يختلف عالم الأعمال اليوم عما كان عليه من قرن مضى، بل كل عقد من الزمان تختلف ظروف وأُطر إدارة الأعمال فيه بشكل ملحوظ، فلقد شهدت بدايات القرن العشرين تغيرات عديدة في مجال الإنتاج الصناعي، فقد شهد العالم للمرة الأولى كثافة غير مسبوقة في معدلات الإنتاج، وللمرة الأولى في التاريخ تنشأ شركات خاصة يمتلكها أفراد ويعمل فيها الالآف من العمال والموظفين على مدار يومي، وبهذا بدأ علم الإدارة يخطو خطواته الأولى في أروقة المصانع والشركات، ويمكن القول أن ممارسة الإدارة كان في البدء يقوم على مبدأ التجربة والخطأ، فما أن تنشأ نظرية تهدف لتحسين أسلوب الإدارة وتعضدها أبحاث ودراسات عدة، حتى يتكشف لدى مستخدميها عاجلًا أم آجلًا عدم فعاليتها وآثارها السلبية في تنظيم العمل أو في سوء أداء الموظفين. وهذا نفس ماتم في بعض العلوم التطبيقية كالطب مثلًا، ففي خمسينيات القرن الماضي كان بعض الأطباء الأمريكيين ينصحون بتدخين السجائر لما له من فوائد جمة نتيجة لأبحاث مخبرية عديدة

في ستينيات القرن الماضي عرض بروفيسور دوجلاس ماكجريجور - Douglas McGregor، ما أسماه نظرية س ونظرية ص - Theory X and Theory Y، فالنظرية س (التقليدية) تنص على أن البشر في عامتهم كُسالى وفوضويون ولهذا فالأسلوب الأمثل لإدارتهم وتحفيزهم هو وضعهم تحت رقابة صارمة، وإغرائهم بمكافئات دورية على الأعمال الجيدة، ومواجهة الخطأ بعقوبة صارمة حتى لا يتم تكراره، بينما النظرية ص والتي يدعمها دوجلاس ماكجريجور وهي أن طبيعة البشر الأصلية هي الحماس والشغف للتطور والمنافسة والنجاح، وأن الإنسان بطبيعته متحفز للعمل ولا يوجد داعي لتوليد الحافز لديه بل على العكس، فإن دور الإدارة الفعالة هو في الإبقاء على الدوافع الفطرية للبشر وتجنب إخمادها De-Motivation.

فواحدة من المهام المتعددة للمدير هو الحفاظ على حالة التحفز الطبيعية لدى موظفيه، وأيضًا توجيهه للأوامر والمقترحات بأفضل أسلوب يؤدي لامتثال مرؤوسيه لتلك الأوامر وتنفيذها بكفاءة، ولا يوجد أقوى من رواية القصة لجذب الانتباه وتوليد المشاعر، ولكما تطورت مهارة القص لدى المدير كلما أدى إلى استجابة أفضل من العاملين ورغبة في إتمام الأعمال على الوجه الأكمل.

وهاهو هذا المدير الموهوب الذي استطاع استخدام القصة تلو القصة في إلهام جميع من يعمل معه بقيم متعددة كلها تُسهم في أداء مُميز لجميع أفراد الشركة، وتلك واحدة من هذه القصص التي سعى بها هذا المدير لإيضاح مبدأ العمل في شركته،

"اليوم الأول الذي أنشئت فيه تلك الشركة هو اليوم الذي دخلت فيه إلى ذلك النفق طويل والمظلم، ومصطبحًا الجميع خلفي. فمدخل هذا النفق هو اليوم الأول الذي بدأ فيه كل شيء، ومخرجه هو النجاح الأكبر الذي يسعى الجميع لتحقيقه، والخطوات التي نقطعها بداخل هذا النفق هي الأيام الطوال التي تمر علينا ولا نعلم متى ولا كيف سوف نُغادر ذلك النفق، وهل سنغادره إلى الوجهة الصحيحة أم إلى مالم نرغب فيه منذ البداية.

فالجميع قد وجدو لهم موطأ قدم في مكان ما بداخل ذلك النفق، فمنهم من بالكاد يقف على أعتابه كي يدع لنفسه مجال للخروج السريع إن بدا أن الأنهيار وشيك، ومنهم من وجد نفسه في منتصف النفق حيث إذا أخرج يده لم يكد يراها، وآخر لا يعلم أين هو ولكنه يتحسس موضعه ويحاول المسير، وآخر قد أجهده التعب من كثرة المسير في الظلام. وأخيرًا، اثنان فقط وجدا أنفسهما واقفين على مخرج النفق، يكاد النور الساطع يخطف أبصارهم ويزيل الظلمة الحالكة التي عانوا منها بالداخل.

فيخرج الأول ويذهب بعيدًا فرحًا بالنور الذي يأتيه من كل مكان. بينما الآخر يلتفت لينظر بداخل النفق مرة أخرى، ثم يقرر أن يعود أدراجه، فيعدو ويصرخ مناديًا على زملائه، وما أن يتعثر بأحدهم في تلك الظلمة الحالكة حتى يبدأ بالضحك والانتشاء بهستيريا سعيدة، مبشرًا زميله بمخرج النفق الذي لم يعد بعيد المنال كما كان من قبل، ثم يرشده لكيفية المسير، ويذهب للبحث عن زملائه الآخرين العالقين في النفق لينقذهم قبل أن يتقهقرو ويغادروه من مدخله، وربما لا يغادرونه مطلقًا.

وأخيرًا يخرج الجميع من النفق وينظرون خلفهم منتظرين صديقهم الوفي الذي انتظر خروج الجميع ثم لحق بهم، ليحتفل الجميع بنجاهم في الخروج إلى النور الساطع مرة أخرى سالمين وغانمين. ولكن بينما هم يحتفلون ويرقصون إذ بهم يرون زميلهم الذي غادر النفق أولًا وحيدًا، غير آبه بمن تركهم خلفه. ولكنه لا يتحرك، فقد وجدوه مُلقى جثة هامدة، فعلى الرغم من نجاحه في رؤية مخرج النفق وحيدًا، ونجاحه في تجاوزه وحيدًا، ولكنه لم يستطع البقاء خارجًه وحيدًا، ومالبث أن تعب، ثم توقف، ثم مرض، ثم مات...

اشترك الجميع في دفن صديقهم، ثم ذهبوا جميعا كي يلحقوا بالدخول في النفق القادم قبل أن تزول الشمس."

المصدر:
https://www.hishamezzat.com/single-p...-المدير