الفصل الأول مفهوم إدارة الأعمال و أهميتها

1- مفهوم علم إدارة الأعمال
لقد أصبح معروفاً بأن علم إدارة الأعمال يمثل الجوهر الأساسي والمحور الرئيس الذي ترتكز عليه عملية إدارة الموارد الطبيعية والبشرية لما له من أهمية علمية وتنظيمية في ربط عوامل الإنتاج والتنسيق في ما بينها، وذلك لضمان تحقيق أعلى كفاية إنتاجية ممكنة تساهم في رفع معدلات النمو والتطور الاقتصادي والتقني، وتعمل على رفع المستوى المعاشي للمواطنين من خلال زيادة الناتج الوطني الإجمالي .
على الرغم من ضرورة الإدارة ومدى الحاجة إليها خلال مراحل التطور الإنساني بدءاً من المجتمع المشاعي البدائي وانتهاء بيومنا هذا، إلا أن نشاطات العلم والمعرفة لم تشهد تطوراً وتقدماً ملحوظاً في مجال المفاهيم الإدارية واستخداماتها إلا خلال القرنين الماضيين .حيث انه مع التطور الاقتصادي العالمي في أعقاب الثورة الصناعية ونشوء العديد من التجمعات الصناعية الإنتاجية الكبيرة كان لا بد من إيجاد وسيلة فعالة وأساليب أكثر علمية لإدارة هذه الأنشطة الاقتصادية بكفاية إضافية وعالية . كل هذا ساهم في دفع العديد من المهتمين في المجالات الفنية ، الهندسية والإنتاجية للعمل على تحسين أساليب الإنتاج وتنظيم عناصره وتنسيق جهود العاملين فيه لرفع كفايتهم الإنتاجي.
إن التطور الصناعي في القرنين الماضيين، والتخصص في الإنتاج، وتقسيم العمل وظهور المنافسة فيما بين المنشآت الاقتصادية تطلب أن تكون هناك إدارة علمية تعتمد على مجموعة من القواعد والنظريات والمبادئ الإدارية العلمية بالاستناد إلى التجارب والأبحاث والدراسات الأكاديمية والتطبيقية، التي تعطي إمكانية تحقيق الأهداف المرسومة بأقل التكاليف الممكنة. وبالتالي فإن الأساس والقصد من تحديد مفهوم علم إدارة الأعمال هو معرفة مجموعة القواعد التي يرتكز عليها وتبيان المبادئ العلمية التي يستند إليها والتعرف على النظريات الإدارية المختلفة التي يشتمل عليها. وعملية التعرف على هذه الحقائق والقواعد والمبادئ والنظريات تتم بوساطة مصادر مختلفة من دراسات وآراء وأفكار وأبحاث وتجارب ثبتت صحتها من خلال الوقائع التطبيقية لرجال الفكر الإداري والمهتمين به.

إن أهم ما يميز علم إدارة الأعمال عن سواه من العلوم سعة انتشاره، والحاجة إليه في ميادين الحياة الإنتاجية كافة من زراعة وصناعة وتجارة وبناء ونقل، وكذلك في المجالات الخدمية والسياسية والعلمية. هذه الخاصية التي ينفرد بها علم إدارة الأعمال، تتطلب المرونة والسرعة في حل سائر المعضلات الاقتصادية والفنية التي تعترض سبيل العمل والإنتاج.

2- تعريف علم الإدارة
رغم التعاريف الكثيرة والاجتهادات المتعددة لعلماء مختلفين في مجال الإدارة والعلوم الإنسانية لم نستطع الوصول إلى تعريف واحد متكامل يشتمل على جوهر الإدارة .حيث أن مفهوم علم الإدارة كان يعرف باستمرار وفقاً لطبيعة الحاجة لهذا العلم وتفسيراته:
- في حالة الرواج الاقتصادي كانت تسعى إدارات المشاريع الاقتصادية لتسخير علم الإدارة في إيجاد الوسائل الكفيلة بتحسين التنظيم الإداري والإنتاجي لتصل إلى الأرقام القياسية في زيادة الإنتاج.
- في حالات المنافسة الشديدة بين إنتاج المشاريع المختلفة كانت تكرس جهود الإداريين والفنيين لتحسين نوعية المنتج وتقليص تكاليفه لكي تكون له قدرة تنافسية كبيرة أمام المنتجات المماثلة.
- في حالات الكساد فإن محور العملية الإدارية يتركز على تنسيق الجهود من قبل إدارة المبيعات لتقوم بتسويق منتجاتها وتصريفها بما ينسجم ومصالحها.

