تواجه العديد من وظائف إدارة الموارد البشرية الرفض في تخصيص الموارد المالية لتغطيتها ، ونجد لدى الكثير من الماليين و المحاسبين الحجج و المبررات الكافية لموقفهم، فهم يعتبرونها تكلفة غير مبررة أو من الصعب قياسها و متابعتها كتكلفة التكوين الذي ينفق عليه مبالغ مالية طائلة على أمل أن تظهر نتائجه على المدى البعيد . لدى أوجّب على المحاسبين و الماليين التفكير بموضوع يتعامل مع المورد البشري كأصل من الأصول و قد سمي هذا الموضوع " المحاسبة عن الموارد البشرية".
إنّ الهدف الأساسي في المحاسبة عن الموارد البشرية هو اعتبار الإنفاق على المورد البشري و تكوينه إنفاقا استثماريا حيث أنّ المورد البشري بمهاراته و معرفته و قدراته على العمل هو من العوامل التي تؤثر بأسلوب مباشر في نجاح المؤسسة و يعزز من قدراتها على البقاء و الاستمرار و المنافسة على المدى الطويل.
أولا: نشأة و تطور المحاسبة عن الموارد البشرية

موضوع الموارد البشرية هو أحد المواضيع القدّيمة في البحوث الاقتصادية و الذي ينعكس جليا في المعالجات المحاسبية، فالاقتصاديون يعدّون رأس المال البشري عاملا إنتاجيا و يحاولون ما بوسعهم إيجاد وسائل متعددة لقياس مدى استثماره، ولقد أقّر المحاسبون بقيمة الأصول البشرية منذ سبعين سنة مضّت على الأقل، في حين بدأ البحث في المحاسبة الصحيحة للموارد البشرية في الستينيات من القرن الماضي طبقا لرأي العالم bensis likert الذي دافع عن التخطيط بعيد المدى من خلال التأثير في المتغيّرات النوعية للموارد البشرية و الذي تؤدي إلى منافع أكبر على المدّى البعيد.
و قدا مرّت المحاسبة عن الموارد البشرية بعدّة مراحل ملخصة في الآتي:
المرحلة الأولى: (1960-1966)
هذه الفترة تميزت بوضع المفاهيم الأساسية للمحاسبة عن الموارد البشرية باستخدام النظريات و المبادئ المتعلقة بهذا الموضوع.
المرحلة الثانية: (1966-1971)
تميّزة هذه الفترة بإيجاد و تقييم فعالية نماذج قياس التكلفة و قيمة الموارد البشرية ، وكذلك فترة إيجاد مجالات حالية و مستقبلية لاستخدامات المحاسبة عن الموارد البشرية في بعض المنشآت، حيث قام Wiliom بتطبيق بحثه (قياس للقيمة التاريخية لتكلفة الموارد البشرية ) على شركة R.J.Barry حيث نشرت الشركة و لعدّة سنوات قوائمها المالية الختامية متضمنة معلومات مالية عن الموارد البشرية.
المرحلة الثالثة:و تمتد من 1971 إلى 1976
حيث نشرت خلالها العديد من الدراسات الأكاديمية في أمريكا و أستراليا و اليابان، و قد تمّ تطبيق العدّيد من هذه البحوث عن أثر هذه المعلومات التي تقدمها المحاسبة عن الموارد البشرية في اتخاذ القرارات الإدارية و كذلك قرارات المستثمرين من حملة الأسهم.
المرحلة الرابعة: (1976-1980)
وشهدت هذه المرحلة تراجعا في الاهتمام بهذا الفرع سواء من جانب الأكاديميين أو من جانب التطبيقيين وذلك بسبب أنّ الجزء الكبير من البحوث الأولية في هذا الميدان و التي تعدّ أقل صعوبة تمّت في المرحلة السابقة و أنّ الأجزاء الباقية أكثر صعوبة و تتطلب عدد غير قليل من المؤسسات و الشركات التي تقبل أن يتم تطبيق هذه البحوث داخلها.


