لم أقرأ عن هذه القصة من هنا أو هناك، و لم أترجمها من أي مجلة أو موقع أجنبي كعادتي مع أغلب المقالات في هذه المدونة، و لم يحدثني بها أحد أصدقائي، و لكنها حدثت معي أنا. حسن سأخبركم بالوصفة …


كان الاعلان عن وظيفة “مدير وحدة تكنولوجية” في إحدى الجامعات المرموقة، كنت قد قرأت عن الاعلان عن طريق الانترنت، في البداية لم آبه كثيرا، و لكن بعدها قمت بتقديم الطلب، لا لرغبتي في الحصول على هذه الوظيفة، بل لأنني أريد فقط أن أصل الى لجنة المقابلات و أخبرهم برأيي (القاسي) في أداء هذه الوحدة و توجهها.


نعم أنا أعرف هذه الوحدة جيدا منذ تأسيسها قبل عدة سنوات، كنت دائما ما أتابع أخبارها ومن يقودها و ما وصلت إليه، أتابع أخبارها لأنني أهتم جدا بمجالها و كم وددت أن أعمل بها في السابق لتغيير الكثير من الأمور التي أعتقد أنها بحاجة الى تغيير، و لكن الظروف لم تشأ و توالت الأيام.


ماجعلني أصر على الوصول اليوم (الى لجنة المقابلات على الأقل) هو مدى ألمي لما وصلت إليه هذه الوحدة و حجم المبالغ التي دُفعت لدعمها (ما يقارب المليوني دولار و لكن دون جدوى)، و فعلا تم الاتصال بي لإبلاغي عن موعد المقابلات بعد يومين.


في الردهة كنت أنتظر موعد مقابلتي، حيث كان هناك حوالي 10 أشخاص آخرين ينتظرون مثلي، كان أغلبهم متوترون و ينظرون الى بعضهم البعض بقلق، كنت و كأني أنظر الى المشهد من بعيد، كنت أرتدي ثيابا عادية (Casual) و لم أكن آبه كثيرا لما سيحدث لأنني كنت أريد أن أوصل رسالة واحدة و أعود الى عملي الأساسي. لم أكن حتى أريد الوظيفة أو حتى أن أترك انطباعا جيدا. كل ما أريده هو أن أفرغ جل غضبي و أمضي


القليل من الغضب …


في غرفة المقابلة و أمام لجنة المقابلات ألقيت السلام و جلست … كانو أربعة أشخاص و جميعهم كان عبوسا و دار بيننا الحديث التالي:



  1. أحد أعضاء اللجنة: عرف عن نفسك لو سمحت و باللغة الانجليزية
  2. أنا: بدأت أتحدث باللغة الانجليزية … “أنا اسمي محمد، وأتقن الانجليزية جيدا و لكنني لا أريد الحديث بها”، و بدأت أتكلم بالعربية، قلت له أنا جد متعصب للغتي، فلما أتكلم بالانجليزية؟
  3. أعضاء اللجنة في دهشة: مرت لحظات قطعها أحدهم و قال لي و هو يبتسم، حسن و لكن أرجو أن تتكلم بالانجليزية على الأقل من أجل الرسميات
  4. أنا: ممم سوف أحاول (و لكنني لم أحاول بعدها)
  5. أحد أعضاء اللجنة: هل تجيد كتابة مقترحات المشاريع، و متى آخر مقترح كتبته ؟ “و هو كله يقين أنني و ان كنت أجيد كتابتها، سيكون آخرها قد كتبتها منذ أعوام”
  6. أنا: بالتأكيد أجيد ذلك، و آخر مقترح لم يمضي عليه أكثر من 6 أشهر، وتمت الموافقة عليه من قبل الدول المانحة، و ليس هذا فقط، فقد حصلت على رسالة شكر و تقدير من الجهة المانحة على طريقة كتابتي للمقترح، و هذه المرة الأولى التي يحدث فيها أن تقوم الجهة المانحة بالإثناء على كتابة أي مقترح بشهادة جميع المعنيين في المؤسسة التي أعمل بها. و قد تم دعوتنا لزيارة أحد الدول الأوربية “لمتابعة أمور أخرى في المشروع” وكان هذا كفيلا بإيصال رسالة قوية الى فريق المقابلات، لأن الوحدة التي من المفترض أن أدريها تعتمد بالدرجة الأولى على المنح.
  7. أحد أعضاء اللجنة (يعرفني شخصيا): أخبرنا عن مشروع “س” أين وصلت به كونك مديره؟ و كان يحاول تسجيل نقطة ضدي كونه يعرف تفاصيل المشروع
  8. أنا: في ابتسامة عريضة جدا: لقد فشل و أنا السبب… و انت تعرف ذلك، فقد كان يتحتم علي استخدام طرق لا اخلاقية للنهوض بالمشروع و هذا يتنافى مع مبادئي … في هذه الأثناء شعرت أن أعضاء اللجنة بدأوا يشعرون بأنني أبرر الفشل … قطعت حديثي عن المبررات فورا و قلت لهم “الانسان في النهاية يتعلم من الفشل أكثر بكثير مما يمكنه أن يتعلم من النجاح”

