عمارة الأشباح، مهجورة منذ الستينيات، لا يقوى أحد على اقتحامها، وكل من سولت له نفسه أن يسكنها كان يواجه نهاية مأساوية، مثل الرجل اليوناني الذي سكن لمدة يومين، ثم اختفى هو وعائلته كلها في حادث مركب صيد، أو الرجل الذي الذي ألقى بنفسه من الدور الأخير بعد ليلة كان صراخه خلالها يشق سكون ساحل البحر الأبيض كله، أو العريس الذي فوجئ بعد ساعة من دخول الشقة مع عروسه ببقع دم تنسال من الجدران وقط كبير يطاردهما إلى أن استيقظا فوجدا أنفسهما فاقدين الوعي في الشارع شبه عرايا، دراما لا تنتهي، جعلت حارس العمارة يسد مداخلها كلها بالطوب والخشب حتى لا يدخلها أحد، تاركًا للأشباح مهمة إدارتها دون تكدير.
كانت السنوات تمر ولا حديث عن العمارة إلا وقد اختلط بحكايات الرعب، لدرجة أن كل من يمر في الشارع الذي توجد به العمارة كان يلتزم الأدب والهدوء ويسرع الخطا ويتحاشى حتى النظر إليها حتى لا يصيبه من أذى سكانها شيء، كان هناك حفنة من البشر تولوا المسألة من جهة أخرى، كانوا حراسًا مثقفين للأسطورة، يدعمون بقاء الأشباح في سلام منعًا لأذى أكبر، منهم من كان يروج لفكرة أن أساسات العمارة تم صبها فوق مصحف وقع من يد أحد العمال فصارت ملعونة، ومنهم من يقول: إن العمارة أُنشئت بشراكة بين مصري ومغربي، وعندما نصب الأول على الأخير استعان المغربي بالسحر السفلي ليمنع المصري من الاستفادة بالعمارة.
مرت السنوات وتحولت العمارة إلى أمر واقع لا يقوى أحد على مناهضته إلا سرًّا بكلمات نضالية عن الجهل الذي يطبق بأذهان جموع الجماهير، لكن كلماتهم كانت بلا أي تأثير، بل أنها كانت لعنة على أصحابها؛ إذ تحولوا في نظر الجموع إلى أشخاص يتبجحوا على السحر والجن، وكلاهما ذكر في القرآن.
وفي يوم ما استيقظت المدينة على صفحة تم إنشاؤها على الفيس بوك، أنشأها شاب، يحرض الجموع على اقتحام عمارة الأشباح، كان عدد المشاركين في الصفحة يزداد بمرور الوقت، إلى أن حدد المشرفون على الصفحة ساعة الصفر وطالبوا الجماهير بالاحتشاد عند العمارة للقضاء على الأسطورة.
تجمع كثيرون هناك في الموعد المحدد وكلهم حماس لتحرير الجميع من الوهم بمن فيهم غير المهتمين، تسلل الشباب عبر سور فيلا ملاصقة للعمارة، ثم دخلوا إلى العمارة واحدًا تلو الآخر، كان بينهم من يحمل مصحفًا وبينهم من يرفع الصليب، دخلوا إلى العمارة، ثم غابوا قليلاً، ثم خرجوا من جديد إلى الشرفات فصفقت لهم الناس بهيستريا.
نجحت المهمة وصور الشباب من الداخل كليبات تكشف للناس كم هي هشة هذه العمارة، وكم هو زائف هذا الخوف المسيطر، كان هناك طول الوقت رجل كبير في السن ممتعض مما حدث ويحذر من باب الجحيم الذي انفتح على الجميع، يبدي خوفه من العواقب المحتملة خاصة وأن سكان المنطقة لم يشكوا من الوضع.
حدثت فوضى ما انزعج منها كثيرون، فتدخلت الشرطة تحت ترحيب كبار السن وتم إخراج الشباب، وإغلاق العمارة ولكن بصورة أكبر صرامة.
هنا شعر الشباب بالإحباط بعد أن فقدوا قصة تدعو للفخر عن الخوف الذي أزاحوه عن قلوب الناس، من المؤكد أنك قادر على تخيل مدى حزنهم، وعلى تخيل مدى رضا كبار الناس عن أنفسهم وشعورهم براحة الضمير.
لكن الأمر الذي لن تستطيع أن تتخيله هو تلك الفرحة العارمة التي يعيشها الآن أشباح العمارة.