أثر الأخلاقيات الوظيفية في تقليل فرص الفساد الإداري في الوظائف الحكومية
أسّـــار فخري عبد اللطيف
باحــث إحصــائي في المديريـة العامـة للإحصـاء والأبحـاث ـ البنك المركزي العراقي
المقدمـــــــة
لقد كثر الحديث عن اخلاقيات الادارة وتعالت الاصوات من اجلها في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي . ومع تزايد الفضائح الاخلاقية وانتشار مظاهر الفساد الاداري والاقتصادي بشكل لافت النظر نتيجة تراجع النظم الاقليمية لم تعدو الاجراءات المقابلة لهذه الظواهر سوى تشديد الحلقات الرقابية وتكثيف القواعد المحددة للسلوك وهذا بدوره يزيد من حالة التفنن في الغش جرياً على قاعدة ( كل ممنوع مرغوب ) .
ان تعقد الاعمال وعولمتها اصبح موضوعاً لم يعد الصمت ازاءه ممكناً ولا بد ان تقابل رؤية الاعمال المستندة الى المعايير الاحادية برؤية لا تسقط من حساباتها معايير الاخلاقيات الادارية التي تقل اهمية عن معايير الربحية والكفاءة , ان كفاءة المنظمة تقع خارجها اذ ان الزبون مركز الربح في حين داخل المنظمة الا مركز الكلفة .
لقد كانت ظاهرة الفساد الاداري من بين المشاكل الرئيسية التي اجمعت تقارير الخبراء الدوليين على ضرورة معالجتها في الاقطار النامية اذا ما اريد لبرامج التنمية ان تنفذ فيما , فهذه الاقطار مولعة بالفساد الاداري للاسباب التأريخية والحضارية التي تعيشها , وبالرغم من عدم توفر الاحصاءات عن حجم هذه الظاهرة الا انه بات من الواضح ان الممارسات ذات الصلة بالفساد الاداري تكتسب في الوقت الحاضر اهمية خاصة في البلدان النامية لما لها من آثار وانعكاسات سلبية خطيرة على الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تفتقر اليه غالبية مجتمعات الدول النامية , واكد من ظاهرة الفساد الاداري سيكون هدفاً وفي الوقت نفسه وسيلة للوصول الى اهداف اخرى تتعلق بالقضاء او التخفيف من حدة تلك الظاهرة لما لها من تأثير خطير وكبير على اداء العاملين في اجهزة الدولة من جهة وعلى رضا المواطنين من جهة اخرى .
اهمية البحث
يكتسب البحث اهمية كبيرة من خلال تقديمه عرضاً لاخلاقيات الادارة يتضمن مفهوم الاخلاق مداخل التكوين ولما لهذا الموضوع من اهمية وضرورة لا يمكن لمنظماتها اليوم ان تستغني عنها بأي شكل من الاشكال اذ يعد موضوع الاخلاقيات من الموضوعات الساخنة والتي اخذت الحاجة اليها تتزايد اثر تزايد الفضائح الاخلاقية وتراجع النظم القيمية لابل من الممكن القول ان العمل باخلاقيات الادارة اصبح عاملان في تعزيز الميزة التنافسية في كثير من منظمات الاعمال .
اهداف البحث
تتركز اهداف البحث بما يلي :

  1. تقديم عرضا نظرياً لاخلاقيات الادارة , مفهوماً واهمية .
  2. تقديم عرضاً نظرياً لاشكال واسباب الفساد الاداري .
  3. تحديد المجالات التي يمكن عدها مصدراً لمواجهة الفساد الاداري وعلاجه.

منهجية البحث
ان البحث ذومهمة نظرية اساساً لذلك اعتمدت على اجراء مسح لما تيسر من دراسات خاضت في اخلاقيات الادارة بعامة والدراسات التي تطرقت الى مداخل التكوين بخاصته , اذ ان التركيز على موضوع اخلاقيات الادارة والفساد الاداري جاء اساساً من كون البحث يكتسب اهمية كبيرة في هذا العصر .
المبحث الاول : مفهوم الاخلاق , مفهوم السلوك الاخلاقي واللااخلاقي في عناصر اخلاقيات الادارة .
ان المختصين والدارسين في مجال علم الادارة ارائهم بشأن مفهوم الاخلاق , فقد اشارا (Rue & Byars , 1989, 47) الى ان الاخلاق هي المعايير والمبادئ التي تحكم سلوك الفرد او الجماعة , ويرتبط موضوع الاخلاق بالاسئلة المتعلقة بما هو خطأ وما هو الصواب وبالواجبات الاخلاقية للفرد , ويتفق هذا التعريف للاخلاق مع ما اشار اليه (Hellriegel & Slocum , 1996 , 146) اذ ان الاخلاق لديهم هي مجموعة من القواعد الاخلاقية والقيم المبدئية التي تحكم سلوك الفرد والجماعة بشأن الصح والخطأ , كما انها تضع المعايير عما هو جيد وسيء في التصرف والافعال . ولا يجرد (Gaiden , 1981 , 46) الاخلاق مــــــن تأثيرات الموقف متفقـــــــــاً مـــع (Nigro , 19084 , 316) فقد اشار الاول الى ان الاخلاق هي ) تطبيق الفرد لما يؤمن به من القيم خلال القيام بسلوك معين في موقف معين ) اما الثاني فقد اشار الى ان الاخلاق هي مجموعة من المبادئ المدونة تأمر وتنهي عن سلوكيات معينة تحت ظروف معينة , وهي انعكاسات القيم التي يتخذها الافراد كمعايير تحكم سلوكياتهم , ولم يخرج (Carrett & Kinoski , 1992 , 5) عن هذا الاطار في وصف الاخلاق , فهي من جهة نظرتهما معتقدات شخصية يعتقدها الفرد بشأن ما بتعلق بالسلوكيات السوية او الشاذة , وهي اشارة الى دوافع الفرد ونواياه الشخصية في النظر الى ما هو صحيح او خاطئ من السلوك وقد ربط ( Purtilo , 1993,6) في وصف الاخلاق بين قواعد السلوك الخاصة والمثل العليا التي يتمسك بها الفرد , اذ رأى هذه القواعد والسلوك والمثل تتحكم فيها استقامة الفرد او عدم استقامته ومدى استجابته الادراكية للقيم والمثل التي يراها المجتمع .
ويتفق ( Griffin , 1999 , 154) مع اغلب الباحثين المشار اليهم انفاً في وصف الاخلاق اذ يصفها بكونها(معتقدات الفرد الشخصية فيما يتعلق بما هو صحيح او خطأ ,وجيد او سيئ ).
وينتقل ( Champox, 2000: 40) بالاخلاق من رؤية علماء النفس والاجتماع الى كونها فرعاً من فروع الفلسفة التي تحاول ان تطور مجموعة من المبادئ المنطقية والمنظمة , والتي تحدد ما هو التصرف الاخلاقي وما هو عكسه . وهذا التعريف فيه اشارة الى ان القيم متغيرة يمكن الانتقال الى الحالة التي تتوافق مع حاجة المجتمعات والافراد بما يخدم فعالياتهم , اذ ان اخلاقيات أي مجتمع ما هي الا نتاج تطور تاريخي طويل الامد , لذا فهي ضرورية في استقرار الحياد الاجتماعية كما ورأى ( Griffin , 1999, 104) ان التصرف الاخلاقي هو التصرف الذي يتطابق مع المعايير الاجتماعية المقبولة بشكل عام , اما التصرف غير الاخلاقي , فهو التصرف الذي لا يتطابق مع المعايير الاجتماعية المقبولة بشكل عام , ويحدد ( Chmpox , 2000 ,39) التصرف الاخلاقي بأنه التصرف الذي يحكم عليه بانه جيد وصحيح وعادل وشريف ويستحق الثناء , وان السلوك غير الاخلاقي هو التصرف الذي يحكم عليه بأنه خاطئ وتوبيخي او فاشل في تلبية الالتزام .