الكثير من الغضب …



  1. مدير اللجنة: احكي لنا عن خبرتك في مجال عمل الوحدة
  2. أنا : هذا سؤال جيد، و لكن دعني أجيب بطريقة أخرى، أو دعني أتحدث بحرية قليلا و ان كان فيها بعض التجريح
  3. مدير اللجنة: في استغراب … تفضل
  4. أنا: في ابتسامة، إذا أردتني أن أتكلم بصراحة فقد لا تعجبك صراحتي و لكنها الحقيقة،
  5. مدير اللجنة: ابتسم مستغربا و قال لي تفضل
  6. أنا: حسن … تعاني الوحدة منذ عدة سنوات، من ضعف إداري، وغموض في الهدف، و لم يخرج منها أي منتج ولو متوسط الكفاءة، فماذا تفعلون الى اليوم؟ لم أنتظر منه اجابة بل واصلت حديثي في جدية لجميع أعضاء اللجنة، حصلت الوحدة على أكثر من مليوني دولار تقريبا، و ماذا كان الناتج؟ كان ببساطة “صفر”. تحدثت عن آخر منتج للوحدة الذي كانت تكلفته حوالي مليون دولار لمدة عام كامل، و أخبرت اللجنة لو أنني أخذت هذا العمل لوحدي و لمدة 6 شهور فسيكون المنتج أفضل بمراحل مما قام الفريق مجتمعا بعمله و شددت “أنا أعني ما أقول حرفيا”. و كررت “حرفيا أعني ما أقول” و لن تتجاوز التكاليف بضعة آلاف من الدولارات. في هذه اللحظات كان صوتي قد ارتفع قليلا لأنني انفعلت حقا
  7. مدير اللجنة: طيب كيف يمكنك النهوض بالوحدة؟
  8. أنا: حاولت أن أهدئ من نفسي، عدلت مجلسي قليلا لكسب بعض الوقت … و قلت “حسن هذا سؤال ممتاز أيضا، وان لم تكن تنوي سؤالي اياه، كنت أنا نفسي سأسألكم هذا السؤال”
  9. مدير اللجنة: في استغراب …
  10. أنا: مقاطعا استغرابه … حسن سأقول لك … سيحتاج الأمر مني ثلاث خطوات


  1. الأولى: سأقف في وجه إدارة الجامعة لأنها تضغط على الوحدة و تستعجل النتائج، يجب أن يتوقف هذا النهج. يجب أن يتوقف في الحال.
  2. الثانية: سأستخدم مع الفريق مبدأ “الصدمة” و قانون العمل السعودي والذي من المهم لكي لا يتلاعب احد بك ويمكنك تحميله من [مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]، لأن فريقكم اليوم أصابه الغرور، فهو يعتقد نفسه اليوم فريق ناجح جدا، و العكس هو الصحيح، يجب أن أنسف طريقة العمل الموجودة حاليا في الفريق لأستطيع البناء من جديد على أسس صحيحة. سأقوم بإعادة تصميم المهام داخل الوحدة و اعادة توزيعها من جديد.
  3. الثالثة: سأحقن الفريق بجرعات مفرطة من الجنون … فالجنون وحده ما سيخرج الوحدة الى النور.