أمام التفسيرات والاجتهادات عبر حقبة طويلة من تاريخ تطور العلوم الإدارية لابد من التأكيد على حقيقة مفادها بأن جميع الدارسين والباحثين والرواد الإداريين الأوائل كانوا يركزون على أن الإدارة:
- تنطلق من وجود هدف أساسي تسعى لتحقيقه من خلال الإمكانات المتاحة على مستوى المنظمة.
- تعد بمثابة أداة لتنفيذ مجموعة من الأعمال حسب الهيكل الإداري والتنظيمي إضافة إلى حث وتحفيز الآخرين على تنفيذ الأعمال المخطط لها أن تقوم بها.
- لها علاقة بالجماعة بالدرجة الأولى وبالفرد بالدرجة الثانية على اعتبار أن عملية التنسيق بين الفعاليات والأنشطة في المنظمة أو المشروع الاقتصادي تعد من الوظائف الأساسية للإدارة.

من خلال التعريف والتصور السابق عن مفهوم الإدارة يمكن الحكم على أن الإنسان يمثل محور العملية الإدارية والإنتاجية في أية منظمة أو مؤسسة. لذلك كان من الضروري دراسة هذا الكائن البشري وتفاعلاته مع البيئة المحيطة به وتأثيراته الايجابية والسلبية على العملية الإدارية والانعكاسات المختلفة على النواحي الإنتاجية.
وفيما يلي نورد تصنيفاً مبسطاً لتعريف إدارة الأعمال ضمن عدة مجموعات لعدد من الرواد والعلماء البارزين في تاريخ الفكر الإداري وهي:
الأولى: انصبت تعريفات علماء هذه المجموعة، وهم فردريك تايلور ومارشال ديموك وعبد الغفور يونس، لعلم إدارة الأعمال في تحديد ومعرفة الأهداف التي يجب التوصل لها بأقل التكاليف الممكنة من خلال الإمكانات والموارد المتوافرة.
الثانية: ومن أبرز ممثليها لورنس آبلي وكونتز وأدونيل وماري باركر فوليت وتيري، حيث ركزوا في تعاريفهم لعلم إدارة الأعمال على أنها تلك العملية التي ترمي إلى تنفيذ الأهداف والأعمال عن طريق استخدام جهود الآخرين.
الثالثة : ممثلو هذه المجموعة هم هنري فايول وجيمس موني ورايلي ولايت وغوليك وكمبال جاءت تعاريفهم لعلم الإدارة متوافقة مع الوظائف الإدارية كالتنبؤ والتخطيط والتنظيم والتنسيق وإصدار الأوامر–التوجيه- والقيادة والرقابة.
الرابعة: ويمثلها اوليفر شيلدون الذي عرف علم الإدارة مركزاً على مستويات الإدارة والوظائف المتعلقة بهذه المستويات.
الخامسة: وتضم هذه المجموعة تعريفاً تقدمه الموسوعة العلمية الاجتماعية الأميركية لإدارة الأعمال تؤكد فيه على أن " الإدارة هي العملية الخاصة بإنجاز غرض معين والإشراف على تحقيقه. والإدارة أيضاً هي الناتج المشترك لأنواع وأصناف مختلفة من الجهد البشري الذي يبذل في هذه العملية بالإضافة إلى أن تجميع الأفراد الذين يبذلون هذه الجهود في أي منظمة من المنظمات يعرف بإدارة المنظمة ".
إذن نلاحظ أن هذا التعريف الشامل قد ركز على تحديد الغايات والأهداف وتحقيقها إضافة إلى محورية الإنسان في العملية الإدارية والناحية التنظيمية.

وفي العودة إلى تعاريف الرواد الأوائل والذين يمثلون المدارس الإدارية المختلفة يتبين لنا تأكيد العديد منهم على الوظائف الإدارية المتمثلة في التخطيط والتنظيم والتنسيق والرقابة والتوجيه .
وبعضهم يؤكد على الوظائف الفنية كالتمويل و الأفراد والإنتاج وغيرها . وهناك تركيز من قبل غالبية رواد الإدارة على الهدف الأساسي من العملية الإدارية وإتباع الطرق والوسائل الأكثر اقتصادية للوصول إليه . إضافة إلى التركيز على الجهد الإنساني وعده الأساس في العمل الإداري.

يمكننا أن نستخلص بأن الإدارة تتحقق من خلال تحقيق الفاعلية و الكفاءة. "الفاعلية effectiveness" تعني: مدى تحقيق أهداف المنظمة. "الكفاءة efficiency" تعني: الاستخدام الاقتصادي للموارد، أي الاقتصاد في استخدام الموارد وحسن الاستفادة منها.

