جاءتني العديد من الأسئلة من عدد من الصحفيين العاملين في المجال الإعلامي في اليومين السابقين حول قضية إزدياد حالات الإنتحار في الشارع المصري عما كانت عليه سابقاً، مدللين على ذلك بالحالات التي نُشر عنها وكان أخرهم الشاب الثلاثيني الذي شنق نفسه في وسط البلد نظراً لكون خطيبته رفضت إتمام الزواج أو شئ قريب من ذلك ..

وبالطبع سبقها حالات أخرى منها الرجل الذي لا يجد ما يطعم أولاده به، والمرأة المُعذبة مع زوجها في الحياة الزوجية، والشاب الذي رفض أهله تزويجه ..

ولكي أوضح ما أريد حول هذه القضية وبصورة محددة استسمحكم في أن أتناولها في نقاط على النحو التالي :

1- كي نستخدم لفظ (ظاهرة) لابد أن تبلغ أي قضية نتناولها نسبة من المجتمع بحيث تظهر في فئات مختلفة وفي ظروف مختلفة بحيث نتمكن من أن نذكر أنها ظاهرة أن تحتى تظهر في قطاع مجتمعي واحد ولكن بنسبة معروفة وله دلالة إحصائية منه .

2- كي نذكر أن قضية أو (ظاهرة) إزدادت عن سابق عهدنا بها لابد أن نقارن بالأرقام بين ما سبق وما أصبحت عليه القضية الأن، حتى يتضح لنا الأمر بصورة محددة ودقيقة ولا يكون كلام مرسل .

3- خطورة قضايا مثل الإنتحار وبعض الجرائم الأخرى أن النشر عنها – بطريقة عشوائية- قد يوجه بعض ممن لديهم ميل إستجابي لهذا الأمر أن يقوموا به بإعتباره أمر وارد وأن هناك إقبال عليه، خاصة من المراهقين مثلاً أو من هؤلاء الذين يملكون بناءً نفسياً مضطرباً .

4- يجب ألا ننسى عند الحديث عن زيادة بعض الظواهر أن هناك ما يسمى بالزيادة الزائفة والتي ترجع إلى عدد من العوامل منها مثلاً ما يتعلق بتطور أدوات الكشف عن هذه القضية مثل بعض الحالات المرضية التي لم تظهر عليها زيادة ولكننا شعرنا بذلك لأن العلم تطور ووضع لها إسم فأصبحت معروفة مثل الأوتيزم مثلاً أو ما يعرف بالتوحد أو الذاتوية الذي حدث بالفعل زيادة في أعداده لكن ليس بالدرجة التي يتخيلها الناس ولكننا أصبحنا أكثر قدرة على إكتشافهم بفعل تطور الأدوات العلمية فلم يكن في السابق لدينا سوى اختبار واحد (الكارس) ثم (اللوفر) ثم تطورت أدواتنا بدرجة كبيرة، نفس الأمر بالنسبة لبعض الظواهر التي يمكن إرجاع زيادتها إلى نشاط الحالة الإعلامية والتنافسية الشديدة في مجال الإعلام وحالة الإنفتاح التي يعيشها الإعلام – وليست جميعها أمور إيجابية لكنها أسباب أدت إلى شعورنا بزيادة بعض الظواهر – هذه وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى الزيادة الزائفة في بعض القضايا فنحول تناولها بإعتبارها ظواهر عَمت المجتمع، ومنها الإنتحار الذي نرى فيه زيادة بعض الشئ ربما بسبب ضغوط الحياة أو اضطراب الأشخاص الذين يُقبلون عليه أو نقص الوعي الديني أو غياب التوجيه الإجتماعي أو غيرها، لكن هذه الزيادة ليست بالنسبة التي يروج لها البعض.

5- إن بعض القضايا يرتبط نشرها بأخلاقيات كثيرة تحمي المجتمع، ومنها موضوع الإنتحار الذي أعتقد أن من أخلاقيات تناوله عدم التركيز على أنه أصبح الخيار أمام الناس لمواجهة الضغوط ويظل كل من يكتب يعزف على وتر ما نعيشه من ظروف ليصرخ كل منا على آلمه الذي يرى الكاتب أنه وراء إقبال الناس على الإنتحار، فمن يبرر ذلك بالجو السياسي ومن يبرره بالجو العالمي ومن يبرره بالجو الإقتصادي ومن يبرره بالجو الإجتماعي، لكن في النهاية جميعها تبريرات لا يصح أن نقدمها بإعتبارها دفاعاً عمن أقبل على هذه الخطوة وأننا جميعاً مقبلون عليها لا محالة، وأنه لم يكن أمام هؤلاء غيرها، لأن ذلك يُشجع من لديهم رغبة وينقصهم التأييد حتى تتملكهم شجاعة الإقبال على هذه الخطوة.

وبالتالي فإن التناول الإعلامي الصحي أن يتناول أهل الإعلام القضية ويسعوا إلى تفسيرها مع التأكيد على كونها حالات فردية، والإشارة إلى الإضطراب الذي قد يعانيه أصحابها، والإشارة إلى الجانب الديني في الأمر الذي تربينا عليه منذ الصغر من أن المنتحر يخسر دنياه وآخرته حتى لا نتحول إلى بلاد تفقد نسبة من مواطنيها بالإنتحار فبدلاً من معالجتها نبدأ في الترويج لها مثل الحديث على فيلم لا أخلاقي فيذهب له المراهقين كي يكتشفوا ما يُعرض فيه في حالة من حب الإستطلاع .. وغني عن البيان هنا أن ما أقصده بالمراهقين لا يقتصر فقط على هذه المرحلة العمرية وإنما أيضاً أقصد به (حالة) المراهقة .

كما يجب أن يتضمن النشر عن هذه الحالات وجود حالات أصعب تعيش الحياة وتقرر أنها ستتحداها بإعتبارها سيرة قد يأخذها من يقرأ الموضوع بإعتبارها مثال وقدوة في مقابل القدوة الأخرى ..

هناك أشكال كثيرة وجوانب أخلاقية كثيرة يجب أن نأخذها في إعتبارنا عن النشر عن قضايا معينة لأن الإعلام يوجه الشعوب كما هو مرآة لها، وبالتالي فعليه السعي لحماية أفراده باتباع أخلاقيات المهنة.

وأخيراً من تهون عليه الحياة التي هي منحة منحها الله له لا يستحقها ومن المؤكد أنه سيُسأل عنها فقد تصرف فيما لا يملك .. حفظنا الله وإياكم ووفق إعلامنا إلى صالح مجتمعنا.