تعديل و تعليق و إنهاء عقد العمل


الجزائر



كثيرا ما تتعرض علاقة العمل أثناء تنفيذها وطول مدة سريانها إلى بعض العوامل و الأسباب التي تفرض على أطرافها ضرورة إعادة النظر فيها و مراجعة بعض أحكامها، إما بصفة كلية أو جزئية (1) كما أن القوانين الحديثة تمنح للعامل الحق في التوقف عن ممارسة عمله دون أن يتسبب ذلك في إنهاء أو قطع عقد العمل و ذلك في حالات معينة كما تمنح هذه القوانين للعامل و المستخدم الحق في إنهاء عقد العمل ( 2).

المبحث الأول: تعديل عقد العمل

إن القاعدة العامة في تعديل العقود تقضي بعدم إمكانية تعديل العقد إلا باتفاق الطرفين (3)، أما تعديل عقد العمل فيرجع أصلا إلى رضا الطرفين و لكن في بعض الحالات قد يكون بالإرادة المنفردة للعامل أو المستخدم أو خارج عن إرادتهما.

المطلب الأول: تعديل عقد العمل بإرادة الطرفين

هو ذلك التعديل الذي يتم طبقا للقواعد العامة، حيث بالرجوع إلى المادة 106 من القانون المدني نجدها تتضمن نفس الحكم المنصوص عليه في المادة 63 من ق.ع التي تنص على أنه » يمكن تعديل شروط عقد العمل و طبيعته بناء على الإرادة المشتركة للعامل و المستخدم ، مع مراعاة أحكام هذا القانون « .

المطلب الثاني: تعديل عقد العمل خارج عن إرادة الطرفين

إن القانون أو الاتفاقيات الجماعية قد يأتيان بأحكام أكثر نفعا للعمال، و تنص المادة 62 من ق.ع.ع على أنه: » يعدل عقد العمل إذا كان القانون، أو التنظيم، أو الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية، تملي قواعد أكثر نفعا للعمال من تلك التي نص عليها عقد العمل « و هي الحالات التي كثيرا ما تحدث لاسيما فيما يخص الجوانب المادية ، كزيادة الأجور ، أو وضع تدابير جديدة من شانها تحسين ظروف العمل ، أو مدة العمل ، أو


1)احمية سليمان، المرجع السابق،ص 51.
2)احمية سليمان ،المرجع السابق،ص103.
3)انظر المادة 106 من القانون المدني .

غير ذلك من المسائل الأخرى التي قد تلزم الطرفين تعديل العقد ( [1]) ،تطبيقا إمالقاعدة قانونية أو تنظيمية ، أو لاتفاق جماعيا ، باعتبار هذه النصوص هي المصادر الأساسية التي استمد منها عقد العمل أحكامه و قواعده.

المطلب الثالث :تعديل عقد العمل بالإرادة المنفردة لأحد الطرفين
قد تكون هناك ظروف تؤدي إلى تغيير أو تعديل شروط العقد المتفق عليه سواء كانت هذه الأسباب تخص العامل أو المستخدم .

الفرع الأول :الحالات المتعلقة بالعامل
و تتلخص هذه الحالات في الغالب عندما يحصل العامل مثلا على مؤهل أو شهادة مهنية تمكنه من الارتقاء في السلم الوظيفي ، الأمر الذي يؤدي حتما إلى تعديل بعض بنود و شروط العقد كذلك قد يصل الأمر إلى إبرام عقد جديد ، إذا كان ذلك ضروريا ، كما قد يعدل العقد إذا غير العامل العمل أو المهنة أو الوظيفة التي يقوم بها لدى نفس المستخدم لأسباب صحية أو اجتماعية أو مهنية ، سواء كان الأمر يتطلب تعديل جزئيا أو كليا ،وفق ما يتفق عليه الطرفان ( [2]).

الفرع الثاني : الحالات المتعلقة بالمستخدم
تنص المادة 74 الفقرة 1 من ق.ع.ع بأنه » إذا حدث تغيير في الوضعية القانونية للهيئة المستخدمة, تبقى جميع علاقات العمل المعمول بها يوم التغيير قائمة بين المستخدم الجديد و العمال « .
و الملاحظ أن هذا النص لا يعالج سوى حالة تغير الوضعية القانونية المتمثلة في حلول شخص جديد محل المستخدم السابق ، سواء تعلق الأمر بأشخاص طبيعية أو معنوية ،إلا أنه لم يتطرق إلى بعض الحالات الأخرى مثل نقل مكان العمل أو تغيير النشاط أو حل المؤسسةالمستخدمة اتفاقيا أو قانونيا أو قضائيا ( [3])، وهي الحالات التي تؤدي إلى إنهاء علاقة العمل إذا لم يقبل احد الطرفين لاسيما في الحالتين الأولى و الثانية بطلب تعديل العقد ، حيث يبررهنا إنهاء العقد بحجة استحالة التنفيذ التي تحرر المستخدم من أي تعويض عن هذا الإنهاء ( [4])

.كما أنه يتمتع بسلطة واسعة لتنظيم العمل ( [5]).بحيث أن هذا التنظيم يكون قابلا للتطور و التغيير حسب المتطلبات الاقتصادية ، وبالتالي فإنه يمكن له تغيير بعض أحكام النظام الداخلي الذي يحرر بإرادته المنفردة بشرط أن لا يخالف مبادئ تشريع العمل، و السؤال الذي يطرح : ما مدى شرعية تعديل عقد العمل بالإرادة المنفردة للمستخدم؟ فإن كان القانون الحالي سكت عن ذلك فإن المحكمة العليا قد اعترفت له بإمكانية التعديل مادام انه لايمس بتوازن العقد .
و خلاصة القول أن تعديل عقد العمل يكون إما كليا بتغيير العقد من الأصل و لكن يكون باتفاق الطرفين، و إما يكون جزئيا و ذلك بتعديل بعض من بنوده فقط .

المبحث الثاني:تعليق علاقة العمل
القاعدة العامة المعمول بها في القانون العام أن عدم الوفاء بالتزام يؤدي إلى فسخ الاتفاق أو العقد، بينما يبقى عقد العمل قائما إذا ما حدث ما يحول دون تنفيذ الالتزامات الواردة به، هذه الحيلولة أو التعليق يؤديان إلى توقيف مؤقت للعقد لتستعيد علاقة العمل سريانها بعد زوال العائق أو سبب التوقف ( 2) .
وقد تدارك المشرع الفراغ الملحوظ في القانون السابق ، و أصبح يفرق صراحة بين الغياب و التعليق ودلك بذكر الحالات التي تعلق على إثرها علاقة العمل في المادة 64 من ق.ع.ع .