المرحلة الخامسة:
وهي مرحلة التطوير الحالية، فقد شهدت بداية بعث جدّي للاهتمام بكل من النظرية و التطبيق للمحاسبة عن الموارد البشرية و ذلك نتيجة لتزايد اهتمام الولايات المتحدّة الأمريكية بموضوع زيادة الإنتاجية ،و تركزّ هذا الاهتمام على دور العنصر البشري في زيادة الإنتاجية ، مما شدّ الاهتمام نحو المحاسبة عن الموارد البشرية إضافة إلى زيادة المنافسة بين الولايات المتحدّة الأمريكية و اليابان في مجال الصناعة و اختلاف إدارة الشركات اليابانية للموارد البشرية عن مثيلاتها الأمريكية إلى الاهتمام بأساليب و نظم المحاسبة عن الموارد البشرية ، و قد شهدت هذه المرحلة تطبيق المحاسبة عن الموارد البشرية على شركات و مؤسسات ضخمة بعكس مراحل التطور الأولى و التي كان التطبيق يقتصر على شركات صغيرة و متوسطة الحجم .

ثانيا: التعريف بالمحاسبة عن الموارد البشرية:

لقد أعطيت عدّة تعار يف لمحاسبة الموارد البشرية و أهمّها مايلي:
عرّفت جمعية المحاسبة الأمريكية سنت 1973 محاسبة الرأس المال البشري من قبل لجنة محاسبة المورد البشري (HRAC) أنّه تحديد رأس المال البشري و تمييزه و قياسه بغرض توفير أية معلومات للمستفدين تكون مرجعا مهّما للإثبات و التقييم و يصب الغرض من استعمال المحاسبة عادة في تحسين نوعية الكشوف المالية ، و دمج متغير الرأس المال البشري فيها.
وعرفت أيضا المحاسبة عن الموارد البشرية على أنّها عملية تقدير القيمة المالية للموارد البشرية أفرادا و جماعات في المنظّمات و المجتمع و متابعة التغيرات التي تطرأ على قيمتها مع الوقت.
و يرى البعض بأنّ تكاليف العنصر البشري تمثل استثمارات طويلة الأمد و تعرف محاسبة الموارد البشرية بأنها عملية تسجيل التكاليف الهامة التي تتعلق بتطوير و تدريب و استخدام العنصر البشري، و إظهار الاستثمار الطويل الأمد في الموارد البشرية في الميزانية.
و يظهر من التعاريف السابقة بأنّ الفكرة الأساسية التي تدور حولها محاسبة الموارد البشرية هي فكرة القيمة الاقتصادية للموارد البشرية في المنظمات و التي تجب متابعتها و قياسها. و المحاسبة عن الموارد البشرية تحاول الإجابة على السؤال الأتي:
هل يمكن اعتبار المورد البشري أصل من أصول المنظمة ؟ كيف يمكن التعامل معه محاسبيا؟