ولا يختلف ( Schermerhonr ,et al, 2000,13) مع المفاهيم المذكورة انفاً , اذ يصفون السلوك الاخلاقي بأنه التصرف المقبول اخلاقيا ً وانه تصرف جيد وصحيح , كما ان ( Burton & Thakur , 1997, 562) يشير الى ان للسلوك الاخلاقي علاقة مع من يتعامل , او قادر على وضع فرق ما بين الصح والخطأ في التصرف او الشخصية ) والسؤال المهم هنا هو لماذا الاهتمام باخلاقيات الادارة ؟ فعلى الرغم من ان دراسة المواضيع الاخلاقية في المنظمات اليوم لم تبلغ التوسع والتعقيد الذي وصلت اليه العلوم السلوكية الاخرى , الا ان موضوع اخلاقيات الادارة كثر الحديث عنه في العقود الاخيرة القليلة من القرن الماضي , اذ تتزايد المنافسة وتتحول الاسواق وتتطور التكنولوجيا وتتقادم المنتجات خلال وقت لا يصدق , وقد رافق ذلك تزايد الفضائح الاخلاقية نتيجة قيام رؤى الاعمال ( Business Vision) على الربح للمشروع واهمال المسؤولية الاجتماعية التي لا تقل اهمية عن معيار الربح والكفاءة , الذي يعد معياراً احادي الجانب , اذ لابد من توسيع دائرة المسؤولية لتشمل مصلحة الاطراف ذات العلاقة ومصلحة المجتمع , والنظر الى المدى البعيد بدلاً من المدى القصير المتمثل بتعظيم الارباح واهمال العائد الاجتماعي ، كما ان المورد البشري استثماراً مهماً من استثمارات المنظمات وضع الادارة امام صورة جديدة تتبنى من خلالها المعايير الاخلاقية التي من شأنها المحافظة على خصوصيات الافراد وتنمية جانب الالتزام لديهم والمطالبة باحلال القيم بدلاً من اللوائح والاجراءات .
ان منظمات اليوم تقع تحت ضغوط نتيجة التغيرات السريعة تضعها في مأزق اخلاقي وتجعل المنظمات تتجاوز مسؤوليتها الاجتماعية والتزاماتها الاخلاقية , وهذه العوامل ( نجم , 6:2000) تتمثل بالمنافسة الشديدة بين منظمات الاعمال وتزايد الاتجاه نحو العولمة والفساد الاداري وتطوره في القطاع الحكومي والممارسات المهنية الخاطئة التي تظهر بالمهنة لاعتمادها على المنفعة مع الحاق الضرر بالعملاء .
ان هذه العوامل وغيرها ادت الى تزايد الاهتمام باخلاقيات الادارة وما يرتبط بها من سياسات وبرامج للارتقاء بها والتدريب عليها .
المبحث الثاني : عناصر اخلاقيات الادارة .
اكـــد (Canter, 1995: 151) ان المقاييس الخاصة بتصرف اخلاقي او اجتماعي مسؤول قد جرى تجسيدها في داخل كل موظف فضلاً عن داخل المنظمة نفسها وان هناك قوى تمس القرارات الاخلاقية وتسهم في صنعها وتتمثل هذه القوى بالنسيج الثقافي واخلاق الفرد وانظمة المنظمة والجمهور الخارجي رسم جدول , ان ممارسات اخلاقيات الادارة عبر هذه القوى المسهمة في تكوينها هي جزء مكمل للادارة وان نظرية الاخلاق في نظر (Samuel, 1997: 69) تفترض انه يتوجب على المدراء ان يركزوا على اشياء اخرى اضافية غير التركيز على الارباح وهذه الفكرة الجديدة بشأن الادارة تؤكد الحاجة الى اتخاذ قرارات ادارية دات علاقة بالطبع الاخلاقية والعادات السائدة داخل محيط المؤسسة . كما يرى (Samuel, 1997: 69) ان الاخلاق والتنافس لا يمكن فصلها عن بعض فيقول نحن نتنافس كمجتمع ولا يوجد مجتمع في أي مكان سوف يتنافس لمدة طويلة بنجاح مع الناس الذين يطعنون بعضهم البعض من الخلف وسنتناول فيما يأتي العناصر المكونة لاخلاقيات الادارة في منشآت الاعمال وكما يأتي :