المطلب الأول : حالة إتفاق الطرفين (الاستيداع )
في هذه الحالة يتفق الطرفان على تعليق عقد العمل لأسباب موضوعية مؤقتة لم يحددها القانون الحالي (3) بل تركها للتفاوض الجماعي . ومن أثار الإستيداع أنه يوقف دفع الأجر وكل ما يترتب عن عقد العمل من الحقوق في الأقدمية و الترقية و التقاعد ، ويمنع عن العامل ممارسة أي نشاط يدر عليه ربحا ، غير أنه يبقى محتفظا بالحقوق التي اكتسبها عند الاستفادة من الاستيداع ، وعند نهاية مدته يطلب كتابيا رجوعه لعمله أو الاستفادة من مدة إضافية ، و إذا لم يقدم هذا الطلب وقع اعذاره بالالتحاق (4).و هذا ما يؤكده إجتهاد المحكمة العليا إثر الطعن

بالنقض في القرار الذي ألغى الحكم المستأنف وقضى برجوع العامل إلى منصب عمله أو منصب مماثل ، و ذلك بتطبيق أحكام المادتين 64 و65 من ق.ع.ع دون القواعد العامة في حال اتجاه الإرادة المشتركة لطرفي العقد إلى إحالة العامل على الاستيداع .





المطلب الثاني :التوقف المؤقت لعقد العمل لأسباب تنسب للعامل

الفرع الأول : الخدمة الوطنية أو تجديد التكوين العسكري
يشكل أداء الخدمة الوطنية وفترات الإبقاء ضمن قوات الاحتياط أو التدريب ، من حالات تعليق عقد العمل بقوة القانون ، و يؤكد ذلك قانون الخدمة الوطنية الذي منع تشغيل الفئات التي تكون معنية بالخدمة مهما كان قطاع النشاط ، بسبب الخدمة الوطنية ،إذ يعتبر العامل بمجرد التحاقه بصفوف الجيش في وضعية انتداب قانوني مع الاحتفاظ له بكل امتيازاته بإستثناء الأجر و ملحقاته المادية و المعنوية كالأقدمية و الترقية إلى جانب
حقه و أولويته في العودة إلى منصب عمله بعد إنتهاء فترة التجنيد ولو كان ذلك زيادة على العدد المسموح به للعمال في حدود مهلة معينة ( [6]).و هو ما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا ( [7]).
أما فيما يتعلق بالاحتياط فإنه يؤدي كذلك إلى تعليق علاقة العمل مع الاستفادة من الأجر و ذلك عملا بالأمر رقم 76/111 المؤرخ في 9/12/1976 ( [8]).

الفرع الثاني:العطلة المرضية
نص المشرع في المادة 64 فقرة 2 من ق.ع.ع على : » تعلق علاقة العمل قانونا للأسباب التالية: عطل مرضية أو ما يماثله كتلك التي ينص عليها التشريع و التنظيم المتعلقين بالضمان الاجتماعي « و حسب تشريع الضمان الاجتماعي ( [9]) فإن العطلة المرضية هي التي تمنح للعامل بسبب حالته الصحية البدنية و العقلية كالعجز المؤقت عن العمل أوبسبب حوادث العمل أو الأمراض المهنية و العطلة الممنوحة للعاملة بمناسبة الحمل و الولادة ( [10]) .
و ما ينفرد به النظام الجزائري في هذا الشأن هو أن العامل الذي ينقطع عن العمل لهذه الأسباب لايتقاضى أجرا ، بل أداءات يتكفل بها الضمان الاجتماعي بشرط أن يخضع تعليق علاقة العمل في هذه الحالة الى التصريح


الإجباري بالحالة التي تسببت فيه في ظرف يومين من عرضه على الضمان الاجتماعي ( [11])، غير أن التصريح إلى المستخدم بسبب التوقف عن العمل ، لا يخضع من حيث الآجال التي يجب أن يدلى بها إلى القانون أو التنظيم بل إلى النظام الداخلي أو الاتفاقية الجماعية .
ويقدر التعويض الممنوح للمرأة التي وضعت حملها طوال هذه المدة بنسبة100 % من أجرها اليومي الذي كانت تتقاضاه في منصبها ، مع الإشارة إلى أن أي تصرف يتخذه المستخدم تجاه العاملة الحامل في هذه الفترة يعد باطلا بحكم القانون ( [12] ) .
و مما يتميز به القانون الجزائري أيضا بصدد تعليق علاقة العمل بسبب المرض أو للأسباب المماثلة هو عدم تمكين المستخدم من إجراء المراقبة على حالة العامل و التأكد من المرض، ذلك أن هذا الحق مخول لهيئة الضمان الاجتماعي لوحدها ، غير أن هذا لا يعفي العامل من إخبار المستخدم، و قد يؤدي عدم الإخبار بالمرض أو بتمديد حالة المرض إلى فسخ علاقة العمل بسبب إهمال المنصب، فالمرض لا ينهي عقد العمل بل
يعلق تنفيذه ، و يبقى العامل أثناء فترة مرضه ينتمي للمؤسسة بشرط أن يكون السبب المحتج به صحيحا بمفهوم
قانون الضمان الاجتماعي و مؤكد من قبل هيئة الضمان الاجتماعي التي قد تستعمل حقها في المراقبة ( [13]) .
و هو ما إستقر عليه إجتهاد المحكمة العليا في عدة قرارات من سنة 1983 إلى سنة 2000 ( [14]) .

الفرع الثالث : ممارسة حق الإضراب
الإضراب هو الانقطاع الجماعي عن العمل هدفه الضغط على المستخدم لكي يرضخ لمطالب العمال، و من آثار هذا الحق جعل المضربين في مأمن من العقوبات التي قد يتعرضون لها في أي ظروف أخرى ( [15]) ،و يوقف الإضراب أثار عقد العمل طوال مدة التوقف الجماعي عن العمل ماعدا ما اتفق عليه الطرفان بواسطة اتفاقيات و عقود طبقا للمادة 32 فقرة 3 من القانون رقم 90/02 الصادر في 6/2/1990 المتعلق بالوقاية من النزعات الجماعية في العمل و تسويتها و ممارستها حق الإضراب، حيث تنص: » و يوقف الإضراب أثار علاقة العمل طوال مدة التوقف الجماعي عن العمل ماعدا فيما اتفق عليه طرفا الخلاف بواسطة اتفاقيات وعقود يوقعانها « . وكذلك المادة 64 فقرة 7 من ق.ع.ع » تعلق علاقة العمل قانونا للأسباب التالية: ممارسة حق الإضراب « .



الفرع الرابع :ممارسة مهمة انتخابية عمومية
إذا تطلبت ممارسة مهمة نيابية محلية أو وطنية أو نقابية ( [16]) تفرغ العامل كليا عن عقد العمل أثنائها، و يتوقف المستخدم عن دفع أجوره التي تتكفل بها الجهة المستقبلة، و يعتبر في هذه الحالة في وضعية إلحاق ( [17]) .

