تعتبر الشركات العائلية محورًا أساسيًا في اقتصادات دول الشرق الأوسط، وتؤدي الشركات العائلية دورًا بارزًا في القطاعات الرئيسية مثل الخدمات المصرفية والبناء والتصنيع وتجارة التجزئة نظرًا لمساهمتها الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص في المنطقة.


والشركات العائلية لها العديد من المميزات التي تضمن لها التوسع وتحقيق هوامش ربح كبيرة، وعيوب قد تهدد استمراريتها على المدى الطويل، ومن أهم المميزات هو المحافظة على الأموال، فعادةً ما تكون الإدارة والأمور المالية في يد أحد أفراد العائلة، كما تتميز بسرعة اتخاذ القرار بعيداً عن البيروقراطية الموجودة عند نظيراتها من المؤسسات والشركات، لذا فهي الأسرع نمواً مقارنةً بغيرها.





أما من عيوب هذه الشركات، فإن أداؤها قد يتراجع على المدى الطويل، نتيجة لعدة عوامل، أهمها الصراعات الداخلية بين أفراد الأسرة الواحدة على المناصب الإدارية العليا، وتحديداً في الجيلين الثاني والثالث من الإدارة، وينتج عن ذلك خطأ في اختيار الشخص المناسب، مما يذهب بالشركة بعيدا عن المنافسة نتيجة المجاملة في اختيار بعض أفراد العائلة وبالتالي التأثير على عمل الشركة.


إذاً، ما الذي يضمن استمرار الشركات العائلية بعد أجيال من تأسيسها؟


التحول لشركات مساهمة


جاء ذلك خلال المنتدى الشهري الذي نظمته الجمعية البحرينية للشركات العائلية مساء الأربعاء، أكد خلاله الرئيس الجمعية الوجيه خالد بن محمد كانو، على أهمية تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة، وقال إن لتحولها إلى شركات مساهمة عامة، آثار مباشرة في تحريك الاقتصاد وإتاحة الفرص للخلق والابداع مع توفير فرص العمل لأعداد كبيرة من الشباب الطامحين.


وأضاف كانو في تصريحات للصحفيين على هامش ملتقى (الميثاق العائلي وأثره في استقرار الشركات العائلية.. خطوات إعداده وصياغته) أن هناك تخوفا من بعض الشركات العائلية في التحول إلى شركات مساهمة، بسبب أمور عدة أبرزها موافقة العائلة نفسها.


الميثاق العائلي وحوكمة البقاء


ودعا الوجيه كانو الشركات العائلية إلى اتخاذ الدستور أو الميثاق التي هي بمثابة الحوكمة لضمان بقاء واستمرار هذه الشركات، وخلق التفاهم فيما بينهم، مؤكداً أن الشركات العائلية تلعب دورا كبيرا في اقتصاد المنطقة وهي منتشرة في كل النشاطات التي يحتاج لها المواطن المستهلك بصفة دائمة.


ونوه كانو: «لقد قام الأجداد و الآباء بـتأسيس هذه الشركات تحت ظروف صعبة وكافحوا كفاحا مريرا حتى صمدت هذه الشركات وأينعت وآتت أكلها الكثير، واستفاد أصحاب الشركات العائلية ومجتمعاتهم وهي ما زالت تعطي وتتطلع للمستقبل، ولكن بالمقابل في نفس الوقت فإننا نجد أن عددا كبيرا من هذه الشركات تتعثر ولا تواصل المسير بعد فترة وتحديدا من الجيل الثاني أو الثالث» .


ونتيجة لهذا الوضع المتباين فهناك من يرى ضرورة دعم بقاء استمرار الشركات العائلية، وبالمقابل هناك من يري أنه من الأنسب عدم استمرارية الشركات العائلية ولذا ينادي بضرورة دفع هذه الشركات وأصحابها للتحول الي شركات مساهمة عامة، سواء مقفلة أو مفتوحة عبر البورصات وأسواق المال.


وأكد الوجيه كانو، ألا يوجد هناك شركات كثيرة كانت عائلية وتحولت إلى مساهمة، وكل عائلة لديها طريقة خاصة في العمل، من هنا تبرز أهمية قيام الشركات العائلية بوضع ميثاق أو دستور عائلي لها Family Constitution والذي يجب أن يتضمن مجموعة من المبادئ والقواعد الحاكمة والمؤسسة للعلاقات بين أفراد العائلة مثل التخطيط لانتقال السلطة من جيل إلى جيل في العائلة، وقواعد الالتحاق بشركات العائلة، والقواعد المنظمة للملكية وللعلاقة بين الشركة والعائلة وغيرها من الأمور.