اولاً : النسيج الثقافي واهميته :
يعد ظهور الثقافة التنظيمية في الادراة الى اواخر الثلاثينيات من القرن الماضي (Smiricich , 1983: 331) , وتزايد الاهتمام بها في مرحلة الخمسينيات , اذ اشار ( R rice, 1985) فضلا عن ( سامي , 2000:188) الى انها احتلت مكانة بارزة في المجتمع الامريكي عبر ما يعرف بمفهوم الرمزية (Symbolism) ويعزى الباحث سبب ذلك الى ظهور الشركات العملاقة الناجحة بقيادة مؤسسيها – رموزها – وما كانوا يحملونه من قيم ثقافية كانت واضحة في اعماقها او منتجاتها .
ومنذ الخمسينات كان ما يقارب الـ(164) تعريفاً لها كان يؤكد ذلك & Kroeber) ( Klukhon , 1952) وهذا بحد ذاته مؤشر للارباك وعدم الانفاق على تعريف محدد مما يبين انها احدى المصطلحات التي تتحدى امكانية تعريفها بأسلوب يصلح لجميع الاغراض ( العطية , 1994 :1) كما ان هناك عدداً من المعاني للثقافة تتعدد بعدد الافراد الذين يستخدمونها لهذا يصف ( Dension, 1990:2) الثقافة التنظيمية بأنها هدف متحرك محاولاً وصف حالة الغموض التي جعلت عملية تعريف او وضع مفهوم للثقافة التنظيمية محاطاً بنوع من الغموض . ومنذ مؤتمر جامعة يتسنبرج الاول عن الثقافة التنظيمية في المدة من (23 – 27( ايلول من عام 1984 والذي يصفه ( الدليمي , 2:1998) بأنه كان بمثابة الولادة الحقيقية لمفهوم الثقافة التنظيمية وحتى الآن فقد استطاع باحثوا علم المنظمة وضع الاطار النظري للثقافة التنظيمي . والنسيج الثقافي هو بناء ذو مستويين من الخصائص الملحوظة وغير الملحوظة تتمثل الاولى بنماذج السلوك والرموز والقصص واللغة والاساطير وتتمثل الخصائص غير الملحوظة بالقيم والعادات والمعتقدات والافتراضات المشتركة . بذلك الوصف فأن النسيج الثقافي هو نماذج لهذين المستوين ويوجه اعضاء المنظمة لمعالجة المشاكل المتعلقة بتكيفها الخارجي وتوازنها الداخلي.
وتشكل الثقافة التنظيمية واحدة من اهم القوى في تكوين اخلاقيات الادارة في المنظمة اذ ان تراث المنظمة على حد وصف الباحث له يكون في صياغة اطار العمل الكلي للقيم داخل المنظمة فالقيم الشخصية والتفسير الاخلاقي الذي يترجم هذه القيم الى تصرفات هي ظاهرة مهمة في عملية صنع القرار الاخلاقي في المؤسسات .
كمــــا يشير ( Hellriegel , et al.,2001:530) الى المدراء والباحثين قد بدأوا بأستكشاف التأثير الفطري الذي يمكن ان تشكله الثقافة التنظيمية في التصرف الاخلاقي .
ثانياً : اخـــلاق الفـــرد :

  1. اهمية اخلاق الفرد :

ليست النظريات والمبادئ العملية وحدها التي تؤثر في السلوك , اذ ان للقيم والعادات دوراً لا يستهان به في توجيه السلوك , فالقيم هي القاعدة التي يتشكل منها سلوك الفرد , لذلك فأن العلاقة بين القيم والاخلاقيات علاقة عميقة ووثيقة , ومنها ينجم السلوك سواءاً كان اخلاقي او غير اخلاقي .

  1. النظام القيمي وتشكيل اخلاق الفرد:

يرتبط النظام القيمي بمفهوم القيم ففيه تترتب القيم حسب اهميتها النسبية , وقد عرف ( Slkula, 1981:73) النظام القيمي بأنه مجموعة من القيم الفردية المترتبة بشكل هرمي والتي تشير الى درجة اهميتها ( Badr., 1981: 65) .
كما يعرف النظام القيمي بأنه انواع من القيم تتباين مديات عمقها او اهميتها تبعاً لطبيعة تفاصيل الفرد في المجتمع ومواصفاته الذاتية والبيئية , وهي تعمل على اعطائه المعنى لذاته وللمجموعة التي ينتمي اليهــــــا , فضلاً عن انهــــا تتصف بالاستقرار نسبيــــــــــاً ( Dickson& Buchuol, 1974: 237) .
ويعرف النظام القيمي بأنه أنموذج منظم للقيم في مجتمع او جماعة ما , وتتميز القيم الفردية فيه بالارتباط المتبادل الذي يجعلها تدعم بعضها بعض , وتكون كلاً متكاملاً وهو من ثم مكون رئيس البناء الثقافي للمجتمع وهو الذي يحافظ عليه ويدعم وجوده , ومن خلال المفاهيم سالفة الذكر فأن اهمية النظام القيمي تكمن في ان ترابط عناصره تعمل على ربط اجزاء الثقافة بعضها بالاخر لكي تبدو متناسقة, كما انها تعمل على اعطاء هذه النظم اساساً عقلياً يستقر في ذهن اعضاء المجتمع المنتمين الى هذه الثقافة او تلك كما ان النظام القيمي يزود اعضاء المجتمع بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم من اجل البقاء معززاً القيم العليا لدى الجماعة بدلاً من النظر بأتجاه اشباع الرغبات والدوافع الفردية , تترتب القيم في مستويات داخل النظام القيمي حسب اولويتها واهميتها , اذ تبدو كانها سلم ، وان اكثر القيم قدسية واهمية للافراد والجماعات تكون في قمة السلم القيمي وتحتل هذه القيم مكانة اجتماعية عالية وتفرض صفة الالتزام على الافراد والجماعات التي تستمد قوتها من العرف والقانون ، اما المستوى الثالث فهو القيم المثالية التي يستحيل تحقيقها بشكل كامل ولكنها تؤثر في توجيه سلوك الافراد ، وقد تختلف القيم او تتعارض مع بعضها داخل النظام القيمي للشخص او للمجتمع فقد تكون قيمة الكرم وقيمة حب المال لدى الفرد في الوقت نفسه .

  1. تشكيل الاخلاق :

