بسم الله الرحمن الرحيم

لقد انتشرت ظواهر الانحراف بالمجتمعات العربية والإسلامية واستفحلت إلى درجة خطيرة مما ترتب عليها نتائج وانعكاسات سلبية وخيمة على الأسر والمجتمع من جميع النواحي الاجتماعية والأمنية والنفسية.. وهذا ما يتطلب من جميع مكونات و مؤسسات المجتمع التدخل ووجوب تضافر الجهود والتعاون من أجل إنقاذ المجتمع من كل أشكال الانحراف وحفظ المجتمع من عدم الاستقرار والعنف والعدوان.

( عبد الأمير , 1981م , ص151)
و إذا ما بحثنا في أسباب بروز و استفحال ظاهرة انحراف الأفراد نجد من بين أهم تلك الأسباب - وكما يشير إلى ذلك الخبراء و المختصين – تأتي وسائل الإعلام المختلفة كأحد أهم و أخطر تلك الأسباب و خاصة القنوات الفضائية و مواقع الانترنت , و ذلك لما لهاتين الوسيلتين الإعلاميتين من حضور قوي و قدرتهما على استقطاب أعداد كبيرة من الشباب في المجتمع و بما تملكهما من مقومات جذب و عوامل تأثير فاعلة تصور أشكال الانحراف و الجريمة و تعلم الفرد كيفية ارتكاب الجرائم و منها جريمة التزوير .
و هذا البحث يتناول بالدراسة و التحليل موضوع : تأثير جريمة التزوير على المجتمع...
و أسأل الله تعالى السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على نحو أفضل... إنه سميع مجيب ... و الله الموفق...
مشكلة البحث :

لما كانت الأسرة من أبرز الوحدات البنائية الاجتماعية المؤثرة في حاضر ومستقبل العنصر البشري، فقد اتضح أنه من الممكن تعرض الأسرة لأي متغيرات من شأنها أن تحدث موجة التحولات في بنائها ووظيفتها أو تحدث شكلاً من أشكال التفكك الأسري، هذا التصدع من شأنه أن يؤثر على عملية تنشئة الأطفال من ناحية، كما تنعكس آثارها على علاقة الأسرة بجميع أعضائها من ناحية ثانية، خاصة من جانب تهيئة الإطار والمناخ الاجتماعي الذي يعمل على إيجاد الشخصية المتوازنة. ( الخولي , 1982م , ص 65) و بالتالي تتهيأ في هذا المناخ الفرصة أمام الفرد نحو الانحراف و الجريمة بكل أنواعها .
انحراف الفرد من المشكلات الاجتماعية التي لها أهميتها وخطورتها على المجتمعات الحديثة كما أنها تتزايد نتيجة للتقدم الحضاري والصناعي وما ينشأ عن هذا التقدم من أثار كزيادة أوقات الفراغ و خفض عدد ساعات العمل .
والفرد المنحرف هو الذي يقوم بأفعال وتصرفات تخالف أنماط السلوك العادي ويرجع سبب انحرافهم إلى عوامل عديدة منها تفكك الأسرة وضعفها وحرمانه من حاجاته الضرورية مثل المأكل الجيد والملبس والمسكن المناسب والوضع الاجتماعي المناسب الذي تكون عليه الأسرة. وكثرة النزاعات الأسرية والمشكلات التي تنشأ بين الوالدين تفقد الفرد إحساسه بالأمن والثقة والطمأنينة كما أن اللين الزائد والقسوة الزائدة والإهمال من جانب الوالدين يساهم في انحراف الأبناء وتشردهم وضياعهم و كذلك عدم توجيه الوالدين للشباب حول كيفية الاستغلال الأمثل لوقت الفراغ الذي شهد نموا في عدد ساعاته مؤخرا بفعل عوامل التمدن و التحضر .
فإن كانت الأسرة قد عايشت في المجتمع مثل هذه المشكلات بفعل التحول السريع الذي شهده بناء المجتمع كله أنماطاً متنوعة من التحولات السريعة التي مست وجودها كوحدة بنائية، فهذا قد يؤدي إلى ضعف بناء نسق القيم الأسرية، وبناء نسق الضبط الاجتماعي الممارس على الأبناء من قبل الأسرة في مراحل عديدة.
( خوج , 1419هـ, ص 94)
و جريمة التزوير من أخطر صور و أشكال الانحراف و ذلك نظرا لتأثيرها المتعاظم على الدولة والمجتمع والاقتصاد وما تخلفه من آثار ونتائج سلبية على الثقة والائتمان في المحررات والتزوير كما يرد على المحررات الرسمية فانه يرد أيضا على المحررات العرفية
و من هنا تتضح مشكلة هذا البحث في التساؤل الرئيسي التالي :
ما هي طبيعة و تأثير جريمة التزوير على المجتمع السعودي ؟
أهداف البحث:

تهدف هذه الدراسة بشكل رئيسي إلى التعرف على تأثير جريمة التزوير على المجتمع في المملكة العربية السعودية .
ويتفرع عن هذا الهدف أهداف فرعية تتمثل في:

  1. التعرف على مفهوم جريمة التزوير.
  2. التعرف على أركان جريمة التزوير .
  3. التعرف على أبرز صور و أشكال جريمة التزوير .
  4. التعرف على آثار جريمة التزوير على المجتمع السعودي.
  5. الخروج بتوصيات ومقترحات من شأنها الحد من انتشار جريمة التزوير في المملكة العربية السعودية.


