تمرين سياسي وفدي
أختلف معه سياسياً، لكني شعرت بالفخر حينما تابعت انتخابات "حزب مصري" على الجزيرة مباشر، وفي تغطيات إعلامية مُكثفة.. محلية وعربية.
خطف الوفديون الأضواء سياسياً وإعلامياً أول أمس الجمعة. حضور حاشد تجاوزت معه نسبة التصويت 75% من بين أعضاء الجمعية العمومية، ٢٠٣٦ عضواً، اختار معظمهم رجل الأعمال (السيد البدوي) رئيساً للحزب لأربع سنوات مقبلة. وبعد حملة انتخابية طالت لأكثر من شهر، أصبح هناك "رئيس سابق"، وأصبح "لنا" تجربة انتخابية نزيهة تُغير النظام.. دون أن تنهار المؤسسة.
2036 عضوا هم بالتأكيد نموذج دال من شعبنا وأمتنا. أكدوا عملياً أن العيب لم ولن يكون أبداً.. "فينا نحن"، العيب فيمن يشرف على الانتخابات، ويقرر مُسبقاً تزوير إرادة الناس، مستغلاً إمكانات الدولة التي يُفترض أنهم وكلوه لإدارتها.. فخطفها. حينها، من الطبيعي ألا يثق الناس في إدارته لها.. وفي قيمة صوتهم، فيتجاهلون لعبته الفردية، ويتركونه يلعب وحده مع تمثيليته المُزورة.. مكشوفاً أمام الجميع.
إدارة انتخابات الوفد كانت حزبية، لكن لجنتها المشرفة ضمت مختلف ألوان الطيف السياسي، ناصريون وشيوعيون وليبراليون وأصوليون.. وحزب وطني، المجلس القومي/ الحكومي لحقوق الإنسان و35 منظمة أهلية، الكل يراقبون ويشرفون على انتخابات الحزب "الرأسمالي". تجربة سياسية فريدة، مصرياً وعربياً، احتضنتها حديقة الحزب، بعد أن رفض الأمن السماح للحزب بـ"صوان" واسع مستقل. نشط الخصوم دون احتكاكات بدنية أو تجريح لمنافس، لـ"يمسحوا" ذكرى الصدام الدموي بذات المكان الذي أتى بمحمود أباظة رئيساً بدلاً من نعمان جمعة. هتف الوفديون لزعامات الحزب التاريخية.. و"وفد واحد.. مش وفدين". ووسط الهتاف "الجامع"، كان كل يتوجه للصندوق الزجاجي، يصوت ويعود ليجلس أو يقف.. مع أو بجوار منافس له. أول هتاف لأحد المتنافسين كان بعد إعلان النتيجة.. وحسم اسم الرئيس القادم، لكن سرعان ما عاد الهتاف الجامع.
بالطبع كانت هناك تربيطات وتحالفات تحتية أو مُعلنة، لكنها طبيعة اللعب السياسي في كل مكان بالعالم. قبل الجمعة الماضي كانت المعركة مشتعلة، برامج موضوعة بعناية من يبحث عن رضا أو إقناع ناخبيه، وجولات محمومة من الطرفين غطت معظم المحافظات. لكنها مختلفة عما اعتدنا عليه، فمع أول مؤتمر صحفي له، منع رئيس اللجنة الحكومية العليا للانتخابات فضائيات خاصة من تغطية المؤتمر، ليؤكد لنا بأن اللانظام متمسك بذات منهج التزوير. في تجربة الوفد، شهدنا حياداً تاماً من آلة الحزب الإعلامية الوحيدة.. جريدة الوفد، ومن قنوات (الحياة) التي يملك أغلب أسهمها "المُنافس" السيد البدوي. وشهدنا مناظرة علنية على التليفزيون الرسمي أدارها بحنكة الزميل خيرى رمضان، كانت بدورها سابقة مهنية على منظومة الإعلام الحكومي، وتلتها مناظرة العاشرة مساء. في المناظرتين قدم الطرفان ومشايعيهما نموذجاً لأدب الاختلاف، فحتى "الضرب" من منير فخري عبدالنور، مثلاً، في البدوي.. كان بعيداً عن التجريح، ولم يستغل البدوي الحديث عن التمويل الأمريكي لجمعية حقوقية يديرها أحد أنصار أباظة لتجريح منافسه شخصياً.. بل شدد على نزاهته. كانت معركة سياسية لا شخصية، بين تيار التجديد/ البدوي.. وتيار الاستقرار/ أباظة، شدد الطرفان خلالها على أنه أياً كان اسم الرئيس المُنتخب.. فإن الفائز هو الوفد نفسه. بعد إعلان النتيجة خرج المتنافسان، الفائز والخاسر، يداً بيد لتحية الجمعية العمومية.
لحزب الوفد طبيعته الخاصة، وربما "الطبقية" التي يبدو أن أمامه عقود للتحرر منها، لكنه قدم لنا ما يمكن تسميته بـ"التمرين" أو "بيان على المعلم" الذي اعتقدنا أننا لن نراه إلا في انتخابات بعض الأندية والنقابات، لكنه هذه المرة كان "تمرين سياسي". يُردد الوفديون بفخر بأنهم قادة المعارضة، أصابوا الدقة في وصف دورهم أم بالغوا، فقد فازوا بالسابقة الأولى لانتخابات سياسية نزيهة، تُحسب لهم.. وتُحرج الباقين. سابقة تدخلهم معادلة التغيير المتوقعة.. مع قوى الحراك والبرادعي والناصريين والإخوان. أعادت انتخابات الوفد الحزب، بحيوية، للشارع السياسي.
انتخابات نزيهة، سواء أرجعنا السبب لعراقة الحزب، أم لطبيعة "تركيبة" عضويته، أم لانتهاء عصر الزعامات التاريخية، أم لتقارب أحجام مراكز الثقل بداخله وعدم قدرة أحدهم، ان أراد، على قهر الآخرين؟
أيا كانت الإجابة، تظل انتخابات الوفد أول تمرين سياسي وطني لتداول السلطة، يؤشر لإمكانية خوض انتخابات قومية نزيهة، إذا صدقت الإرادة السياسية الحاكمة.

العربي
الاحد 30 مايو 2010