تظل مهنة المدير من أعقد المهن وأكثرها غموضًا من ناحية متطلباتها والمهارات اللازم توافرها لدى صاحب ذلك المنصب الرفيع لأداء مهامه على الوجه الأمثل، ومما يُعقد تلك المهنة هو عدم وضوح المهام الرئيسية المطلوبة من ذلك المدير، فبعض الشركات تربط مهمة المدير التنفيذي بزيادة الأرباح، ولكن ربما زادت الأرباح نتيجة لعوامل أخرى بينما أداء المدير كان سيئًا على أصعدة عديدة، وفي أحيان أخرى يتم ربط مهمة مدير الأفراد على تقليل معدل ترك العمل، فبالفعل يقل معدل ترك العمل في العام التالي لتعيين ذلك المدير، ولكن الكساد المفاجئ وندرة فرص العمل في تلك الفترة الزمنية هما السببان الرئيسيان لتلك النتيجة وليست استراتيجية وخطة عمل المدير، ففي ظروف أخرى قد لا ينجح ذلك المدير في تحقيق تلك النتيجة وذلك لوجود معيبات واضحة في أسلوب قيادته. وأخيرًا يربط البعض مهمة مدير فريق المبيعات بزيادة رقم المبيعات السنوية، وربما يحدث هذا على المدى القصير، ولكن يتضح على المدى البعيد أن معظم تلك المبيعات شابها عمليات غير أخلاقية واتفاقات غير احترافية من المدير أدت لانهيار تلك المبيعات لاحقًا.

إذن، فما هو المطلوب من المدير باختلاف تخصصاته كي يؤدي مهامه بشكل احترافي يؤدي لنجاح مستدام للمؤسسة بأكلمها؟ وماهي المهارات التي توافرت في ذلك المدير اللامع والتي أهلته لبلوغ ذلك المنصب دونًا عن غيره؟

عند ملاحظة الفارق بين المدير الموهوب والمدير متوسط الأداء، ثم محاولة التقاط الأنماط التي تُميز كل منهما، يتضح أنه لا توجد أنماط ثابتة تُميز المدير الناجح وأنماط أخرى تُشير للمدير الضعيف الأداء، فربما يدعي المدير الناجح أنه دائمًا يتخذ قراراته الهامة مستخدما "خوارزميات رياضية" ينتج عنا قرارات في الغالب صحيحة، ولكن ربما أيضًا يستعمل المدير الضعيف تلك الخوارزميات ولكن يظل أدائه العام ضعيفًا. غياب القدرة على السيطرة على المشاعر تُعد من سمات المدير الضعيف، بينما أيضًا المدير الجيد في بعض الأحيان لا يجيد السيطرة على مشاعره بشكل مناسب. وأخيرًا المدير الناجح يتميز برؤيته الثاقبة لمُتغيرات المستقبل، بينما الكثير من المديرين الفاشلين امتلكوا نفس القدرة على رؤية المستقبل بل وعلى العمل على التكيف لمتغيراته ولكنهم فشلوا في تحقيق النتائج المرجوة.

فإعزاء النجاح والفشل في الإدارة لعامل أو اثنين يعتبر أمر غير دقيق، ولهذا فإن أفضل تشبيه للفارق بين المدير الناجح والغير الناجح كان في تشبيه ماركوس بوكينجهام في كتاب First, Break All The Rules: What the World's Greatest Managers Do Differently، وأيضًا ماذكره في مقالة Harvard Business Review بعنوانWhat Great Managers Do، وفيه شبه المدير متوسط الموهبة بلاعب ال checkers وهي لعبة تُلعب على لوحة مربعات الشطرنج وكل لاعب يحصل على اثني عشر قرصا مرتبين بشكل متقاطع بين المربعات وكل الأقراص تؤدي حركة قطرية. فالمدير متوسط الموهبة هو المدير الذي أعتاد لعب ال checkers، فهو يرى جميع أفراده بشكل واحد، يحركهم جميعًا نفس الحركة، الخيارات المتاحة لديه محدودة والكثير من تلك الخيارات معروف مسبقًا.



بينما المدير الموهوب هو المدير الذي يلعب الشطرنج، فكل قطعة لديه لها خصوصيتها ولها نقاط القوة كما لها نقاط ضعف، فأضعف القطع حركة تستطيع أن تحقق نجاحا مذهلًا نتيجة لموضعها المُتميز، بينما تأتي الهزيمة من أقوى القطع حركة ولكن أقلها تأثيرًا في موضعها. الحركة القاتلة التي تُحدث تغيير في مسار اللعبة لا تكون وليدة اللحظة، ولكن سبقها عدة حركات متوالية غفل عن كُنهها الخصم. احتمالات وسيناريوهات الخطوة القادمة ربما يتجاوز الخمسون ألف احتمالية. يعمل لاعب الشطرنج على التفكير في عدة خطوات متلاحقة ورسم سيناريو لكل خطوة على حدة، ويُعيد لاعب الشطرنج مراجعة الكثير من خططه ويغير من استراتيجيته ربما عدة مرات في المباراة الواحدة.

هذا هو مثال المدير الناجح اللامع الذي يرى الكثيرون تأثيره خلال فترة قصية، ولكن يلحظ القليلون منابع قوته التي جعلت منه هذا الشخص المُتميز، فهو إنسان متعدد المهارات والمواهب، وهو الشخص الذي يستطيع تنويع أساليبه في مواجهة المشكلات المختلفة، وهو الشخص الذي يستطيع إدارة تلك المهارات جميعا بشكل متزامن كي يُنتج عنها إدارة ذكية مُحكمة تؤدي لإنجاح المهام المنوط بها. فهو كالرمز س أو x في الرياضيات، تعمل الكثير من المُتغيرات والمعادلات والقوانين معًا حتى تجد نتيجة س والتي بها تُحل المُعضلة، فالمدير اللامع هو من يجيد التعامل مع كل تلكم المتغيرات والمعادلات والقوانين حتى تتحول المشكلة المعُقدة إلى مُعادلة لها حل واحد هو الأمثل والأفضل ، وبهذا فقط يستحق ذلك المدير لقب Manager-X.

المصدر:
https://www.hishamezzat.com/single-p...الموهبة