أوضحت دراسة علمية ميدانية عن الفساد لدول عربية نشرت في 2004 ان: معظم مرتكبيه هم موظفين شباب صغار السن، الفقر وانخفاض الدخل واتساع الفجوة بين الطبقات (أهم الأسباب)، غياب الشفافية وعدم تحديد الخطوات للحصول على الخدمة للحيلولة دون إتاحة الفرصة للانحراف، ضعف دور الإعلام في كشفهمع فساد الأخلاق وانهيار القيم والمبادئ.
ف 1: الأسباب المتعلقة بالموظف ع والوظيفة العامة:
أولا: بالموظف ع: الموظف كل شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق ع تديره الدولة أو أحد أشخاص ق ع، الموظف الواقعي اما لتعيين معيب أو لم يصدر قرار بتعيينه إطلاقا، الأصل فيه بطلان أعماله لصدورها من غير مختص أو مغتصب، الا في بعض الحالات فتم الأخذ بها على أساس سلامتها، ومن الأسباب المؤدية بالموظف ع للوقوع في الفساد:
أ/ ضعف الوازع الديني: ضعف الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره، وأن ما أصابه ما كان ليخطئه والعكس يولد حب الدنيا وشهواتها، وتجعل الفرد أقرب إلى الجريمة لانعدام الرقيب، قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" وقال رسول الله (ص): "إن المؤمن إذا أذنب كانت نقطة سوداء في قلبه فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه". وكشفت دراسة ميدانية لدانيال تريزمان فحص فيها حالات من المدانين في جرائم الفساد، وعينات من غير الفاسدين، وأن من أبرز الأسباب العامل الديني، فالمتمسكون بالدين ويؤدون شعائرهملديهم القدرة على مقاومة مغرياته، والإسهام في كشف المفسدين والإبلاغ عن جرائم الرشوة رغم توفر الظروف التي تدفعهم نحو الانحراف.
ب/ الظروف الاقتصادية: يعد الفساد ظاهرة يسهم في تفشيها تدني وضعف دخل الموظفينمما قد يضطرهملقبول الهدية (الرشوة)، ورغبةذوي المستويات العليا منهم في الحفاظ على مستواهم المعيشي بعد ترك الوظيفة، فدافع الرغبة في الرفاهية أقوى من دافع الفقر، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة.
ج/ البيئة الاجتماعية الخارجية: يكثر الفساد وينتشر في الظروف الاجتماعية الصعبة كالاحتلال اذ يرفع بعض التجار الأسعار أو بيع بضائع مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو احتكارها لانتظار رفع أسعارها لانعدام رقابة عليهم من سلطات الدولة.
ثانيا: بالوظيفة ع: في أوروبا يبنى مفهومها على اختلاف أعمالها عن الأعمال الخاصة في الطبيعة والخصائص، يؤديها الشخص باستقرار على سبيل الدوام والاستمرارية، وفي أمريكا تأخذ مفهوم الاحتراف ويكاد الموظف يخضع لنفس النظام ق للعامل، فجوهر الوظيفة والعمل واحد. وفي الاسلام لها مفهوم الأمانة فهي واجب ديني وتكليف وليست حقا. ومن أسباب الفساد فيها:1/ تعدد وغموض بعض الأنظمة واللوائح فيها سوء صياغتها وتعددها للعمل الواحد وتداخلها أحيانا وعدم الفهم الصحيح لنصوصها يسمح بالتهرب من تنفيذها، أو تفسيرها بطريقة قد تتعارض ومصالح المواطنين. 2/ العوامل (الانحرافات) التنظيمية كلما ضعفت الرقابة على أعمال الموظفين كلما كان المناخ مناسبا للفساد، ومن هذه العوامل: تضخم الهيكل التنظيمي، عدم تطبيق مبدأي الجدارة والكفاءة في التعيين، تضارب الاختصاصات والمسؤوليات والازدواجية في اتخاذ القرارات، ضعف برامج التدريب والتأهيل. 3/ البيئة القانونية عجز القوانين والتشريعات عن وضع ضوابط سلمية للمساءلة وضمان الشفافية، مما مكن الفاسدين من التهرب من المسؤولية بالادعاء بانعدام مخالفات يعاقب عليها ق، او انها غير ملزمة ولا تتضمن أي عقوبات.
