قد تشكل الرشوة والاختلاس اهم مظهر له، الا ان بعض الدراسات اعتبرت ضعف الأداء الاداري أحد أوجهه.
ف1: مظاهره ومجالاته: تتسع مظاهره مع تطور المجتمعات المرتكزة على تقنية المعلومات العالية والاتصالات، والعمل من خلال الشركات متعددة الجنسيات، فظهرت العديد من أنماط الفساد المستحدثة مثل:
أ/في القطاع ع: 1/ أبرز تجلياته المشتريات والعقود والصفقات ع، يشترك فيها كل الأطراف (المشتري والمورد)، وتتسبب في هدر هائل للمال ع، 2/ عملية إعادة الإعمار أثناء أو بعد النزاع أو في حالات الكوارث الطبيعية، فتدفق الأموال من الجهات المانحة وعودة الأموال الوطنية المهاجرة للاستثمار وإعادة بعث التنمية، يوفر فرصا خصبة للفساد وسوء الإدارة ولقب امراء الحرب أو القطط السمان ينطبق على هذه المرحلة، مثال الفساد في عمليات البناء وإعادة البناء في العراق، وفي الدول الأسيوية المتضررة بإعصار تسونامي، ومشروع بناء محطة باتان لإنتاج الطاقة النووية في الفلبين، ومشروع بناء سد بباغالي في أوغندا... (تقرير منظمة الشفافية الدولية 2005).
ب/ في الشركات العابرة للقارات: مستويات عالية من الرشوة تقدمها شركات أجنبية من بلدان صناعية متطورة لتعمل في أسواق البلدان النامية ومنها البلدان العربية للمسؤولين الحكوميين، وذوي الأعمال المحلية الذين لهم صلات قوية بالمستوى السياسي لتسليك أعمالها وتضخيم أرباحها (مؤشر دافعي الرشى الصادر عن منظمة الشفافية الدولية 2003)، تبرر بكون الأعمال الناشئة عنها تحافظ على الوظائف، لكنها تكلف خسارة وظائف في أماكن أخرى..
من أهم الأسباب الدولية للفساد: تغلغل نشاطات الشركات الدولية عابرة الجنسية في الحياة الاقتصادية لكافة دول العالم، وعجز ق الأمريكي في مكافحته ومنع تجاوزات رجال أعمال وشركات أمريكية عالمية، كقضية سجن أوسكار وايات لتآمره في فضيحة النفط مقابل الغذاء (مساعدة العراق ببيع النفط لشراء احتياجات انسانية في ظل عقوبات الأمم المتحدة)، وبرهن التحقيق تورط 2200 شركة في 66 دولة أغلبها أمريكية دفعت 1,6 مليار دولار من الرشى للمسؤولين العراقيين للفوز بعقود توريد.
ف2: أشكال الفساد: هناك العديد من الأشكال بحسب الأهمية ومدى تمثيلها أو قربها من الواقع، ويشير الباحث ديفيدسون إلى أن الفساد في بلدان الجنوب يختلف عما هو في الشمال للتفاوت الاقتصادي واختلاف نظم القيم والأخلاق:
أولا: الرشوة: (البرطيل: حجر مستطيل) من أكثر صور الفساد تفشيا في المجتمعات الانسانية المعاصرة، اتفقت التشريعات الجنائية أنها: "الاتجار بأعمال الوظيفة بأن يطلب الجاني أو يقبل أو يحصل على عطية أو وعد بها، أو أية منفعة أخرى لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، وفي مفهومها القانوني هي: جريمة تفترض وجود طرفين عند اقترافها هما: المرتشي: الشخص الذي يستغل سلطة وظيفته فيطلب أو يقبل لنفسه أو لغيره أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه كذلك، أو للامتناع عنه أو للإخلال به. الراشي: صاحب الحاجة الذي يسعى إلى شراء ذمة المرتشي وإفساده، بعرض أو تقديم وعد او عطية او هدية بغية الوصول إلى هدفه.
فالرشوة تستلزم توافر ركنين هما: المادي (النشاط الاجرامي الذي يتحقق به الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، يتكون من سلوك الموظف ع المتمثل في طلب أو أخذ أو قبول)، المعنوي (العلم بموضوع السلوك كونه ينصب على هدية أو عطية أو وعد بها مقابل للعمل الوظيفي الذي يقوم به أو يمتنع عن القيام به بالمطابقة أو بالمخالفة لواجبات الوظيفة).
ثانيا: الواسطة: التدخل لصالح فرد أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة، كالتعيين مع انعدام الكفاءة لأسباب القرابة أو الانتماء الحزبي، تنتشر في المجتمع الدولي ككل، خاصة في العالم العربي، تستمد قوتها من انعدام نص ق صريح وواضح يجرمها، يلطفها النظر إليها من خلال الترابط العائلي، تستثمر لكسب الولاءات وحشد المؤيدين.
