عقدت أولاد الأرض ندوه حول دور النقابات العمالية في ظل سياسات الخصخصة والتي حضرها 80 عامل من 11 موقعاً عمالياً مختلفاً بالإضافة إلي 5 ممرضات
من مستشفي شبين الكوم التعليمي واللاتي حضرنا من اعتصامهن الممتد منذ 23 يوما، وعبر الحاضرون عن حجم المعاناة التي يتعرضون لها في تلك المواقع وعن عجز التنظيم النقابي بدءا من اللجنة النقابية ومرورا بالنقابة العامة وانتهاء باتحاد العمال وعجزهم عن مواجهة الأثار السلبية لسياسة الخصخصة وانحياز التنظيم النقابي الدائم والفاضح لأصحاب الأعمال والمستثمرين الامر الذي ادي علي حد تأكيدهم إلي استقطاع المزيد من حقوق العمال لصالح أصحاب الأعمال والإخلال الشديد بتوازن العلاقات في العملية الانتاجية والتي تتمثل في العمال والمنشأة وصاحب العمل.
في البداية تحدث عادل وليم المدير التنفيذي فأكد علي أن هدف تلك الندوة هو تقييم أداء النقابات العمالية في ظل سياسات الخصخصة وهل استطاعت بالفعل أن تعبر عن مصالح العمال وتدافع عن حقوقهم أم أنها كانت أداة استخدمها أصحاب الأعمال في مواجهة العمال ، فإذا كان التنظيم النقابي بشكله الحالي قد أعلن انحيازه الدائم لأصحاب الأعمال فما هو الحل ..!!
فهل يكون الحل في تشكيل نقابات مستقلة للعمال كما فعل العاملون بالضرائب العقارية أم أن هناك حلولا أخري يمكن طرحها مع خصخصة الخدمات
أكد الباحث عبد المولي اسماعيل في كلمته أنه يولي اهتماما خاصا بمحاولات الحكومة الدؤوبة نحو خصخصة الخدمات لأن ذلك يؤثر تأثيرا مباشرا علي العمال لأنهم إحدي الفئات بالمجتمع والتي سيقع عليها مثل غيرها من الفئات ما لخصخصة الخدمات من سلبيات، فعلي سبيل المثال فإن بلدا مثل أمريكا والتي تنفق 3.2 تريليون دولار علي خدمات التأمين الصحي ترتيبها العاشر علي المستوي العالمي في ذلك المجال وهو الأمر الذي دفع الرئيس أوباما إلي أن تكون أحد معاركه الأساسية هي إدماج المجتمع الأمريكي كله في التأمين الصحي، وذلك بإدخال العديد من الشرائح الاجتماعية في هذا النظام في مقابل خفض أرباح الشركات القائمة علي خدمات التأمين الصحي، هذا ما حدث في أمريكا الرأسمالية، غير أن رئيس الوزراء هنا بدلاً من أن يقتدي بما فعله أوباما قام بإصدار القرار رقم 637 لسنة 2007 والذي يقضي بتحويل هيئة التأمين الصحي إلي شركة قابضة أي خصخصتها، وأسند ذلك إلي الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحةعن خصخصة التأمين الصحي، بما يعني أن التأمين الصحي لم يعد يشمل سوي الرعاية الوقائية وأمراض الأسرة والطفل إما إجراء العمليات الجراحية فيجب علي المنتفع أن يدفع ثلث تكلفة العملية ومن حق وزير الصحة بقرار منه أن يرتفع بتلك النسبة، أما أمراض الكوارث مثل الفشل الكلوي والوباء الكبدي وغيرها من الأمراض فلم يعد للتأمين الصحي أي دور فيها بما يعني المزيد من التكاليف علي المريض إما يدفعها .. أو يموت، أما شركات الأدوية فقد تم خصخصتها أيضا مما أدي إلي ظهور نوعين من الدواء، الأول الدواء الشعبي الأقل تكلفة والأقل فاعلية، والثاني دواء الصفوة والذي ترتفع تكلفته في مقابل ارتفاع فاعليته، وفي ذات السياق امتنعت الحكومة عن دعم شركات الأدوية الوطنية وكأنها ترسخ ما في الواقع وتؤكده فالصحة للأغنياء وللفقراء الموت، والغريب أن وزارة الصحة في عهد حاتم الجبلي تخلت عن دورها تماما وأصبحت قطاعا للعقارات، واقع جديد يشهد عليه تحويل 80% من المستشفيات إلي أبراج سكنية بهدف الربح وأخرها نقل أكبر شركة لتجارة الأدوية وهي الشركة المصرية من موقعها الحالي بجوار معهد ناصر إلي موقع أخر في 6 أكتوبر وذلك لبناء أكثر من برج سكني علي أرضها بعد النقل، والأغرب أن دار الإفتاء قامت بإنشاء صندوق زكاة للصحة لغير القادرين حتي تتحول خدمات التأمين الصحي من حق أصيل للمواطن إلي هبة أو صدقة ..!