مفهوم الأصل و مدى انطباقه على الموارد البشرية:
لكي تتضّح الرؤية أكثر كان لابدّ لنا من أن نفسح المجال لتناول مدى توافر مجموعة من المعايير أو الخصائص في المورد البشري حتى تستطيع أي منشأة الاعتراف و بالتالي الإفصاح عن الموارد البشرية في القوائم المّالية لديها على أنّها أصول تابعة للمنشأة و في هذا الصدد لابدّ من تناول مجموعة من التعاريف التي حددت تلك المعايير التي يجب توافرها في أي مورد للاعتراف به كأصل.
1)الأصل: هو عامل من عوامل الإنتاج، و بالتالي فإنّ هذا التعريف ركز على المقدرة الإنتاجية للأصل.
2) الأصل: هو أي وسيلة تكون في حيازة الوحدة الاقتصادية و يكون لها حقوق قانونية على هذا الشيء، و بالتالي فإنّ هذا التعريف قد ركز على موضوع الحيازة للأصل.
3) الأصول: هي الموارد الاقتصادية المخصصة لأغراض المشروع خلال وحدة محاسبية محددة فهي تجمعات للخدمات المتوقعة الحصول عليها مستقبلا.
و بالتالي فإنّ هذا التعريف قد اهتم بالخدمات المستقبلية في سبيل الاعتراف بالأصل و ممّا سبق نجد أنّ هناك أربعة مقومات أو خصائص يجب أن تتوافر في الشيء حتى يمكن اعتباره أصلا من أصول المشروع و هذه المقومات هي:
أ#- معيار الملكية: حتى نعتبر المورد أصلا تابعا للشركة فإنه يجب أن يكون للمشروع توفر خاصية ملكية هذا المورد، كما ورد في المعايير المحاسبية الدولية"المؤسسة تفرض السيطرة على أصل إذا كانت تملك سلطة الحصول على المنافع الاقتصادية و تستطيع الحد من إمكانية وصول الآخرين لهذه المنافع".
ب#- معيار المقدرة الإنتاجية (أو الخدمية): إنّ الغرض من الحصول على الأصول المادية هو استخدامها في العملية الإنتاجية أو تقديم خدمة للمشروع ( عن طريق المساهمة في العملية الإنتاجية) و لا شكّ أنّ عنصر العمل كأحد عناصر المدخلات في العمليات الإنتاجية، كما يعّد العنصر الأكثر أهمية في المشروع فهو من جهة، أحد مدخلات العملية الإنتاجية و من جهة أخرى مقدرة العنصر البشري على التأثير في الموارد أو عناصر الإنتاج الأخرى.
ت#- معيار الخدمات المستقبلية: ينطلق هذا المعيار من تعريف الأصل من أنّه عبارة عن خدمات مستقبلية و الذي يتضمن بدوره: أن يكون هناك توقع لمنافع اقتصادية مستقبلية و أن يكون للمشروع الحق في استلام هذه المنافع و إمكانية قياسها.
ث#- القابلية للتحديد أو القياس: يتطلب تعريف المورد على أنّه أصل وجوب أن يكون قابلا للتحديد أو القياس و ذلك لتمييزه و فصله عن باقي الموارد الأخرى. و هذا التحديد أو القياس يعبر عنه غالبا بوحدات نقدية، و تستهدف عملية قياس الخدمات الاقتصادية المستقبلية المتدفقة من المورد، و أي مورد لا يمكن قياس الخدمات الاقتصادية المستقبلية بشكل مالي لا يمكن معاملته محاسبيا على أنه أصل.
في النهاية و ممّا سبق نرى أنّ المعايير الواجبة توافرها في الموارد الاقتصادية حتى يمكن اعتبارها أصلا من أصول المشروع تتوافر في الموارد البشرية، و لو من وجهة نظر المحاسبة و هذا بلا شك كفيل بالاعتراف بالموارد البشرية كأحد أصول المشروع و بالتالي إظهاره في القوائم المالية الخاصة بالمشروع.

ثالثا: وجهات النظر المؤيدة و المعارضة:

ممّا يسبق نجد أنّ محاسبة الموارد البشرية تهدف إلى توفير المعلومات و البيانات التي تساعد المنظمة على حساب تكاليف و منافع مواردها البشرية، ممّا يساعدها عل عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بالعاملين ، و في إطار ذلك عرضت الكثير من وجهات النظر المؤيدة و المعارضة نذكر منها:
1-وجهات النظر المؤيدة:
أ#- تقدم محاسبة الموارد البشرية معلومات هامّة و موثوق بها للجهات ذات العلاقة داخل و خارج المؤسسة، و خاصة أجهزة الرقابة الحكومية.
ب#- تساعد محاسبة الموارد البشرية المؤسسة على القيام بمسؤولياتها الاجتماعية و ذلك بالربط بين تحقيق الأهداف التنموية و الأهداف الإنتاجية.
ت#- تساعد الإدارة على توفير مناخ العمل الملائم لتنمية الموارد البشرية و تطوير قدراتها الابتكارية، إذ يساعد قياس الأصول البشرية على التعرّف على أحسن الطرق الدافعية و إقامة العلاقات السليمة بين الأفراد و الجماعات.
ث#- تساهم محاسبة الموارد البشرية في تحويل النظرة إلى العاملين، من أنّهم تكاليف إلى أنّهم أصول، و من تمّ تعمل على النمط القيادي الإداري المهتم بتنمية و تطوير الموارد البشرية.
ج#- تحقق محاسبة الموارد البشرية مزايا تخطيطية و رقابية مثل تقييم برامج التدريب و التنمية التي تقدمها الإدارة للأفراد.