الفرع الخامس :العطلة بدون أجر
يحق للعامل الاستفادة من عطلة دون أجر ، حيث تنص المادة 56 من ق.ع.ع على أنه » يمكن للمستخدم أن يمنح رخص تغيب خاصة غير مدفوعة الأجر إلى العمال الذين هم بحاجة ماسة للتغيب حسب الشروط المحددة في النظام الداخلي « و اثر هذه العطلة هو تعليق عقد العمل إلى غاية إنتهاء مدتها حيث يمكن له الرجوع بعد إنقاضائها إلى عمله و هذا طبقا للمادة 64 فقرة 8 من ق.ع.ع ، إلا أن القانون لم يعط أي توضيح حول العطلة بدون أجر ، و يتعين إذن تحديد شروطها في الاتفاقيات الجماعية ، إلا أنه يمكن القول بأن هذه
العطلة تكون مدتها قصيرة مقارنة مع مدة الإستيداع أما شروطها فتكون أكثر مرونة من تلك الحالة ( [18]). و قد قررت المحكمة العليا أن الترخيص المذكور يبقى العامل تحت الإدارة القانونية للمستخدم ويتقاضى أجره مقابلها ( [19]).

الفرع السادس :حرمان العامل من الحرية ما لم يصدر ضده حكم قضائي نهائي
إن حبس العامل مؤقتا ليس من الأسباب التي تنهي عقد العمل ، و ذلك مهما كانت طبيعة التهمة الموجهة إليه ، سواء كانت لها علاقة بعقد العمل أم لا،بل يترتب عن الحبس المؤقت للعامل تعليق عقد العمل فحسب ، وقد كرس المشرع هذا المبدأ احتراما لقرينة البراءة الدستورية ، و كذا لإنفراد القاضي الجزائي بتقرير الإدانة ،و يطرح تطبيق هذه القاعدة مسائل عديدة للقاضي : هل أن طول مدة الحبس المؤقت لا تعفي المستخدم من التزاماته ؟ هل أن الحبس المؤقت يشمل مدة طرق الطعن القانونية ؟
إن إجتهاد المحكمة العليا أكد أن الحبس المؤقت مهما طالت مدته يكون سببا في تعليق عقد العمل، و معنى الحبس المؤقت هي المدة التي يقضيها العامل في الحبس إلى غاية صيرورة الحكم الذي يفصل في الدعوى الجزائية نهائيا ،أي مباشرة بعد انقضاء أجال طرق الطعن القانونية ( [20]) .
و إذا كان المستخدم هو المدعي فإنه يلزم بدفع الأجر إلى العامل عن المدة التي توقفت فيها علاقة العمل إذا كان الحكم بالبراءة ، أما إذا كان المدعي شخص آخر فإنه يحق للعامل المطالبة بالتعويض ، حيث أن المستخدم هنا


ليس مطالبا بدفع أجرة المدة التي لم ينفذ فيها العامل التزاماته المهنية.اما ادا كان الحكم النهائي يتضمن الإدانة فللمستخدم الحق في فسخ عقد العمل لاستحالة التنفيذ من قبل العامل.

الفرع السابع :التوقيف التأديبي
كثيرا ما يتعرض العامل إلى إجراءات و عقوبات تأديبية ، نتيجة ارتكابه أخطاء ومخالفات مهنية، و التي يترتب عليها توقيفه لمدة معينة عن العمل ، حيث يتم تجميد عقد العمل لمدة محددة، وهذا ما تنص عليه المادة 64 فقرة 6 من ق.ع.ع » تعلق علاقة العمل قانونا للأسباب التالية :صدور قرار تأديبي يعلق ممارسة الوظيفة « و بمقتضى هذه المادة ترك تقدير مدة التوقيف التأديبي للنظام الداخلي ، و الاتفاقيات الجماعية ، التي يشترك في وضعها كل من المستخدم و العمال غير أن تعليق علاقة العمل لسبب تأديبي قد يشكل عقوبة في حد ذاته و ذلك جزاء لخطأ متوسط الخطورة في غالب الأحيان ( [21]) .

الفرع الثامن :التكوين أثناء العمل
إن التكوين أثناء الحياة المهنية واجب على طرفي العقد و المادة 60 من ق.ع.ع تنص على إمكانية منح العامل عطلة خاصة لمزاولة تكوينا معينا، فإذا ما استفادالعامل من وضعية الإنتداب لمتابعة فترة تكوين أو تربص يبقى محتفظا بالأجر ( [22])على أن تكون مدة التكوين طويلة نسبيا أي 6 أشهر أو أكثر،أما إذا كانت مدة التكوين قصيرة فإنه يمكن للمستخدم أن يمنح للعامل فترات تغيب عن العمل بما يتناسب و فترات التكوين و هذا ما تقضي به المادة 54 فقرة 3 من ق.ع.ع .

المطلب الثالث :التوقف المؤقت لعقد العمل لأسباب ترجع إلى المستخدم
قد يتحتم على المستخدم أن يوقف مؤقتاكل أو بعض نشاطه لأسباب تقنية قد تعود إلى توقف مفاجئ للعتاد و الوسائل المستعملة في الإنتاج التي تتطلب توقف العمل قصد إعادة تصليحها أو بسبب انقطاع في توافر المادة الأولية أو حتى لأسباب مناخية أو طبيعية أخرى خارقة للعادة ، كما قد يتوقف العمل مؤقتابسبب القوة القاهرة الناتجة عن فعل أجنبي يؤدي إلى تخريب المعدات كليا أو جزئيا ، ( [23]) أو قد ترتكب المؤسسة المستخدمة بعض المخالفات ، تستتبع الحكم عليها بإغلاقها مؤقتا،يجبر فيهاالمستخدم على قبول توقيف علاقة العمل رغم ما يتكبده من خسائر،لا سيما إذا كان التوقف مع دفع الأجور ، فيتعرض العمال إلى التوقف المؤقت عن العمل أوما

