يعتقد الناس أن الأرشفة الإلكترونية (EDMS) هي عملية تحويل المستندات والوثائق الورقية إلى مستندات إلكترونية عن طريق مسحها من خلال الماسحات الضوئية و تخزينها بطريقة ما عبر وسائط التخزين المتداولة. و وفقًا لهذا الاعتقاد، تعتقد العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة بلا شك أنها قد أرشفت جميع ملفاتها ووثائقها الورقية و أنها مستعده لدخول العالم الرقمي و خوض زخم الحكومة الإلكترونية.
والحقيقة أن هذا المفهوم –لو إفترضنا صحته – يتعارض مع عصرنا الحديث الذي يمتلئ بالمستندات الإلكترونية المخزنة بالفعل على وسائط التخزين الإلكترونية ولا تحتاج منّا إلى أي عمليات مسح ضوئي، فهل يعني هذا أنها مؤرشفة؟ لو كان الأمر كذلك، لما كان هناك أي داعي لوجود أنظمة إدارة المحتوى أو أنظمة أرشفة و لأكتفينا بحفظها على القرص الصلب لجهاز الكمبيوتر وينتهي الأمر.
بالطبع هذا أمر غير منطقي فكل ما قمنا به هنا هو مجرد تخزين المعلومة وليس أرشفتها أو ما يطلقو عليه التصوير (Imaging) . و تعد الأرشفة (EDMS) مسئولة بشكل أساسي عن تسجيل المعلومات التي لها قيمة لمنشأة ما بحيث تتمكن من إدارتها والإحتفاظ بها لأطول فترة ممكنه أو حتى للأبد. وهذا يعني ببساطة أن الأرشفة الإلكترونية تتمثل في تحويل المستندات والوثائق عند إنتهاء دورتها المستندية الي سجلات قانونية لا يمكن المساس بها أو التغيير في محتواها الأصلي بغرض حمايتها وتسهيل الوصول اليها عند الحاجة، فلا يكفي أن يتم مسح مستند حتى نقول عنه أنه تمت أرشفته إلكترونيًا.
وفي الواقع فإن عملية الأرشفة وفقًا لهذا المفهوم عملية نمارسها جميعًا كل يوم، فعندما تكتب خطابًا لأحد ما فأنت تتعامل هنا مع مستند يمكنك تعديله وتغييره لكن بمجرد أن ترسل هذا الخطاب الى صاحبه فقد تحول الى سجل لا يمكنك تعديله لأنه أرسل بالفعل و هنا نحن نتحدث عن سجل مؤرشف سواء قصرت فترة الإحتفاظ به أو زادت وإن إختلف وسلية الحفظ وطريقته.
وعليه، فإن الأرشفة الإلكترونية هي ببساطة عملية إدارة السجلات والتي تضمن حمايتها وصيانتها وتسهيل الوصول إليها وتبدأ من لحظة إنشاء المستند وتنتهي بإتلافه أو تركه محفوظًا للأبد، ولا تنحصر فقط في التخزين أو المسح الضوئي. ويمكن تعريف سجل الدخول (Log Record) بأنه المعلومات التي يتم تسجيلها وصيانتها وإدارتها من قبل شخص أو هيئة أو منشأة إما لأغراض قانونية أو لقيمتها بالنسبة لأعمال المنشأة. ولم تعد السجلات التي يجب على أي منشأة الإحتفاظ بها محصورة على الورق فقط،بل أصبحت تشمل عددًا من مصادر المعلومات التي لم تعد تقل أهمية عن المستندات الورقية وعلى رأسها البريد الإلكتروني، والرسائل الفورية، وصفحات الويب، والمعلومات المرسلة عبر الشبكات الإجتماعية، فكل هذه معلومات قد يتوجب تسجيلها وفقًا لأهميتها.
وبالطبع ليست كل المعلومات واجبة التسجيل، وإلا فإنه سيظهر لنا كمًا هائلًا من السجلات التي قد لا نجد لها مكانًا لحفظها. و بالنسبة لمنشأة الأعمال، لكي تتبني إستراتيجية واضحة لإدارة السجلات عليها:

  • تحديد المعلومات التي قمت بتسجيلها ومن مصادر مختلفة.
  • تحديد الفئات و التصنيفات اللازمه لوضع هذه السجلات في بنائها.
  • تحديد الوقت المستغرق للاحتفاظ بهذه السجلات لكل تصنيف محدد، فليس هناك حاجة إلى الاحتفاظ بالسجلات الموجودة إلى الأبد دون مبرر واضح.
  • تحديد الإجراء المطلوب لتدمير السجلات عند انتهاء فترة الاستبقاء.
  • تدريب وتثقيف جميع الموظفين على أسس راسخة وواعية بأهمية المعاهدة وما ينبغي الاحتفاظ به من سجلات.