3- معان مختلفة للإدارة:
نجد من خلال دراسة التعاريف المختلفة للإدارة بأن هذا المصطلح الأخير ينطوي على معانٍ كثيرة تتوقف إلى حد ما على الغرض المقصود من استعمال هذا المصطلح، ومنها أن الإدارة هي:
- عملية تنظيمية لجهاز معين.
إن العملية التنظيمية في جميع المستويات تتطلب جهداً من نوع خاص تكون غايته خلق التفاعل والتمازج والتنسيق بين مجموعة من الأنظمة والفعاليات، وذلك بهدف الوصول إلى الأهداف المخططة وتحقيق السياسات المرسومة على المستويات كافة ضمن معطيات ترشيد استخدام واستغلال كل ما هو متاح في المنظمات والهيئات والمؤسسات والمشاريع وغير ذلك من التجمعات.
من خلال ذلك يمكننا التأكيد على أن التفاعل الذي يجب أن يكون قائماً فيما بين مجموعات العاملين بدءاً من المستويات الإدارية العليا وانتهاءً بالمستويات التنفيذية الدنيا سيضمن عملية اتخاذ القرار الإداري السليم. وإن هذا لن يتحقق إلا من خلال خطة شاملة للنشاطات كافة ومتكاملة معها لكي تسهل عملية تتبع تنفيذ القرارات المتخذة ومراجعة النتائج ومطابقتها مع الخطط المرسومة والعمل على تصحيح الانحرافات الناتجة عن العقبات والمشكلات التي تظهر في أثناء عملية التنفيذ (إن وجدت) .
من خلال ما تقدم يمكننا أن نؤكد بأن العملية الإدارية ليست عملية جامدة بل هي عملية مرنة وديناميكية وتتغير وفق تغير ظروف العمل وشروطه ضمن الأنشطة والفعاليات الإدارية والإنتاجية المختلفة.

- مهنة - وظيفة- تمارس من قبل الأفراد.
لقد تطورت العلوم الإدارية شأنها في ذلك شأن العديد من العلوم الإنسانية وبعض العلوم التطبيقية، حيث أصبحت الإدارة كمهنة ووظيفة يمارسها العديد من رجال المال والعلم والمعرفة وذلك عن طريق استخدام هذه العلوم والمعارف.
وكغيرها من المهن فإن مهنة الإدارة يجب أن تتميز بمجموعة من المقومات الأساسية التي ترتكز عليها مثل:
أ#- وجود دليل أخلاقي لتوجيه سلوك الأفراد وتصرفاتهم.
ب#- وجود المعلومات والمعارف مرتبة ومنظمة في نواح محددة.
ت#- وجود طرق رسمية لاكتساب هذه العلوم والمعارف.

كما أنه لا بد من التركيز على مهنية الإدارة والذي أصبحت آثاره واضحة جلية من خلال الاستخدام والاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية المتاحة في الهيئات الاقتصادية والخدمية نتيجة التنسيق والتفاعل الصحيح ما بين هذه الموارد والذي يمثل حصيلة الجهد الإداري المنظم للعاملين كافة في هذا الحقل واعتمادهم الطرق والوسائل العلمية في معالجة مشاكلهم الإنتاجية والإدارية.
ويمكننا ذكر عدد من القرائن والدلائل على مدى تطور وتقدم مهنة الإدارة، منها:
· تزايد اعتماد الإدارة على أسس وقواعد ومبادئ علمية واقتصادية تحكم العملية الإدارية وعملية اتخاذ القرار مثل نظرية المعلومات، نظرية القرارات الإدارية، البرمجة الخطية واللاخطية...
· أصبحت غالبية الهئيات تختار المديرين الأكفاء ذوي الخبرات والمعارف في المجالات التخصصية المختلفة للنهوض بأعباء العمل الإداري الذي يتطلب طاقات كبيرة ومعارف واسعة بالنسبة للنواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية لكي يكون قادراً على تفهم مشاكل العاملين والإنتاج والتصدي لحلها في الوقت المناسب مما يضمن تحسين مؤشرات الكفاية الإنتاجية وزيادة الأرباح.
· التركيز في مهنة الإدارة على النتائج التي يتم التوصل إليها في مراكز البحث والتدريب، في الجامعات والمعاهد، في المنشآت الاقتصادية المتقدمة التي تكدست لديها خبرات إدارية واسعة، في الهيئات الاستشارية المتخصصة، والاعتماد على خريجي هذه المؤسسات وخبرائها في الإدارة العلمية لممارسة هذا النشاط في مختلف ميادين الحياة.

