدة في أفريقيا. فالاقتصاد الرقمي ينمو بسرعة كبيرة جدًا. فالعديد من الخدمات لديها الآن تطبيق على الإنترنت، وأخرى تريد. فإذا كنت تبحث عن سكن فندقي مناسب في نيجيريا فهناك "أوتيلس دوت إن جي" أو "جوفاجو دوت كوم" وهما أكبر مزودي خدمات حجز الفنادق عبر الإنترنت. أوتيلس على سبيل المثال جذبت استثمارات بـ 1.2 مليون دولار مؤخرًا. وإذا كنت ترغب في مشاهدة الأفلام الأفريقية على هاتفك المحمول، فهناك تطبيق "إيروكو تي في"، الذي حصل على تمويل مقداره 19 مليون دولار في يناير/كانون الثاني 2016 لتوسيع قاعدته في أرجاء أفريقيا. وغيرها المئات من التطبيقات. ولازالت هناك العديد من المشاكل التي تنتظر تطبيقات وخدمات عبر الإنترنت لحلها.





كما تتميز أفريقيا بالقوى العاملة الكبيرة، التي تضاهي الموجودة في الهند تقريبًا. فعدد السكان يتجاوز المليار نسمة، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار العمالة في أفريقيا. ومحاولة الأفارقة للهجرة للشرق والغرب سواء بشكل شرعي أو غير شرعي فهو إن دل على شيء فيدل على فائض في القوى العاملة التي لا تملك عملًا. والمثير في الأمر أن غالبية هذه القوى من فئة الشباب. وهذه القوى العاملة الشبابية آخذه في التنامي، فوفقًا لشركة "جلوبال فيتشر كونسلتنج" فإن أفريقيا ستكون موطنًا لشخص من كل خمسة من الشباب على كوكب الأرض بحلول عام 2040، مما يعني أنه في أقل من 25 عامًا يكون غالبية سكان القارة من الشباب.





وتوفر هذه الكتلة السكانية الضخمة سوقًا واعدة للبيع بالتجزئة، ما جعل أفريقيا واحدة من أسواق التجزئة الأكثر نموًا في العالم، وهناك زيادة في القدرة الشرائية للسكان بفضل النمو الاقتصادي المطرد وبخاصة دول جنوب الصحراء. في أبريل/نيسان 2016 افتتح "مول أفريقيا" في جنوب أفريقيا على مساحة 131 ألف متر مربع للبيع بالتجزئة، ما يعد أكبر مركز للتسوق في القارة الأفريقية يتم بناؤه في مرحلة واحدة. ومؤخرًا افتتح مركز "تو ريفرز" التجاري في نيروبي بكينيا ليصبح أكبر مركز تسوق في الشرق الأفريقي. والملاحظ على جميع الماركات من السوبرماركت سواء المحلية أو الدولية مثل "وول مارت" أنها تتوسع بقوة في السوق الأفريقي لتسيطر على أكبر قدر ممكن من السوق الكبير. النمو والتطور لا يتوقف عند سلاسل البيع بالتجزئة المادية فقط، وإنما في الفضاء الإلكتروني كذلك، فقد نمت عمالقة التجارة الإلكترونية بقوة الفترة الماضية مثل كونجا وجوميا، فشركات البيع بالتجزئة على الإنترنت تبلغ قيمتها مجتمعة الآن أكثر من مليار دولار. وهناك العديد من الفرص الأخرى في مجالات التعليم، وتجارة اللوحات الفنية والتطوير العقاري وتمويل الشركات وخدمات التعهيد والرعاية الصحية والابتكار التكنولوجي وغيرها الكثير.


"أحد أكبر التحديات التي تواجه رواد الأعمال لبدء أعمالهم في القارة الأفريقية التمويل، فمعظم الحكومات الأفريقية تعاني من عجز في موازينها العامة، وتلجأ للاقتراض لسد هذا العجز"

من أجل ذلك..
هذه الإمكانيات الكبيرة غير المستغلة؛ تجعل أفريقيا النجم الصاعد الجديد لرواد الأعمال. ففي دراسة لمجموعة شبكة الأعمال - مقرها في بريطانيا - في يونيو/حزيران 2015، جاءت أفريقيا في المركز الأول على الرسم البياني لريادة الأعمال. كما أن التقرير العالمي لريادة الأعمال قد وضع أوغندا وأنجولا والكاميرون وبوتسوانا ضمن قائمة العشرة الأوائل في ريادة الأعمال. وترى مجموعة شبكة الأعمال، أن ريادة الأعمال تكون حتمية وضرورية عند ارتفاع معدلات البطالة، فتقول: "عندما تكون البطالة مرتفعة والاقتصاد ضعيفًا؛ يضطر الناس لبدء أعمال تجارية صغيرة لإعالة أنفسهم وأسرهم". ومعروف أن ارتفاع معدلات البطالة في القارة الأفريقية يبلغ نسباً عالية، مما يُجبر الأفراد العاطلين على بدء أعمالهم التجارية.



تحديات ومخاطر
ولكن الأمور حتمًا لا تسير بهذه السلاسة، فهناك العديد من التحديات التي تواجه رواد الأعمال لبدء أعمالهم في القارة الأفريقية. وعلى رأسها التمويل. فمعظم الحكومات الأفريقية تعاني من عجز في موازينها العامة، وتلجأ للاقتراض لسد هذا العجز، وأولى أبواب الاقتراض تكون محلية عن طريق البنوك المحلية، ومن ثم فالحكومات تستحوذ على الأموال التي كان مقرراً لها أن تمول المشروعات المحلية، وبالتالي لا يتوافر التمويل الكافي لبدء الأنشطة التجارية. كما ترتفع مستويات الفساد في معظم الدول الأفريقية، ما يؤدي إلى تشوية بيئة الأعمال. فالفساد والاستثمار عاملان متنافران؛ لأن الفساد يهدم أساسيات السوق الحر المتمثل في المنافسة الشفافة والمساواة في الحصول على الفرص والمزايا والأعباء. ونقص التوعية والإرشاد من قبل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، والسياسات الحكومية الفقيرة، وعدم منح حوافز وميزات إلى لمشروعات الريادية مثل تخفيف معدلات الضرائب، وعدم تهيئة القوانين واللوائح لتشجع رواد الأعمال على بدء مشاريعهم، ووجود الحروب الأهلية التي تدمر البشر والحجر وتقتل أي فرصة للنمو كالموجودة في جنوب السودان. جميعها تشكل عوائق تمنع الشباب الأفريقي من الانخراط في العمل الريادي، وتمثل مخاطر عالية للمستثمرين من خارج القارة، ما يدفعهم للتحول لأسواق أخرى؛ ومن ثم لا نرى ماشاريا جديدًا.