ويواصل عبد المولي حديثه قائلا “مياه الشرب ليست أفضل حالا، فبالرغم من أنها حق من حقوق الحياة لا يجوز الانتقاص منه إلا أنها تحولت في مصر في عهد الحكومات الأخيرة إلي سلعة خاضعة لسياسة السوق والعرض والطلب، ولم يكن غريبا أن يقوم المنتدي العالمي للمياه الذي عقد في مارسيليا في عام 2009 بتكريم الدكتور محمود أبو زيد وهو المنتدي الذي تموله الشركات العالمية الكبري والبنك الدولي وذلك لإسهامه في تحويل مياه الشرب إلي سلعة، واقع يشهد عليه تحويل الهيئة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي إلي شركة قابضة في عام 2004 مما أدي إلي تضاعف سعر مياه الشرب سنويا، إما بالنسبة للكهرباء والتي تنقطع يوميا في فصل الصيف فقد تضاعفت قيمة فاتورتها بشكل خطير لدرجة أن الكثير من الناس أصبحوا غير قادرين علي دفعها، واقع الحال يؤكد أن الخصخصة نوع من القرصنة، فالشركات تسعي إلي الاستيلاء علي أصول ولا تخلق أصولا جديدة، ليست هناك قيمة مضافة ولا تحقق حرية الاختيار للناس، والناس لم يعد لديهم قدرة علي الشراء، وأني أري أن خصخصة الخدمات لا تقل خطراً عن خصخصة المنشأت الصناعية …1

تنظيم نقابي فاقد الأهلية

وفي كلمته أكد هيثم محمدين المحامي أن الخصخصة نوع من القرصنة وليس من الغريب أن يكون الفساد ظلها، ويكفي أن المستثمر السعودي عبد الاله الكعكي والذي قام بشراء شركة طنطا للكتان بـ85 مليون جنيها أعلن أن ما دفعه تحت “الترابيزة” في تلك الصفقة يصل إلي 235 مليون جنيها ..!
ويكفي أن نشير أن هشاشة التنظيم النقابي في مصر ظهر جليا في أزمة شركة طنطا للكتان، فبالرغم من أن النقابة العامة للغزل والنسيج سمحت للعمال بالقيام بالإضراب إلا أنها انسحبت في منتصف الطريق ولم تقف مع العمال حتي النهاية، كما أن اتحاد العمال وقف عاجزا حيال تلك الأزمة، لآنه ببساطة فاقد الشئ لا يعطيه، ونظرة سريعة علي التنظيم النقابي في مصر تكشف ذلك، فالبنيان النقابي حسب القانون 35 لعام 1976 يقوم علي شكل هرمي يبدأ باللجنة النقابية في المصنع والمنشأة ثم النقابة العامة ثم الاتحاد العام، وقد تأسس الاتحاد العام لنقابات العمال في عام 1957 ويضم حتي الآن 1809 لجنة نقابية و24 نقابة عامة، والغريب أن اتحاد العمال يضم عضوية 3.8 مليون عامل في الوقت الذي يصل فيه عدد عمال مصر إلي 15 مليون عامل بما يعني أن هذا الاتحاد لا يعبر عن كل العمال بل علي جزء يسير منهم خاصة أن 1.4 مليون عامل ممن ينضمون للاتحاد يعملون في المهن الحرة وليسوا عمالا في منشأت صناعية، ومنذ انشاء الاتحاد العام في عام 1957 وهو يعد أحد أجهزة الدولة خاصة وأن الدولة كانت تقوم بتشغيل الناس وتحدد الأجور والترقي في السلم الوظيفي مع دعم السلع والخدمات ولم يكن مسموحا للعمال في هذا الوقت بالاحتجاج، وفي الثمانينات من القرن الماضي عدنا إلي الاقتصاد الحر وأخذت الحكومات المتعاقبة تقوم بتنفيذ سياسة الخصخصة وبيع شركات القطاع العام وذلك بعد تصفية منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكي إلا أنه لم يتم تصفية الاتحاد العام للعمال ولم يتم تغيير قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 وظل كما هو بالرغم من تغير علاقات العمل وتم إدخال بعض التعديلات عليه في عام 1994 إلا أنها كانت تعديلات تعمل علي ترسيخ القانون وليس تغييره فقد ظل الاتحاد العام للعمال جزء من جهاز الدولة، ويكفي أن نشير أن عشرين من رؤساء النقابات العامة أعضاء في الحزب الوطني كما أن حسين مجاور رئيس اتحاد العمال عضوا معينا في مجلس إدارة مجموعة شركات أسمنت السويس بما يخالف قانون النقابات العمالية