لقد اشار ( Mondy & Premeaux, 1988: 90- 93) في انموذجها الى الاخلاق الذي يوضحان فيه ان الاخلاق تتكون من علاقتين , تشير اليهما الاسهم الافقية , ان الشخص او المنظمة تكون اخلاقية قوية اذا كانت هذه العلاقات قوية وايجابية , فالعنصر الاول في الانموذج ( مصادر التوجيه الاخلاقي ) يستخدم فيه عدد من المصادر لتحديد ما هو صحيح وما هو خطأ مثل القرآن الكريم , والسنة النبوية , والانجيل , والكتب المقدسة الاخــرى , والضمير , والنصيحة , والابــاء والقوانيـــــــن .... الخ ،ان هذه المصادر يجب عليها ان تقود معتقداتها او قناعاتها عن كل ما هو صحيح او خاطئ وليس ان يكون الافراد مهتمين بكل ما هو ملائم ومفيد لهم ، والقيم الاخلاقية للفرد تتشكل من مكونات عديدة تتشرب في ذاته وتتبادل التأثير مزيجاً من القيم والمعتقدات تمنحه القدرة على الحكم على ما هو صحيح وما هو خاطئ في موقف معين وازاء حالة معينة .
ثالثاً : انظمة المنظمة :
اشار (Daft, 2001: 328) الى ان التركيب والسياسات والانظمة ومجموعة مبادئ الاخلاق ونظم المكافاة والاختبار والتدريب تشكل بمجملها واحدة من القوى المسهمة في تشكيل اخلاقيات الادارة والتي من شأنها ان توجه السلوك باتجاه معين , وان لكل نظام من انظمة المنظمة تأثيراً خاصاً على طبيعة سلوك العاملين وبمجمل هذه التاثيرات تتولد قوة تشد السلوك وتدفعه بالاتجاه الذي قد يعزز او يضعف العمل بأخلاقيات الادارة , ولكثرة هذه الانظمة لا يمكن التوسع في سرد تاثيرها بشكل اوسع تاركين المجال لدراسات اخرى او بحوث تنفرد في تغطيتها .
رابعاً : الجمهور الخارجي :
اشار (Daft, 2001: 328) الى ان الانظمة الحكومية والزبائن والجماعات المستفيدة وقوى السوق تشكل بمجملها القوة الرابعة التي تسهم في تكوين اخلاقيات الادارة وتوجهها بأتجاه معين دون غيره سيما في عالم اليوم الذي يتصف بازدياد المنافسة وتحول الاسواق والتطور التكنولوجي . الذي جعل تقادم المنتجات خلال فترة زمنية تكاد لا تصدق , وقد رافق هذه التطورات زيادة الفضائح الاخلاقية نتيجة قيام رؤى الاعمال ( Business Vision) على الربح وأهمال المسؤولية الاجتماعية مما فسح المجال لتدخل الدولة وتشريع القوانين التي تحمي المستهلك ولا تسقط من حساباتها مصلحة جميع الاطراف .

اشكال الفساد الاداري واسبابه
المبحث الاول : اشكال الفساد الاداري .
تعددت المعايير التي استخدمها المعنيون بدراسة وتصنيف الفساد الاداري فأتخذت ثلاثة معايير اساسية يمكننا تلخيصها بما يأتي :

  1. معيار الرأي العام

قسم انصار هذا المعيار الفساد الاداري الى ثلاثة انواع جعلوا لكل منها لوناً وهي ( الاسود والابيض والرمادي) ، يكون الفساد الاداري اسوداً عندما يتفق الجمهور والعاملون على سلوك معين على انه ردئ اوسيء .
وعندما يرضى الجمهور والعاملون على سلوك معين فان هذا السلوك يعــــد فساداً ادارياً ابيض ،اما عند غياب مثل هذا الاتفاق فأن الفساد يكون في هذه الحالة رمادياً ، وهذا يعني ان رجال الادارة عندما يعتبرون تصرفاً ما ( سيئاً) قام به احد الموظفين وادى بالتالي الى فشل او نجاح معين فأنه يكتسب في هذه الحالة لوناً اسوداً او ابيضاً ، اما اذا لم يحصل هذا العمل او التصرف على قبول او رفض كلي فأنه سيتخذ لوناً رمادياً .

  1. معيار الممارسين للفساد

ووفقاً لهذه المعيار فأن الفساد الاداري اما ان يكون فساداً فرديا او تنظيمياً ( نظمياً ) , فالفساد الفردي يتمثل بالنشاطات والسلوكيات المنحرفة التي يمارسها فرد معين لتحقيق مصالح شخصية ، اما الفساد النظمي فأنه يتمثل بالنشاطات المنحرفة التي تمارس من قبل منظومة او منظومات فاسدة وهي في العادة تضم مجموعة من الافراد قد يكونوا جميعاً من داخل الاجهزة الادارية المعنية بممارسة الفساد الاداري او يكون بعظهم من خارج تلك الاجهزة ولكن يرتبط بمصالح شخصية معينة مــــع جهات خارجية .

  1. معيار حالات الفساد

لما كان الفساد الاداري هو ما يشوب الادارة من خلل واضطراب غير مشروع فأن الفساد هنا يتمثل بالعديد من المجالات مثل انتشار الرشوة والمحسوبية , الاتجار بالوظيفة العامة , الاختلاس من المال العام , الابتزاز الوظيفي , سوء استعمال السلطة , التسيب والاهمال الوظيفي , واللامبالاة في العمل , التفريط بالمصلحة العامة , عدم الحفاظ على الممتلكات العامة , اهدار الوقت , شيوع النفاق الوظيفي , علاقات الريبة والشك وعدم الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين , تصنع العمل امام الرؤساء , غياب المسؤولية والالتزام الذاتـــي , الصراع على القوة , وسوء ممارسة مفهوم الوظيفة العامة .
المبحث الثاني : اسباب الفساد الاداري
لقد تعددت الاراء وتباينت وجهات نظر الكتّاب والباحثين في تحديدهم للاسباب الكامنة وراء ظاهرة الفساد الاداري وممارسته من قبل العاملين في الاجهزة الحكومية والخاصة , وسواء كان ذلك بأسلوب فردي او جماعي نظمي، ويمكن حصر تلك الاسباب بواحد او اكثر من الاسباب الاتية .

  1. اسباب حضرية .

هناك من يرى بأن اسباب الفساد الاداري ما هي الا سباب حضرية فالتفسير الحضري يشير الى وجود فجوة بين القيم الحضرية لمجتمع وبين قواعد العمل الرسمية المعتمدة من قبل الاجهزة الادارية ، وهنا لا بد من اثارة التساؤل الاتي : هل ان هذا الكلام ينطبق على الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء ؟ والاجابة بطبيعة الحال كلا لان صحة هذا التفسير يمكن ان تنطبق على الدول النامية اكثر من انطباقها على ادلول المتقدمة او الاكثر تقدماً مع تحفظنا على من يؤكد هنا الطبيعة الابجابية لظواهر الفساد الاداري في الدول النامية وما يحمله من جهل تعميم وجهل بخصوصيات النظم الحضرية القيمية في مجتمعات الدول النامية ولان التغير الذي جاء به انصــار هذا الرأي وفي مقدمتهم ( الوظيفيون او المعدلون ) لا يمكن ان يؤدي الى تقليص الفجوة بصورة دقيقة ومنتظمة بين المجتمع والجهاز الاداري ، كما ان سلبياته المتوقعة تفوق ما يمكن ان يحققه من ايجابيات علماً بأن تطبع النظم المقتبسة من الدول الاكثر تقدماً بالاساليب الفنية والعلمية المعتادة لواقع الدول النامية يعتبر اكثر ضماناً لصالحها من ايكال ذلك الى الفساد الاداري .