- جهد مشترك فيما بين العاملين.
إن العمل الإداري هو جهد جماعي تتم ممارسته على مستويات إدارية مختلفة: عليا ووسطى ودنيا. وتختلف طبيعة العمل الإداري من مستوى لآخر. وبينما نشاهد بأن الإدارة العليا تعمل على رسم السياسات وتحديد الأهداف وتوجيه ومتابعة التنفيذ من خلال الأجهزة المختصة، نلاحظ بأن الإدارة الوسطى تمثل حلقة الوصل بين الإدارتين العليا والدنيا، حيث تتلقى التعليمات من الإدارة العليا وتعمل على ترجمتها وتحويلها إلى واقع عملي ملموس. والإدارة الدنيا هي جهة الإشراف الأولى على العمليات التنفيذية في مواقع وأقسام الإنتاج الرئيس والثانوي.
وأما فيما يتعلق بالمهارات التخصصية، فإن الحاجة لها تزداد لدى المستويات الإدارية الوسطى والدنيا أكثر من المستويات العليا. على اعتبار أن مديرين هذين المستويين ورؤساءهما يتعاملون بصورة مباشرة مع التطور التقني والعلمي، مما يفرض عليهم ضرورة الإلمام بالنواحي التخصصية كافة التي لها علاقة مباشرة بأعمالهم.

4. أهمية الإدارة في العالم المعاصر
تهدف الإدارة إلى استغلال الإمكانات البشرية والطبيعية واستخدامها وتسخيرها لخدمة الفرد والمجموعات الإنسانية عن طريق ابتكار أساليب إنسانية جديدة وتطويرها وخلق السلع الضرورية للأفراد وضمان استمرارية تطور الاقتصاد الوطني وتحسين نوعية السلع والمنتجات وتقديم الخدمات الضرورية بشكلها المطلوب للمواطنين كافة .إن هذا يؤكد على أن الإدارة من خلال رجالاتها، أساليبها ووسائلها تسعى إلى:
- زيادة المستوى المعاشي للأفراد وتحسينه وتحقيق التقدم الاجتماعي وذلك من خلال مساهمتها في زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته ورفع الكفاية الإنتاجية للعاملين مما يتيح لهم إمكانية الحصول على أكبر أجر ممكن.
- خلق الكفاءات القادرة على تسيير شؤون المنظمات و رفدها دائماً بالدم الجديد والعناصر الشابة القادرة على تحمل مسؤولياتها والمسلحة بالعلوم التطبيقية والإدارية الحديثة والجاهزة لاستخدامها في المجالات العملية.
- بما أن الإدارة جهد جماعي منظم ومنسق داخل المنظمة وخارجها للفعاليات والأنشطة كافة فهي من خلال عناصرها تعمل على تحديد الطاقات الإنتاجية ووضع البرامج الزمنية لتشغيل الآلات والخطوط الإنتاجية وكذلك وضع الخطط الإنتاجية الموضوعية ثم تتابع وتراقب تنفيذ هذه الخطط.
- الاستخدام الرشيد للموارد الوطنية المتاحة يساهم في زيادة الدخل القومي ويضيف إلى ثرواته المادية والبشرية من خلال تنظيم وتخطيط ومتابعة عمليات اكتشاف الموارد الطبيعية ورفع مستوى التأهيل والتدريب للعاملين في الحقول الإدارية.
- تساهم الإدارة الحديثة المعاصرة في الدول النامية في تقليص الهوة الكبيرة بينها وبين الدول المتقدمة وذلك من خلال الاعتماد على الذات واستخدام منجزات العلم والتكنولوجية وتسخيرها لأغراض التنمية الاقتصادية الطموحة ورفع معدلات النمو الاقتصادي من خلال خطة طويلة الأمد.
- لا يمكن للإدارة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام التطورات الاقتصادية الراهنة والأزمات الغذائية الخانقة التي تكتنف العديد من الدول المتخلفة منها والنامية. ولهذا فمسؤولية الأجهزة الإدارية هنا تكمن في إيجاد الطرق والأساليب والوسائل الكفيلة بتجاوز هذه العقبات والأزمات.
- الاعتماد على الطرق الحديثة والمتقدمة في اتخاذ القرارات الإدارية وتسيير شؤون المنظمات مثل بحوث العمليات والبرمجة الرياضية والإحصاء الرياضي ومنظومات الحواسيب وغير ذلك.

5. العوامل التي أدت إلى تأخر ظهور علم الإدارة
1 ــ النظرة الوضيعة و غير الموضوعية لرجال الأعمال والتجارة
2 ــ التركيز على أن الإدارة فن يحتاج إلى مهارة وخبرة وموهبة شخصية وإهمال مفهوم الإدارة كعلم مستقل له قواعده .
3ــ عدم اهتمام رجال الأعمال بأبحاث العلوم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية .
4 ــ تركيز رجال الاقتصاد والسياسة على الثروات الباطنية والطبيعية على حساب الثروة البشرية.

