بنية الأجور العمومية بالمغرب: تمايز طبقي صارخ
الاربعاء 15 كانون الأول (ديسمبر) 2004
المناضل-ة عدد: 3





يحث البنك العالمي بإصرار كبير على تقليص نفقات التسيير لتوفير الموارد الضرورية خدمة للديون ولمصالح الرأسمال. وانصاعت الدولة المغربية بشنها هجوما على الوظيفة العمومية ووقف التشغيل فيها، وتقليص عدد الموظفين، وتجميد أجورهم، وضرب مكاسبهم في العديد من التعويضات (النقل، السكن، المنح، الأعياد)، والحد من الترقية والترسيم، وزيادة استغلالهم عبر بإعادة النظر في قانون الوظيفة العمومية، وتعميم عدم استقرار الشغل من خلال توسيع تشغيل الدولة بالعقد المحددة، الخ. وقد جاءت الإجراءات المتضمنة في مشروع ميزانية 2005 لتواصل نفس السياسة:

مواصلة حذف المناصب المالية الشاغرة على إثر الإحالة على التقاعد إحداث المناصب المالية في حدود الحاجيات الملحة للإدارة

تبسيط شروط إعادة انتشار الموظفين

وضع نظام لتشجيع التقاعد المبكر، ويهم شطره الأول 34.000 موظف مرتبين في سلالم الأجور من 1 إلى 9.

تبلغ نفقات الموظفين 59 مليار درهم برسم سنة 2005 ممثلة 37% من مجموع نفقات الميزانية العامة. لا يعود هذا الارتفاع إلى تضخم عدد الموظفين، ولكن إلى البنية الطبقية الصارخة لكتلة الأجور في المغرب، وطبيعة النظام السياسي القائم الذي يعمل على تقوية نفوذ البيروقراطية البرجوازية في الدولة لتغذية قاعدته الطبقية.

خصاص كبير للموظفين في القطاعات الاجتماعية

لا يمثل عدد الموظفين نسبة إلى السكان في المغرب سوى 2.3%، وهي نسبة ضعيفة مقارنة حتى مع دول مجاورة كتونس 3.7%، والجزائر 4.2%، ومصر 6.2%.

وتعاني القطاعات الاجتماعية من خصاص مهول، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء 46 طبيب لكل 100 ألف نسمة (مقابل 70 في تونس و 300 في فرنسا)، ومازالت نسبة الأمية تقارب 50% في بلدنا. وتؤكد الدولة على انسحابها من هذه القطاعات وتركها للقطاع الخاص وربط خدماتها بالقدرة على الأداء. وهذا ما يعكسه عدد المناصب الذي خصصته ميزانية 2005 لقطاع التربية والتعليم العالي (3.700 منصب) والصحة (1.300 منصب)، وهو سخيف مقارنة مع هول الكارثة الاجتماعية المفروضة على جماهير شعبنا.

البيروقراطية البرجوازية تمتص موارد الدولة

تبلغ كتلة الأجور 12.8% من الناتج الداخلي الخام برسم سنة 2004 ، وهي نسبة عالية مقارنة مع دول أوروبا 4.5%، وأمريكا اللاتينية 4.9%، وإفريقيا باستثناء المغرب 6.7%، وآسيا 7.7%. وتحوز البيروقراطية البرجوازية التي تتشكل من كبار الموظفين في الإدارة والجيش والأمن على حصة الأسد.

تكلف نسبة أقل من 1% من الموظفين الميزانية العامة ما يناهز 15 مليار درهم سنويا، أي نسبة 13% من نفقات التسيير والاستثمار لميزانية 2005، ولا مجال لمقارنة عوائدهم السنوية الفعلية مع معدل الأجر السنوي العادي للطبقات الشعبية. فمناصبهم في مراكز القرار العليا تسمح لهم بالاستحواذ على مبالغ أخرى غير معترف بها رسميا وتدخل في خانة نفقات الرواتب ونفقات الصيانة والمعدات بل تتعداها لتشمل نفقات الاستثمار والميزانيات الملحقة، كأعوان الخدمة الذين يوضعون رهن إشارة أفراد العائلة (يقدر عددهم بما يزيد عن 4000 عون)، وسيارات الخدمة، وتجهيزات المكاتب، والأسفار، إلخ، ناهيك عن عملية السطو والنهب التي تشكل جزءا من أساسيا وظيفتهم.