  1. اسباب سياسية .

يرى انصار التفسير السياسي لظاهرة الفساد الاداري ان محدودية قنوات التاثير الرسمية على قرارات الاجهزة الادارية الحكومية , وضعف العلاقة بين هذه الاجهزة والجمهور , والتعالي وشيوع الولاءات الحزبية على حسابي التحسس الوطني الشامل وحماية المفسدين والتساهل في محاسبتهم , وغياب الانظمة الرقابية من شأنه ان يدفع بروز حالات الفساد الاداري , وظهور ممارسات منحرفة تخل بالاهداف والمصالح العامة للمجتمع .
اذا كان هذا الكلام ينطبق على غالبية الدول النامية فهل يمكن انطباقه بنفس التعميم على الدول المتقدمة؟ ان الاجابة على ذلك بالنفي طبقاً لانه ينطبق قطعاً على حالات عديدة للفساد الاداري في دول تتعدد فيها قنوات الاتصال بين الجمهور واجهزة الدولة الحكومية وتتفوق فيها الولاءات الوطنية على الولاءات الجزئية داخل المجتمع , كما هو الحال في العديد من الدول المتقدمة والاكثر تقدماً .

  1. اسباب هيكلية

يؤكد انصار التفسير الهيكلي على ان اسباب الفساد الاداري ما هو الا نتيجة لوجود هياكل قديمة لاجهزة الدولة لا تتوازن او تتناسب مع قيم وطموحات الافراد , ولا تستجيب لمطالبهم واحتياجاتهم , وهذا من شأنه ان يخلق حاله من عدم التوافق بين الجهاز الاداري المعني واولئك الافراد , مما يجعلهم يلجأون الى اعتماد مسالك اخرى تنطوي تحت مفهوم الفساد لتجاوز محدوديات الهياكل القديمة وتحقيق مصالح ذاتية على حساب اهداف ومصالح الجهاز الاداري المعني .
ومن الملاحظ ان مثل هذه الحالات موجود ومعمول بها في كثير من الدول النامية والدول المتقدمة ولكنها بعيدة عن مآزق الاحكام القيمية التي وقع فيها انصار التغير الحضري الرسمي يرجع ظاهرة الفساد الاداري الى وجود فجوة بين القيم الحضرية للمجتمع من جهة وبين قيم وقواعد العمل الرسمية المعتمدة في اجهزة الدولة الادارية من جهة اخرى .

  1. اسباب قيمية .

يرى انصار التفسير القيمي بأن الفساد الاداري ما هو الا نتيجة لانهيار النظام القيمي للافراد والذي يتمثل بالقيم والتقاليد والعادات الاجتماعية الموروثة واستبدالها بأطر قيمية منحرفة او بأطر قيمية هشة بعيدة عن القيم المعتمدة في المجتمع . ومن الجدير بالذكر بالاشارة هنا بأن حالات الفساد الاداري التي تمارس في ظل السبب اعلاه يغلب عليها طابع النسبية نتيجة لتباين النظم القيمية المعتمدة في المجتمعات من جهة وتباين نظم وقواعد العمل الرسمية المعتمدة في اجهزتها الادارية من جهة اخرى.



  1. اسباب اقتصادية

يرى انصار التفسير الاقتصادي بأن الفساد الاداري ما هو الا نتيجة لعدم توزيع الثروة في المجتمع بشكل عادل ، اضف الى ذلك ما تحمله البيئة الاقتصادية من سوء الاوضاع المعيشية للعاملين الناجمة عن عدم العدالة في منح الرواتب والاجور مما يؤدي بالتالي الى ظهور مئتين , فئة كثيرة الثراء مقابل فئات اخرى محرومة في المجتمع , وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى اضعاف الولاء للاهداف العامة المشتركة للمجتمع , ومن ثــم بروز سلوكيات منحرفة وفاسدة في اجهزة الدولة .
من الجدير بالملاحظة هنا بأن ما يؤخذ على هذا التغير هو اغفاله لوجود فئة او فئات متعددة تقع في الوسط بين الفئتين السابقتين , وربما تميل هذه الفئة الوسطى الغالبية من ابناء المجتمع ، وفي مثل هذه الحالة ستعمل فئات الوسط على تقليل التناقض في المجتمع , كمـــا تعمل على استمرارية النظام الاجتماعي وربما تطوره ضمن اطار معين .

  1. اسباب ادارية

اما انصار التفسير الاداري فيرون ان اسباب الفساد الاداري تعود بالنتيجة الى البيئة الادارية , فكلما اتسمت البيئة الادارية بدرجة عالية من الوعي والثقافة كلما كانت اكثر حصانة ومنعه في مظاهر الفساد الاداري . وبالعكس , كلما اتسمت البيئة الادارية بضعف الوعي الثقافي او عدمه كلما ادى ذلك الى بروز حالات فساد اداري متمثلة بضعف القيادات الادارية وعدم نزاهتها وسوء اختيار العاملين وسوء توزيع السلطات والمسؤوليات وعدم وضوح التعليمات , وسوء تقويم اداء الافراد والمنظمات .
نلخص مما تقدم ان اسباب ظاهرة الفساد الاداري تتعدد وتتباين وفقاً لطبيعة الفرد والمنظمة والمجتمع , وبالتالي يختلف تأثيرها ويتباين في مجتمع الى اخر ومن دولة الى اخرى وذلك نتيجة للمتغيرات البيئية في هذا المجتمع او ذلك .

بصورة عامة يمكن سرد اسباب ودوافع السلوك غير الاخلاقي في النقاط الاتية :