استمرت أسئلة أعضاء اللجنة، و استمرت اجاباتي التي لا تمت بصلة الى الأسئلة، فقد كنت قد كونت اجاباتي قبل أن آتي الى المقابلة أصلا


في نهاية المقابلة، سألني أحد أعضاء اللجنة هل عندك أي اضافة؟ قلت له نعم أريد أن أضيف شيئا أخيرا … قلت لهم في حزم (و ان كان ممزوجا بنبرة غضب)، “إن كنتم تريدون حقا أن تنجح هذه الوحدة … يجب أن أمسكها أنا”. و قاطعت بعدها ابتسامة الجميع و استغرابهم من جرأتي قائلا في حزم “مرة أخرى أنا أعني ما أقول حرفيا” و انتهت المقابلة في ذلك اليوم. فقد أشفيت غليلي في المقابلة و انتهى الأمر بالنسبة لي، مع أنني كنت أعتقد أنهم سوف يطردونني في أي لحظة من المقابلة أو سيضعون اسمي على القائمة السوداء لديهم ليستثنونني من أي وظائف قادمة في الجامعة.


في اليوم التالي، اتصلت بي إدارة الجامعة، لمقابلة ثانية مع رئيس الجامعة هذه المرة، في المقابلة في مكتب رئيس الجامعة كان هناك 5 أشخاص آخرين لم أعرف من هم، و لكن كانوا يبدوا لي أنهم من فريق رئاسة الجامعة. دار أغلب حديثي مع رئيس الجامعة، و كان تقريبا بنفس اللهجة السابقة، أعدت نفس النقاط الرئيسية التي كنت قد قلتها في السابق و كيف يمكننا تطوير الوحدة، لم يكن نقاشا طويلا في الحقيقة، في النهاية أخبرني رئيس الجامعة بنيتهم توظيفي لديهم، و بدأنا نتكلم عن الراتب الشهري و أمور أخرى.


في النهاية اختلفنا على مدة العقد، فقد كان رئيس الجامعة يريدني أن أوقع عقد مدته سنة واحدة فقط حسب سياس الجامعة، و هذا ما رفضته، حاول أن يقدم عرضا سخيا بأن أكتب الراتب الذي أراه مناسبا و سوف يقبله مباشرة دون اعتراض، اضافة الى نسبة من أرباح الوحدة. و هذا ما رفضته أيضا. وعلمت بعد فترة، من مصادر من داخل الجامعة أن ترتيبي كان الأول في المقابلات.


في النهاية هناك 7 نصائح يمكنني تقديمها هنا:



  1. في البداية لا أنصح الأشخاص الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية لأن يجربوا هذه الطريقة، لأنها ستأتي بنتائج عكسية، كانت جميع اجاباتي علمية و مقنعة للجميع في المقابلة. و لكن نصيحتي للأشخاص الذين لديهم “الخبرة” أو “الغضب” أو “الجنون” الكافي في مجال عمل ما، ولا زالوا لم يعثروا على وظيفة ملائمة.
  2. إكسر كل قواعد اللعبة أمام لجنة المقابلات.
  3. لكي تتخلص من الضغط النفسي في المقابلة، فقط أطرد من ذهنك أنك تريد هذه الوظيفة، و اعتبر نفسك ذاهبا فقط للاستمتاع، أو اثبات وجهة نظر ما.
  4. ان أ ردت الحصول على وظيفة في شركة ما او مؤسسة ما، قم بمتابعة أخبارها و مشاريعها، و ان لزم الأمر محاولة متابعة فريق عملها و إدارته عن كثب لتتمكن من تكوين صورة عن اتجاه العمل. و بعدها قم بكتابة ما يمكنك اضافته أو تطويره في الشركة. بهذا سيكون لديك مادة قوية تستطيع اللعب بها في المقابلة على الأقل.
  5. وقوفي في وجه الجامعة ضروري في البداية لمنع ما يسمى بتمدد نطاق العمل في الوحدة ،
  6. مبدأ الصدمة: حاول أن تقود فريقا كان يعمل قبلك مع مدير سابق، و ستعرف معنى الصعوبة في ادارته بطريقتك، حيث سيعمد الفريق الى سلوك نفس الطريق القديم و سيكون من الصعب عليك تغييره، لذا العلاج بالصدمة هو أفضل حل.
  7. اذا كان الابداع صميم عمل القسم الذي تديره فعليك باطلاق العنان لجنونك.