إن تغير الأحوال والظروف التي تمر بها الحياة الإنسانية وتغير العصور والأزمان وسرعة تقلبها ، كدخول العالم مرحلة ( عصر العولمة ) وتطور وسائل الاتصال والمواصلات وتغير نظم وطرق إنجاز الأهداف بدخول الحاسوب كعنصر أساسي في كل مناحي الحياة وكذلك دخول العالم في أعماق بحر من المعلومات ضمن شبكة الانترنت وتقارب المسافات بين أطراف الكرة الأرضية وتحولها الى قرية صغيرة ، كل ذلك وغيرة قد فرض أنماط جديدة من التعامل مع معطيات الحياة ومناحيها كافة ، وأكثر ما تأثر هو الجانب الإداري والقيادي لأنة هو وسيلة الإنجاز وتحقيق الأهداف ، وقد رأينا فيما سبق- وسنرى لاحقا- ،كيف أصبح العالم الجديد يفرض على القائد او المدير ان يتمتع بسمات ومميزات وخبرات لم يكن يحتاجها في السابق ،كل ذلك بسبب التطورات الهائلة في مجال إدارة الأفراد والأشياء وصولا إلى الأهداف المراد تحقيقها ، وهذا كلة بحد ذاته هو تحديات جديدة فرضتها ظروف العولمة والتطورات الهائلة التي تشهدها البشرية في كل شيء ، وسنستعرض فيما يلي بعضا من التحديات التي تواجهها القيادة الحديثة ، وسوف نقسمها الى عوامل تتعلق بالبيئة ( الداخلية والخارجية ) ، وعوامل تتعلق بالعاملين ، وعوامل تتعلق بالقائد نفسه ، وهي كما يلي:
1. البيئة:
ويقصد بها المحيط الذي يؤثر في المنظمة والقيادة والإدارة التي ترعى شؤونها وتديرها ،وهي عامل مهم وحيوي لا يمكن تجاهل تأثيراته او التغاضي
عنها وخصوصا في ظل معطيات العولمة وعصر المعلومات والاتصالات وتقارب المسافات ، والبيئة نوعان هما:
ا. البيئة المحلية (الداخلية):
ويمكن أن نقول أن البيئة الداخلية:
هي التي تتكون من الخصائص المادية والمعنوية التي تميز وحدات المنظمة الإدارية ومواردها البشرية والمادية والتي تميز الحضارة السائدة فيها، والقيم والعادات التي تحكم الممارسات الإدارية والفنية والإنسانية.([1])
لاشك أن الظروف المحلية القريبة من القيادة تلعب دورا كبيرا في فرض أنماط الممارسة والتصرف عليها من قريب أو بعيد، ويمكن تقسيم هذة العوامل والظروف إلى:

  • العوامل السياسية:

تلعب العوامل السياسية المحيطة بالقيادة دورا مهما في تحديد مسارها وتحديد أنماطها وتصرفاتها وأساليبها، فمثلا إذا كانت القيادة تعيش في محيط متوتر مليء بالأحداث والمعارك والحروب والمشاكل والاضطرابات، وكانت تعاني من عدم الاستقرار والاضطراب فان ذلك يحجب عنها وضوح الأهداف ويؤدي إلى تخلخل الخطط وعدم الاتزان في التفكير.... الخ مما يتسبب بعشوائية القرارات وتدني الإنتاج وعدم استقرار العاملين وانصرافهم عن الاهتمام بالعمل والإخلاص فيه، وعلى النقيض من ذلك فان الهدوء السياسي والاستقرار الاجتماعي وتوفر الأمن والأمان، وتوفر الأجواء المناسبة، يساعد القائد على اتخاذ قراراته بدقة وتروي، وكذلك فان اطمئنان العاملين واستقرارهم لة الدور الأكبر في نجاح القيادة وسيرها في الاتجاه الصحيح نحو الأهداف المرسومة وتنفيذ الخطط الموضوعة.
