يمر العالم الآن بنهضة إنتاجية ضخمة فيما يتعلق بالمجال الصناعي؛ فكما هو معروف لنا أن الإنتاج قديمًا كان حرفيًا بشكل كبير، وكان معظمه يقتصر على العمل الزراعي الذي لم يلبث أن تحول بعد ذلك للعمل الصناعي اليدوي القائم على المجهود العضلي المصحوب بمعاونة الآلات أو المعدات البسيطة، ثم جاء التحول للتصنيع الأوتوماتيكي بمساعدة أساليب التكنولوجيا المتقدمة سواء في أساليب الإنتاج نفسها أو في نوعية الميكنة المستخدمة مما أدى إلى الاتجاه نحو نظم الإنتاج الكبير بوفرته الاقتصادية المعروفة بصحبة تلاحم كل من الجهد البشري والآلة Man –Machine System.، لهذا عزيزي القارئ سنتعرف سويًا على إدارة الإنتاج وما هي وظائفها.
أولًا: ما هي إدارة الإنتاج؟
قبل التعرض لموضوع إدارة نشاط الإنتاج يحسن إيضاح بعض المفاهيم التي لها صلة مباشرة بهذا النشاط، والتي في مقدمتها كل من:
- الإنتاج Production:
هو نتاج العناصر أو القوى التي تستخدم ( المدخلات ) في عمليات التشغيل، والتي تتمثل ببساطة في كل من القوى البشرية ( العمال) والمادية ( رأس المال المستثمر في عناصر الأصول الثابتة والمتداولة المختلفة) خلال فترة زمنية معينة.
هذا بخلاف تعبير الإنتاجية Productivity التي كثيرًا ما يحدث بينها ويبن تعبير الإنتاج خلط؛ فهي لا تخرج في مفهومها عن كونها ذلك المعيار الذي يستخدم في قياس حجم نتاج ( المخرجات) جملة العناصر التي قد أسهمت في تحقيق هذا الناتج، أي أن الإنتاجية مجرد ذلك المقياس الذي يقيس مدى العلاقة التناسبية بين المخرجات والمدخلات.
- المنتج Product:
وهو الناتج النهائي لعملية التشغيل، وهو قد يكون سلعة مثل قلم أو سيارة أو رغيف خبز، وقد يكون خدمة مثل بث معلومة مفيدة للآخرين أو تقديم تيسيرات مصرفية أو تأمينية أو علاجية للأفراد.
وهذا المنتج ليس بالضرورة أن يكون في صورته النهائية حتى يستفيد منه المستهلك وذلك لاقتصار خضوعه لواحد أو أكثر من مراحل الإنتاج دون بلوغ حالته النهائية مما لا يجعله صالحًا للاستخدام النهائي، وعندئذ يطلق عليه في مثل هذه الحالة ( منتج تحت التصنيع)، وهو في تلك الحالة لا يسوق إلا للمستهلك الصناعي باعتبار أن الأخير يعد مثل هذا المنتج بمنزلة مادته الخام لنشاطه الذي سيمارسه عليه مزيدًا من العمليات التشغيلية حتى يصل به إلى الصورة الإنتاجية النهائية، وهكذا.
ولعل المثل التطبيقي على ذلك ألواح الصاج التي يمكن أن تدخل في العديد من المصنوعات بعد أن تعد بحسب المواصفات المطلوبة من قبل المصانع المختلفة، أو إنتاج البترول الخام الذي لا يصلح استخدامه بصورته الخام كوقود للسيارات، أو القطن الخام الذي لا يصلح للاستخدام ككساء إلا بعد اجتيازه لعدة مراحل صناعية.
- عمليات الإنتاج Operations:
يقصد بالعميات سلسلة إجراءات التشغيل التي تجري على المادة أو المواد لأغراض تحويلها من صورتاه الأولية إلى صورتها الإنتاجية المطلوبة.
وهذا التشغيل هو أساس الإنتاج الذي يقوم على تضافر كل من: مستلزمات الإنتاج وعمليات التشغيل في ظل تقنيات الأداء الواجبة مكونة فيما بينها ما يعرف ( بمنهج تكنولوجيا صناعة المنتجات )، والذي يرمز له بالاختصار P.O.T. rules كإشارة لهذه المكونات الثلاثة.