  1. سوء الادارة : ويتمثل في ضعف الرقابة والمتابعة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب , وعدم وضوح الواجبات والمسؤوليات للموظف الحكومي .
  2. انخفاض الاجور والمرتبات التي يحصل عليها الموظف وعدم كفايتها لتلبية واشباع حاجته وسد متطلبات عائلته .
  3. ارتفاع الاسعار والخدمات التي يحتاجها الموظف وذلك نتيجة لظهور السوق السوداء واختفاء السلع في قنوات التوزيع الرسمية , وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للاجر او الراتب .
  4. ضعف تطبيق القوانين والانظمة والقرارات التي تنظم الوظيفة والعمل , وتنظيم سلوك العاملين في المنظمات، ان تطبيق القوانين والنظم والقرارات يحتاج الى قيادات ادارية مخلصة للوطن وملتزمة دينياً واخلاقياً في اداء الواجب والعمل , لان اخطر انواع الفساد في رأي هو فساد القادة , ولذلك يتطلب الامر من القيادات الادارية الملتزمة والشجاعة القادرة على مواجهة الفساد والتسيب والتي تحمل الغربة والاستعداد للتضحية بالمصلحة الشخصية من اجل خدمة الوطن والمجتمع .
  5. سوء التنظيم وعدم الاستقرار الاداري : ان عدم وجود هيكل تنظيمي جيد , استقرار القيادة الادارية وتغيرها بأستمرار , وعدم وجود دليل تنظيمي يتضمن ارشادات وتوجيهات ادارية لسلوك الموظفين والعاملين .... الخ , كل ذلك يساهم في تدني السلوك الوظيفي المرغوب ويؤدي الى تفشي السلوك اللااخلاقي في المنظمة .
  6. سوء تطبيق الاجراءات العلمية في اختيار وتعيين الموظفين نتيجة لعدم استخدام اسلوب المقابلات الشخصية والاختبارات اللازمة لاختيار العاملين الذين تتوفر فيهم الكفاءة والصدق والامانة في التعامل والعمل وكذلك اهمال استخدام التقارير السنوية وتقويم الاداء ومعايير الترفيع والترقية ....الخ.


المبحث الاول : آثـــار الفساد الاداري.
ان ابرز الاثار السلبية التي ركز القيّمون عليها تداعي النسق ( المنظومة) القيمي والسلوكي في المنظمات ومن ثم في المجتمع عموماً مما يؤثر على كافة الانساق ( المنظومات ) الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بل وحتى الثقافية منها سلبياً.
وفي نفس الاتجاه اثبتت الدراسات الكثيرة التي اجريت في مختلف دول العالم صحة افتراضات المدرسة ما بعد الوظيفة حول الطبيعة السلبية لاثار الفساد الاداري , فضلاً عن اضعافه للسلطة المعنوية والاخلاقية في المجتمع فأنه يؤدي الى اضعاف كفاءة العمليات الحكومية , وزيادة فرص الجريمة المنظمة ويضيف عبئاً آخر على دافعي الضرائب , يقلل من فاعلية القرارت السياسية ويقود الى استخدام غير كفوء للموارد المتاحة , يضيف كاتبان آخران اثراً سلبياً مضافاً للفساد في الدول النامية خاصة هو زيادة التفاوت الطبقي فيقولان ان الفساد الاداري لا يؤدي الى تمكين البيروقراطيين والموظفين العمومين من ان يصبحوا من اصحاب الملايين فحسب , بل يقود ايضاً الى تدهور ملايين المواطنين العاديين ايضاً , ويبديان دهشتهما من تزايد عدد اصحاب الملايين بشكل كبير ومستمر في بلد يعد من افقر بلدان العالم كالسودان , ويقف الوظيفيون على الطرف المقابل مشيدين بالاثار والوظائف الايجابية للفساد فهو من وجهة نظرهم يوسع الخيارات المتاحة في السوق الاقتصادية , ويحقق التكامل والتلاحم بين الافراد ويساعد على البناء المؤسسي ويقوي الادارة من خلال اعطائها المرونة ويخفف من قسوتها ويزيد من انسانيتها فضلاً عن محافظته على الاستقرار السياسي للنظام كونه بديلاً عن الاضطراب .
ان المتأمل في الفوائد ( اذا كانت هناك حقاً فوائد ) التي ساقها الوظيفيون لتبرير الفساد الاداري يجد انها لا توازي ابداً ما قد ينجم عنه من آثار سلبية مدمرة للنسيج المجتمعي والاقتصادي والسياسي في اية دولة .

المبحث الثاني : وسائل مواجهة الفساد وعلاجه.
لما كانت اسباب الفساد الاداري كثيرة ومتباينة , فأن وسائل مواجهته وعلاجه , هي الاخرى كثيرة ومتباينة , لانها لابد من وان تتوافق مع انواع الفساد واسبابه , ومن اجل مواجهة الفساد الاداري وعلاجه لابد من العمل بالاتجاه الذي يحقق الاتي :

  1. ايجاد اتفاق اجتماعي على معيار للقيم

وهذ يتطلب ضرورة واهمية تطوير فهم عام لمعيار واحد للقيم على مستوى الامة بحيث يضع الامانة كاحدى الفضائل السامية الجديرة بالتقدير والثناء . وفي نفس الوقت ايجاد او خلق كره عام واشمئزاز لدى المواطنين من الفساد بحيث يعتبرونه من كبريات الرذائل , وهذا لا يمكن ان يتم الامن خلال التعليم بمختلف مراحله وبواسطة وسائل الاعلام المختلفة ايضاً .

  1. امانة ونزاهة وشفافية القيادات العليا

لما كان فساد القادة هو من اخطر اشكال الفساد فان عدم وجود الامانة والاستقامة لدى القادة السياسيين وكبار الموظفين وكبار الموظفين سيؤدي حتماً الى تجرؤ صغار الموظفين على سلوك ودروب الفساد والرشوة المشينة واستقلال المواطنين وهنا لابد من احكام الرقابة على تصرفات كبار الموظفين ومطالبتهم بتقيم تقارير دورية عن موجوداتهم الثابتة والمتداولة وبواسطة وضع قواعد لسلوك موظفي الدولة واعلانها من حين الى آخر ليطلع عليها المواطنون حتى يكون بامكانهم الحكم بانفسهم فيما اذا كان هناك خروج من قبل الموظفين على هذه القاعدة والسلوك المطلوب.

  1. نشر التعليم وتوعية المواطنين

لاشك ان جهل المواطنين وعدم معرفتهم لحقوقهم يجعلهم فريسة للموظفين المرتشين , فيدفعون لهم الرشوة من اجل انجاز معاملاتهم وبالتالي اتساع ظاهرة الفساد وتحميل المواطنين مالا طاقة لهم بها ولمعالجة مثل هذا الوضع لابد من نشر التعليم او الدورات او الوعي الاجتماعي بين صفوف المواطنين وتعريفهم بحقوقهم , وبما يؤدي الى امتناعهم عن دفع الرشوة الى المواطنين , والى تقليل نسبة الفساد في الادارة وتحجيم المنظومات الفاسدة داخل الجهاز الاداري وصولاً الى تفتيتها والقضاء عليها.

