العمل الجماعي ونجاح المؤسساتة تحديات.. وإشكاليات

* إعداد أمجد الجباس
تمثل جماعة العمل عنصرا هاما من عناصر استقرار المؤسسات، وأسرار نجاحها، وبلوغها غاياتها، وأداء رسالتها، لأنها تشكل بوتقة للجهود الفردية، وتمازجا لآراء الأفراد، ومن ثم تسهم بشكل فعال في تحقيق أهداف منظمة العمل. وتسهم جماعة العمل في تقديم مجموعة من المبادئ والأسس والإرشادات المتعلقة بالعمل الجماعي وسبل تطويره، وتلمس النجاح من خلال انتهاج هذا النمط من وسائل العمل.
إن المهام التي تقوم بها أي منظمة للعمل، والتي لا تستطيع أن تستمر وتنهض وتنمو إلا بأدائها، لا تتم بشكل فردي ولكن في إطار جماعي، فلا يمكن تخيل إدارة للمبيعات أو التسويق أو الشؤون المالية في أي من منظمات الأعمال يكون قوامها فرداً واحداً، بل من المعتاد أن تتكون أي إدارة من مجموعة أفراد يتعاونون فيما بينهم لتحقيق أهداف المنظمة التي ينتمون إليها وأداء رسالتها، وهذه الأهداف تختلف بالطبع من جماعة لأخرى داخل نفس المنظمة، حسب طبيعة عمل كل إدارة ووفقا للمهام المنوطة بها.
المهام والآليات
والعمل الجماعي على أهميته، يثير إشكاليتين رئيسيتين، تتصل أولاهما بطبيعة المهمة المنوطة بالجماعة، وتتصل الثانية بالآليات التي يتعين إتباعها من أجل إنجاز هذه المهمة، وكيفية تسيير العمل داخل الجماعة بحيث تبدو كوحدة متجانسة.
وعلى الرغم من أن عملية تشكيل الجماعات وتحقيق التجانس بين أعضائها تستغرق وقتا وجهدا كبيرين، إلا أن الأثر الإيجابي المتحقق من إتمام هذه الخطوة على نحو جيد يستحق الوقت والجهد المبذولين فيه، حيث ان التشكيل الجيد للجماعات هو الخطوة الأولى نحو نجاح أهداف المنظمة. والمقولة التي ينطلق منها هذا المقال هي أن الجماعة لا بد أن ينظر إليها باعتبارها موردا هاما ضمن موارد المنظمة، وبالتالي يتعين على المنظمة أن توالي هذا المورد مثل غيره من الموارد الأخرى المتاحة لديها بالعناية والرعاية، لأنها هي إحدى المهام الرئيسية التي يتعين على المنظمات القيام بها بحيث تصير من المهام المعتادة التي تؤديها المنظمات.
تعريف جماعة العمل
إن تواجد مجموعة من الأفراد في غرفة واحدة أو اشتراكهم في إتمام مشروع ما لا يعني بالضرورة أنهم ينتمون إلى مجموعة واحدة، لكن الذي يجعلهم ينتمون لمجموعة واحدة هو وجود حد أدنى من التنسيق والتعاون فيما بينهم والاتفاق على مجموعة من الآليات التي بها يتم تسيير العمل. وبذلك فإن توافرت هذه العناصر في مجموعة من الأفراد تفصل بينهم مئات الأميال فهم يشكلون جماعة إذن، بحيث يكون عمل كل فرد منهم داعما مكملا لعمل الآخر بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين الأداء ورفع الإنتاجية، وهذا هو الهدف الرئيسي من العمل الجماعي.
الحاجة إلى العمل الجماعي
إن العمل الجماعي يوفر فرصة جيدة للاستفادة من كافة المهارات والخبرات التي يتمتع بها الأفراد العاملون في المنظمة، لا بشكل فردي ولكن بصورة جماعية تسهم في التنسيق بين هذه المهارات والقدرات بما يعزز قدرة المنظمة على مواجهة التحديات التي يمكن أن تواجهها أثناء العمل، بفضل التمكين لمهارات وخبرات العاملين من أن تبرز وتتكامل مع بعضها البعض، حيث يمثل العمل الجماعي فرصة لاستغلال الموارد البشرية المتاحة لدى المنظمة بشكل أمثل.
فضلا عن ذلك، فإنه يمكن النظر إلى كل جماعة باعتبارها وحدة مستقلة ذاتيا، فكلما كانت مهارات أفراد الجماعة رفيعة، زادت قدرة الجماعة على التحكم الذاتي في أعمالها، وكان من السهل تفويض المسؤولية إلى مثل هذه الجماعات، وهو الأمر الذي يحقق مرونة أعلى في أداء الأعمال وسرعة في الاستجابة للتغيرات والمواقف الفجائية التي يمكن أن تحدث أثناء العمل.
ولا يقتصر دور العمل الجماعي عند هذا الحد، بل إن تطوير هذا العمل الجماعي في أي منظمة لا بد أن يؤدي على المدى البعيد إلى تطوير قدرة الفرد عضو الجماعة نفسه على تحقيق أهداف المنظمة، والتصرف على نحو إيجابي وبما يتفق وأهداف المنظمة في المواقف ذات الطابع المفاجئ. بما يجعل الفرد نفسه متلقياً جيداً لتفويض المسؤولية.