يعرف "بالبطالة التقنية " ( [24]) و الإشكالية التي تطرح في هذه الحالة تتعلق بمدى التزام المستخدم بدفع أجور العمال أم لا؟ يكون المستخدم ملزم بدفع أجور العمال طوال مدة التوقف سواء من أمواله الخاصة ، أو من قبل شركة التأمين في بعض الحالات كالتوقف نتيجة حادث مفاجئ مثل الحريق ، و يكون التعويض هنا، أي الالتزام بدفع الأجور تطبيقا لنص المادة 182 فقرة 2 من القانون المدني "ادا كان مصدر الالتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا او خطا جسيما إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد"،أما الحالات التي لا يكون فيها سبب التوقف متوقعا ، أو محتمل الوقوع ، و لا يكون ناتج عن إهمال المستخدم أو تقصيره ، فهنا لا يكون المستخدم ملزم بدفع أجر العامل ( [25]) ، هذا من الناحية القانونية،إلا إذا كان بإمكانه ذلك نتيجة تعويضه من قبل هيأة التامين أو قدمت له مساعدة مالية من قبل الدولة أو من قبل أحد المساهمين فإنه يمكن اعتبار رجوع العمال من بين أولويات التزاماته ( [26]) .و القرار الصادر عن المحكمة العليا ، ملف رقم 206328 ، فرق بين التسريح المنصوص عليه في المادة 73 فقرة 4 من ق .ع.ع المعدل و المتمم الذي يؤدي إلى إنهاء علاقة العمل و بين توقف نشاط المؤسسة مؤقتا بعد تعرضها إلى تخريب لوسائل إنتاجها و التي تؤدي إلى تعليق علاقة العمل .
و يستشف مما سبق أن علاقة العمل يمكن أن تعلق و تجمد مؤقتا متى توافرت إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 64 من ق.ع.ع. ، وبعد انقضاء مدة التوقف فإنه يجب على المستخدم إعادة إدراج العامل قي منصب عمله أو في منصب ذو أجر مماثل ( [27]) وهدا تطبيقا لنص المادة 65 من ق ع ع "يعاد إدراج العمال المشار إليهم في المادة 64 أعلاه،قانونا في مناصب عملهم أو في مناصب ذات اجر مماثل ، بعد انقضاء الفترات التي تسببت في تعليق علاقة العمل"،اما أثناء تلك الفترة فإن العامل لا يتقاضى أجرا و لا يحق له إلا بالتعويض في حالة لحقه ضرر جراء المتابعة الجزائية . كما أنه يمنع على المستخدم اتخاذ إجراءات تأديبية ، ضد العامل طوال مدة تعليق علاقة العمل بغض النظر عن سبب هذا التعليق ، و هو ما استقر عليه إجتهاد المحكمة العليا بناء على ما نصت عليه المادة 49 من ق.ع.ع التي لا تجيز تعليق علاقة العمل و لا قطعها أثناء العطلة السنوية .


المبحث الثالث :إنتهاء عقد العمل
يعتبر إنهاء عقد العمل و انحلال الرابطة القانونية التي نشأت عنه مصيرا محتوما لعقود العمل ، إذ لا يمكن أن تدوم هذه العقود لمدى الحياة ( [28]).وحالات إنهاء عقد العمل ثلاثة وهي: الأسباب القانونية العادية و الأسباب القانونية العارضة و الأسباب الاقتصادية.

المطلب الأول:الأسباب القانونية العادية
ويقصد بهذا النوع من الأسباب ، تلك الحالات التي يجيز فيها القانون و النظم المعمول بها إلى الطرف المتضرر من المبادرة بإنهاء عقد العمل مع الالتزام بإتباع الإجراءات المقررة لذلك ، و كذلك الالتزام بما يترتب من حقوق للطرف الآخر ( [29]).وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي :

الفرع الأول :الاستقالة
وهي طريقة قانونية لإنهاء عقد العمل وعلاقته وقد اعتمدها المشرع في قانون علاقات العمل ، إذ تنص المادة66 » تنتهي علاقة العمل في الحالات التالية : الاستقالة « ، و تنص المادة 68 فقرة 1 من ذات القانون على أن » الاستقالة حق معترف به للعامل « .ويعتبر هذا الحق غير مطلق مقيد بعدة قيود تنظيمية ، و من أهم هذه القيود وجوب إخطار المستخدم أو المؤهل لاستقبالها ( [30]) وذلك من اجل أن يتمكن من تعويض العامل المستقيل وعدم تعريض مصالحه للضياع نتيجة لمغادرته العمل .أما من الناحية الشكلية فلا بد لصحة الاستقالة أن تكون كتابية، بمعنى أن يوجه العامل الراغب في قطع علاقة العمل رسالة مكتوبة تتضمن الأسباب و الدوافع التي دفعته إلى الاستقالة ( [31]) هو ما نصت عليه المادة 68 في فقرتها 3،2 من ق.ع.ع » على العامل الذي يبدي رغبته في إنهاء علاقة العمل مع الهيئة المستخدمة أن يقدم استقالته كتابة ،و يغادر منصب عمله بعد فترة إشعار مسبق وفقا للشروط التي تحددها الاتفاقيات الجماعية « أما عدم احترام التزام الإشعار المسبق فيؤدي إلى تعويض المستخدم عن الضرر ( [32]) .

الفرع الثاني :التقاعد
التقاعد هو نهاية المدة القانونية للحياة المهنية للعامل، فلا يجوز إنهاء العقد إلا ببلوغ العامل السن القانونية ليحال على التقاعد ( [33])مع توفر شرط ثاني و هو أن يكون العامل قد قضى في عمله15 سنة و ينص المشرع

على أن التقاعد يعد حالة قانونية لإنهاء عقد العمل في المادة 66 فقرة 8 من ق.ع.ع » تنتهي علاقة العمل في الأحوال التالية: التقاعد « ، أما المادة 6 من قانون التقاعد ( [34])فتنص على شروطه » تتوقف وجوبا استفادة العامل من معاش التقاعد على استيفاء الشرطين التاليين :
- بلوغ سن الستين (60) عاما بالنسبة للرجال و خمسة و خمسون (55) سنة للنساء.
- قضاء خمسة عشر (15) سنة في العمل على الأقل. «
و هذين الشرطين متلازمين حيث منع المستخدم أن يحيل العامل على التقاعد ولو بلغ سن التقاعد إذا لم يكن قد استوفى الشرط الثاني ، و كذلك الحال إذا عمل العامل فترة تفوق المدة المقررة و لم يبلغ بعد سن الستين فلا يمكن لهذا العامل أن يطلب الإحالة على التقاعد و لا يمكن للمستخدم إجباره على ذلك ( [35]) ،ولا يمكن الإحالة المسبقة على التقاعد إلا في حالات معينة قانونا كحالة التسريح الجماعي ( [36]) و هذا ما تنص عليه المادة 70 فقرة 3 من ق.ع.ع : » يجب على المستخدم قبل القيام بتقليص عدد المستخدمين ، أن يلجأ إلى جميع الوسائل التي من شانها التقليل من عدد التسريحات لاسيما الإحالة على التقاعد وفقا للتشريع المعمول به « .

الفرع الثالث :الوفاة
هي كذلك سبب لإنهاء علاقة العمل إذا تعلق الأمر بالعامل، أما إذا توفي المستخدم فإن عقد العمل يبقى قائما إذا إستمر نشاط المؤسسة ( [37]) و ينتقل إلى من استخلفه ( [38]) ، إلا إذا روعيت شخصية المستخدم وقت إبرام عقد العمل ( [39]) ، غير أن الآثار المترتبة عن عقد العمل قبل وفاة العامل كحقوقه في الأجر و العلاوات و المنح و الترقية التي يترتب عنها أثر مالي فتدخل في التركة و يسوغ للورثة المطالبة بها ( [40]) .