- العوامل الاجتماعية والثقافية:
تلعب العوامل الاجتماعية أيضا دورا كبيرا في السلوك القيادي للقادة فعندما تعيش القيادة في أجواء اجتماعية ملوثة مبنية على قواعد المحسوبية والواسطة، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهضم الكفاءات وعدم إعطائها حقها في التعيين والتوظيف، وعدم الاهتمام بالخبرات الفنية والعلمية، وسيادة النظم العشائرية والعائلية وتدخلها في عمل المنظمات، والقيم والعادات السائدة، وثقافة المجتمع التي تربى عليها...... الخ من المعوقات، فان ذلك سوف يضع القادة في وضع حرج ويولد لديهم شعورا بعدم الثقة من ناحية من يعملون تحت إمرتهم ويكون انعكاس ذلك كله على الإنتاج ويؤدي إلى تعثر السير نحو تحقيق الأهداف المتوخاه.
- العوامل ألاقتصاديه:
ولا تقل العوامل الاقتصادية في البيئة المحلية أهمية عن غيرها من العوامل ، فعندما تعيش القيادة ضمن أحوال اقتصادية سيئة مبنية على تراكم الديون ، وعدم توفر الموارد ، وندرة المدخلات المتعلقة بالإنتاج ، والتكلفة المالية العالية لكل ما يتعلق بالإنتاج ، وعدم توفر الأيدي العاملة الفنية والمهنية المدربة والاعتماد على الخبرات الأجنبية والتمويل الأجنبي ..... الخ ،فان ذلك سيؤثر على فعالية القرارات ، والى تردد القائد واضطرابه عندما يريد أن يتخذ قرارا بصدد أي أمر يتعلق بالمنظمة التي يعمل في إطارها ، مما يسهم في تراجع الأداء وتعثر التنفيذ .
ب. البيئة الخارجية:
تتكون البيئة الخارجية من المؤسسات والأفراد والقوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية التي تؤثر على المنظمة في حين أن المنظمة ليس لها تأثير عليها.(([2]
إن الظروف والعوامل الإقليمية والدولية لها الدور الأكبر في تحديد مسار المنظمات والأعمال التي تمارسها ، وخاصة في الوقت الحاضر الذي أصبح من الصعب على بيئة الأعمال الانفصال عن الظروف والمعطيات الإقليمية والدولية، وكما هو حال العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية التي لعبت الدور الأكبر في التأثير على القيادة ،فان الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية أيضا تلعب دورا بارزا في التأثير على مسار الإدارات والقيادات في أي بلد كان ، وان ما نشاهده ونسمعه من ظروف دولية يعيشها العالم تثبت صدق ما ذهبنا إلية ، فالحروب والاقتتال وتصارع القوى الاقتصادية المختلفة وتسابقها في الهيمنة والسيطرة واختلال موازين العلاقات الدولية ..... الخ،كلها عوامل ذات اثر فعال على أنماط ومسارات وأساليب وقرارات القادة والمدراء على اختلاف مستوياتهم واختلاف أنواع المنظمات التي يعملون بها .
فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي ودخول العالم إلى حقبة جديدة وتغير شكل النظام العالمي – أحادي القطبية- تغيرت أمور كثيرة في العالم، حيث انهار النظام الشيوعي الاشتراكي كقطب اقتصادي هام، وتحول الاقتصاد العالمي إلى الاقتصاد الحر ونظام السوق المفتوح الذي تحكمه الرأسمالية العالمية، وهذا بحد ذاته فرض مفاهيم جديدة على بيئة الأعمال، حيث أصبح تحقيق الربح السريع والوفير والسيطرة والهيمنة، وازدياد حدة المنافسة... الخ من المفاهيم هو الهاجس الأول لهذه البيئة وهذا يفرض أنماط جديدة ومتطورة ومختلفة من القيادة والإدارة تستطيع مجاراة الواقع المعاش وألا خسرت وضاعت في ظل هذة الأزمة العالمية ، حيث دخلت مفاهيم السرعة الفائقة في تبادل المعلومات وكذلك إتقان مهارات الاتصال والتواصل ، والقيادة الرشيدة ، والإحاطة العلمية التامة بكل تقنيات العصر ، ......الخ ، دخلت إلى بيئة القيادة / الإدارة الجديدة وفرضت نفسها عليها بقوة ، فشكل ذلك تحديا كبيرا للقائد والمدير يجب علية مواجهته بقوة .