  1. محاسبة موظفي الدولة

ان ضعف او انعدام عنصر الرقابة والمحاسبة على موظفي الدولة يؤدي الى انتشار وتفشي الفساد بينهم , والى اساءة استعمالهم لسلطاتهم التقديرية وتجاوز حدود صلاحيتهم والعبث باموال الدولة من ناحية واسغلال المواطنين من ناحية اخرى . وهنا لابد من تشخيص وتحديد الاشخاص المنحرفين وكشف المنظومات الفاسدة داخل الجهاز الاداري من خلال انشاء الاجهزة الرقابية اللازمة والقادرة على كشف الانحرافات والممارسات اللااخلاقية داخل الجهاز الاداري المعني والتحقيق مع الموظفين المنحرفين وفرض العقوبات التي يستحقونها عليهم ليكونوا عبرة للاخرين.

  1. تبسيط اجراءات العمل والتخلص من المعوقات الادارية

ان كثرة المعوقات الادارية , كتعقيد الاجراءات وعدم تبسيطها وطول خطواتها يعد من الاسباب الرئيسية للفساد الاداري في الاجهزة الحكومية وخاصة الخدمية منها , وذلك لان الاجراءات الطويلة والمعقدة تؤدي الى الفساد نتيجة لاجبار المواطنين على دفع الرشاوي الى الموظفين الذين يتولون انجاز معاملاتهم لقناعة هؤلاء المواطنين بانه عدم الدفع سيؤدي الى تاخير انجاز معاملاتهم او حتى ضياعها داخل الدائرة ولمعالجة مثل هذه الحالات لابد من دراسة القوانين والانظمة والتعليمات وادخال التعديلات المناسبة عليها وتصميم الاجراءات البسيطة والسريعة لانجاز معاملات المواطنين وتجنيبهم دفع الرشاوي للمواطنين .


  1. تقويم ومكافاة الموظف الأمين

في ظل الفساد المتفشي في الاجهزة الحكومية نجد ان الموظف الامين والنزيه لا يلقى التقدير والاحترام والدعم , بل يصبح في مأزق ويتلقى الاهانات والسخرية من الكثرة الفاسدة والمنظومات المنحرفة بسبب امانته واخلاصه واجتهاده , بل قد يصل الامر الى تعرضه الى العقوبة او الجزاء لانه امين ونزيه . وهنا لا علاج الا بدعم واسناد الموظف الامين وتقديم الحوافز المناسبة له وتقويمه واعتباره مثالاً وقدوة حسنة يمكن ان يقتدى بها الاخرين ويعدلون من سلوكهم المنحرف وتصرفاتهم الادارية الفاسدة .

  1. اعادة النظر بمستويات الرواتب والاجور بين فترة واخرى

ان انخفاض مستوى الرواتب والأجور المدفوعة لموظفي الدولة يعد هو الاخر من الاسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة الفساد داخل الاجهزة الحكومية , وخصوصاً اذا كان راتب الموظف لا يمكنه من توفير العيش الكريم له ولافراد عائلته , فأن ذلك سيدفعه للبحث عن مصادر اخرى لاجل زيادة دخله ولمواجهة متطلبات الحياة , وهذا ما يؤدي به الى اللجوء الى الرشوة والفساد وانتشارهما نتيجة لانحراف مثل هؤلاء الموظفين لقبولهم الرشوة والتعامل بها . ان افضل علاج لمثل هذه الحالة هو دراسة رواتب واجور وأجراء تعديلات اللازمة على سلم او درجات الرواتب من حين لاخر وما يتناسب مع مستويات المعيشة وظروف السوق لكي يتمكن الموظف الحكومي من مواجهة الارتفاعات المستمرة في اسعار السلع والخدمات , ولاجل تأمين الحياة الحرة الكريمة لهم ولافراد عوائلهم .
نلخص من كل ما تقدم ان ظاهرة الفساد الاداري في الاجهزة الحكومية في العديد من الاقطار النامية هي ظاهرة تكاد تكون عامة وملموسة وهي موجودة ايضاً في الدول المتقدمة ولكن بدرجات اقل . كما ويلاحظ ان ظاهرة الفساد الاداري معقدة يكتنف جوانبها الكثير من الغموض . ويعود سبب انتشار الفساد واستمراريته الى العديد من الاسباب والعوامل المتدخلة ببعضها والتي يصعب فصل كل عنصر منها على حدة , وايجاد الحلول والمعالجات المناسبة لها بصورة منفردة وعليه فان أي استراتيجية للقضاء على الفساد لابد لها لكي تنجح من مواجهة مشكلة الفساد بنظرة شاملة يتركز الجهد على حصر هذه المشكلة او الظاهرة وتحجيم ابعادها والوقوف على اهــم اسبابها ومسبباتها وايجاد الحلول المناسبة لجميع عوامل واسباب الفساد دون استثناء البعض منها .

الاستنتاجات والتوصيات
الاستنتاجات

  1. ترتبط اخلاقيات الادارة بالخصائص الداخلية المميزة سواء للفرد او للجماعة اذ تعبر هذه الخصائص عن استجابة متميزة ذات بعد تاريخي لظروف ذلك الفرد او تلك الجماعة وللمكونات الاصلية لكل منهم والخزين الاجتماعي والعمق الحضاري لذا نلاحظ ان جميع الدول التي سارت في طريق التطور تحاول المحافظة على هويتها الوطنية والتاريخية والاجتماعية والثقافية والمحافظة على نظامها القيمي وقد تجسد ذلك مبادئ الثقافة السامورائية في اليابان والتجربة الصينية من خلال الثقافة التي تعني الخصائص الداخلية الصينية وكذلك التجربة العربية التي تعتمد المخزون 1 لتر من القيم والمزايا العربية .
  2. ترتبط الاخلاق بالقيم وتكون بمثابة القواعد التي تحكم السلوك كونه اخلاقياً ام غير اخلاقي وبذلك فالسلوك دالة القيم كما ان القيم ليست مطابقة للاخلاقيات بل تكون جزء من مذهب ديني او مذهب سياسي او مذهب اخلاقي اما القيم فهي ليست مذاهب وان كانت لها ابعاد اخلاقية .
  3. ان التحديات التي تواجه اخلاقيات الادارة في التطبيق ناتجة عن مؤثرات داخلية واخرى خارجية اذ لاتشكل التحديات الخارجية خطراً كبيراً على الافراد كالذي تشكله التحديات التابعة من المنظمة نفسها , الفصل بين السياسة والادارة التي كانت قائمة في الكثير من المنظمات ادت الى تكريس مبدأ حيادية اخلاق العاملين والتعامل معهم على انهم عناصر قادرة على ان تتحلى عن معتقداتها ومبادئها والاندماج مع سياسات المنظمة التي يعملون بها النظر عن النتائج الاخلاقية المترتبة على مثل تلك السياسات .
  4. لم تلق اخلاقيات الادارة الاهتمام الكافي في اغلب المنظمات العربية كما يظهر في ضعف برامج التدريب على الاخلاق وتردد هذه المنظمات عن قبول الدراسات والبحوث التي تخوض في مجال اخلاقيات الادارة .