بما يعني أن اتحاد العمال أصبح اليوم اتحاد أصحاب العمل، والغريب أن موارد اتحاد العمال تأتي من اشتراكات تستقطع من العمال بالرغم من أن العضوية اختيارية بالإضافة إلي الغرامات التي تحصل من أصحاب العمال والهبات والتبرعات، ويتم توزيع ما تم تحصيله من اشتراكات العمال كالتالي، 10% للاتحاد العام، 25% للنقابة العامة 5% احتياطي قانوني، 60% للجان النقابية، وبالرغم من أن قانون النقابات يسمح للعمال من أي منشأة صناعية مما يزيد عددهم عن 50 عاملا بتكوين لجنة نقابية إلا أن ألاف المصانع في العاشر من رمضان علي سبيل المثال ليس بها لجان نقابية بما يعني أن اتحاد عمال مصر ليس مظلة لكل العمال، بل إنه أصبح مظلة لأصحاب العمل يقوم بالدفاع عنهم في مواجهة العمال، حتي أن بعض العمال أكدوا أنهم حين ذهبوا إلي اتحاد العمال لإنشاء لجنة نقابية رفض طلبهم بل قام الاتحاد بإبلاغ صاحب العمل الذي قام بدوره بالتعنت معهم، خلاصة القول، فإن التنظيم النقابي في مصر هو تنظيم حكومي في المقام الأول ولا يعبر إطلاقا عن عمال مصر وأنه من الطبيعي أن يكون عاجزا فيمواجهة سياسات الخصخصة وسلبياتها التي اقتطعت الكثير من حقوق العمال في مصر ..!

تنظيم نقابي غير شرعي

ويقول النقابي العمالي سعود عمر رئيس المنتدي الديمقراطي بالسويس أن أي تنظيم نقابي لا يتوافق مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية هو تنظيم غير شرعي، وبالتالي فإن المنظمات العمالية المصرية التي قامت علي غير المعايير الدولية لا يمكن أن تعبر تعبيرا حقيقيا عن العمال أو تدافع عنهم في مواجهة سياسات الخصخصة والرأسمالية المتوحشة، ففي المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية والذي عقد في 17 يونيو عام 1948 في دورته الحادية والثلاثين تم اعتماد الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم، فقد أكدت المادة الثانية في تلك الاتفاقية علي أن للعمال وأصحاب العمل دون تمييز الحق في إنشاء ما يختارونه من منظمات ولهم ذلك دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية الحق في الانضمام إلي تلك المنظمات، وذلك دون ترخيص مسبق، وأكدت المادة الثالثة علي أن لمنظمات العمال وأصحاب العمل حق وضع دساتيرها وأنظمتها وانتخاب ممثليها في حرية تامة وعلي السلطات العامة أن تمتنع عن أي تدخل من شأنه أن يحد من هذه الحقوق أو يحول دون ممارستها المشروعة، في حين أفصحت المادة الرابعة عن أنه لا يجوز أن تخضع منظمات العمال وأصحاب العمل لقرارات الحل أو وقف العمل التي تتخذها سلطة إدارية، كما أجازت المادة الخامسة حق تكوين اتحادات واتحادات تحالفية والانضمام إليها كما لكل منظمة أو اتحاد حق الانتساب إلي منظمات دولية للعمال وأصحاب العمل، وفي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي تم التصديق والتوقيع والانضمام إليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 16 ديسمبر عام 1966 فقد نصت المادة الثامنة علي حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلي النقابة التي يختارها دونما قيد سوي قواعد المنظمة المعنية، ولا يجوز إخضاع هذا الحق لأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي، كما يحق للنقابات إنشاء اتحادات أو اتحادات تحالفية قومية، وحق هذه الاتحادات في تكوين نقابية دولية والانضمام إليها، ويحق الاضراب شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني، غير أن هذا لا يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة في عام 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية ..!