إن التنافس الرهيب الذي فرضته الظروف الدولية الجديدة أيقظ من جديد موضوع التنافس والتسابق في الهيمنة على الموارد الأولية اللازمة لإدامة عملية الإنتاج كالنفط واليورانيوم ومصادر الطاقة المختلفة – ندرة الموارد- ، مما دفع بالقوى العظمى إلى البحث – من خلال الشركات المتعددة الجنسية التي تهيمن على الأنظمة السياسية – عن هذه الموارد في بقاع مختلفة من العالم ، فافرز ذلك ظروفا سياسية جديدة في العالم حيث اشتعلت الحروب وعاد العالم يشهد موجة استعمارية من نمط جديدة ....!!! .فادى ذلك كله إلى تحديات جديدة للقيادات والإدارات المختلفة في المناطق المتأثرة.
2.العاملين ( المرؤوسين ):
لقد سبق أن بينا أهمية المرؤوسين ودورهم في نجاح أو فشل القيادة أو الإدارة في عملها بالإضافة إلى دورها في تحديد نمط وأسلوب ممارسة القيادة والخطوات التي يجب على القائد او المدير السير عليها أثناء سيره نحو أهدافه المبتغاة .
إن ولوج العالم إلى عصر المعلومات وبسرعة هائلة فرض على المنظمات نوع جديد من العاملين، حيث لم تعد المهارات المتواضعة والمعرفة الأكاديمية السطحية ، والخبرة البسيطة،لم تعد ذات قيمة في عصر العلم والمعرفة والسرعة والإتقان ،وكذلك لم تعد المنظمات تعتمد على العامل غير الماهر القادر فقط على القيام بأعمال بسيطة متكررة والذي من السهل تدريبه ونقله من عمل لآخر، فالمهارات الفنية والمهنية العالية والتعليم الأكاديمي العالي ، وإتقان مهارات الاتصال والذكاء ، والبراعة في استخدام التقنيات الحديثة كالحاسوب والانترنت ، .....الخ كلها أصبحت ضرورات العمالة الحديثة .
ان وجود مثل هكذا عمالة أصبح يشكل بحد ذاته تحديا جديدا للقادة والمدراء على اختلاف مستوياتهم ، حيث أصبح من الواجب على القائد ان يتقن مهارات جديدة يتفوق بها على ما تملكه اليد العاملة تحت أمرته ، فلا يعقل أن يكون المرؤوس أفضل من رئيسة وابرع منة في استخدام المهارات العصرية وإتقان لغة العلم والعولمة والأرقام والحسابات في ظل بيئة سريعة التغير والاختلاف ،بالإضافة إلى أن نجاح المنظمات العصرية أصبح يتوقف على توافر الخبراء ذوي المعرفة المتخصصة في الإنتاج والتسويق والتمويل والذين يمتلكون المعرفة والخبرة التي من الممكن أن تسهم في وضع استراتيجيات ذات كفاءة وفاعلية في زيادة رضاء العميل عما تقدمه المنظمة من منتجات وخدمات، مما يشكل تحديا كبيرا للمنظمة ويدفعها نحو التنافس مع غيرها من المنظمات من اجل تحقيق النجاح والتفوق والوصول إلى الأهداف المرسومة ، ولا يتم هذا الأمر إلا بالقادة الناجحين والمدراء المتفوقين .
إن الثقافة العالية، والتبصر الدائم، والتعلم المستمر، هي كلها ضرورات أصبح لا غنى عنها للقائد، وألا تخلف عن قيادة منظمته وتفوق علية من هم دونه .
ويدخل في إطار هذا التحدي أيضا هروب العمالة الفنية والمدربة والأيدي العاملة الماهرة إلى خارج إطار المنظمة التي تعمل فيها بحثا عن وضع أفضل واستقرار أكثر ، سواء كان ذلك لأسباب مادية أو مهنية أو تأمينية أو أمنية – المقصود بالأمن هنا هو الأمن الوظيفي والمعاشي أكثر من أي نوع أخر من أنواع الأمن ، رغم أن كثيرا من العاملين يسعى لتحقيق متطلبات الأمن الشامل- وهذا ما تواجهه كثيرا من الدول النامية في إطار ما يسمى (بهجرة العقول أو الكفاءات النادرة ) ، مما يتسبب بخسائر اقتصادية واجتماعية عالية لمثل هذه البلدان ، لذا فان من واجب القيادة والإدارة الناجحة على كافة المستويات هو توفير ما تحتاجه مثل هذه القوى لضمان استخدامها في مجال المنافسة مع الآخرين ، والتي ازدادت حدتها وخاصة في العقود القليلة الماضية ، وخاصة إذا ما علمنا أن المنافسة تعدت مرحلة التنافس على السلع والمواد المنتجة لتشمل الإنسان وخصوصا الإنسان المدرب ، الماهر، الكفؤ، وألا فان عنصر المنافسة – الهام- لن يكون له وجود ، وهذا أمر في غاية الخطورة وخصوصا في ظل التغير السريع في كافة نظم العلوم والمعارف والاقتصاد وانفتاح الفضاء وتقارب أطراف الأرض وتحولها إلى قرية صغيرة يسهل التجول فيها .