وعلى سبيل المثال، يتقاضى جنرال في الجيش مرتبا شهريا يقدر بـ 83.000 درهم، ورئيس مجلس النواب 80.000 درهم، وسفير 61.000 إلى 100.000 درهم حسب البلدان، ووزير 60.000 دهم، وكاتب دولة 50.000 درهم. أما الحد الأدنى للأجور في الإدارة فلا يتجاوز 1.867 درهم في الشهر. ونشير إلى أن الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات يبلغ 1.842 درهم في الشهر، وفي الفلاحة 1.300 درهم في الشهر، علاوة على عدم تطبيقه من طرف أغلبية المشغلين.

تتقاضى نسبة ثلاثة أرباع موظفي الإدارة العمومية أجورا لا تفوق 3000 درهم، يقتسمها أغلبهم مع ذويهم بحكم اتساع دائرة البطالة وضعف نظام التغطية الاجتماعية. ولتلبية الحاجيات الأساسية وتغطية العجز المتنامي من جراء التضخم وارتفاع أثمان المواد الأساسية والماء والكهرباء والسكن (4.500 درهم في الشهر كحد أدنى معيشي)، تلجأ هذه الفئة إلى قروض الاستهلاك الفردي التي بلغت مستويات كبيرة جدا.

إنه تمايز طبقي صارخ يستدعي المطالبة بتقليص الأجور الكبرى وتحديد سقف لا يتجاوز متطلبات عيش متوسط ورفع الأجور الصغرى وإلغاء أجور البرلمانيين، وإحداث نظام رقابة شعبية على جميع أصناف موظفي الدولة.

تدعيم القاعدة الطبقية

يرتبط هذا التمايز الطبقي الهائل في بنية أجور الوظيفة العمومية بطبيعة النظام السياسي الذي يحرص على تدعيم قاعدته الطبقية من خلال منح امتيازات كبرى لطاقم بيروقراطي ضخم. فالدولة في بلد رأسمالي متخلف وتبعي كالمغرب تعتبر إحدى الجسور الأساسية لتراكم الرأسمال. ومن هنا ذلك الترابط الكبير بين مناصب المسؤولية الإدارية وعالم الأعمال، حيث تشكل الوظائف الكبرى امتدادا لنفس العائلات البرجوازية المهيمنة في النشاط الاقتصادي. وهذا ما يكرسه نظام التعيينات بالظهائر الذي يمنح حماية قانونية لجميع أنواع النهب التي يمارسها المسؤولون الكبار في المؤسسات العمومية وجهاز الجيش والأمن وغيرهم.

يرتبط تحديد حاجيات الإدارة من الموظفين وتوزيعها حسب القطاعات بمنطق آخر بديل عن المنطق الليبرالي السائد الذي يقوم على توسيع طاقم بيروقراطي في خدمة الرأسمال وتدعيم جهاز القمع، وعلى تقليص متنام لاعتمادات القطاعات الاجتماعية. فالبنك العالمي يريد أن يقلص من حجم ميزانية التسيير لاستخراج موارد مالية لأداء خدمة الدين وصيانة جهاز دولة تبعي في خدمة الإمبريالية. وسيكون ذلك على حساب الطبقات الشعبية التي سيزداد وضعها الاجتماعي تدهورا.

إننا نرفض هذا المنطق الذي يجب أن يستبدل بنموذج يضع حدا لأداء الديون وتمنح فيه الأولوية للمتطلبات الاجتماعية الأساسية ويكون فيه جهاز الدولة خاضعا لهذه الأولوية.