وفيما يلي نقدم شرحا موجزاً لكل عامل من العوامل المذكورة آنفاً :
الأول ــ إن المجتمعات الأوروبية في القرون الماضية وكذلك الشعوب القديمة لم تكن تنظر إلى الأعمال التجارية نظرة رفيعة بل ازدرتها وعدتها أحيانا أعمالاً غير طبيعية وبعضها الآخر وصف رجال الأعمال والتجارة بأنهم حفنة من الناس المخادعين .
فقد اعتبر أرسطو في القديم بأن أعمال الشراء والبيع إدارة غير طبيعية من خلال كتابه " السياسة والأخلاق" الذي أورد فيه "أن الأسلوب الأول المتبع للحصول على النقد هو جزء من الإدارة المنزلية ، والثاني هو عملية بيع. فالأول ضروري وشريف، وأما الثاني فعملية مقايضة من الواجب أن تراقب لأنها غير طبيعية، ولأنها وسيلة يكسب بها الناس بعضهم من البعض الأخر". وفي كتاب "ثروة الأمم" لآدم سميث وصف رجال الأعمال بأنهم فئة من الناس لا يمكن أن تتفق مصالحهم مع مصالح الجمهور، وذلك لأن هذه المصالح تقوم على خداع الجمهور وغشه وظلمه. وبقيت هذه الأفكار عالقة في أذهان الناس بالنسبة لممارسي الأعمال التجارية حتى بداية القرن الماضي حيث بدأت تتلاشى هذه الآراء ونظرة عدم الاحترام والتقدير لمهنة التجارة والأعمال الإدارية لما لهذه الأخيرة من شأن كبير في نجاح أي مشروع من المشاريع الاقتصادية أو فشله.
الثاني ــــ إن غالبية رجال الأعمال ومديري المشاريع الاقتصادية والمؤسسات الإنتاجية والخدمية لم يحاولوا تشجيع علم إدارة الأعمال وتطويره بصفة مستقلة كغيره من العلوم بل أكدوا بأن هذه الأعمال المتمثلة في إدارة المشروعات ما هي إلا عبارة عن فن يعتمد على المهارات والمواهب والقدرات والمبادئ المحددة التي يمكن تطبيقها عند ممارسة النشاط الإداري والفني في المؤسسات . لكن الإدارة هي مزيج ما بين العلم والفن لأنها تحتاج فعلا إلى المهارات والمبادرات الشخصية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان وخاصة إذا كان في قمة الهرم الإداري، إلا أنها من جهة ثانية علم يقوم ويعتمد على القوانين الموضوعية والنظريات المحددة والمبادئ المتعارف عليها ما بين العاملين كافة في هذا الحقل الهام من الحياة الاقتصادية. وعد الإدارة فناً دون أن يكون لها طابع علمي مستقل أدى إلى ركود هذا العلم وتأخر ظهوره بفكره الحديث وأساليبه العلمية المتطورة .
الثالث ــــ كما هو معروف فإن علم إدارة الأعمال يعد جزءاً لا يتجزأ من العلوم الاقتصادية لذلك يجب أن يكون وثيق الصلة بهذه الأخيرة . على اعتبار أن القوانين الاقتصادية والبيئة المحيطة لها تأثير مباشر على النشاطات الإدارية. فلنأخذ مثلا تأثير النظام الاقتصادي الاشتراكي وقوانينه الأساسية وخضوع العمليات الإدارية و الأجهزة التنفيذية لمسايرة هذه القوانين) فيما يتعلق بالإنتاج والاستهلاك والتخطيط والتنظيم والتسعير والتسويق (. بينما نلاحظ بأن الأجهزة الإدارية في النظام الاقتصادي الحر تمارس أعمالها ونشاطاتها في ضوء وتحت تأثير القوانين النافذة المتمثلة بالمنافسة والاحتكار والعرض والطلب والسعي لتحقيق أكبر قدر ممكن من فائض القيمة .
لم يستفد كذلك علم إدارة الأعمال من أبحاث علم الاجتماع وعلم النفس إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حيث أن أبحاث علم الاجتماع والسكان المرتبطة بالتنظيمات الرسمية وغير الرسمية وتأثيرات البيئة على الإدارة والإنتاج لم تعتمد وتستخدم بالشكل المطلوب إلا بدءاً من الخمسينيات من القرن العشرين. وكذلك الحال فيما يتعلق بالدراسات السلوكية وتأثير سلوك الفرد في العملية الإنتاجية والإدارية وإثارة الدوافع والحوافز لدية لتحسين كفايته وزيادة مردوده الإنتاجي .
الرابع ــــ سعت الدولة المستعمرة إبان الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر جاهدة لاستخراج الموارد الباطنية والخامات الطبيعية وتحويلها إلى منتجات صناعية من خلال بناء تجمعات إنتاجية كبيرة تحتاج للمواد الأولية بكميات ضخمة لتصنيعها ثم لتقوم بإيجاد أسواق لتصريف منتجاتها . إن استخراج الموارد الطبيعية وتصنيعها شكل محور اهتمام العلماء والباحثين، لكن العنصر البشري الذي شكل الثروة القومية الأهم لم يلق الاهتمام إلا لاحقاً، من خلال المدرسة السلوكية ومدرسة العلاقات الإنسانية، كعنصر أساسي من العناصر الإنتاجية يضمن الاستغلال الصحيح للموارد الطبيعية ويسعى لخلق التفاعل والتنسيق الصحيحين لعناصر الإنتاج مما يؤدي إلى رفع كفاية وفعالية الإنتاج.