ف 2: الأسباب المباشرة وغير المباشرة:
أولا:المباشرة: أ/عدم إجراء انتخابات محلية واعتماد سياسة التعيين يقوم الحكم المحلي على: وجود مصالح محلية، وجود شخصية معنوية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري ووجود انتخابات، يتميز بقربه من المواطن، المراقبة المباشرة من الجمهور (أسهل وأكثر كفاءة من الرقابة الرسمية)، إجراء انتخابات مباشرة ودورية تمكن المواطن أن يحاسب ويؤثر مباشرة في صناعة القرار، وبالتالي فساد اقل، والعكس يجعل هذه الهيئات ارضية للفساد لقلة الرقابة من الادارات الحكومية الفوقية ومن الشعب. ب/ ضعف إرادة نظام الحكم في مكافحة الفساد تتجلى صورها بعدم تنفيذ الوعود وبرامج الاصلاح، عدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية بحق عناصر الفساد، وانعدام جهاز فعال لرقابة ومتابعة عمل الموظفين، وضعف الأجهزة التنفيذية المكلفة بمتابعة قضايا الفساد، تدخل أصحاب النفوذ لمنع المحاسبة مما يؤدي إلى احباط شعور المواطنين، وعدم مساهمتهم في تقديم ومتابعة الشكاوى ضد الفساد وتدفعهم إلى الانغماس فيه بدل مكافحته. ج/ضعف دور وسائل الإعلام ومحدودية حرياتها في كشف قضايا الفساد، التبعية وغياب آليات حماية الصحافيين (تعرضهم لعقوبات تصل إلى حد السجن وفق أحكام قوانين المطبوعات والنشر بمبرر القدح والذم) يسبب ترددهم في تناول ومتابعة قضايا الفساد إلى جانب ضعف أدائهم مهنيا، إذ يركزون على قصص الفضائح والإثارة بدلا من تناول الجانب التثقيفي والتحسيسي. د/ضعف مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع خ في الرقابة على الأداء الحكومي، تقييد حرية تكوين الروابط (الرفض أو التوظيف أو التقييد)، قلة وعي القائمين عليها بمسائل الفساد ومظاهره ونتائجه، تسييرها بشكل عفوي وساذج أحيانا أوقعهم في ممارسات خاطئة تجعلهم فريسة سهلة للوقوع في الفساد.
ثانيا:غير المباشرة: الغالبة في السلوك العام وتتمثل في:
أ/غياب بلورة الأهداف (الفوضى والعفوية): هناك خلط بين الفوضى والعفوية والفساد كنتيجة طبيعية لهما خاصة في العالم العربي، فقد أثر الفساد إ والمالي على الدول النامية ولازال يتفاقم في الدول الأكثر فقرا، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مخالفة لمتطلبات الواقع الفعلي فتسود الفوضى مظاهر الحياة. يعدد الفكر الإداري الأنماط القيادية في الإدارة وبينها نمط القيادة الفوضوية (النمط الترسلي)الذي يتسم بـ: 1/ الإيمان بمبدأ الحرية المفرطة بعدم وجود قيود وضوابط ومحاذير في العمل، 2/ انعدام فلسفة واضحة أو سياسة مرسومة يسير عليها العاملون. 3/ عدم تحديد الواجبات والمسؤوليات للعاملين في المنظمة. 4/ لا يأخذ بعناصر الإدارة العلمية وعملياتها كالتخطيط والتنفيذ والتوجيه والمتابعة والتقويم، 5/ يؤدي إلى ضياع الوقت وتبديد الجهد والتسيب والفوضى وتفكيك وحدة العمل.
ب/ ضعف الجهاز القضائي وغياب سلطة القانون: إن ضعف البناء المؤسسي وعدم التوازن بين السلطات 3 وتجاهل دور س القضائية بعدم الالتزام بتنفيذ أحكامها والتدخل فيها وضعف جهازها، أدت إلى ضعف أجهزة الرقابة الإدارية، وشجعت عناصر الفساد على التهرب من المحاسبة العادلة، مما ولد حالة من الشعور بعدم الثقة أو جدوى التوجه للقضاء.
ف3: الأسباب الإدارية والمؤسسية للفساد:أ/ تكليف الإدارات بأعباء ووظائف تفوق قدرتهم وإمكاناتهم البشرية مما يضطرها لاتخاذ أساليب ملتوية لإنجازها في اقصر وقت وبأقل مجهود، ب/ التوسع في إقامة المؤسسات ووضع الإمكانات المالية الكبيرة تحت تصرفها واختيار موظفين غير المؤهلين، ج/ شيوع النمط التسلطي والعلاقات البيروقراطية وغياب الممارسات الديمقراطية وضعف الرقابة الشعبية والإدارية وغياب آليات المساءلة والشفافية.
ف 4: نموذج هوييتس: هي مزيج من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية والشخصية، ويقسم نموذج هوييتس العوامل إلى 3 مستويات:أ/ على المستوى الجزئي (التركيز على المستوى الفردي): اي الأفراد وعملهم، لان جذورها موجودة في أصحاب النفوس الضعيفة والتي لديها ميل للأنشطة الإجرامية.ب/ على المستوى المتوسط (التركيز على مستوى المنظمة): اي خصائص المنظمة في هيكلها وقيادتها وسياساتها وثقافتها، فالثقافة الفاسدة لمج العمل تشكل الحالة المرضية للفساد والدافع والمشجع للسلوكيات الفاسدة .ج/ على المستوى الكلي (التركيز على البيئة والمجتمع): العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتشريعية والقانونية.