ثالثا: المحسوبية: تنفيذ اعمال لصالح فرد أو جهة دون وجه حق (غير مستحقين لها أو ليسوا على سلم الأولويات).
رابعا: المحاباة (التفضيل): للأقارب والأصدقاء، جيسن سكوت سماها "الفساد الرعوي" كون منطلقها تأثير الأصول العرقية والاجتماعية (القرابة والوضع الطبقي وربما اضطهاد جماعات)، ينتج عنها تراكم ثروات هائلة لدى أفراد جراء استغلال النفوذ، والدوران والاستهتار بالق، مما يؤدي إلى سوء التنظيم الإداري والبيروقراطية (تعدد القادة الإداريين وتضارب اختصاصاتهم وتضخم الجهاز الوظيفي).
خامسا: الاعتداء على المال ع: أ/مفهوم المال ع: أموال مخصصة للنفع ع تخضع لنظام ق يغاير ذلك الذي ينظم الأموال الخاصة في ق م، وهي ملك للمجتمع، تنوب عنه الدولة وأجهزتها في ملكيته وإدارته لتحقيق المنفعة ع التي رصد لها. ب/صور الاعتداء 1/تهريب الأموال: التهريب "جعل السلعة تجتاز حدود إقليم الدولة دخولا أو خروجا إذا كان استيرادها أو تصديرها محظورا وفقا للق"، تهريب النقد: "إدخال النقد الأجنبي أو الوطني في إقليم الدولة أو إخراجه منه مخالفا للق". 2/اختلاس المال ع: تحويل الشيء عن وجهته وإضافته إلى ملك حائزه، يتحقق بكل فعل يضيف به الجاني الشيء المسلم إليه إلى ملكه بتغيير حيازته من حيازة ناقصة إلى حيازة بنية التملك، كما لو عرضه للبيع أو الرهن أو باعه أو رهنه فعلا.3/ سرقة الأموال: أخذ المال خفية.
سادسا: الابتزاز: تكليف الموظف بعض من يعملوا تحت مسؤوليته بأداء خدمات خاصة به، اي استغلال حاجة الموظفين أو الناس إلى منصبه.
سابعا: التزوير: استغلال الشخص موقعه الوظيفي لكسب غير مشروع كإخفاء تعليمات أو تزوير شهادات أو تزوير النقود، يؤثر على مصداقية السندات الرسمية للدولة والتداول بها، مما يفقد الثقة في الدولة نفسها والاحجام عن التعامل معها ويؤثر مباشرة على اقتصادها.
ثامنا: الاحتيال (النصب): يستخدم للحصول على منافع شخصية بعد أن يقارن المرتكب لها بين مكاسب الفعل وخسارته قبل ارتكابه وأنه يستطيع النفاذ من فعله بالحيلة، من أساليبه تجاوز القوانين والتهرب من الضرائب، كإدخال سيارات دون دفع الرسوم مقابل رشوة الموظفين.
تاسعا: الزبونية: (الزبائنية) منح المتحكم في القرار مزايا غير مشروعة لأشخاص وجعلهم تحت حمايته للحفاظ على وفائهم له، وتشمل: توظيف الأعوان على أساس التوافق السياسي، وإنشاء مناصب لفائدة الأصدقاء، واستعمال المنصب لضمان اللاعقاب لهم، وتوجيه المساعدة الاجتماعية للسكان حسب انتمائهم السياسي، وتفضيل إقامة مشاريع التنمية في أماكن تواجدهم.
عاشرا: الإثراء غير المشروع: سلوك الموظف أو المسؤول لزيادة ثروته ومداخيله، (رشاوى مقابل الخدمات، منح صفقات مقابل عمولات)، ما يؤدي إلى إحداث عدم توازن أو توافق بين أجره والمداخيل الفعلية.
احد عشر: الإخفاء: السكوت عن الفساد وممارساته من سرقات أو اختلاسات.
اثنا عشر: البانتوفلاج: هجرة موظف من القطاع ع إلى القطاع خ، تفاقمت هذه الظاهرة بسبب التقليص في التوظيف ع، ومن سلوكياته: 1/ تغيير إطارات من القطاع ع من سلوكهم الرسمي قصد تحسين أفاقهم المهنية عند انتقالهم، فيتصرفون بطريقة غير شريفة وغير عادلة ومتحيزة للمشاريع المستقبلية والعروض الخارجية، 2/ وضع موظف سابق معلومات سرية تحصل عليها أثناء عمله في القطاع ع تحت تصرف مؤسسات خاصة، 3/ تأثير موظفين سابقين على زملائهم قصد الحصول على معلومات سرية أخرى. 4/ إعادة إدماج موظفين متقاعدين أو مستقبلين أو مجمدين من مهامهم. تساهم هذه الطريقة في تغذية الشك في صلاحية المصالح الرسمية (تقرير المصلحة المركزية للوقاية من الرشوة - لوزارة العدل الفرنسية في 2000).