الفرع الرابع :البطلان أو الإلغاء القانوني
طبقا للمبادئ العامة في القانون المدني عندما ينعدم احد شروط صحة العقد أو تخلف ركن من أركانه الجوهرية كالرضا أو المحل أو السبب يترتب عليه البطلان أما في عقد العمل فكل علاقة عمل مخالفة للقانون تكون باطلة و بالتالي يترتب عليها إنهاء عقد العمل و علاقته ( [41]) .

و يكون البطلان نتيجة حكم قضائي و ذلك طبقا للقواعد العامة أمام غياب نتيجة البطلان في قانون 90/11 ، حيث يكون البطلان بأثر رجعي،و لمن تقرر له أن يطالب بالتعويض ( [42]) وهذا ما تنص عليه المادة 103 فقرة 1 من القانون المدني : » يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد في حالة بطلان العقد أو إبطاله ، فإذا كان مستحيلا جاز الحكم بتعويض عادل « .

الفرع الخامس :العجز الكامل عن العمل
ينتهي عقد العمل بعجز العامل عن تأدية عمله ( [43]) ويعتبر العجز الكامل من الأسباب الصحية والمهنية الحقيقية و الجدية لإنهاء عقد العمل و التي تمنح للمستخدم حق المبادرة بإنهائه مع الالتزام بكافة الالتزامات التي تقررها النظم و القوانين المعمول بها ( [44])و يكون إثبات العجز بشهادة طبية ( [45]) و في بعض الأحيان يكون الإثبات صعب كحالة إدعاء المستخدم بعدم الكفاءة المهنية للعامل، أي عجز العامل على أداء عمله على الوجه الذي يريده أو يحدده المستخدم بسبب نقص الكفاءة المهنية أو المهارة أو الخبرة أو الاستعداد ، فكثيرا ما يواجه فيها القضاء عدة صعوبات في إثبات صحة هذه الإدعاءات، ذلك أن المستخدم أو الخبير هما الوحيدان اللذان بإمكانهما قياس درجة الكفاءة و التأهيل لعامل ما في مجال وفي وظائف معينة ( [46])، وقد نص المشرع على العجز كحالة من حالات إنهاء علاقة العمل في المادة 66 فقرة 5 من ق.ع.ع » تنتهي علاقة العمل في الأحوال التالية :العجز الكامل عن العمل كما ورد تحديده في التشريع « .

الفرع السادس :انقضاء اجل عقد العمل محدد المدة
القاعدة أنه إذا كان عقد العمل محدد المدة فإنه لا يجوز لأي من طرفيه أن ينهيه بإرادته المنفردة قبل انقضاء هدفه ، و لكنه ينتهي تلقائيا بعد انقضائها دون الحاجة لأي إجراء ( [47]) أو بانتهاء العمل المتفق عليه ، دون أن يترتب على ذلك أي إلتزام على عاتق طرفيه ، إلا فيما يخص ضرورة إعلام احدهما الآخر بنيته في عدم تجديد العقد .أما إذا حدث الانتهاء قبل انقضاء المدة القانونية للعمل المتفق عليه فإنه يفرض على المستخدم المبادرة بالإنهاء باتخاذ الإجراءات التي أقرتها النظم و القوانين المعمول بها حماية لحقوق و مصالح الطرف الآخر من أهمها » الإخطار المسبق « ( [48] ) .


الفرع السابع :إنهاء النشاط القانوني للهيئة المستخدمة
و هده الحالات تكاثرت في الآونة الأخيرة بسبب تدهور الوضعية الاقتصادية للبلاد وحل المؤسسات و تصفيتها، ففي هذه الحالة يزول محل العقد بتعرض المؤسسة إلى الإفلاس أو التصفية أو زوالها نهائيا، أما في حالة تغيير المستخدم فحسب فإن عقود العمل التي أبرمت معه تبقى قائمة ( [49]) .

الفرع الثامن : أسباب أخرى غير منصوص عليها في المادة 66
إضافة إلى الحالات السابقة المنصوص عليها في المادة 66 من ق.ع.ع فإن الفقه أشار إلى حالات أخرى يمكن أن تستشف من أحكام قانون العمل أو من المبادئ العامة للقانون المدني وهي:
أولا : القوة القاهرة : ينص القانون المدني على انقضاء الالتزام بسبب استحالة تنفيذه ، ومن حالات هده الاستحالة القوة القاهرة التي إذا توفرت تنهي العقد دون إلقاء المسؤولية على أي طرف كان ، و في قانون العمل و تطبيقا لهذه القاعدة ينتهي عقد العمل بسبب القوة القاهرة دون اللجوء إلى أي إجراء و دون التعويض و ذلك سواء كان فعل قطع علاقة العمل بسبب المستخدم أو بسبب العامل ، غير أن الإجتهاد الفرنسي قضى بأنه يمكن الاتفاق على خلاف ذلك كأن يدرج بند في العقد أو في الاتفاقيات الجماعية ينص على منح اعذار مسبق و تعويض عن التسريح في حالة إنهاء علاقة العمل مهما كان سبب هذا الإنهاء ، ففي هذه الحالة لا تعفى القوة القاهرة من هذا الالتزام ، و اجتهاد محكمة النقض قليلا ما يأخذ بهذه الحالة كسبب في إنهاء عقد العمل ،غير أنها اعتبرت من حالات القوة القاهرة الوفاة وحبس العامل و الحريق الذي تكون له آثار تتسبب في استحالة استمرار العمل بصفة مطلقة و نهائية، أما الكوارث الطبيعية فقليلا ما تأخذ بعين الاعتبار لقيام القوة القاهرة ( [50])
ثانيا : الذهاب الإداري : لا ينص عليه قانون العمل ، ولكن الوضع الاقتصادي الراهن املاء على أصحاب العمل و العمال على حد سواء للوصول إلى حلول يمكن اعتبارها على هامش القانون لكنها مرضية لجميع الأطراف ، و بالرغم من التسمية التي أطلقت عليه و التي اعتمدها المشرع في المادة 5 من المرسوم التشريعي رقم 94/09 المؤرخ في 26/5/1994 المتضمن التامين على البطالة ،دون سابق إنذار و دون تحديد معالمها ، فإن تحليل هذا النوع من إنهاء عقد العمل يبين أنه لا يؤدي بمعناه الحقيقي ،ذلك أن تسميته توحي بالاستقالة بينما الأمر غير ذلك ، لأن إنهاء عقد العمل يقع باتفاق طرفيه حول محتوى الالتزامات التي تقع عليهما بفعل هذا الإنهاء، فالمستخدم يعرض على العامل تعويضات ما كان ليتقاضاها لو لم يدخل ضمن "الجانب الاجتماعي" و يتفادى طول الإجراءات و تعقيدها ، ففي الحقيقة يمكن القول أنها حالة إنهاء اتفاقية أو بالأحرى تفاوضية للعقد ، و إذا لم تعرف المحكمة العليا إلى حد الساعة منازعات بهذا الصدد فإن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت مشروع هذا النوع من الإنهاء الرضائي لعقود العمل ، الذي قد يجد فيه العامل امتيازات تتمثل في منحه


تعويضات قد لا يتقاضاها أمام المحاكم و شهادة عمل تتضمن عبارات التقدير تسمح له بتشغيل أسرع ماعدا بالنسبة للعمال المحميين قانونا ( [51] ) .