ومن المدهش أن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية الاجتماعية والذي وقعت عليه مصر أكد في مادته السابعة علي أن تعترف الدول الأطراف في هذا العقد بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل علي وجه الخصوص أجرا منصفا للعمال ومكافأة متساوية تساوي قيمة العمل دون تمييز، علي أن يضمن للمرأة تمتعها بشروط عمل لا تكون أدني من تلك التي يتمتع بها الرجال، علي أن تضمن الدول الأطراف عيشا كريما للعمال لهم ولأسرهم طبقا لأحكام هذا العهد وظروف عمل تكفل السلامة والصحة، وتساوي الجميع في فرص الترقية، داخل عملهم دون إخضاع ذلك إلا لاعتبار الأقدمية والكفاءة، كما تضمن الاستراحة وأوقات الفراغ للعمال، والتحديد المعقول لساعات العمل، والأجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية، ومن المؤكد فإن المتأمل لتلك الحقوق التي عصفت بها سياسات الخصخصة سيدرك أن التنظيمات النقابية المصرية التي أنشأت علي غير المعايير الدولية هي تنظيمات هشة وعاجزة عن الدفاع عن تلك الحقوق، فما بني علي باطل هو باطل وهذا الاتحاد الحكومي لا يمكن أن يكون درعا لعمال مصر في مواجهة الخصخصة لأن الجلاد لا يمكن أن يصبح قاضيا ..!

لايفل الحديد إلا الحديد

وفي كلمته أكد أحمد سيف الإسلام مدير مركز هشام مبارك “أن النقابات العمالية والاتحاد العام للعمال لا يعبر بتنظيمه الحالي عن عمال مصر، ولكنه يعبر عن أصحاب الأعمال في المقام الأول، لذلك فإنه من الضروري أن نؤكد أن هذه التنظيمات العمالية غير قادرة علي مواجهة سياسات الخصخصة وتأثيرها السلبي علي عمال مصر، وإذا أخذنا في الاعتبار أن النقابات والاتحاد العام هي تنظيمات نقابية غير شرعية لأنها لم تنشأ حسب المعايير الدولية التي أقرتها المعاهدات والمواثيق العالمية فإنه يصبح من العبث أن ننادي بتغيير قانون النقابات العمالية المعيب رقم 35 لسنة 1976 وأن علي العمال أن يفرضوا واقعا جديدا مبنيا علي المعايير الصحيحة وتعترف به المنظمات العالمية، وأولي هذه الخطوات هي انسحاب العمال من عضوية النقابات واتحاد العمال وعدم دفع الاشتراكات حتي نضع هذا الكيان الهش في مكانه الصحيح وأنه لا يعبر سوي عن أعضاء مجلس إدارته فقط، وثاني هذه الخطوات هي إنشاء نقابات مستقلة علي نسق نقابة الضرائب العقارية المستقلة وأن توجه اشتراكات العمال إلي تلك النقابات، وثالث تلك الخطوات أن تتحالف النقابات المستقلة وتقوم بانتخاب أعضاء اتحاد عمال مصر المستقل، فرض الواقع الجديد علي الأرض هو الحل فلا يفل الحديد إلا الحديد، نقابات مستقلة، واتحاد عمال مستقل، سيؤدي بالضرورة إلي تنظيم قوي قادر علي الدفاع عن حقوق العمال في مواجهة سياسات الخصخصة التي أتت علي الأخضر واليابس.