مراحل تطوير العمل الجماعي
تمر عملية تطوير العمل الجماعي (وليس تشكيل الجماعات) بأربع مراحل أساسية، تبدأ بتشكيل الجماعات وتنتهي بالاتفاق على أسس ومعايير محددة لسير العمل وتوزيع الأعباء والمهام والواجبات بين الأفراد الذين ينتمون للجماعة وتمثل المرحلة الأولى مرحلة تشكيل الاجتماعات الأولى، حيث يكون كل فرد حريصا على التعرف على الآخرين، وتعريفهم بنفسه على نحو إيجابي، ولذا فتكون الأصوات هادئة والاختلافات محدودة.
في المرحلة الثانية: مرحلة العصف الذهني، يبدأ كل فرد في التعبير عن رأيه بصوت مرتفع، حيث تبدأ تتضح ملامح شخصية وآراء كل فرد داخل الجماعة وتعلو الأصوات خلال الاجتماعات، لا أحد ينصت للآخر، الاتصال مفتقد بين أعضاء الجماعة.
ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة التوافق: حيث تبرز روح التعاون بين أعضاء الجماعة الذين يكتشفون في هذه المرحلة مزايا العمل الجماعي، فيبدؤون في نبذ الخلافات فيما بينهم، ويعبر كل منهم عن رأيه بكل حرية، ذلك الرأي الذي تتم مناقشته في إطار الجماعة، ويصبح الإنصات إلى آراء الآخرين السمة الغالبة على أفراد الجماعة.
وأخيرا تأتي مرحلة الاتفاق: وهي المرحلة التي ينتهي فيها أفراد الجماعة إلى الاتفاق على أطر محددة لتسيير العمل داخل منظومتهم، وعلى الآليات التي سيتم بها تبادل الرأي بين أفراد الجماعة.
مهارات العمل الجماعي
لضمان حسن سير العمل داخل الجماعة، يتطلب الأمر توافر مجموعتين أساسيتين متلازمتين الأولى تتضمن المهارات الإدارية اللازمة لتسيير عمل الجماعة (تنظيم الاجتماعات، توزيع المهام.، تقديرات الميزانية، والتخطيط الاستراتيجي)، والمجموعة الثانية تشمل المهارات المتصلة بإدارة العلاقات بين الأفراد داخل الجماعة (تحديد القواعد التي تحكم تعامل الأفراد مع بعضهم البعض داخل الجماعة).
موجهات العمل الجماعي
وتعتمد عملية تطوير العمل الجماعي بشكل كبير على الآتي:
التركيز: أعضاء الجماعة في حاجة دائمة أثناء مرحلة التشكيل لأن يضعوا نصب أعينهم الجماعة والمهمة التي تشكلت من أجلها، فإن كان هناك قرارلا بد من اتخاذه، فإن الجماعة هي التي تتخذه.
الوضوح: منذ بدء العمل الجماعي لا بد أن تكون المهمة التي تشكلت الجماعة من أجل القيام بها واضحة في أذهان الجميع، فيما يمكن أن يطلق عليه بيان المهمة. هذه المهمة سوف تكون محورا لعملهم، ومن الممكن أن تطرأ عليها أية تعديلات، لكن من المهم أن يكون الجميع على دراية بهذه التعديلات.
المشاركة الجماعية في العمل واتخاذ القرار: لضمان مشاركة ومساهمة كل فرد يتعين على الجماعة أن تحفز كل عضو فيها على المشاركة في المناقشات وفي اتخاذ القرار، كما أن عليها من الجانب الآخر أن تحد من تسلط البعض واستحواذه على جانب كبير من المناقشات.
توثيق القرارات: إن أي أمر تتفق عليه الجماعة أو قرار تتخذه سوف يضيع سدى إذا ما لم يتم تعريف كل أفراد الجماعة وتذكيرهم به، ولذا من الممكن أن يتم وضع لوحة كبيرة ظاهرة لكل أعضاء الجماعة تسجل عليها القرارات التي تم اتخاذها.
التقييم الإيجابي: إن عملية تقييم الأعمال التي يتم القيام بها من جانب أي فرد من أفراد الجماعة أمر هام للغاية، فسواء كان التقييم بالسلب أو بالإيجاب لا بد أن يأخذ التقييم نفسه شكلا إيجابيا بحيث يسهم في دعم العمل داخل الجماعة لا في تقويضه. لذا يجب أن ينصب التقييم على المهمة ذاتها لا على الفرد الذي قام بها.
التعامل مع الفشل: من الوارد أن تفشل الجماعة في تحقيق أي من أهدافها أو في أداء أي من المهام الموكلة إليها، ومن الخطورة التجاوز عن الفشل والمرور عليه مرور الكرام كأن شيئا لم يكن.
المعالم الرئيسية: في كل عمل جماعي يكون من بين عناصر التحفيز لفريق العمل أن يتم تحديد معالم رئيسية يقاس بها تقدم سير العمل في المشروع.
تفادي الحلول الفردية: عند مواجهة أي مشكلة لا بد أن يتم العمل بشكل جماعي بمشاركة كل أفراد الجماعة، بحيث تسهم مناقشات أفراد الجماعة في التعرف على البدائل المختلفة للتعامل مع المشكلة المثارة.
التواصل الجيد: حرص أعضاء الجماعة على التواصل فيما بينهم بشكل جيد.، يضمن تبادل الأفكار والمعلومات والاقتراحات على النحو الذي يحول دون وقوع أي حالات من سوء الفهم، سواء فيما يتصل بمهمة الجماعة أو سبل تنفيذ هذه المهمة.