المطلب الثاني : الأسباب القانونية العارضة
و هي الأسباب التي لا تشمل كافة العمال ، حيث افرد لها القانون أحكام خاصة بها تتناسب مع معطياتها و ظروفها ، قصد ضمان حقوق العمال من جهة و حقوق و مصالح المستخدم من جهة أخرى ( [52]) وهي :

الفرع الأول : التسريح التأديبي
يعترف الفقه و القضاء و التشريع على حد سواء للمستخدم بحق إيقاف وفصل العامل الذي يثبت في حقه ارتكاب خطأ جسيم أثناء قيامه بعمله أو بمناسبة ذلك و هذا قصد حماية مصالحه من جهة و ضمان استقرار و فعالية النظام في المؤسسة المستخدمة من جهة اخرى .وقد نصت المادة 66 فقرة 4 من ق.ع.ع » تنتهي علاقة العمل في الأحوال التالية :العزل « و جاءت المادة 73 المعدلة و المتممة بموجب المادة 2 من القانون رقم 91/21 المؤرخ في 21/12/1991 بتغيير عميق في نص المادة 73 من القانون رقم 90/11 إذ عرفت و حددت طبيعة الخطأ الجسيم المؤدي للتسريح ( [53])،غير أنها بقيت خالية من الإشارة إلى الأخطاء التي لا تؤدي للتسريح و التي ترك تحديدها ضمنيا للنظام الداخلي إذا أنها تنص على » يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة و علاوة على الأخطاء الجسيمة ، التي يعاقب عليها التشريع الجزائي و التي ترتكب أثناء العمل ، تعتبر على الخصوص أخطاء جسيمة ، يحتمل أن ينجر عنها التسريح بدون مهلة العطلة و بدون علاوات ، الأفعال التالية :
- إ ذا رفض العامل،بدون عذر مقبول، تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزاماته المهنية أو التي قد تلحق أضرار بالمؤسسة، و الصادرة من السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء الممارسة العادية لسلطاته.
- إذا أفضى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات و التكنولوجيا وطرق الصنع و التنظيم أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة ، إلا إذا أذنت السلطة السلمية بها أو أجازها القانون .
- إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال.
- إذا قام بأعمال عنف .
- إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات و المنشآت و الآلات و الأدوات و المواد الأولية و الأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل.

- رفض تنفيذ أمر التسخير الذي تم تبليغه وفق لأحكام التشريع المعمول به .
- إذا تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل « .
و يعرف الخطأ الجسيم بأنه ذلك التصرف الذي لا يجعل التسريح أو العزل أمرا ضروريا فقط، بل انه يجعل استمرار علاقة العمل أمرا مستحيلا ) [54] ( .و تناولت المادة 73 المعدلة نوعين من الأخطاء الجسيمة و هما:
o الخطأ الجسيم المعاقب عليه في التشريع الجزائي :و حسب إجتهاد المحكمة العليا أن الخطأ الجزائي الذي يؤسس عليه التسريح يجب أن يكون ثابتا بواسطة حكم جزائي نهائي و كل عقوبة تصدر قبل الحكم المذكور تكون لاغية و بدون اثر و هو كل خطأ ذو وصف جناية أو جنحة ( [55]) المرتكب في أماكن العمل أو بمناسبته أو أثناء استعمال وسائل النقل التابعة للمستخدم خلال الذهاب للعمل أو مغادرته .
o الأخطاء الجسيمة الأخرى : وهي تلك المنصوص عليها في المادة 73 من ق.ع.ع المعدلة.
و من الفقه من يرى بأنها مذكورة على سبيل المثال لورود عبارة " على الخصوص " و بالتالي فإنه يمكن للنظام الداخلي أن ينص على أخطاء جسيمة خارج تلك القائمة فتؤدي كذلك إلى التسريح.
أما المحكمة العليا فقد كانت ترى بأن سرعة التعديل الذي مس نص المادة 73 -عشرون شهرا بين صدوره و تعديله – و الظروف التي أحاطت بالتعديل نظرا لإفراط المستخدمين في وصف الأخطاء الجسيمة و تفاوت الأوصاف المعتمدة من حيث خطورتها يجعل هذه الحالات مذكورة على سبيل الحصر و لا مجال لخطأ تأديبي جسيم ينص عليه النظام الداخلي ( [56]). لكن تغير اجتهاد المحكمة العليا بمناسبة الملف رقم 283600 بتاريخ 15/12/2004 عن الأقسام المجتمعة و رأت بأن الأخطاء الجسيمة مذكورة على سبيل المثال و انه يجوز لأصحاب العمل إدراج أخطاء جسيمة في النظام الداخلي ( [57]).و بالتالي يثار التساؤل حول الفائدة من التعديل ؟
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز لا للمستخدم و لا للقاضي تغيير الخطأ الذي يبلغ للعامل عند تسريحه بخطأ آخر ، كما انه لا يمكن متابعة العامل تأديبيا من اجل الخطأ الجسيم المتمثل في الخطأ الجزائي ، ثم متابعته عند عدم الحصول على حكم إدانة من اجل نفس الفعل و لكن هذه المرة تحت وصف تأديبي ، ومن المسلم به كذلك انه لا يمكن وصف نفس الفعل بعدة أخطاء ، كما أنه لا يمكن بالنسبة للأخطاء غير المؤدية للتسريح أن تسلط على العامل إذا لم ينص عليها النظام الداخلي أو في غيابه ( [58]) .
وقد قيدت عملية التسريح بعدة إجراءات أولية منها :
1. الأخذ بعين الاعتبار ظروف و ملابسات ارتكاب الفعل أو التصرف المكيف على انه خطا جسيم و خاصة الظروف المحيطة بالعامل في حد ذاته و بحث الدوافع التي أدت إلى ارتكاب ذلك الفعل ،