وهكذا نصل من جملة المفاهيم التمهيدية المتقدمة إلى مفهوم عام عن وظيفة الإنتاج بأنها: ذلك النشاط الذي يختص بعملية خلق السلع أو الخدمات من خلال إجراء تغيرات في شكل مواصفات ( مدخلات الإنتاج ) بما يتفق ورغبات واحتياجات المستهلكين الحاليين والمرتقبين.
وبلغة النظم يمكن تعريف هذه الوظيفة ببساطة بأنها: ذلك النشاط المسؤول عن تحويل المدخلات لمخرجات نهائية، كما هو موضح بالشكل التالي:
نظام الإنتاج

يقول د. عبد الستار محمد العلي: ( تعتبر إدارة الإنتاج العامل المحفز لتفاعل موارد الإنتاج كالمواد الأولية والخامات المختلفة والقوى العاملة والمعدات المكائن المتنوعة بالإضافة إلى الأموال، ولغرض تحديد مفهوم إدارة الإنتاج ..، لابد وقبل كل شئ من تحديد مفهوم الإنتاج، إن مفهوم الإنتاج هو ( مجموعة الأنشطة والفعاليات المتعلقة بالعملية التكنولوجية التي تؤدي إلى إجراء تغيير أو تحوير شكل المادة إلى شكل آخر مقصود ( سلعة ) وفق المواصفات المحددة بواسطة عمليات معينة تسمى أنظمة العمليات )، إن إنتاج السيارة مثلًا عبارة عن مجموعة من العمليات الإنتاجية المتنوعة والتي تؤدي إلى تغير وتحوير المواد الأولية للحصول على الأجزاء المصنعة والمكونات الداخلة في السيارة كالمكابس والمسننات وغيرها، ويتم تجميع هذه الأجزاء والمكونات من خلال العمليات التكميلية والتجميعية اللاحقة لها وبالتالي الحصول على السيارة كمنتج نهائي ).
وتعرف د. سونيا محمد البكري إدارة الإنتاج والعمليات بأنها: ( هي تلك الإدارة المسئولة عن تصميم وتشغيل والرقابة على أنشطة النظم الإنتاجية، وذلك عن طريق القيام بمجموعة من الأنشطة الإدارية من تخطيط وتنظيم وتوجيه وتنمية الكفايات البشرية ورقابة لجميع أنشطة النظم الإنتاجية، وهو هذا الجزء من التنظيم المسئول عن تحويل مجموعة معينة عن المدخلات إلى مخرجات سواء في شكل سعل أو خدمات، والأنشطة الخاصة بالنظام الإنتاجي تختلف عن الأنشطة الأخرى في التنظيم والخاصة بالتمويل والتسويق).
ويقول د. أحمد محمد غنيم: ( إدارة الإنتاج والعمليات هيمنة فئة من الأفراد ( أو فرد واحد ) في المنظمات على اختلاف أنواعها وأحجامها ومهما اختلفت منشؤها أو طبيعته نشاطها على أعمال الأفراد الآخرين من خلال ممارسة وظائف التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة لتحويل مجموعة من المدخلات، إلى المخرجات عن طريق عمليات التحويل المختلفة، وذلك بغيرة تحقيق الأهداف الإنتاجية المرجوة ).
ويقول ميشيل أرمسترونج: ( تعد إدارة الإنتاج والعمليات هي المسئولة عن كل الأنشطة التي تهتم بصنع منتجات التنظيم، فهي تنظم عملية أخذ المواد الأولية وتحويلها إلى منتجات ترضى طلب العميل ).
ثانيًا: أهداف إدارة الإنتاج والعمليات:
تسعى إدارة الإنتاج والعمليات شأنها في ذلك شأن الوحدات الإدارية الأخرى بالمنظمة إلى تحقيق العديد من الأهداف، وبصفة عامة فإنه يمكن حصر أهم هذه الأهداف فيما يلي:
1-تحقيق الرضا للمستهلكين والعملاء:
يسعى النظام الإنتاجي أساسًا إلى إنتاج السلع أو تقديم الخدمات التي يتطلبها ويرغبها المستهلكون والعملاء، وبناء على ذلك فإن إدارة الإنتاج والعمليات تضع على عاتقها أولًا السعي نحو إنتاج السلع المطلوبة أو تقديم الخدمات المرغوبة من هؤلاء المستهلكين أو العملاء بالكميات المطلوبة وفي الوقت المناسب، وبالجودة المطلوبة وبأحسن وأرخص الطرق، وذلك حتى يمكنها تحقيق استمرارية رضاء المستهلكين والعملاء عن المنظمة وما تنتجه من سلع أو ما تقدمه من خدمات.
