قوانين العمل في دول الخليج – إجبار القطاع الخاص على توظيف السكان المحليين صعب،ومضلل في مول سيتي سنتر، أحد أكبر المجمعات في البحرين يقوم البحرينيون بعمليات الشراء بينما يقوم الأجانب بتشغيل المول. من بين هؤلاء العاملين سيدة فلبينية تدعى ميشيل. وتجيبنا السيدة ميشيل بصوت منخفض لتفسر لنا أسباب قلة أعداد المواطنين البحرينيين العاملين إلى جانبها “إنهم كسالى”. هكذا قالت. في حين أنها تعمل بجد لتحافظ على وظيفتها وعلى تأشيرة الدخول التي تحملها، وأن هؤلاء في مقدورهم فعل مايريدون، وهو ليس كثيراً.


كجزء من الخطة الحكومية لزيادة فرص العمل للسكان المحليين، تقوم الحكومة البحرينية بإلزام أرباب الأعمال بتخصص نسبة معينة من فرص العمل لصالح المواطنين البحرينيين، وتختلف تلك النسبة من قطاع لآخر: حيث تقدر احتياجات الشركات التي تعمل في قطاعات الأعمال المهنية الوضيعة أو المنهكة بـ 5% وتزداد تلك النسبة لتصل إلى أكثر من %50 في القطاعات الأكثر وجاهة مثل الخدمات المصرفية والمالية؛ بينما تصل في محلات الملابس إلى %.30 وتشير ميشيل إلى المتجر المقابل، والذي يعمل به بعض الموظفين البحرينيين. “إنهم لا يريدون حتى الوقوف عند دخول العملاء” وتقول بتذمر أنهم موجودون بالأحرى لإرضاء السلطات، ومن غير المحتمل أن يتم تسريحهم أو التخلي عنهم.


وفي الوقت نفسه، في غرف البنك المركزي البحريني التي تعج بطنين أصوات آلات عد النقود؛ نجد أن جميع الموظفين هم من المواطنين المحليين المرتدين للزي الوطني الأبيض؛ حيث يعمل نصف المواطنين البحرينيين في وظائف حكومية.هذا النموذج، المتميز بتعبئة السكان المحليين في القطاع العام وتوظيف الأجانب في شركات القطاع الخاص، شائع في جميع أنحاء الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة).


%d9%8aففي المملكة العربية السعودية، الجارة الأكبر للبحرين، كان ثلثي المواطنين على جدول الرواتب العام في عام 2015، وفق شركة جدوى للاستثمار، وهي شركة أبحاث سعودية. في حين أن دول الأسواق الناشئة والنامية الأخرى خصصت حوالي 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأجور القطاع العام. وجاء في تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2015 أن دول مجلس التعاون الخليجي – ومعها الجزائر- ينفقون مايقرب من 12% من الناتج المحلي الإجمالي على أجور العاملين بالقطاع العام.


لكن مع تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014 وانخفاض عائدات دول الخليج 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل ، وتضخم العجز وأصبح النموذج القديم في التوظيف أقل استدامة مما كان عليه من قبل. بالإضافة إلى أنه من المتوقع من الآن وحتى 2021 دخول 3.8 مليون شاب لسوق العمل مما يؤدي إلى زيادة الضغوط لإيجاد المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص للمواطنين.


وتختلف حدة الوضع في بعض الدول عن غيرها. ففي قطر والإمارات العربية المتحدة، تعد قوة العمل من المواطنين المحليين نسبة صغيرة جداً لا تكفي ربما لشغل الوظائف الحكومية، كما يقول وليام سكوت-جاكسون من مؤسسة أكسفورد للاستشارات الإستراتيجية. بينما الوضع في سلطنة عمان وفي البحرين أكثر توتراً برغم أن البطالة في البحرين لا زالت منخفضة نسبياً.وقد يوصف الأمر بالحرج عند الحديث عن المملكة العربية السعودية، حيث وصلت معدلات البطالة الفعلية إلى مايقرب من 11.6% من بين 40% من المواطنين البالغين والممثلين لقوة العمل، وبمشاركة ضئيلة للمرأة في قوة العمل لا تتعدى 18%.


طغيان التوقعات والآمال الكبيرة


المشكلة تكمن في أن شباب الخليج العربي بات يشعر بأن لهم الحق في الوظائف الحكومية. حيث الشروط سخية والتبعات ضئيلة، وتراجع الحافز لدى الخريجين المتميزين للاستثمار في المهارات التي يحتاجها القطاع الخاص، مثل الهندسة. كما أن عدداً قليلاً من السعوديين أصبح يفكر في العمل في المحلات التجارية أو المطاعم، ناهيك عن مواقع البناء.


والمشكلة الأخرى والمتجذرة بعمق تكمن في ضعف الطلب من جانب القطاع الخاص لمواطني دول الخليج، بسبب الإغراءات التي يقدمها القطاع العام مما يجعل توظيفهم أكثر تكلفة، كما أن قوانين الهجرة التي تربط الأجانب بأرباب الأعمال تجعل تكلفة العمالة من غير المواطنين أقل. إن أية حلول لتلك المشكلة يعني المساس بالعقد الاجتماعي الهش بين الأنظمة القمعية والشعوب الذين يتسامحون معهم لطالما وضعوا الطعام على المائدة.