التوصيــــات
تأسيسا على الاستنتاجات التي توصلنا اليها نوصي بما يلي :

  1. لم يعد مفهوم اخلاقيات الادارة مفهوماً ذاتياً يتعلق بالفرد ولا يمكن التأثير به بل اصبحت الادارة اليوم بأمس الحاجة الى مغادرة هذا المفهوم والنظر لاخلاقيات الادارة يوصفها احد مصادر التمويل السلوكي التي ستعود بربح اجتماعي ولا تقل شأناً عن باقي رؤوس اموال المنظمة التي تعتمدها في تحقيق الربحية .
  2. لابد ان تسعى الادارات الى تجسيد حقيقة مهنية الادارة من اجل ترسيخ تقاليد وآداب واصول المهنة اسوة بالمهن الاخرى وتجاوز المفهوم الذي يعد الادارة اختصاص من لا اختصاص له .
  3. آن الاوان لتهتم الادارات بمفاهيم الاكفاءة المتعددة ( الربح + الاخلاق) وان لا تعول على مفهوم الكفاءة المادية فقط , وان كان هذا المفهوم يجلب الربح فأن اخلاقيات الادارة تجلب السمعة وهو بحد ذاته ربحاً اجتماعياً لا يمكن ان تعمل المنظمات بدونه .
  4. ان تتجنب الادارات العمل بالمنطقة الرمادية على وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة او بحجة عدم وضوح السلوك الاخلاقي من السلوك اللااخلاقي .
  5. ان لا يهمل الدارسون والمختصون دراسة سلم القيم وما يوفره من وسائل وادوات الرقابة الداخلية التي تحدد السلوك وتعمل على نشر القيم الصحيحة .

الخاتمــــــــة

كتب الكثير عن الفساد والفساد ظاهرة قديمة وهو يعني الانحلال والتعفن والتلف وهو سوء استعمال موقع لمصلحة شخصية وهو انحلال الاخلاق وهو رشوة الموظف وهو سوء استخدام السلطة العامة لاغراض شخصية وهو اساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص وهو احد المعايير الدالة على غياب المؤسسة السياسية الفعالة وهو الاتجار بالوظيفة العامة والتعدي على المال العام وهو تعيين الاقارب والاصدقاء في مواقع متقدمة في الجهاز الوظيفي دون كفاءات ودون وجه حق كما لا بد من الاستمرار بالاليات المناسبة لمكافحة الفساد والتطهير من البداية الى النهاية ومن الكبار الى الصغار ويمكن اعادة هيكلة المؤسسات الحالية المعنية بمكافحة الفساد ولتكون اكثر فعالية وربطها برئاسة الجمهورية او مجلس الشعب او دمج الهيئات الرقابية وخلق هيئة جديدة لمكافحة الفساد تعطى صلاحيات كبيرة من حيث دخول جميع المؤسسات واصدار مذكرات الحجز والتوفيق بحق الفاسدين وقد تضم هذه الهيئة قضاة نزيهين غير متورطين في قضايا الفساد ولا ينتمون الى احزاب معينة بموازاة بعض الاجراءات التي لها علاقة باصلاح الادارة . وتوفير الحماية للصحافة الحرة والتقليل من السرية في اعمال مديريات ووحدات الجهاز الاداري للدولة والتركيز على عملية الاصلاح الاداري وعلى شاغلي المناصب الادارية بحيث يحصد نتائج فعالة وسريعة ومباشرة لان البلد لم يعد يحتمل المزيد من الفسادين والمزيد من هدر المال العام وآن الأوان للقضاء على الفساد وتخليص المجتمع من مرتكبيه لان ذلك يقوي النسيج الوطني ويمتن الوحدة الوطنية ويخلق حركة سياسية واجتماعية .




المصــــــادر

  1. د. فاضل حمد سلمان – اسباب الفساد الاداري – وزارة المالية ( مركز التدريب المالي والمحاسبي ) – بغداد ـ آيار لعام 2005 - ص9 .
  2. د. فاضل حمد سلمان – اشكال الفساد الاداري – المصدر السابق نفسه – ص249 .
  3. د. جواد جاسم محمد الموسوي – ما هو الفساد الاداري ؟ وزارة المالية ( مركز التدريب المالي والمحاسبي ) ـ بغداد ـ أيلول لعام 2005 ـ ص3 .
  4. د. جواد جاسم محمد الموسوي – دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد – المصدر السابق نفسه .
  5. أ.د سعد العنزي – اخلاقيات الادارة – المجلة العراقية للعلوم الادارية – العدد الثالث 2002 – ص90 .
  6. أ.د سعد العنزي – مفهوم السلوك الاخلاقي واللااخلاقي – المصدر السابق – ص104 .
  7. أ.د سعد العنزي – عناصر اخلاقيات الادارة – المصدر السابق نفسه – ص108 – 114 .
  8. عبد الرحمن تيشوري – الفساد الاداري صور وتجليات اسباب وحلول – مجلة الحوار المتمدن – العدد (1454) لعام 2006 – ص2 .
  9. المحامي حميد طارش الساعدي – نحو ادارة سليمة فــي العراق – جريدة المــدى – بغداد لعام 2006 – ص3 .
  10. جمعان العدواني وراشد الزهراني ندوة حول الفســاد الاداري – جريدة العربــي – آذار لعام 2003 - ص5.
  11. مؤيد يوسف نعمة الساعدي – ادارة الشعور في منشآت الأعمال مدخل سلوكي لتطوير المهارات الشعورية للقيادات الادارية – جريدة العلوم الاقتصادية والادارية – المجلد (10) لعام 2004 – ص110 .
  12. د.عاصم الاعرجي– نظريات التطوير والتنمة الادارية – بغداد مطبعة التعليم العالي – 1998 .
  13. احمد عبد الرزاق سلمان , (2000) المعلوماتية وعلاقتها باخلاقية الوظيفة العامــــة , مجلة العلوم الاقتصادية والادارية مجلد (7) – العدد (24) – ص154 .
  14. حرموش , عادل والعنزي , سعد (2000) أخلاق الإدارة وإدارة الأخلاق , باشارة خاصة لمنشأت الاعمال , بحث مقبول للنشر مقدم الى المؤتمر الاول للادارة , جامعة اربد , الاردن ،ص21 .