ولا ينبغي أن تكتفي الشركات العائلية بصياغة هذه المواثيق فحسب، وإنما يجب أن تصبح هذه المواثيق هي الآلية التي توجه سلوك وتصرفات أفراد العائلة فيما يخص أدوراهم في الشركة العائلية. وينبغي أن تنظم ورش تثقيفية في الأمور والقضايا الواردة في الميثاق العائلي لأفراد العائلة وأن يحضروها ويناقشوا ما ورد فيها من أجل حدوث نوع من التثقيف المهني والعائلي لهم يساعدهم على تخفيض حدة الصراعات والأزمات فيما بينهم.


مراحل تطوير الميثاق


ونظرًا إلى كون غالبية الشركات العائلية خاصة في منطقتنا الخليجية لا تقبل أو غير مقتنعة بوجود ميثاق للعائلة، فقد حاولت الشركات الاستشارية والمتخصصون في مجال الشركات العائلية ترغيب هذه الشركات لتقبل فكرة وضع ميثاق لها من خلال تطوير مناهج صديقة للعائلة لدى وضع الميثاق تقوم على الترغيب والإقناع ولا تقوم على إصدار الأوامر والتوجيه.


وعلى سبيل المثال، ينصح الخبراء بتطوير ميثاق العائلة على عدة مراحل وليست مرحلة واحدة لضمان التخطيط السليم والتنسيق بين جميع خطوات وضع الميثاق لكي يتم في النهاية وضع جميع أفراد العائلة والإدارة في إطار رؤية استراتيجية موحدة. والنتيجة النهائية لهذه العملية هي خطة استراتيجية قادرة على زيادة قيمة الشركة الاقتصادية إلى أقصى حد في المدى الطويل.


وتبدأ المرحلة الأولى في وضع ميثاق للعائلة بتشجيع أفراد العائلة على عقد جلسات حوار ونقاش فيما بينها لاستكشاف فلسفتها وقيمها الجوهرية الموحدة في مجال الأعمال.


في المرحلة الثانية في وضع ميثاق العائلة، تقوم العائلة بتطوير ما يسمى الآليات المناسبة التي تعمل على تحقيق رؤيتها العائلية في حين تطور إدارة الشركة الخطط والبرامج التي تنفذ استراتيجيات الأعمال.


الخطوة الأخيرة في عملية التخطيط لوضع ميثاق العائلة وقبل الموافقة النهائية عليه من قبل ملاك الشركة العائلية هي محاولة التعرف على أفضل الطرق والبرامج لنجاح رؤية العائلة ورؤية الشركة معا.


الأجيال المتعاقبة


من جانبه، ألقى الرئيس التنفيذي لشركة حفظ الثروات القابضة المسجلة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، وليد بنعبد الواحد النوح، محاضرة تناول فيها تعريف الشركات العائلية والتحديات التي تواجهها وأسباب نجاحها وفشلها، وضرورة وجود الميثاق العائلي وأثره في استقرار الشركات العائلية، وكيفية إعداده وصياغته لحفظه.


وأوضح النوح، أن عند إعداد الميثاق ينبغي أن يتم دراسة تاريخ النشاط ومرحلة التأسيس ودراسة أعمال الشركاء ودراسة عدد أفراد الشركاء وموقع وجود الشركاء ودراسة تاريخ الشراكة ودراسة نوعية نشاط الشركة.


وفي دراسة أجريت مؤخرًا، بيَّن النوح، أن 39% من الشركات العائلية يديرها الجيل الثاني من العائلة، بينما 13% من الشركات العائلية يديرها الجيل الثالث من العائلة، في حين أن 3% فقط من الشركات العائلية يديرها الجيل الرابع وأكثر من العائلة.


أسباب الفشل


وعن أسباب فشل الشركات العائلية، فقد بيَّن النوح أن 60% من أسباب الفشل تعود إلى انهيار الثقة وضعف التواصل بين الإدارة والموظفين أو العكس، بينما 25% من أسباب الفشل تعود إلى كون الورثة غير مؤهلين للمنصب الذي يتقلدونه، في حين أن 12% من تلك الأسباب تعود لعدم وضوح المهام أو الغرض من تعيين الشخص الفلاني في الشركة.