وتحاول بعض الحكومات الضغط على الشركات الخاصة لإجبارها على توظيف المواطنين، حيث مددت عمان من قائمتها للوظائف التي لا يجوز للأجانب الحصول على تأشيرة دخول للعمل بها. والتي تشمل حالياً وظائف التسويق، والنظافة ورعاية الإبل. كما تعتزم السعودية شطب الأجانب من الموارد البشرية والاتصالات. كما تعتزم الحكومة السعودية تعديل نظام المرور والذي يفرض عقوبات قاسية على المنشآت التي توظف عدد أقل من النساء، أو المواطنيين السعوديين في المناصب العليا بها من العدد الذي تحدده الحكومة.


تلك المحاصصة – أي أن تكون لكل طرف حصة ثابتة لا تتغير – في الاختيار هي أمثلة لأساليب سيئة في اتخاذ القرارات الاقتصادية. وهي سائدة في دول مجلس التعاون منذ عقود وحتى الآن. هذه الأساليب في الاختيار تفسد أخلاقيات العمل أكثر من تلك التي بنيت على أسس موضوعية.


ويقول أحد أصحاب المطاعم الذي تخلى عن أحد موظفيه البحرينيين أنه سيفكر مرتين قبل التعاقد مع الموظف البحريني الذي يأخذ عطلة كلما أراد وعندما يتم الاستغناء عنه يطالب بتعويضات إضافية. وأرباب الأعمال لا يفضلون إجبارهم على توظيف أحد لأسباب أخرى قد تتعلق بالقدرة والاستعداد للقيام بتلك المهام. وحتى أن بعضهم يلجأ إلى أساليب الغش: منها على سبيل المثال، إضافة أسماء وهمية لمواطنين على جداول المرتبات.


تدعي بعض الشركات أن نظام التحصيص لا يسبب لها أية مشكلات كما يقول جمال فخرو، الشريك الإداري لشركة KPMG في البحرين، ويتباهى بأن 60% من موظفيه بحرينيين، وهذه النسبة70% فما فوق هي السائدة في القطاع المصرفي وهي أعلى من الرقم المحدد من قبل الحكومة ، ولكن هذه استثناءات. يرى البعض أن نظام التحصيص قد يعد حافزاً لذوي الوظائف منخفضة الأجر والتي لا تكلف البعض عناء القيام بها. وبعض الشركات تتعامل مع تلك الطريقة كتكلفة تجارية تمامًا كالضرائب كما يقول ستيفن هيرتوج من كلية لندن للاقتصاد.


وحسب استطلاع أجرته “جولف تالنت” موخراً فإنه في عام 2014 كان 95% من أرباب العمل في عُمان أقروا بأن نظام المحاصصة يمثل تحدياً حقيقياً بالنسبة لهم وكذالك الحال بالنسبة لـ 84% من أرباب العمل في السعودية، و55% في البحرين. بالإضافة إلى أن تنفيذ تلك القوانين المثقلة بمثابة كابوس. ففي البحرين برغم عمليات التفتيش التي تتراوح مابين 15000 و 19000 عملية سنوياً، فإن الأمر يستغرق مدة خمس سنوات لتتمكن السلطات من القيام بزيارة أخرى لرب العمل.


ولتحفيز أرباب العمل على تعيين المواطنين فإنه يتعين تقليل الفجوة في الأجور بينهم وبين الوافدين. كما حدث مع إعانات الأجور للمواطنين في الماضي، ولكن لندرة الموارد فإن السعودية أعلنت مؤخرا عن زيادة كبيرة في رسوم التأشيرات للعمال الوافدين. وفي هذا العام سيتم السماح لأرباب العمل من البحرينيين بتجاهل نظام المحاصصة في مقابل رسوم عن كل وافد يتم توظيفه.


وتم تقديرالرسوم الجديدة بحوالي 15% من فجوة تكلفة التوظيف بين المواطنيين والوافدين. كما يرى أسامة بن عبدالله العبسي، رئيس هيئة تنظيم سوق العمل (والتي تم استحداثها مؤخراً). وأضاف أنه يأمل في زيادة تلك الرسوم تدريجياً لدفع أرباب العمل للتخلى عن طريقتهم في إيفاد أعداد هائلة من العمالة ذات المهارات المتدنية وتوجيه أرباحهم في القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة. ورؤية السيد العبسي هي الأكثر منطقية لإعادة التوازن إلى اقتصاديات دول مجلس التعاون من نظام المحاصصة. ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت. ويرى البعض أن انخفاض أسعار النفط بمثابة نعمة مقنعة ووسيلة إجبارية للتغيير. ولكن بعد عقود من العيش الرغد على عوائد النفط، فإن الأمر قد يكون صدمة للكثيرين.

المقال مترجم عن مجلة ذا إيكونوميست البريطانية