وكذلك السيرة التي كان يسلكها العامل حتى تاريخ ارتكاب الخطأ نحو عمله و نحو ممتلكات الهيأة المستخدمة و هذا ما تنص عليه المادة 73/1 تكملة للمادة 73 من ق.ع.ع المعدلة التي تنص على أنه » يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد ووصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العامل و الظروف التي ارتكب فيها الخطاو مدى اتساعه و درجة خطورته و الضرر الذي ألحقه و كذلك السيرة التي كان يسلكها العامل حتى تاريخ ارتكابه الخطأ نحو عمله ونحو ممتلكات هيئته المستخدمة « .
2. يجب أن يتم التسريح بصفة رسمية عن طريق التبليغ الكتابي ، وعلى المستخدم أن يستمع للعامل و حججه و دفوعه و الذي يمكنه أن يكون مصحوبا بالعامل الذي يختاره من بقية العمال الموجودين بالمؤسسة للدفاع عنه ، و هذا ما تنص عليه المادة 73-2 تكملة المادة 73 من ق.ع.ع المعدلة بقانون 91 / 29 ،و بعد التأكد من ثبوت الخطأ الجسيم يتخذ قرار التسريح التأديبي من طرف لجنة التأديب و تعتبر هذه الإجراءات جوهرية يستوجب على المستخدم احترامها،لكن إذا ما تم التسريح فإنه يعتبر تعسفيا و على المستخدم إثبات العكس ( [59]) .طبقا للمادة 73-3 من ق ع ع .
وعليه وطبقا للمادة 73-4 من ق ع ع فان التسريح يكون تعسفيا ادا ما اتخذ مخالفا للقواعد الموضوعية والإجرائية :
-التسريح المخالف لقواعد إجرائية :طبقا للمادة 73-4 فقرة 1 مثل عدم إبلاغ العامل بالقراراو عدم أخد رأي لجنة التأديب ،فهنا يقوم القضاء بإلغاء قرار التسريح بسبب عدم احترام الإجراءات ودلك بحكم ابتدائي و نهائي و تلزم المستخدم بإرجاع العامل و منحه تعويض مالي على نفقته لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله .
–التسريح المخالف لقواعد موضوعية :73-4 فقرة 2 فادا صدر التسريح مخالفا للأحكام الموضوعية خرقا لأحكام المادة 73 تفصل المحكمة ابتدائيا و نهائيا إما بإعادة إدماج العامل في المؤسسة مع الاحتفاظ بامتيازاته المكتسبة أو في حالة رفض احد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة ستة (6) أشهر من العمل ، دون الإخلال بالتعويضات المحتملة .
أما العامل الذي لم يرتكب خطا جسيما في حالة تسريحه يخول له القانون الحق في مهلة العطلة كما له الحق طيلة هده المدة في ساعتين كل يوم قابلتين للجمع و مأجورتين حتى يتمكن من البحث عن عمل أخر ،و للهيئة المستخدمة أن تتملص من الالتزام بإعطاء مهلة عطلة للعامل بمنحه مبلغا مساويا للأجرة الكلية (2) التي يكون قد تقاضاه طوال المدة نفسها و هدا ما تنص عليه المادتين 73-5 و 73-6 تكملة للمادة 73 .



الفرع الثاني : الفسخ لادانة العامل بتهمة سالبة للحرية
انطلاقا من الطابع المميز لعقد العمل الذي يعتبر عقدا ملزما للجانبين فإن استحالة التنفيذ بالنسبة لأحد الأطراف يمنح الطرف الأخر حق فسخه و من بين حالات الفسخ هي فقد العامل لحريته بسبب حكم قضائي وحبسه مؤقتا أو الحكم على العامل بعقوبة نهائية سالبة للحرية حيث يوضع العامل في وضع يستحيل عليه أداء مهامه المعتادة و في هذه الحالة يمكن للمستخدم أن يفسخ العقد دون مهلة إخطار أو تعويض .
أما العامل الذي يثبت براءته في التهمة الموجهة إليه بعد المحاكمة بمقتضى حكم قضائي نهائي، يمكنه العودة إلى عمله و هذا ما يستخلص من نص المادة 125 مكرر 4 من قانون الإجراءات الجزائية ( [60]) أما إذا كان المستخدم هو نفسه الخصم ، ثم اتضح بعد التحقيق و المحاكمة بان العامل برئ يجب على المستخدم الالتزام بإعادة العامل إلى منصب عمله و إذا أقتضى الأمر أن يدفع له أجرة المدة التي قضاها في الحبس المؤقت كنوع من التعويض المادي و المعنوي له ( [61]) .
مع الملاحظة انه عند انتهاء عقد العمل ، لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 66 من ق.ع.ع يسلم العامل شهادة عمل تبين تاريخ التوظيف و تاريخ إنهاء علاقة العمل و كذا المناصب التي شغلت و الفترات المناسبة لها، على أن التسليم للشهادة لا يترتب عنها فقدان الحقوق و الواجبات الخاصة بالمستخدم و العامل الناشئة عن عقد العمل أو عقود التكوين إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك كتابة، وهذا ما تنص عليه المادة 67 من ق.ع.ع .

المطلب الثالث : الأسباب الاقتصادية
لقد ارتبط تسريح العمال لأسباب اقتصادية بالتطور العلمي و التكنولوجي الحديث، و ما نتج عن ذلك من أزمات مالية و تجارية تلحق المؤسسات المستخدمة، إذا يتحتم عليها اللجوء إلى تخفيض عدد العمال، وهو ما اهتمت به التشريعات العمالية الحديثة ( [62]) ، من حيث إخضاعه إلى شروط و إجراءات محددة . وقد اعتبر المشرع التسريح لأسباب اقتصادية سبب من أسباب إنهاء علاقة العمل و هو ما تنص عليه المادة 66 فقرة 6 من ق.ع.ع ( [63]).

الفرع الأول : التعريف بالسبب اقتصادي
إن التسريح الجماعي ، هو فصل أو تسريح أكثر من عاملين دفعة واحدة أو وفق جدول زمني محدد بصفة متلاحقة نظرا لأسباب اقتصادية أو هو إجراء يتخذه المستخدم عندما يتعرض لصعوبات مالية أو تجارية أو تقنية تفرض عليه التخفيف أو التقليل من عدد العمال الذين يشتغلون لديه ، كحل وحيد لإعادة توازنه الاقتصادي و المادي ( [64]) .و تنص المادة 69 فقرة 1 من ق.ع.ع على أنه » يجوز للمستخدم تقليص عدد المستخدمين إذا بررت ذلك أسباب اقتصادية « لكن تعدد و اختلاف الأسباب الاقتصادية المبررة للتسريح الجماعي أدى إلى صعوبة إيجاد معيار دقيق لحصرها إلا من طرف المستخدم القادر وحده على إثبات حقيقة و جدية هذه الأسباب ( [65]) .