تساؤلات الدراسة:

تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الإجابة على تساؤل رئيسي هو:
ما هي طبيعة تأثير جريمة التزوير على المجتمع السعودي ؟

ويتفرع عن هذا التساؤل التساؤلات الفرعية الآتية:ـ

  1. ما هو مفهوم جريمة التزوير؟
  2. ما هي أركان جريمة التزوير ؟
  3. ما هي أبرز صور و أشكال جريمة التزوير ؟
  4. ما هي آثار جريمة التزوير على المجتمع السعودي.


مصطلحات البحث :
التزوير
هو التغيير لحقيقة مستند أو محرر ( بدوي ، 1986م ، ص256) إما بوضع إمضاء مزور أو أختام مزورة كأن يوقع شخص غير صاحبه وبدون علمه ولا يشترط أن يكون التقليد متقن أو بتغيير المحررات والأختام والتوقيعات حيث يعتبر تغييرا للمحرر اي عبث فيه له اثر مادي يظهر على المحرر بعد الانتهاء من تحريره كالعبث بتاريخ المحرر أو إضافة شرط إليه أو جملة أو تحشير كلمات أو الكتابة في الفراغ أو حذف بعض الكلمات فكل ذلك تزوير.
النظرية المفسرة للبحث :
النظرية الاجتماعية :
يعطي الاتجاه الاجتماعي أهمية كبرى للبيئة الاجتماعية المباشرة التي تحيط بالفرد في إحداث السلوك الجانح , سواء كانت البيئة الاجتماعية العامة في المجتمع أو البيئة المباشرة كالأسرة وجماعات الأقران ووسائل الإعلام و ذلك من خلال النظريات الممثلة لهذا الاتجاه : النظرية الاقتصادية و الجغرافية و السكانية و التقليد الاجتماعي و الاختلاط التفاضلي و النظرية التكاملية .فيرى سيلين أن زيادة الجريمة والاتجاه نحو الانحراف يرتبط بدرجة تحضر المجتمع الإنساني , فحينما وجد الترابط والانسجام والتكافل الاجتماعي في المجتمع البدائي والريفي زاد الترابط الاجتماعي وبالتالي قلت الجريمة , أما حينما تزداد عوامل التفكك الاجتماعي وتعدد انتماء الفرد لجماعات لا حصر لها أنحلت روابط المجتمع وبالتالي انتشرت الجريمة .ويذكر ( إليوت ) أن للأسر تأثيرا كبيراً على شخصية أبنائها , وأن التفكك الأسري يلعب دوراً واضحاً في إحداث السلوك الجانح , وأن الأسر المفككة تدفع أفرادها إلى سلوك منحرف.
ماهو التزوير ؟
هو التغيير لحقيقة مستند أو محرر اما بوضع امضاء مزور او اختام مزورة كأن يوقع شخص غير صاحبه وبدون علمه ولايشترط ان يكون التقليد متقن او بتغيير المحررات والأختام والتوقيعات حيث يعتبر تغييرا للمحرر اي عبث فيه له اثر مادي يظهر على المحرر بعد الانتهاء من تحريره كالعبث بتاريخ المحرر او إضافة شرط إليه او جملة او تحشير كلمات او الكتابة في الفراغ او حذف بعض الكلمات فكل ذلك تزوير
أركان جريمة التزوير
الركن المادي : ويتمثل في نشاط اجرامي ينصب على التقليد او التزوير او الاستعمال.
ركن الضرر فللعقاب على التزوير لابد من اثبات توافر ركن الضرر سواء كان الضرر محققا ام احتماليا ماديا او ادبيا والضرر مفترض في المحررات الرسمية
الركن المعنوي: ويتمثل في القصد الجنائي الذي يبدو جليا في عنصري الإرادة والعلم فيجب أن تتجه نية الجاني الحرة المختارة الى مباشرة السلوك الاجرامي الضار المتمثل في التزوير او التقليد عن علم بما يأتيه وان تتجه إرادته إلى استعمال المستند المزور فيما زور من اجله والقصد الجنائي في جريمة التزوير ينحصر في:
1- علم الجاني بانه يرتكب الجريمة بجميع عناصرها اي إدراكه بقيامه بتغيير الحقيقة في مستند او محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا وإدراكه أن من شان استعمال هذا المحرر ترتيب ضرر مادي أو أدبي حال محتمل الوقع يلحق بالأفراد او المجتمع أو الصالح العام .
2- ان يقترن هذا العلم بنية استعمال المحرر فيما زور من اجله
وقد استقرت احكام القضاء على انه لا يشترط في التزوير المعاقب عليه ان يكون قد تم بطريقة خفية او أن يستلزم كشفه دراية خاصة بل يستوي في توفر صفة الجريمة ان يكون التزوير واضحا لا يستلزم جهدا في كشفه أو أنه متقن مادام تغيير الحقيقة في كلا الحالتين يجوز ان ينخدع به بعض الأفراد ) وكذلك ما تناوله أحد الأحكام (ان القانون لا يشترط في تزوير التوقيع ان تكون عن طريق تقليد التوقيع الحقيقي فيكفي التوقيع باسم صاحب التوقيع ولو كان رسمه مخالفا للإمضاء الحقيقي) وحكم آخر (القصد الجنائي في جريمة التزوير ينحصر مبدئيا في أمرين الأول علم الجاني بأنه يرتكب الجريمة بجميع أركانها التي تتكون منها اي إدراكه انه يغير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا وهو يدرك ان من شان تغيير الحقيقة ان يترتب عليها ضرر مع ضرورة اقتران هذا العلم بنية استعمال المحرر المزور فيما زور من اجله ) وورد في احد الأحكام (المحكمة غير ملزمة برأي الخبير الذي انتدبته لإثبات حقيقة الحال في الورقة المدعى تزويرها ولها أن تاخذ بتقرير خبير استشاري إذا اطمأنت إليه كما لها أن تبني قضائها على نتيجة المضاهاة تقوم بإجرائها بنفسها لأنها هي الخبير الأعلى فيما يتعلق بوقائع الدعوى المطروحة أمامها)
نخلص من ما تقدم ان جريمة استعمال المحرر المزور لا تقوم إلا بثبوت علم من استعملها بأنها مزورة ولا يكفي مجرد تمسكه بها أمام الجهة التي قدمت إليها مادام لم يثبت انه هو الذي قام بتزويرها او شارك في هذا الفعل بالإضافة لانطباق الركنين المادي والمعنوي .

