البيروقراطية والتحدي

حمود البدر
هناك إجماع شعبي ومؤسسي على أن البيروقراطية في الإدارة الحكومية تمثل حاجزا قويا ضد الإبداع. كما أن البيروقراطية تجد في المتخاذلين خير معين لها لكي تزرع الإحباط. وتنمي الجمود وتغلق ضد التجديد كل الطرق.
إلا أن هناك من يجد في نفسه قدرا كافيا من التحدي للبيروقراطية لدرجة تجعل هذا التحدي ينطلق شاهرا سلاحه بهمة عالية وقدر كبير من السعي للإبداع، مما يخلق الروح العالية ثم ينشرها.
تذكرت هذا عندما تكرم مدير جامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور عبد الله العثمان بدعوة عدد من الزملاء المتقاعدين ممن كان لهم دور في الأعمال الناجحة الحكومية في الأيام الخالية، وكان من حظي أنني أحدهم.
لقد أعد المضيف وأعوانه برنامجا حيويا أطلعنا على ما تقوم به تلك الجامعة العريقة التي تعاقب عليها ألوان متفاوتة من الأسلوب الإداري طبقا لخلفية هذا المدير أو ذلك. ومدى ما يعج به ذهنه من الإبداع أو عكسه.
وبما أن الجامعة تمثل ــ في هذه المرحلة ــ ثورة تطويرية غير مسبوقة أججها الفريق القيادي الحالي بريادة، مضيفا العثمان: فقد رحبنا بالزيارة بل تمنيناها.
استغرقت الزيارة ثلاث ساعات ونصف الساعة، تم خلالها إطلاع الضيوف على الخطط التي لا يمكن حصرها في مقال قصير وسريع الإعداد.
إن من يرى ظواهر العمل في الحي الجامعي يصاب بالذهول من كثرة الأجهزة والمعدات التي تعمل ليل نهار من غير كلل ولا ملل.
هناك الرافعات والمعدات الثقيلة المتحركة والثابتة التي لا يمكن أن يمر عليها أحد بدون أن يتساءل: ماذا يعملون، وماذا يريدون؟
وسواء أكان المتسائل من المعجبين بالحركة أو المناوئين لها ــ على اعتبار أنها (في تصورهم) لا لزوم لها ــ فإن تلك المظاهر تدل على أن هناك أعمالا أخرى صغيرة المظهر لكنها عظيمة المخبر. تتمثل في برامج تطويرية الهدف منها تطوير أسلوب التعليم والتعلم. وإبراز الريادة التي تحتويها أفكار العاملين المبنية على تحدي الركود، وتحريك التجديد.
الأهم من هذا وذاك أن البعض يتهم البيروقراطية الحكومية بأنها ضد التجديد. وأنها تقف عائقا ضد توفير مصادر الدعم لتطوير البرامج، وتحريك الأذهان نحو الإفادة من تجارب الآخرين حتى وإن تطلب ذلك قدرا خياليا من التكاليف المالية. إلا إذا الرواد ذوو العزم اثبتوا العكس..
لكن الذين أفكارهم مليئة بالطموح لا يواجهون ما يدعيه الذين يتخذون مبدأ عدم وجود موارد مالية ــ تدعم مشاريعهم ــ ذريعة للتخاذل.
فالطامحون يجدون من يبحث عنهم لكي يدعم طموحهم. ولعل هذا يظهر واضحا في مشروعات هذه الجامعة الرائدة التي مرت بمراحل أخذ ورد، وصعود وهبوط طبقا لدرجة الطموح التي يدعمها المخلصون إذا وثقوا من جديتها.
نعود إلى الزيارة التي أطلعنا فيها الرائد المتميز د. العثمان وأعوانه حيث رأينا بأم أعيننا ما لم نكن نتوقعه. وعلمنا مما سمعنا ما لم نكن نظن إمكانية توفره من دعم مادي غير مشروط من الجهات الحكومية التي يهمها أن ترى الإنجاز فتؤيده، والتخاذل فتتركه إلى أن يحل وقت مغادرته الميدان الذي هو الهدف المنشود.
لقد سعدنا كثيرا، حيث اشتملت الزيارة على الأفكار والأهداف وأساليب تحقيقها. تلا ذلك الاطلاع على التنفيذ، ومن ذلك:
المعرض الدائم للبرامج التطويرية، مركز الأمير سلمان لريادة الأعمال، نادي الاستثمار، وادي الرياض للتقنية، معهد الملك عبد الله لتقنية النانو، زيارة مواقع المشاريع الاستراتيجية، وبعد ذلك السنة التحضيرية التي تعد نقلة نوعية في برامج التطوير.
الواقع أن ما رأيناه مزيج من الحركية التي يدعم بعضها بعضها. ويدفع أحدها الآخر للوصول إلى أهداف بناءة متجددة.
بل إن أي إنسان تراه من منسوبي الجامعة تجد لديه قدرا من الحماس المتوقد لدعم هذا التجديد. وإن وجد من يعارض ذلك فإنه لا يستطيع أن يدافع عن وجهة نظره بشكل جهري؛ لأن ذلك قد يفضح تخاذله، مقابل كثرة الداعمين للتطوير داخل الجامعة وخارجها.
بارك الله في هذه الحركية المباركة التي نتائجها مفيدة ورائدة.