سمات الميثاق الناجح


وأضاف النوح، في تصريحات لـ (أخبار الخليج) أنه من المفيد أن نتحدث عن سمات الميثاق العائلي الجيد، فالميثاق العائلي بات يمثل موضوعا مهمّا وملحا للعائلات التي تملك شركاتها الخاصة، وكلما كان الميثاق أكثر مرونة، دام لفترة أطول. والأهم من ذلك كله أن عمل العائلة معا في عملية ديمقراطية تفاعلية لإعداد الميثاق يعزز العائلة وأعمالها أكثر مما يفعل محتوى الوثيقة بذاته.


كما ينبغي أن يتصف الميثاق العائلي بالإيجابية، حيث إنَّ الغاية الأساسية هي تحقيق ديمومة العائلة وخدمة مصالح العائلة بالدرجة الأولى وليس حماية الأعمال. كذلك يجب أن يكون قائما على المشاركة، أي أن تكون عملية إعداد الدستور واسعة النطاق ولا تقتصر على عدد قليل من أفراد العائلية أو المستشارين أو مستشار واحد، كما ان عملية وخطوات ومراحل الإعداد لا تقل عن إعداد الميثاق نفسه، لأنه خلالها سوف تتحقق المشاركة والانسجام والتناغم.


شروط البقاء


وأشار النوح، الى أنه بالتفاعل والنقاش خلال الملتقى خرجنا بنتيجة أن الميثاق العائلي جزء مهم في احتياجات الشركات العائلية ومتطلباتها، أما بخصوص التحديات فهي كثيرة منها ما يتعلق بالبقاء والاستمرار والتوسع والنمو.


وقال مسترسلاً، الحل يكمن في التفاهم بين الأسرة والشفافية والوضوح، وأن الميثاق سيقود العائلة لمثل هذه النتيجة. وإن بقاء الشركة العائلية واستقرارها ونموها تتطلب أن تهتم العائلة بمواجهة هذه التحديات، لذلك تحتاج الشركات العائلية إلى صياغة ميثاق عائلي للشركة يكون بمثابة مرجع أو دستور عائلي لها يحظى بقبول أفراد العائلة، يرجعون إليه عند رسم السياسات الاستراتيجية واتخاذ القرارات التي تؤثر في مستقبل الشركة العائلية.


وحدد النوح 7 صفات لرواد الأعمال الناجحين سواء في هذه الشركات أو الشركات الأخرى، على رأسها: المهارات القيادية، والتواصل، وتحمل المخاطر، والقدرة على الابتكار، والابداع، والدفاع عن الفكرة، إلى جانب تجاهل المحبطين بضبط النفس لردة الفعل. كما حدد 4 مميزات تميز رائد الأعمال عن رجال الأعمال، إذ أن الأول يقبل المخاطرة ويبحث عن الفرص الجديدة، وينفذ العمل بنفسه، ويهتم بالتفاصيل التشغيلية.


أرقام وإحصاءات


في الوطن العربي ومنطقة الخليج، فإن معظم التقديرات تشير إلى أن الشركات العائلية تمثل ما لا يقل عن 50% من العدد الإجمالي للشركات الكبيرة من القطاع الخاص. وعلى وجه الخصوص، في منطقة الخليج تشكل الشركات العائلية 95% من إجمالي عدد الشركات الخاصة.


ووفقا لآخر الإحصاءات، حوالي 95% من الشركات في البحرين هي شركات عائلية. وهناك أكثر من 16000 شركة مسجلة كشركات عائلية في البحرين، وهي في الواقع مثيلة للشركات العائلية في أي جزء آخر من العالم. ومع ذلك، هناك فرق ثقافي فريد من نوعه في البحرين (وكذلك في بلدان التعاون الخليجي)، حيث إن وحدة الأسرة هي قوية جدا والعادات والتقاليد تكون ملزمة. ويتم الاحتفاظ بروابط قوية من الاحترام بين المؤسس والأعضاء الآخرين في الأسرة، وهو ما يميزهم عن الشركات العائلية الأخرى خارج البحرين.