وجهات النظر المعارضة:

تتمثّل وجهات النظر المعارضة في الآتي:
أ#- تحقق عكس ما قصدته و ذلك بمساعدة الإدارة على مزيد من الاستغلال بجهود الأفراد العاملين، حيث أنّ محاسبة الأصول تتضمن العمل على استهلاك الأصل بأكفأ طريق ممكن.
ب#- إنّ عملية و جمع و عرض وتحليل البيانات المتعلقة بالموارد البشرية تعدّ عملية صعبة و معقدّة، و ذلك لكثرة المتغيّرات التي تتناولها هذه البيانات و بالذات المتغيرات الإنسانية (السلوك ، الدوافع و الرضا) التي يصعب قياسها بشكل دقيق.
ت#- صعوبة التعامل مع قيمة الأصول الإنسانية و قياسها بشكل دقيق و إدراجها في الميزانية و ذلك لأنّها عرضة للتغيّر و تخضع لتأثيرات بيئيه عامّة قد تؤثر في تخفيض قيمتها و بشكل مستمر يصعب متابعتها.
ث#- عدم موازاة المنافع المتحصل عليها من استخدام محاسبة الموارد البشرية مع الكلفة المصروفة على جمع البيانات و إعداد الجداول و الموازنات.
ج#- من الصعوبة الإفصاح للأفراد العاملين في المنظمة بأنّهم يعاملون كالأصول الأخرى ، حيث أنّ مثل هذا الإفصاح يخلق ردّ الفعل السلبي الذي ينعكس بنتائج سلبية قد لا توازي الفائدة المتحققة من استخدام الموارد البشرية.

أهداف المحاسبة عن الموارد البشرية و وظائفها:

تسعى المحاسبة عن الموارد البشرية إلى بلوغ الأهداف التالية:
1. مساعدة الإدارة و الأطراف الخارجية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط و استخدام و رقابة الموارد البشرية.
2. توفر للإدارة معلومات عن التكاليف الفعلية لجلب الموارد البشرية و تنميتها سواء بإضافة موارد جديدة أو تطوير الموارد الحالية.
3. المساعدة في إعداد الموازنة التخطيطية لتكاليف الحصول على الموارد البشرية و تنميتها.
4. تساعد على استخدام الموارد البشرية المتاحة بكفاءة و فعالية.
5. تحديد قيمة الأفراد بالنسبة للمنشأة و ذلك بإيجاد مقاييس صالحة و موثوق بها.
6. تهدف المحاسبة عن الموارد البشرية إلى إعداد البرامج التدريبية اللازمة لرفع مهارات و قدرات الأفراد و ذلك بما تظهره من تكاليف هذه البرامج و العائد المتوقع مقابل ذلك.
7. مساعدة الإدارة في توزيع الأفراد على الوظائف المختلفة بشكل يؤدي إلى أفضل تخصيص ممكن و هذا يتطلب تحديد المعدل العائد من استخدام العامل في مختلف المناصب.
8. تحديد العائد الذي يحصل علية المشروع من رأس المال البشري و تقييم قرارات الاستثمار في القوى العاملة و ذلك بمقارنة التكلفة بالمنفعة لمختلف البدائل.
9. تحديد تغيّرات هيكل القوى العاملة بفعلة عوامل مثل تغيّر توزيع أعمار المستخدمين و أثر ذلك على المقدرة الايرادية و معدلات النمو.
10. تحديد الفرق بين القيمة العامّة و القيمة الخاصة للموارد البشرية ،حيث تتحدد القيمة العامة بمتوسط الأجور في الصناعة بينّما تتحدد القيمة الخاصة بهيكل في المشروع.