3. الأهداف (الغايات ):
تشكل الأهداف والغايات- في هذا الوقت تحديدا- تحديا جديدا بداء بفرض نفسه على القيادات والإدارات التي تقود المنظمات ، حيث كانت الأهداف في الماضي تقتصر على مديات بسيطة ، وكان التخطيط لها سهلا لأنة لا يحتاج إلى بعد نظر كثير ليرى المخطط ما وراء الأكمة ، خاصة أن المنظمات ما كانت تعيش حاله المنافسة الشديدة التي تعيشها اليوم ، إضافة إلى أنها لم تكن تعاني من ندرة الموارد والمواد الأساسية ، ناهيك عن أنها لم تكن تحتاج إلى مهارات وخبرات وكفاءات كما تحتاجها اليوم ، ففي ظل هذا التطور الرهيب في نظم المعلومات والاتصالات وتطور الأجهزة الحاسوبية ووسائل الاتصال العالية التقنية ، بالإضافة إلى انقلاب النظام العالمي وتحوله إلى نظام اقتصادي أحادي القطبية رأسمالي التوجه ، هدفه تحقيق المزيد من الأرباح ، وغير ذلك الكثير من التغيرات التي أصابت الكون ، كلها فرضت على القادة والمدراء أشكالا جديدة من الأهداف والغايات التي يجب ان يتضمنها التخطيط للمنظمة ليتلاءم مع هذه البيئة الجديدة ، السمة البارزة لهذه الأهداف هو تحقيق الأرباح المادية أولا ، والتفوق والشهرة والتربع على قمة عرش مجتمع الأعمال ، وتحقيق أقصى درجات التفوق العلمي والتقني والمهنية والإدارية العالية ، مما يوفر بيئة خصبة ومناسبة للمنافسة مع الآخرين والتفوق عليهم .
إن القادة في ظل هذه الظروف يجب عليهم أن يواجهوا التحدي بالخبرة والمعرفة والمهارة والقدرة على التخطيط السليم الناجح الذي يراعي ويتلاءم مع معطيات العولمة ونظام السوق المفتوح والوضع العالمي الجديد بكل معطياته .
إن التحديات التي تواجه المنظمة كثيرة ومتنوعة ومتعددة ومتغيرة باستمرار ، فهي تتراوح ما بين العولمة بحد ذاتها كنظام حياة جديد ، وما تفرزه هذة العولمة من تحديات فرعية أخرى كالمنافسة، والندرة في الأيدي العاملة والمواد إضافة إلى الرغبة الجامحة لتحقيق المزيد من الأرباح والتفوق والنجاح ، لذا فان على القادة والمدراء أن يكونوا دائما في حالة من الاستعداد واليقظة لمواجهة هذا التغير بتغير أخر في حساباتهم ومعلوماتهم وثقافاتهم وفكرهم الإداري القيادي ، وإلا فان تحقيق الأهداف والوصول إلى الغاية المنشودة يصبح أمرا صعب المنال ، اما بالنسبة للقيادة العسكرية فإن المشاكل التي تواجها هذة القيادة تشبه في معظم النواحي تلك التي تواجه القيادات المدنية، كما أن المهارات والمعرفة التي ينبغي التسلح بها في هذه القيادة تشبه تلك التي تطلب من القيادات المدينة، إلا أن ظروف الخدمة العسكرية وطبيعة البيئة التي ينبغي للقائد العسكري أن يعمل فيها، تخلق وضعاً فريداً يستلزم أن ننظر إليه بمنظار خاص.([3])



[1]) ) للمزيد انظر: الموقع الالكتروني :www. Islamset .com تاريخ 13/2/2007 ( المدير الاستراتيجي) .

[2]) ) المصدر السابق .

[3]) ) للمزيد انظر جلال منزلاوي ، مصدر سابق .