خطورة التزوير :
تكمن خطورة التزوير في صعوبة اكتشافه، ففي حين تكفي بعض الإجراءات لكشف بعض الجرائم، فإن المزوِر في حال كان متقنا لجريمته فإنه يقلب الحقائق لأنه يتقمص شخصية المزوَر عليه باحتراف يقلل من القدرة على التفريق بين المزوَر وغير المزوَر، فحجم التدليس والإجرام في عملية التزوير كبير والضرر الحاصل ليس بالقليل، والقائم بعملية التزوير خطير، وطبيعة ما يزور في الغالب تكون من المستندات والأوراق المهمة ولها مساس بالجوانب الأمنية، وضررها متعد للنظام العام .
إذا كان الأمر كما سبقت الإشارة إليه من الخطورة فلا بد من التشديد في التعاطي مع هذه القضايا، ابتداء من آلية إصدار الوثائق والمستندات المهمة بحيث تشتمل على علامات أمنية تصعب عملية التزوير وتسهل من كشفها حال وقوعها للمختصين، ومرورا بالرفع من كفاءة الأجهزة المختصة بهذا المجال وتزويدها بالأجهزة والتقنيات الحديثة، وانتهاء بالتشديد على القائم بهذه الجريمة الشنيعة من حيث العقوبة.
ومن الأوراق والوثائق المهمة التي يطولها التزوير "في الغالب": العملات، بطاقات الهوية والجوازات، التواقيع والأختام، الصكوك، ومن المعلوم أن هناك الكثير من الاحتياطات والضمانات فيما يتعلق بالعملات والبطاقات والجوازات، حيث زودت بالعلامات الأمنية الحافظة لها من التزوير، أما التواقيع والأختام فهناك صعوبة كبيرة في تضمينها بالعلامات الأمنية بل هو غير وارد أصلا فيما يتعلق بالتواقيع مثلا، فيتبقى من الوثائق المهمة: الصكوك، وبالذات الصكوك العقارية والتي تصل في أهميتها إلى أهمية النقود من جهة أنها تشتمل على أموال، فهي تحتاج إلى إعادة النظر فيها للعمل على تحصينها من التزوير، وهناك شركات متخصصة تعمل على توفير هذه الحمايات والضمانات لجميع الوثائق المهمة.( الطباخ ، 2009م ، ص25)




المصادر والمراجع

  1. أحمد زكي بدوي : معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية , ط2 , بيرون , مكتبة لبنان , 1986م.
  2. جعفر عبد الأمير: أثر التفكك الأسري في جنوح الأحداث، عالم المعرف، بيروت ، 1981م.
  3. سناء الخولي: الأسرة والحياة العائلية ، دار النهضة العربية، بيروت، 1982م 0
  4. شريف الطباخ : التزوير و التزييف في ضوء القضاء والفقة " جنح وجنايات التزوير والتزييف" ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2009م .
  5. عبد الله خوج: الأسرة العربية ودورها في الوقاية من الجريمة والانحراف، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1419هـ.