2-تدعيم المركز المالي للمنظمة:
يأتي هذا التدعيم من خلال قيام إدارة الإنتاج والعمليات بترشيد التكاليف الخاصة بالمنظمة سواء كانت هذه التكاليف متعلقة بعمليات الإنتاج نفسها، أو ببعض النفقات والمصروفات المتصلة بهذه العمليات، حيث يمكنها العمل على خفض تكلفة الوحدة من السلع أو تقديم هذه الخدمة أما من خلال زيادة كفاءة استخدام كل عنصر من هذه العناصر عن طريق توفير كمية الخامات المتسخدمة وتخفيض نسب التكاليف والعادم والفاقد من هذه الخامات، أو من خلال شراء المواد الخام المطلوبة، أو من خلال ترشيد القرارات الإنتاجية بصفة عامة كقرارات شراء الآلات والمعدات الرأسمالية، وعدم التوسع في خطوط الإنتاج وغير ذلك من القرارات.
وفي ضوء ذلك فإنه يمكن القول أن إدارة الإنتاج والعمليات تعمل على تدعيم المركز المالي للمنظمة من خلال ترشيد الإنفاق، مما يمكن من أداء العمليات الإنتاجية بكفاءة وفعالية، الأمر الذي يترتب عليه في النهاية تحقيق وفورات في التكاليف تساهم في زيادة ربحية المنظمة وزيادة معدل العائد على رأس المال المستثمر فيها.
3-تدعيم المركز التنافسي للمنظمة:
تسعى إدارة الإنتاج والعمليات إلى تدعيم المركز التنافسي للمنظمة حيث يترتب على تخفيض تكاليف الإنتاج الكلية، تمكن المنظمة من مواجهة المنظمات المنافسة لها، فتستطيع بيع منتجاتها بأسعار أقل من الأسعار التي تباع بها منتجات تلك المنظمات.
كما يمكن لإدارة الإنتاج والعمليات أيضًا تدعيم المركز التنافسي للمنظمة من خلال مساهمتها في تدعيم علاقتها مع جماهيرها المختلفة من عملاء وموردين ... إلخ، بحيث تتكون للمنظمة صورة طيبة في أذهان هذه الجماهير.
4-زيادة إنتاجية المنظمة:
تعتبر الإنتاجية والعمل على زيادتها من أهم الموضوعات التي استحوذت على الاهتمام في الدول والمنظمات المعاصرة، خاصة بعد ظهور الكثير من العوامل والمتغيرات البيئية التي أصبحت تسيطر على هذه الدول والمنظمات وتفرض عليها الكثير من التحديات، مما استوجب هذا الأمر من هذه الدول والمنظمات ضرورة العمل على زيادة إنتاجيتها باعتبارها أحد المقومات الأساسية لمواجهة هذه التحديات.
وختامًا:
عزيزي القارئ، بعدما وضحنا تعاريف إدارة الإنتاج والعمليات، وكيف تساهم في نجاح المنظمات والشركات، وما هي أهداف تلك الإدارة، يبقى لنا أن نتعرف على دورة حياة المنتج، وهذا ما سوف نعرفه في المقال القادم بإذن الله.
المراجع:
1- إدارة الإنتاج والعمليات، د. عبد الستار محمد العلي.
2- إدارة الإنتاج والعمليات، د. سونيا محمد البكري.
3- إدارة الإنتاج والعمليات، د. أحمد محمد غنيم.
4- تقنيات الإدارة، ميشيل أرمسترونج.
5- مبادئ إدارة الأعمال، أ.د. أحمد بن عبد الرحمن الشميمري، أ.د. عبد الرحمن بن أحمد هيجان، د. بشرى بنت بدير المرسي غنام.

بقلم: محمد أحمد العطار