الفرع الثاني : شروط التسريح لأسباب اقتصادية
ينبغي على المستخدم قبل المبادرة بتسريح العمال لأسباب اقتصادية أن يلجأ إلى اتخاذ مجموعة من التدابير و الإجراءات التي من شانها التقليل من عدد التسريحات وهي حسب المادة 70 من ق.ع.ع :
¬ تخفيض ساعات العمل .
¬ العمل الجزئي، كما هو محدد في هذا القانون .
¬ الإحالة على التقاعد وفقا للتشريع المعمول به .
¬ دراسة إمكانيات تحويل المستخدمين الى أنشطة أخرى يمكن للهيئة المستخدمة تطويرها، وتحويلها إلى مؤسسات أخرى، إذا لم يرغبوا في ذلك، يستفيدون من التعويض عن التسريح من اجل تقليص عدد المستخدمين.
كما أضيفت بعض التدابير الأخرى نصت عليها المادة 7 من المرسوم التشريعي رقم 94/09 ( [66]) تتمثل فيما يلي
¬ تكييف نظام التعويضات و لا سيما العلاوات و التعويضات المرتبطة بنتائج العمل.
¬ إعادة دراسة أشكال مرتب العمل و مستوياته، بما فيه مرتبات الإطارات المسيرة و/أو تجميد الترقية.
¬ تنظيم عمليات التكوين التحويلي للأجراء الضرورية لإعادة توزيع العمال .
¬ إلغاء تدريجي للجوء إلى العمل بالساعات الإضافية .
¬ إحالة العمال الذين بلغوا السن القانونية على التقاعد، و أولئك الذين يمكنهم الاستفادة من التقاعد المسبق ) [67] ( .

¬ ادخال تقسيم العمل و العمل بالتوقيت الجزئي .
¬ عدم تجديد عقود العمل لمدة معينة .
كما قررت بعض التدابير في شكل مساعدات عمومية لتجنب تقليص عدد العمال و تتمثل فيما يلي: ( [68])
¬ تخفيض أو إعفاء جبائي في إطار قوانين المالية .
¬ إعانة في باب التمويل الجزئي لدورات التكوين و التحويل و إنشاء نشاطات لصالح أجراء المؤسسة في إطار اتفاقية تربط المستخدم بمصالح الإدارة المكلفة بتسيير الصندوق الوطني لترقية الشغل و إدارته.
¬ منح الصندوق الوطني لترقية الشغل ضمانات ضرورية للحصول على قروض لتمويل استثمارات دفع طاقات الإنتاج القائمة و/أو لإنشاء نشاطات جديدة .
و بعد استنفاذ الإجراءات و التدابير السابقة ، كمراحل تمهيدية فإن قرار التسريح يتخذ طبقا للإجراءات التالية :
1. عرض تقرير أسباب التسريح على لجنة المشاركة : وهو إجراء إلزامي يتم بموجبه إعداد تقرير من طرف المستخدم ، يتضمن جميع الإجراءات السابقة الذكر ، و المتخذة لتقليص عدد المعنيين بالتسريح ، على أن يعرض هذا التقرير ( [69]) على لجنة المؤسسة وفقا للنظام المتبع في فرنسا و على لجنة المشاركة في النظام الجزائري أو الممثلين النقابيين عند عدم وجود هذه اللجنة و ذلك لإبداء الرأي في اجل لا يتعدى خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم هذا التقرير ( [70]) .
2. التفاوض الجماعي :و الهدف من عرض ملف التسريح على الهيئات الممثلة للعمال ، هو من أجل تمكنهم من إعطاء رأيهم في الموضوع ( [71]) و إعلامهم بالإجراءات و التفاوض معهم حول كافة الإجراءات التي تسمح بتفادي أي نزاع قد تقرره هذه العملية ( [72]) و يترتب عن المفاوضات التي تتم بين المستخدم و ممثلي العمال ، تحرير محضر يتضمن النقاط المتفق عليها ، وإيداع نسخة من محضر الاتفاق من طرف المستخدم لدى كتابة ضبط المحكمة و مفتشية العمل المختصتين إقليميا ( [73]) .
تجدر الإشارة إلى أن استكمال مختلف هذه الإجراءات لا تسمح للمؤسسة المستخدمة الشروع في تنفيذ برنامج التسريح المتفق عليه مع ممثلي العمال إلا إذا أثبتت المؤسسة المعنية بأنها قد سددت أو تسدد بانتظام مساهمات أو إشتركات الضمان الاجتماعي بما فيها إشتركات التامين على البطالة و التقاعد المسبق ( [74]) .


ونشير أيضا إلى أن المشرع الجزائري لم يشترط أي إذن مسبق من الإدارة ولا حتى إعلامها بعملية التسريح هذه عكس ما هو معمول به في التشريع الفرنسي ، إذ بعد الانتهاء من المراحل السابقة يقوم المستخدم بإعلام ( [75]) المديرية المحلية للعمل و التشغيل ، طبقا للقانون الفرنسي و ذلك إما لاحقا إذا كان عدد العمال لا يتجاوز العشرة، و مسبقا إذا تجاوز هذا العدد، و هذا خلافا لما كان معمول به في النظام السابق ) [76] ( .

الفرع الثالث : الضمانات القانونية للعمال المسرحين
يترتب على التسريح الجماعي لأسباب اقتصادية، و ضمن شروط معينة باعتباره سبب قانوني و شرعي لإنهاء عقد العمل، عدة حقوق للعمال المسرحين تحظى بحماية قانونية ( [77])، ومن أهمها ( [78]) :
1. الحق في مهلة الإخطار: و تكون مدفوعة الأجر، تقدر حسب مستوى التأهيل المهني للعامل المعني، وفقا لما هو محدد في الأنظمة الداخلية و الاتفاقيات الجماعية .
2. الحق في التعويض: و يمنح للعامل المسرح لتعويضه عن فقدان منصب العمل، و يقدر بالاتفاق مع ممثلي العمال، ويساوى على العموم اجر ثلاثة أشهر يتحملها المستخدم.
3. الأولوية في تحصيل الأجور و التعويضات المستحقة و المترتبة كديون على المستخدم.
4. الأولوية في التوظيف: عند إعادة توظيف عمال آخرين بالمؤسسة المعنية ( [79]) .
5. الحق في الضمان الاجتماعي و تحصيل الآداءات العينية للتامين عن المرض و الأمومة ، و كذا المنح العائلية ، في إطار نظام التامين من البطالة .
6. الحق في الاستفادة من أداءات الخدمات الإجتماعية التابعة للهيئة المستخدمة الأخيرة ، و ذلك بالنسبة للعمال المستفيدين من التامين عن البطالة .

7. الحق في الحصول على شهادة العمل : و تتضمن البيانات المتعلقة بسنوات الخدمة التي قضاها العامل في المؤسسة .
هذا و تتمتع الحقوق السابقة بحماية قانونية، حيث ينتج عن الإخلال بها من طرف المستخدم ، نشوء الحق للعامل المعني في رفع دعوى قضائية أمام القسم الاجتماعي بالمحكمة المختصة و الحكم بشأنها ابتدائيا و نهائيا.

منقول ..