6. أسباب نشأة علم إدارة الأعمال وتطوره
إن ظهور الثورة الصناعية والانقلاب الكبير في عالم الإنتاج والتطورات الفنية المتقدمة في المجالات الصناعية والزراعية والتجارية ساهمت في عملية الاستفادة من الموارد وزيادة الإنتاج عن طريق التوسع بشكل شاقولي لا أفقي، أي السعي للاستفادة القصوى من عناصر الإنتاج المستخدمة عن طريق زيادة ورفع الكفاية الإنتاجية لا عن طريق إنشاء مشاريع اقتصادية جديدة و الاعتماد على تشغيل عناصر بشرية و استخدام مواد أولية كبيرة بشكل غير اقتصادي. وزيادة الكفاية الإنتاجية والتوسع الشاقولي لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال وجود مؤهلات و كفايات ومهارات إدارية قادرة على تخطيط وتنظيم هذه الفعاليات المادية والبشرية، لذلك فإن من جملة الأسباب التي أدت إلى نشأة علم الإدارة وتطوره نورد ما يلي :

1- ظهور الآلات والتخصص في الإنتاج وتقسيم العمل وتطور أساليب الإنتاج.
2- زيادة عدد المشروعات وقدراتها الإنتاجية.
3- الأزمة الاقتصادية العالمية.
4- ظهور المشروعات الكبيرة والوحدات الإنتاجية الضخمة.
5- الحرب العالمية الثانية.
6- تشكل النقابات وتدخل الدولة.

1ــ ظهور الآلات والتخصص في الإنتاج وتقسيم العمل وتطور أساليب الإنتاج.
إن مراحل ظهور و تطور الآلات الإنتاجية من المرحلة البدائية وحتى المرحلة الإلكترونية لعبت دوراً هاماً وكبيراً في مواجهة المشاكل الإنتاجية وذلك لرفع مستوى أداء العامل وإنتاجية الآلة. ولكن مع استخدامات الآلة بشكلها الواسع وظهور الآلات المتخصصة كان لا بد من وجود كوادر مؤهلة للقيام بتشغيل هذه الآلات وتقسيم العمل إلى أجزاء صغيرة وعمليات متعددة حسب الطريقة التكنولوجية المتبعة. وهذا بدوره يحتاج إلى عناصر إدارة تقوم بتنظيم وتوزيع هذه الأعمال على العاملين وفقاً لمؤهلاتهم ورغباتهم والسعي للتنسيق فما بينهم. وهذا الشخص الذي يمارس أعمالاً مشابهة يدعى المدير الذي يتفاعل ويتعاون مع العمال المنفذين والمصممين لهذه الآلات.

والتطورات الحاصلة في أساليب الإنتاج أدت بالتالي إلى زيادة الاعتماد على الآلات التقنية ذات الإنتاجية العالية وتشغيل الآلاف من العاملين والفنيين والمهندسين والكتبة والإداريين. كل هذا أدى إلى خلق صعوبات ومشاكل جديدة لم تكن موجودة في السابق عندما كان العامل مع صاحب المنشاة يسيطران سيطرة تامة على العملية الإنتاجية والإدارية فيها. وكان لابد من وجود أدوات متخصصة وكفاءات ماهرة تعمل لوضع الحلول المناسبة لهذه المشاكل الجديدة معتمدة على التخطيط والتنظيم وغيرها من الوظائف الإدارية التي تستند إلى قواعد ومبادئ محددة وراسخة.

