أمير الفقراء
في بنكه لا توجد كمبيوترات ولا حتى آلات طابعة، ولا صف من الموظفين، ولا طوابير من المودعين او المقترضين. حائز جائزة نوبل محمد يونس وصاحب بنك الفقراء في بنغلاديش، يقول ان البنك يذهب الى العملاء في احيائهم وبيوتهم، ويمنح معظم قروضه للنساء.
فهل يستأهل مصرفي يمنح قروضا من بضعة دولارات اهم جائزة تقديرية في العالم، جائزة نوبل للسلام؟ الحقيقة ان كان هناك من يستحقها على مدى تاريخ الجائزة فان يونس البنغلاديش اولى بها من غيره، بل عززت الجائزة مكانتها بمنحها لهذا الانسان الكبير.
قرأت قصة عن فقيرة بنغالية اسمها هجيرة، واجهت في حياتها ما لا يعرفه الناس امثالنا. فهي من اولئك الذين في ادنى درجات الفقر، حيث يوجد فقراء تحت الفقراء. لا تملك وزوجها ما يطعمان به اطفالهما الثلاثة، حتى بلغت درجة الاحباط. ورغم ان زوجها هددها بالطلاق إن اخذت شيئا من بنك محمد يونس، ذهبت الى الحي خلسة عندما جاءوا الى جيرانها، وحصلت على سلف من بضعة دولارات، لقاء ان تدفعها ثمنا لشراء عجل بحيث تسدده على مدى عام. وعندما جاءت بعجلها الى البيت طار زوجها من الفرح لتبدأ رحلة الاثنين في تأسيس عمل في مزارع الموز، ينهي عمرا من الفاقة. كانت الفرصة الاولى في عون حقيقي، بعد ان كانت كل ما تحصل عليه العائلة فتات الطعام.
وللقروض الصغيرة شروط مهمة، فعلى الفقير ان يتعهد بأن يرسل اطفاله للمدرسة، والا يقبل مالا مهرا لبناته حتى يبحث عن وسيلة استثمارية أخرى، وان يخبرهم في ماذا يستثمر القرض، ويتعهد برده في مواعيده حيث يحين اول سداد بعد اول اسبوعين من استلامه حتى لا يركن للدعة، بل يبدأ عمله بحرص شديد. ومن اهم الشروط الستة عشر، ان يأتي باربعة مقترضين يعرفهم ليسوا من اقاربه، حتى يشكلوا فريق عمل يعين بعضهم بعضا على العمل ومبادئه. معظم القروض تمنح للنساء لانهن في نظر يونس اكثر الناس فقرا، واكثرهم مسؤولية بحكم الامومة، وهن اكثر التزاما بسداد ما يتعهدن به.
سمعت الكثير عن محمد يونس وتجربته، التي امتدت فكرتها الى خمسين بلدا في العالم، بما فيها في اوروبا نفسها، وقبل اسبوعين تقريبا كان حديث الكثيرين في جدة، التي زارها والقى محاضرة هناك. وقد سمعت عنه في البداية من السيد محمد عبد اللطيف جميل، الذي اعتبره النسخة المطورة من تجربة يونس، ويعمل بحماس حقيقي على مشروع عربي كبير لتقديم القروض الصغيرة لفقراء الفقراء في السعودية ومصر والمغرب وغيرها. وللمشروع قصة ناجحة، حيث يقول ان حجم سداد الديون من عند الفقراء في السعودية مثلا يبلغ مائة في المائة، وهو ما لا تحلم بنصفه البنوك التجارية، مع التنويه بان بنك جميل لا يأخذ ربحا من احد. يقدمون للمرأة ماكينة خياطة او غسالة او غيرها، مما يمكنها ان تؤدي عملا تجاريا صغيرا ويساعدونها على ادارة تجارتها من محاسبة وتسويق. التجربة في حد ذاتها اكبر من كونها مجرد إعالة فقير واهله، بل هي اسعاف للمجتمع الذي لا يرى جروح بعضه البعض.
(عبد الرحمن الراشد)