ثلاثة عشر: التهرب الضريبي والجمركي: يقوم به غالبا بعض المسؤولين العموميين في الإدارات ع والأجهزة الرسمية، وفي الوظائف الكبيرة والمهمة كالضرائب والجمارك وغيرها، مقابل مبالغ مالية في شكل رشى أو عمولات أو هدايا.
الفرع 3: خصائص الفساد: 1/ السرية لما فيه من ممارسات غير مشروعة تتباين أساليب التستر تبعا للجهة الممارسة له. 2/اشتراك أكثر من طرف قد يكون شخص واحد، وعادة ما يكون أكثر من شخص بسبب العلاقات التبادلية النفعية. 3/ يمارس غالبا عبر وسطاء مجهولين يلعبون دور رئيسي في تسهيل مهمة الطرفين دون أن يعرف احدهما الآخر، وبتقادم الزمن يصبح للفساد وكلاء محترفون كوسطاء لمختلف العمليات. 4/ سرعة الانتشار بين الناس، خاصة في ظل العولمة والسوق المفتوحة، فلم تعد قاصرة على الشأن المحلي وإنما من الجرائم العابرة للوطن. 5/ التخلف الإداري كتأخير المعاملات والتغيب عن العمل وسوء استغلال الوقت والعصبية ضد المتعاملين، مما يؤدي إلى ظهور شعور عام بعدم الراحة وفقدان الحافز على العمل الجاد. 6/ تحقيق المصلحة خاصة على حساب المصلحة ع بالحصول على منفعة خاصة (مادية أو أدبية أو إشباع رغبة) له أو لذويه على حساب المصلحة ع. 7/الأضرار الاقتصادية القومية كالعملة الوطنية أو سوق المال، أو الاجتماعية كالمخدرات وما يرتبط بها من انحراف، أو السياسية كتمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار والانقلابات وشراء السلاح وتزوير الانتخابات. 8/التفاعل مع الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية تساعد البيئة المحيطة على انتشاره كالإهمال والفوضى وغياب الرؤساء والمراقبين وإهدار الوقت وتعطل الأعمال وضعف الانتاجية والبطالة المقنعة، وعدم تحديد الاختصاصات ما يؤدي إلى شيوع اللامسؤولية. 9/المغامرة أو المخاطرة: تصاحبان الفساد، فيزداد الاغراء به في الظروف التي يضعف فيها عنصر المخاطرة اذ يتولد لدى الموظف الشعور بالأمان، والعكس صحيح. 10/الارتباط بحالات الأزمات والكوارث الأزمات الإدارية أو الطبيعية أو السياسية كحالات الحروب والمجاعات تعتبر فرصة مواتية للفساد لرفع الأسعار مما يؤدي إلى البطالة والفقر، وبالتالي صعوبة مقاومة إغراءاته. 11/الارتباط بالتحضر والمدنية لزيادة التطلعات والرغبات في الموارد المتاحة، ومن ثم ظهور المشاكل الاقتصادية وسوء توزيع الثروة، وتزايد درجة الاستعداد للانحراف، بسبب تراجع القيم والأخلاق مقابل الاعتبارات المادية والاجتماعية اعتمادا على المال ولو كان غير مشروع، بينما تقل في المجتمعات البدائية. 12/ الارتباط بالحرية الاقتصادية والسياسية والتخفيف من القيود والضوابط للأفراد والمؤسسات وبالتالي تراجع دورها بتشجيع المنحرفين على إساءة استغلال الحرية لاختراق القوانين والرقابة وارتكاب أفعال الفساد .13/ الفساد المعولم بتحوله من وطني أو إقليمي إلى قضية عالمية، بما قد يحمل على الظن أنه لا يمكن فعل أي شيء لصده، غير أن وضع القضية في حيزها المحدد لا يعني غلقها. 14/الالتزام المتبادل: أي مصلحة مشتركة بين أطرافه فيحقق كل منهم منافع بمخالفة للقانون، اذ الفعل الفاسد الذي يلتزم به صاحب السلطة يقابله التزام طرف آخر بدفع مقابله. 15/ التمويه: للعلاقة الوثيقة بين الفساد والاحتيال، فإنه ينطوي على تمويه وإخفاء وتعتيم على الأنشطة والسلوكيات الفاسدة. 16/ خيانة الثقة تمثل التصرفات الفاسدة لصاحب السلطة ع إخلالا بأمانة العمل أو الوظيفة والتي يفترض أن تكون متوافرة فيه.