2- زيادة عدد المشروعات وقدراتها الإنتاجية.
يتم أمام زيادة التوظيفات والاستثمارات المالية في المشاريع الإنتاجية، وبسبب تحول هذه الاستثمارات من القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى إلى المشروعات الصناعية نتيجة لارتفاع عائديتها، إنشاء عدد كبير من المنشآت الضخمة ذات الطاقة الإنتاجية العالية، والتي أصبحت فيما بعد تتنافس على أسواق تصريف المنتجات من جهة وتخفيض تكاليف إنتاجها وتحسين نوعيته من جهة ثانية. إن هذا النوع الجديد من المشاكل والصعوبات التي حدت من نجاح هذه المنشآت وتقدمها كان لا بد من مجابهته بطرائق وأساليب إدارية علمية وذلك لرفع الكفاية الإنتاجية في المشروع وزيادة الإنتاج وتخفيض التكاليف لتحسين القدرة التنافسية أمام المشروعات الأخرى. وفيما يتعلق بالمشاكل التسويقية فقد لجأت الإدارات العلمية لتحديد احتياجات الأسواق الداخلية والخارجية من منتجاتها ووضع الخطط والبرامج الإنتاجية في ضوئها، هذا بعد أن تكون قد درست وحددت نسبة مساهمتها في تغطية هذه الاحتياجات.

3- الأزمة الاقتصادية العالمية.
عصفت الأزمة الاقتصادية العالمية في مجموعة الدول الرأسمالية والمتخلفة لأعوام 1929-1933 باقتصاديات هذه الدول وكادت أن تهدد النظام الاقتصادي الحر برمته. وكان من جملة الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة الجانب الإداري الذي لم يراع تسيير الشؤون الاقتصادية الدولية وعلى مستوى المشروعات. هذا إضافة إلى أن طبيعة النظام الرأسمالي الحر يتصف بعدم الاستقرار الاقتصادي، حيث تكتنفه أزمات دورية متلاحقة. هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة وجهت الاقتصاديين والمسؤولين عن التنمية الاقتصادية إلى ضرورة الالتفاف إلى العنصر الإنتاجي الهام ألا وهو عنصر الإدارة، الذي يشكل أساس النجاح في المشروعات في حال إتباع الأساليب والطرائق العلمية المؤدية إلى إجراء عمليات التخطيط والتنظيم والتنسيق والرقابة الهادفة لرفع الكفاية الإنتاجية، لا أن تعتمد فقط على سياسة التوسع في الإنتاج والاستثمار لأن هذا وحده غير كاف لتحقيق التقدم والازدهار الاقتصادي بعيداً عن الاستغلال الصحيح للموارد المتاحة من خلال القرارات الإدارية السليمة التي تمثل مصلحة الإدارة والعمال والمجتمع.

4- ظهور المشروعات الكبيرة والوحدات الإنتاجية الضخمة.
نتيجة للتقدم التقني والتطور الصناعي المتعاظم وتزايد رؤوس الأموال المستثمرة في المجالات الإنتاجية والمنافسة الشديدة والقوية ما بين مجموعة الشركات المتماثلة، كان لزاماً على المستثمرين أن يفكروا بإنشاء الشركات والمؤسسات والمشروعات الكبيرة ذات الطاقة الإنتاجية العالية وذلك للاستفادة من مزايا تقسيم العمل والتخصص وتركيز الإنتاج والتي تتجسد في تخفيض التكاليف وتحسين نوعية الإنتاج مما يتيح إمكانية الحصول على أعلى عائد استثماري ممكن. أمام هذا الواقع تعقدت مشاكل البرمجة والتخطيط والتنظيم والرقابة وتأمين المواد الأولية وتسويق وتصريف السلع الجاهزة، لذا كان لزاماً على إدارات هذه المنشآت الكبيرة أن تتحول باتجاه الإدارة العلمية التي تعتمد على القواعد والنظريات والمبادئ المستقرة في معالجة المشاكل والمواضيع الإدارية المعقدة مما أدى إلى توجيه العديد من رجالات الفكر الاقتصادي للاهتمام بالجوانب الإدارية في معاهد ومراكز البحث العلمي وتعميق التجارب واستخدام الطرائق والأساليب الحديثة والمتقدمة في العمليات الإدارية وقيادة الجماعات البشرية الكبيرة وتوحيد وتنظيم وتنسيق جهودها بشكل علمي لضمان تحقيق الأهداف القريبة والبعيدة التي وضعتها إدارات المشاريع الاقتصادية.