وحتي يتحقق ذلك فلابد للمنشأة أن تمتلك نظامًا خاصًا لإدارة السجلات وليس نظامًا لإدارة المستندات فقط. فنظام إدارة السجلات هو النظام المسئول عن الإحتفاظ بمعلومات أي منشأة وتسجيلها وإدارة الأرشيف الإلكتروني وفقًا لقواعد وقوانين وأعراف متداولة في هذا المجال. و يعتبر نظام إدارة السجلات جزء أساسي من نظام إدارة المحتوى، لأن أي سجل كان في البداية محتوى قبل أن يتجول الي سجل قانوني.
ويعد إستخدام نظام لإدارة السجلات أحد أهم أساسيات الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكتروية على حد سواء لأن الحركات الإلكترونية التي ستوفرها الحكومة الإلكترونية أو التجارة الإلكترونية بحاجة الي تعريف وتحديد مدي قانونيتها وتسجيلها بشكل قانوني ورسمي.
يتكون نظام إدارة السجلات من العناصر الأساسية التالية على الأقل:

  1. أدوات لتصنيف السجلات: وهو القلب النابض لنظام إدارة السجلات والذي من خلاله يتم وضع مخطط واضح لأصناف السجلات وفئاتها حسب حاجة المنشأة أو وفقاً لطبيعة النشاط الذي تمارسه. ويتم هنا تحديد القوانين والسياسات التي تتبعها المنشأة في أرشفة كل فئة من تلك الفئات حيث سيقوم النظام بشكل تلقائي بتطبيق تلك السياسات والقوانين على كل سجل يوضع على كل فئة ودون تدخل المستخدم النهائي للنظام.
  2. أدوات إنشاء السجلات: والتي تشمل المسح الضوئي للمستندات الورقية والربط مع الأنظمة الأخرى لإسترداد المعلومات أو الحركات التي يتم تنفيذها إلكترونيًا كما هو الحال مع نظم إدارة الموارد ونحوها، ولذا فإننا نتحدث عن بقية العناصر التي يتكون منها عادًة نظام إدارة المحتوى فهي أساسية لأنها هي التي تعمل على إنشاء المستند قبل أن يتحول الى سجل.
  3. أدوات إدارة العمليات والإهلاك للسجلات: تحدد سياسات الاستهلاك المختارة إما وفقًا للقوانين الموضوعة بموجب القانون العام فترة الاستبقاء لكل نوع سجل والتخلص السليم في نهاية تلك الفترة إما إتلاف السجل الإلكتروني أو الورقي أو كليهما أو القيام بمراجعته للحفاظ عليه.
  4. أدوات إدارة السرية: والتي تمكن من وضع سياسات السرية والأمان للسجلات فتحدد من له الحق برؤية أو عرض سجل ما وتحدد طريقة التعامل مع الوثائق السرية والخاصة. ويتضمن ذلك أيضًا التشفير والتوقيع الإلكتروني وحفظ سياسات السرية مع المستند نفسه من خلال النظام، وليس فقط من خلال أنظمة إدارة حقوق التأليف و النشر.
  5. أدوات إدارة السجلات غير الإلكترونية: وهذه ضرورة لأنه قد لا يكون من الضروري الإحتفاظ بالأصول الورقية للسجلات غير الإلكترونية، فيتم الإحتفاظ بالسجلات في الأرشيف الورقي وإدارته جنبًا الي جنب مع الأرشيف الإلكتروني .
  6. التخزين طويل الأجل: وهو أهم عنصر في منظومة الأرشفة الإلكترونية فلا يكفي أن نضمن عدم المساس بالسجلات عبر البرامج فقط، بل يجب علينا ضمان عدم المساس أو التغيير في السجلات عبر أجهزة التخزين حيث تتوافر تقنيات تخزينية خاصة بالسجلات لضمان ذلك.
  7. التدقيق والفحص: العنصر الأهم الذي يضمن أن يتم كشف أي عملية تزوير أو إحتراق أو أي تصرف أو سلوك غير مشروع قد يكون تم على السجلات التي تم أرشفتها فتقدم معلومات تفصيلية عن حركات المستخدمين في النظام بما في ذلك مدراء النظام أو المسئولين عنه.

و يمكن تلخيص المزايا والمنافع الرئيسية التي ستعود على أي منشأة لإمتلاكها لنظام إدارة السجلات واستراتيجية واضحة على النحو التالي:

  • حماية المنشأة وذاكرتها بحماية المعلومات الخاصة به.
  • لحفظ حقوق الناس.
  • سهولة الوصول إلى المعلومات وبالتالي زيادة الإنتاجية بحيث يضيع 40 % من وقت الموظف في البحث عن المعلومات.
  • تجنب فقدان أي معلومة قد يكون لها أهمية للمنشأة أو المجتمع.

ولكن هناك صعوبات مثل:

  1. قبول مثل هذا النوع من لوائح الموظفين سيواجه معارضة قوية، خاصة في البداية وهنا تحتاج إلى التدريب ونقل المعرفة ليعلم كل واحد لماذا تم إيجاد هذا النظام إضافة الى توفير الأدوات المناسبة التي تساعد على إستخدام النظام وأهمها تكامل النظام المستخدم مع البرامج المكتبية الشائعة وواجهة إستخدام سهلة ونحو ذلك..
  2. صعوبة تسجيل المعلومات المحاسبية لأنها بيانات معقدة وغير مجردة، وهنا تحتاج إلى -بالإضافة الى توافر الأنظمة- أتمتة أنظمة الأعمال داخل المنشأة التي أنشأتها سجلات أرشيف السجل الآلي تلقائيًا عند إنهاء المعاملة.
  3. صعوبة وضع إستراتيجية واضحة لإدارة السجلات نظرًا لنقص المعرفة والكفاءات وهنا يمكن الإعتماد على المعايير العاليمة في هذا المجال وتجارب الأخرين لكن هذا لا ينفي أننا بحاجة الي معايير وتجارب عربية.

أخيرًا ، فإن الحفاظ على ذاكرتنا هو القدرة على تسجيل المعلومات ذات الاهتمام بكفاءة للبقاء مع مرور الوقت.