5- الحرب العالمية الثانية.
إن آلة الحرب العسكرية والمنافسة الشديدة ما بين الدول المتحاربة في مجالات الصناعات الحربية والإنتاج العسكري والسعي لتحقيق التطور والنمو لتغطية احتياجات هذه الحروب أدت بشكل أو بآخر إلى نشوء تجمعات صناعية عسكرية ضخمة تعتمد على الأساليب التقنية المتقدمة في العمليات الإنتاجية لتحقيق التفوق العسكري في المعركة على خصومها. وهنا تكمن حاجة القادة السياسيين والعسكريين لتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية بسبب الحروب المتفشية في غالبية دول أوروبا الغربية والشرقية واليابان، وذلك عن طريق رفع الكفاية الإنتاجية والاقتصادية للمشاريع والمؤسسات القطاعية المختلفة. لهذا كان من الضروري على القيادات السياسية والعسكرية الاهتمام بفئة المديرين والجهاز الإداري لتطوير أبحاثهم وتعميق دراساتهم الميدانية والنظرية للاستفادة القصوى من كل ما هو متاح من الموارد البشرية والمادية. ونتيجة لذلك تم تأسيس العديد من المراكز والمعاهد والكليات المتخصصة لإعداد الكوادر القادرة على تلبية احتياجات وطموحات الأنظمة السياسية والاقتصادية المختلفة. هذا بالإضافة إلى فترة ما بعد الحرب والتي خرجت منها أوروبا الغربية والشرقية مشلولة وعاجزة اقتصادياً تقريباً. وما من سبيل لترميم وإعادة بناء اقتصادياتها إلا عن طريق إتباع الوسائل الإدارية العلمية في مجالات الإنتاج والتخطيط والتسويق وغيرها.

6- تشكل النقابات.
نتيجة للانقلاب الصناعي والتقدم والتطور الاقتصادي واستخدام التقنيات الآلية ونصف الآلية في العمليات الإنتاجية ازدادت جيوش العاطلين عن العمل واشتدت أزمة البطالة وبدأت عمليات استغلال الطبقة العاملة من قبل فئة الرأسماليين والبرجوازيين. أمام هذا الواقع الصعب بالنسبة لطبقة العمال كان من الضروري التفكير بإيجاد وسيلة للحفاظ على مصالح هذه الطبقة فبدأت تسعى لتوحيد صفوفها بشكل مجموعات عمالية ما لبثت إلا أن تطورت إلى شكل تنظيمات نقابية داخل المشروعات الاقتصادية وخارجها على مستوى القطاع والمدينة والبلد .
هذه التنظيمات النقابية العمالية أصبحت تتدخل بأمور تسيير المنشأة وتساهم في اتخاذ القرارات التي تعكس مصالحها بشكل مباشر أو غير مباشر.
وكان لهذا التنظيم النقابي الجديد أن يسعى لتحديد ساعات العمل وتحديد الحد الأدنى للأجور وتحقيق الضمان الصحي والاجتماعي ومنح الإجازات الدورية المستحقة للعاملين، إضافة الى ضرورة منح العامل الأجر الذي يتلاءم مع الجهد المبذول ومع حجم العطاء والمردود الإنتاجي .
نظراً لهذا الواقع الجديد حاول ملاك المنشآت والمشاريع الإنتاجية الاعتماد على العناصر الإدارية الجاهزة والكفيلة القادرة على الخروج من هذه المصاعب بنجاح لصالح المنشأة والمالكين والعاملين فيها وذلك من خلال تطبيق أسالب العمل الصحيحة والمحافظة على البيئة الداخلية والخارجية من خلال سيادة العلاقات الإنسانية السليمة والتعاون فيما بين العاملين أنفسهم من جهة وما بين العاملين والإدارة من جهة ثانية. إن هذا السلوك الإداري قد يلغي نهائياً أو يحد من الاضطرابات العمالية، ومن ثم لجوء الإدارة للتفاوض مع ممثلي العمال ونقاباتهم مما قد يؤدي إلى ضياع الوقت وتوقف المنشآت عن الإنتاج وهذا بدوره سينعكس على السوية الإنتاجية والأرباح ممكنة التحقيق.
ولقد أصبح للنقابات في وقتنا الحاضر مساهمات كبيرة في رسم السياسات الإدارية على مستوى المنشاة والقطاع وعلى مستوى الاقتصاد الوطني، كما نلاحظ الدور المتعاظم للنقابات المهنية في الوقوف إلى جانب العمال وحل مشاكلهم الإنتاجية والاجتماعية. وبدا المديرون بإعادة النظر ودراسة العلاقة فيما بين الرئيس والمرؤوس وتطوير أساليب العمل الإداري والقيادي وإشراك العاملين والمرؤوسين في اتخاذ القرارات الإدارية ورسم السياسات الخاصة بالمشروع الاقتصادي.